مع التسليم بمبدأ العقاب، إلا أن الاختلاف يبدأ عند الحديث عن وسائل هذا العقاب، فعقاب الأبناء مسألة مهمة وشائكة في آن واحد.
قبل أن تفكري في العقاب
عندما تفكري في عقاب إبنكِ، تذكَّري أنّ طفلك بحاجة إلى لمسة حنان من أمّه وأبيه ومن حوله،
ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة،
ففي حديث رواه النسائي عن أنس رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يزور الأنصار، ويسلّم على صبيانهم، ويمسح رؤوسهم”.
وروى الطبراني عن جابر رضي الله عنه قال:
دخلنا على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يمشي على أربعة (أي على يديه ورجليه)
وعلى ظهره الحسن والحسين، وهو يقول: “نعم الجمل جملكما ونعم العِدلان أنتما”.
كما رَوى الترمذي وغيره عن عبدالله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما قال:
“رأيت النبي صلى الله عليه وسلَّم يخطب، فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران،يمشيان ويعثران،
فنزل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فحملهما ووضعهما بين يديه، ثم قال:
إنَّما أموالكم وأولادكم فتنة” نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي، ورفعتهما”.
فحين يستيقظ طفلك في الصباح لاتترددي في المسح على رأسه، وقبل أن يغادر طفلك البيت إلى المدرسة، ضمّيه إلى صدرك بحنان،
وحين يعود إلى البيت، قبّليه وأنت تسألينه عمَّا فعل في مدرسته اليوم.. وقبل أن يذهب إلى النوم ليلاً ضمّيه إلى صدرك وقبّليه.
الطفل بحاجة إلى العطف والرحمة واللين والمحبة، فإذا حُرم الطفل من هذه الحاجات في صغره يكون في المستقبل إنساناً قاسياً في معاملته للنَّاس.
ويكاد يُجمع علماء النفس على أنّ تقبيل الوالدين للطفل من الأمور التي تؤدِّي إلى النمو السليم، وأنّ نبذ الوالدين له يؤدِّي إلى سوء توافقه.
– مراعاة طبيعة الطفل المخطئ عند معاقبته
فكما يتفاوت الأطفال فيما بينهم ذكاء ومرونة واستجابة، وكذلك تختلف أمزجتهم
فمنهم صاحب المزاج الهادئ المسالم، ومنهم صاحب المزاج المعتدل، ومنهم صاحب المزاج العصبي الشديد، فإنه يترتب على ذلك أن تختلف أساليب عقابهم.
فبعض الأطفال تنفع معهم النظرة العابسة للزجر والإصلاح، وقد يحتاج طفل آخر إلى استعمال التوبيخ في عقوبته
وقد تلجأ الأمّ المربية إلى استعمال الحرمان في حالة اليأس من نجاح الموعظة أو طريقة التوبيخ والتأنيب.
وقد ثبت عند كثير من علماء التربية الإسلامية أنّه لا يجوز للمربية أن تلجأ إلى العقوبة إلا عند الضرورة القصوى، وبعد التهديد والوعيد وتوسّط الشفعاء.
وذلك لإحداث الأثر المطلوب في إصلاح الطفل وتكوينه خلقياً ونفسياً.
على الأم أن تكون حكيمة في استعمال العقوبة الملائمة التي تتفق مع ذكاء الطفل وثقافته ومزاجه،
كما عليها ألا تلجأ إلى العقوبة إلا في مرحلتها الأخيرة ..
التدرج في المعالجة من الأخف إلى الأشد
تقول العرب: “الكي آخر الدواء” وكذلك العقوبة، إذ ينبغي أن تأتي كآخر وسيلة للتربية
فهناك مراحل من المعالجة والتأديب يجب أن تمرَّ عليها الأم قبل اللجوء إلى العقاب،
لعلَّها تؤدِّي الغرض في تقويم اعوجاج الطفل وتصلح شأنه.
والناس في ذلك على طرائق شتّى:
ـ فمن النَّاس من يعوّد أبناءه النظرة الحادة، ينظر بها الأب إلى ابنه المخطئ فيردعه، بل ربَّما يبكي بعض الأطفال من شدّة وقعها عليهم.
ـ ومن الآباء من يهمهم بصوت يخرج من الحنجرة، ممَّا يعني إنكاره لما فعله الطفل، فينبّهه إلى ما وقع أو ما سيقع منه.
ـ وربَّما يكون العقاب بأن يدخل الأب يسلّم على أبنائه، ولا يخصُّ الذي أخطأ في ذلك اليوم بالسلام، حتى يشعر بخطئه،
وحينئذٍ يُبين للطفل خطأه، ولكن لا تتماد في إهماله؛ لأنّ مقصدك التعليم وليس التعنيف.
ـ وقد يكون العقاب بحرمان الطفل من شيء يحبّه، من مصروف أو نزهة، أو استخدام الكمبيوتر وغيره، ولكن لفترة قصيرة..
ـ وقد يُلجأ تهديد الطفل إن هو كرّر الخطأ، ولكن بشرط تنفيذ التهديد إن تهاون الطفل.
ـ مدح غيره أمامه، بشرط أن يكون للعقاب فقط وليس في الأحوال العادية،
مع عدم الإكثار من هذا الأسلوب في العقاب؛ لما في تكراره من أثر سيئ يتركه في نفس الطفل من عداوة وحقد على الآخرين.
إذاً على الآباء والأمهات أن يقللوا من العقاب ما استطاعوا لذلك سبيلاً،
ويلجؤوا إلى التدرّج في العقاب (من الأضعف إلى الأشد)، فبعض الأطفال لايحتاجون إلى أكثر من التنبيه كي يرتدعوا.