العودة   منتديات زهرة الشرق > >{}{ منتديات الزهرة الثقافية }{}< > شخصيات وحكايات

شخصيات وحكايات حكايات عربية - قصص واقعية - قصص قصيرة - روايات - أعلام عبر التاريخ - شخصيات إسلامية - قراءات من التاريخ - اقتباسات كتب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 10-01-09, 04:16 PM   #1
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]الدكتور مصطفى الفقى



لمن لايعرفه هو مدير مكتب رئيس الجمهوريه لشئون المعلومات سابقا
وسفير مصر فى النمسا سابقا ورئيس لجنة الشئون العربية بمجلس الشعب والعديد من الوظائف الاخرى
وهو يعتبر احد مثقفى الوطن العربى وكتابه .
وقد اتاحت له الوظائف التى شغلها ان يكون له لقاءات وحوارات كثيره مع اعلام فى المجتمع الدولى والعربى والمصرى بين رجال سياسة او اقتصاد او دين وحتى فى الفن .. وقد قام بطرح جزء من الحوارات والمقابلات
فى جريدة مصر اليوم القاهرية فى شكل مقال يصدر كل يوم خميس من كل اسبوع وبدات هذة المقالات
منذ عام 2007 وحتى تاريخة .


وقد قمت بتجميع هذة المقالات وانشرها لحضراتكم حتى نتعرف على بعض الشخصيات التى ربما يجهلها البعض.
[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 04:19 PM   #2
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[COLOR="Blue"]نبيل العربى»

بقلم د.مصطفى الفقى ٨/ ١/ ٢٠٠٩
إنه ذلك الفقيه القانونى الضليع، والسفير المصرى المرموق، ومندوب بلاده لدى الوفدين الدائمين فى «جنيف» ثم «نيويورك»، وقبل ذلك سفير مصر فى العاصمة الهندية، ويمثل الرجل فى ظنى ظاهرةً استثنائية تستحق الإعجاب والتقدير،
فهو ابن الأستاذ الدكتور «عبدالله العربى» أستاذ القانون الشهير فى حقوق «القاهرة» و«بغداد» كما خدم قبل ذلك فى «روما» و«الخرطوم» وشق طريقه فى الإدارة القانونية لوزارة الخارجية من بدايته إلى نهايته.
إنه ذلك المصرى الوطنى الذى يتمتع بالخلق الرفيع والضمير النظيف وعفة اليد واللسان، إلى جانب صفاتٍ أخرى ليست شائعة فى الوسط الدبلوماسى، فهو لم يذق الخمر فى حياته، ولم يدخن، ولم ير منتصف الليل،
فهو ينام قبل الثانية عشرة كحدٍ أقصى ليستيقظ مبكرًا، يأكل قليلاً ويقرأ كثيرًا، ومازلت أتذكر بالاعتزاز فترة عملى معه فى «نيودلهى» وكيف كان السفير «نبيل العربى» ودودًا معى وصديقًا للجميع وواجهةً مشرفة لبلاده هو والسيدة قرينته فى عاصمة عدم الانحياز، وبلد الثقافات المتعددة واللغات المختلفة والديانات المتباينة،
وعندما زارنا أبو القصة العربية القصيرة الراحل «د.يوسف إدريس» والتقى السيدة «أنديرا غاندى» رئيسة الوزراء، وفى مساء ذلك اليوم دعانا السفير الدكتور «نبيل العربى» إلى عشاءٍ على شرف الكاتب المصرى الكبير الذى كان على العكس تمامًا من الدكتور «نبيل العربى»
فهو يهوى السهر وتتجلى موهبته الإبداعية مع صمت الليل، والسفير لا يستطيع أن يجاريه فى ذلك ويريد أن يأوى إلى فراشه قبل منتصف الليل حتى يبدأ عمله مع ساعات الصباح الأولى كعادته، نشيطًا رقيقًا كطبيعته،
واضطررت يومها إلى استكمال السهرة مع الأديب المصرى الكبير نثرثر فى موضوعات شتى، بدءًا من السياسة الدولية وصولاً إلى المرأة العربية، وأتذكر أن «يوسف إدريس» قال لى يومها إن هذا السفير عظيم ولكنه مبرمج مثل «الكمبيوتر» الذى كنا نسمع عنه فقط فى ذلك الوقت من مطلع الثمانينيات من القرن الماضى،
وضحكنا معًا ونحن نحمل للدكتور «نبيل العربى» كل الاحترام والتقدير لشخصيته الفريدة وخصوصيته المعروفة، فهو على سبيل المثال لا يتحمس لتقبيل الرجال بعضهم لبعض عند السلام، مكتفيًا بالمصافحة بالأيدى كما كان العهد بنا منذ عدة عقود، قبل أن تأتينا عاداتٌ وفدت إلينا وهى غريبة علينا!.. إنه الدكتور «نبيل العربى» الذى يرتبط بمصاهرةٍ مع شخصيةٍ مرموقة ذات وزنٍ دولى وعربى ومصرى،
ولكن تلك المصاهرة مثلما كانت له أحيانًا كانت عليه غالبًا، وهو أمرٌ قد لا يتنبه إليه الكثيرون؛ لأن كفاءة الرجل ومكانته الذاتية لا تحتاج إلى دعمٍ أو سند، فهو باحثٌ مدقق يعبِّر بقلقه الدائم عن رغبته فى استجلاء الحقيقة وفهم الأمور، وفى أثناء سنوات عملى معه فى «الهند» تعلمت منه صفاء النفس ورقة الشعور والبعد عن الصغائر والإحساس العميق بالآخرين ومجاملتهم دائمًا فى كل المناسبات وجميع الظروف، ولست أنسى ذات مساءٍ عندما كنا فى ضيافة «د.حسن نعمة» سفير «قطر» فى العاصمة الهندية،
وهو مثقفٌ رفيع الشأن كان يدعونا لحفلاتٍ نستمع فيها إلى الموسيقى الهندية القديمة، ونحن جالسون على السجاد الأنيق، ولكن عندما خرج «د. نبيل العربى» لم يجد حذاءه، وهو بلا شك كان حذاءً قيمًا لأن الرجل اعتاد أناقة الملبس وحسن الذوق، المهم أننا لمحنا الحذاء المفقود مصادفةً بعد عدة أيام فى قدم دبلوماسيٍ كبير من دولة أخرى، ولكن «د. نبيل» أبى أن يلفت نظره حياءً منه وترفعًا! وهو أيضًا «د.نبيل العربى» الذى يسجل تاريخه أمرين بارزين يستحيل تجاهلهما:
الأول هو دوره أثناء التحكيم حول «طابا»، حيث كان يمثل الرأى القانونى الرسمى للدولة المصرية، باعتباره رئيس القطاع القانونى فى وزارة الخارجية.
أما الأمر الثانى الذى نحنى له الرأس احترامًا فهو دوره فى إصدار رأى محكمة العدل الدولية فى قضية «الجدار العازل»، حيث كان إسهامه كبيرًا ودوره مشهودًا حتى إن الدوائر الصهيونية ضاقت به وتحاملت عليه، فلقد كانت مواقفه دائمًا انعكاسًا لقدرته على توظيف كفاءته القانونية لخدمة الأهداف القومية العادلة والقضايا الوطنية البارزة.
إنه الدكتور «نبيل العربى» الذى ترك موقعه قاضيًا فى «محكمة العدل الدولية» طواعيةً ودون ضغوط، فلقد كانت الفرصة متاحةً أمامه للتجديد فى الموقع الذى كان فيه ثالث شخصيةٍ مصرية تشغله منذ إنشاء المحكمة، فقد سبقه إليه الدكتوران «عبدالحميد بدوى باشا»، والسفير «عبدالله العريان» ـ رحمهما الله.
تحيةً إلى «د. نبيل العربى» الصديق الذى أُحب، والسفير الذى أَحترم، والفقيه الذى أُجِّل، والإنسان الذى يتحلى بأرقى الصفات وأجمل السجايا

محمد فائق»

بقلم د. مصطفى الفقى ١/ ١/ ٢٠٠٩
إنه نموذج يبدو لى مختلفاً عن غيره من رفاقه، فلقد بدأ حياته ضابطا فى القوات المسلحة، ثم التقطته ثورة يوليو ١٩٥٢ ليلعب أدوارا متميزة، حيث أوكل إليه الرئيس «عبدالناصر» الملف الأفريقى، الذى حقق فيه نجاحات تاريخية،
مازالت سياسة مصر الأفريقية تعتمد على بعضها حتى الآن، ولقد رأيت بعينىّ المناضل الأفريقى الكبير «نيلسون مانديلا» وهو يتحدث عن محمد فائق بإكبار وتقدير شديدين، بعد قرابة سبعة وعشرين عاما قضاها المناضل التاريخى «مانديلا» فى سجنه الأفريقى وقضى منها أيضا «محمد فائق» عشر سنوات فى السجون المصرية متمسكا بمبادئه، رافضا الاعتذار عن خطأ لم يرتكبه. ولقد كان اللقاء بين «مانديلا»
و«فائق» بعد ذلك مثالا رائعا، أعاد إلى الأذهان أمجاد مصر فى القارة الأفريقية خلال العصر الناصرى، عندما تبنت «القاهرة» سياسة ذات شقين فى القارة السوداء، تقوم على التحرير والتنوير معا، لذلك ظلت أفريقيا رصيدا قويا لمصر فى الأزمات التى مرت بها السياسة الخارجية المصرية،
وفى سنوات القطيعة المصرية العربية، بعد توقيع «اتفاقية السلام» مع إسرائيل كانت القارة الأفريقية هى الداعمة لمصر فى المحافل الدولية، فى وقت كان العرب يطاردون فيه عضوية مصر فى جميع المنظمات العالمية والإسلامية والعربية، بل حركة عدم الانحياز التى أسستها مصر مع الهند ويوغوسلافيا!
ومازلنا نذكر لسياسة «عبدالناصر» الأفريقية التى جسدها المناضل المصرى «محمد فائق» ذلك المشهد التاريخى لخروج عدد من قادة حركات التحرير الأفريقية من الفيلا رقم ٥ بشارع «أحمد حشمت» بالزمالك «مقر الجمعية الأفريقية الآن»، ليقودوا بلادهم الحرة غداة الحصول على الاستقلال،
ولعله من المواقف الطريفة التى يذكرها جيلى أنه فى ليلة التنحى «٩ يونيو ١٩٦٧» هرع الوزراء إلى مقر الرئيس «عبدالناصر» وكان من بينهم الوزير «محمد فائق»، الذى خلطت الجماهير المتدفقة على «منشية البكرى» بينه وبين السيد «زكريا محيى الدين»،
وكادت تفتك به بسبب التشابه بينهما فى صلعة الرأس، وكان «عبدالناصر» قد رشح السيد «زكريا محيى الدين» خليفة له فى تلك الظروف شديدة الصعوبة بالغة التعقيد! إن «محمد فائق» هو ذلك الذى خدم قضايا بلاده فى «الصومال» و«زنزبار» وغيرهما،
ولعب دوراً مصرياً تاريخياً فى مواجهة حركة «بيافرا» الانفصالية، حتى إن الرئيس النيجيرى السابق «يعقوب جوون» عندما هبط بطائرته فى القاهرة قدمه أمامه على سلم الطائرة قبل مصافحة الرئيس «عبدالناصر»، تكريماً لذلك الرجل هادئ الطبع عالى الكفاءة شديد الحكمة صاحب الخبرات الواسعة والبصمات الواضحة فى كل مجال عمل فيه،
وعندما أوفد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لجنة دولية للتحقيق فى «دارفور»، من بضعة أشخاص فقط، يمثلون العالم كله لمعرفة نوعية الجرائم التى ارتكبت هناك والبحث فيما جرى حتى السنوات الأخيرة كان «محمد فائق» هو العربى الوحيد الذى حظى بعضوية تلك اللجنة الدولية العليا رفيعة المستوى، رغم أنه لا يملك نفوذ سلطة ولا جاه منصب، ولكنه يملك التاريخ الناصع والسمعة الدولية النظيفة والاسم الكبير الذى يحترمه الجميع،
وهو الرجل الحصيف الذى إذا اختار من يعمل معه تصرف بشفافية وتجرد، وفى موضوعية كاملة، وأذكر له أنه اختار مساعداً فى أحد مشروعات حقوق الإنسان الأخيرة دبلوماسياً مصرياً رائعاً نحترمه جميعاً، هو السفير السابق «شكرى فؤاد ميخائيل» ولا عجب فالطيور على أشكالها تقع.. إنه «محمد فائق» الذى كان أول لقاء لى به عندما جاء إلى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، حيث كنت أدرس فى النصف الأول من ستينيات القرن الماضى،
وكان يتحدث يومها - على ما أتذكر - عن إدخال خطوط إنتاج جديدة فى مصانع «المحلة الكبرى» و«كفر الدوار» لإنتاج أقمشة ذات ألوان زاهية ورسوم كبيرة تناسب الذوق الأفريقى، الذى كان معنياً به ومهموماً بشؤونه، ولقد كرس الرجل جهوده فى العقدين الأخيرين حول قضايا حقوق الإنسان، وترأس المنظمة العربية المعنية بذلك،
وأسهم بجدية فى رفع المعاناة عن المقهورين فى المنطقة كلها، داعماً قضايا الحرية والتطور الديمقراطى ومكافحة التعذيب ورعاية المسجونين، إنه «محمد فائق» الذى كلما رأيته زميلاً فى المجلس القومى لحقوق الإنسان شعرت دائماً أننى أمام قطعة غالية من تاريخ هذا الوطن المعطاء، رجل تاريخه مشرف، وحاضره متألق، وغده مشرق.

يتبع»![/

COLOR]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 04:20 PM   #3
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


لـويـس عوض

بقلم د.مصطفى الفقى ٤/ ١٢/ ٢٠٠٨
إنه ذلك المفكر المصرى الذى مضى على درب الكبار من «العقاد» إلى «طه حسين» إلى «سلامة موسى»، ولعله يتميز بانتصاره لقضايا الإنسان ودفاعه عن الحريات، وقدرته الباهرة على استخدام هامش الحرية المتاح فى كل العصور.
وقد ربطتنى بهذا المفكر العظيم –ابن المنيا عروس الصعيد- صلاتٌ مستمرة على امتداد الخمسة والعشرين عامًا الأخيرة من حياته، بل لقد عرفته قبل ذلك عندما كنت رئيسًا لاتحاد طلاب كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ودعوته لكى يحضر مهرجان «الشعر والزجل» فى يوم ثقافى بالكلية،
وأذكر أنه قال لأحد الشعراء الشباب الذى كان يملك لغةً زاعقة لتبرير بعض المواقف السياسية فى الستينيات من القرن الماضى، قال له «لويس عوض»: يا بنى إنك تبدو كمن يستعدى «الاتحاد الاشتراكى» على الناس بلا تمييز!
وكانت المرحلة الثانية من علاقتى به، حين استقدمه الدكتور «أسامة الباز»، المشرف على تدريبنا بالمعهد الدبلوماسى فى نهايات ستينيات القرن، لكى يكون محدثنا حول القضايا الفكرية والسياسية، واستهوانى كثيرًا منذ ذلك الحين حديث ذلك المفكر الرصين وكتاباته العميقة فى صحيفة «الأهرام»، وهو يؤرخ للفكر السياسى المعاصر فى مصر، ويطرق أبوابًا لم يطرقها غيره، بدءًا من كتابه عن اللغة العربية، مرورًا برصده التاريخ الاجتماعى والثقافى لمصر الحديثة،
وصولاً إلى مقاله الشهير عن العائلة المالكة المصرية ولقائه الملكة «نازلى» - أم الملك «فاروق» - فى منفاها الاختيارى بالولايات المتحدة الأمريكية هى وبناتها و«رياض غالى» قبل رحيلهم جميعًا فى ظروف مأساوية متفاوتة بعد ذلك بسنواتٍ قليلة. إنه ذلك المفكر الشامخ الذى أطاح به الضباط الأحرار ضمن حركة التطهير فى الجامعات بعد قيام الثورة بعامين فقط، ولكن ظل أستاذ الأدب الإنجليزى طافيًا على سطح الحياة الثقافية خارج الجامعة، يحمل مصباح التنوير، يخترق به ظلام التخلف والتعصب والرجعية.
إنه «لويس عوض»، الذى زارنى فى «لندن» فى بداية السبعينيات ولاأزال أذكر طريقة تذوقه النبيذ «روزيه»، الذى كان يعشقه على مائدة طعامه، وأفكاره المضيئة وعقليته المتوهجة التى كانت تقذف بومضات ضوء يبهر الأبصار ويخطف الألباب ويأسر العقول. لقد قال لى يومًا فى أحد لقاءاتنا: إن نظام الرئيس «عبدالناصر» كان يبعث ببعض عيونه لمتابعة ما يجرى فى الكنائس، فقلت له: ألم يكن الأمر ذاته معمولاً به فى المساجد أيضًا!، عندئذٍ تدارك د. لويس وقال: إن «عبدالناصر» لم يكن طائفيًا ولكنه كان شموليًا.
كما لاأزال أتذكر مناقشاتى معه حول دور السيد «جمال الدين الأفغانى» ورأى «د. لويس عوض» فيه، باعتباره إيرانيًا يعمل لصالح الاستخبارات البريطانية ـ من وجهة نظره ـ والحديث الطويل الذى كان يدور بيننا حول تلك الشخصية الغامضة وتأثيرها فى الفكر الإسلامى الحديث، فما أكثر معارك الدكتور «لويس عوض»، وما أكثر خصومه أيضًا، شأن المفكرين الكبار الذين يثيرون الجدل ويحرضون على التفكير، ولقد كان ـ رحمه الله ـ شديد الوضوح والصراحة كامل الشفافية، ويكفى أن نراجع اعترافاته الصريحة فى مذكراته عن «سنوات التكوين»، التى تحدث فيها عن قريبته التى تحولت من المسيحية إلى الإسلام،
ووصفه الصادق لمشاعر العائلة تجاه ذلك الحدث المفجع لديهم، ثم إشارته إلى شعوره بأن أخاه الدكتور «رمسيس عوض» –وهو أستاذ جامعى مرموق فى تخصصه، أمد الله فى عمره - كان يشعر بأن شهرة أخيه «لويس» قد ظلمته وأضاعت منه عددًا من الفرص فى حياته الفكرية والعلمية، ولقد ناقشت د. «رمسيس» فى ذلك بعد رحيل شقيقه «د. لويس»، فبدا مشفقًا على أخيه الأكبر محبًا له عارفًا بفضله فى تواضع وبساطةٍ زائدين.
إنه «لويس عوض» ذلك العملاق الفكرى الذى ملأت زوجته منزلهما بالقطط والحيوانات الأليفة، ويبدو أنه كان يفرِّ من ذلك إلى عالمه الخاص فى سياحة ثقافية دائمة، أفادت الفكر والأدب العربيين على نحوٍ غير مسبوق، وعندما جاءنى الأديب الأستاذ «نسيم مجلى» - بعد رحيل المفكر الكبير بفترة وجيزة - ليصدر كتابه عن «لويس عوض ومعاركه الفكرية والأدبية» طالبًا منى كتابة مقدمته لم أتردد فى أن أفعل ذلك، لمعرفتى الدقيقة بالمفكر «لويس عوض» والأديب «نسيم مجلى» فى الوقت ذاته،
ولقد سعى إلىَّ الأستاذ «مجلى» بكتابٍ جديدٍ له منذ شهور عن «الدكتور بطرس بطرس غالى» ومعاركه السياسية، وقد كتبت مقدمته أيضًا، ودفعنا به إلى «دار الشروق» ليأخذ طريقه إلى حبر المطابع.
إننى لا أنسى أبدًا جلساتى المستمرة فى حجرة الدكتور «لويس عوض» بمستشفاه قبيل الرحيل، وهو يصارع ورمًا سرطانيًا فى المخ، ولكن الابتسامة لم تكن تفارقه، والحديث العذب لا يختفى من جلسته، وبريق الأمل ظل ينطلق من عينيه، مع أنه كان يودع الحياة مفكرًا بارزًا، ومصريًا رائعًا، وعلامةً فارقة فى حياتنا الأدبية والفكرية


بنت الشاطئ

بقلم د.مصطفى الفقى ١١/ ١٢/ ٢٠٠٨
لدى الأمم أسماءٌ تعتز بها، وفى الشعوب شخصيات تخلع عليها الجماهير ألقاباً يختصون بها ويتميزون عبر التاريخ بذكرها، لذلك كانت «بنت الشاطئ» هى الدكتورة «عائشة عبد الرحمن» مثلما كانت «باحثة البادية» هى «ملك حفنى ناصف» و«ذات النطاقين» هى «أسماء بنت أبى بكر» و«كوكب الشرق» هى «أم كلثوم»، والأمر ذاته فى عالم الرجال فعندنا «عميد الأدب العربى» هو «طه حسين» و«شاعر النيل» هو «حافظ إبراهيم» و«أمير الشعراء» هو «أحمد شوقى» و«شاعر القطرين» هو «خليل مطران» ..
نعود إلى «بنت الشاطئ» ابنة إقليم دمياط المنجب التى تألقت فى رحلتها العلمية وتميزت فى رؤيتها الثقافية، منذ أن التقت بأستاذها الشيخ «أمين الخولى» مبعوث الملك «فؤاد» إلى «برلين»، ذلك المفكر الكبير، الذى خرج من الأزهر الشريف إلى العالم الخارجى ضمن حركة «الابتعاث»، التى اعتمدت عليها مصر الحديثة فى مواصلة مسيرة عصر النهضة والتنوير، إنه رائد «الأمناء»، تلك الجماعة التى انتمت إلى فكره واعتنقت مبادئه،
ولقد ربطتنى بالدكتورة «عائشة عبد الرحمن» صلات مستمرة ليس أولها أنها والدة زميلة دراستى فى كلية الاقتصاد جامعة القاهرة الأستاذة «أديبة أمين الخولى» وليس آخرها لقاءاتى بالدكتورة «عائشة»، وحواراتى معها والاتصالات الهاتفية بيننا فى مناسبات مختلفة، فأنا لا أخفى إعجابى الشديد بلسانها العربى الفصيح، خصوصاً أننى ممن يشاركون فى الحفاوة باللغة المتميزة،
أما أسلوبها الذى يمكن التعرف عليه حتى لو احتجب اسم صاحبته فهو نموذج آخر فى الرصانة والجزالة والتألق، ولو لم يكن لـ«بنت الشاطىء» إلا كتابها الشهير عن زوجات النبى (صلى الله عليه وسلم) لكفاها ذلك وحده تميزاً وفخاراً، وسوف تبقى مقالاتها فى «الأهرام» فصولاً فكرية مستقلة يعود إليها المثقفون العرب، كلما عازتهم نسمات رقيقة من تاريخ الحضارة العربية الإسلامية،
ولن أنسى أبداً متابعتها لبعض ما كتبته أنا شخصياً رغم أننى أقع منها موقع التلميذ من الأستاذة ولكن بشاشتها وحفاوتها بجيلى كانت تعطينى زاداً من نور المحبة ورحيق الأمل، وعندما كنت سفيراً لبلادى فى «فيينا» كنت شديد الحرص على وجود زميلتى «أديبة الخولى» وزوجها النمساوى المسلم فى دار السفارة أثناء الاحتفال بجميع المناسبات المصرية والدينية، حيث ظل التواصل بيننا فى إطار ذكريات جامعة القاهرة والانتماء المشترك لفكر «بنت الشاطئ» ومدرسة «أمين الخولى»،
وعندما جاءنى العالم المصرى الراحل «أسامة أمين الخولى» ممثلاً لمصر فى أحد المؤتمرات العلمية فى «فيينا»، كان اهتمامى به كبيراً وحرصى على الاستماع إلى ما يقول عن أبيه الراحل وزوجة أبيه «بنت الشاطىء» أمراً لاحظه كل زملائى الذين شاركونى السعادة بتواجده بيننا لعدة أيام فى العاصمة النمساوية، وهو ينتمى إلى جيل من علماء مصر من أمثال «إبراهيم حلمى عبد الرحمن» و«مصطفى كمال طلبة» و«عبد الفتاح القصاص» و«محمد الحلفاوى» وقد كنت أعتبر الأخير عميداً للجالية المصرية فى «فيينا»،
وأعتز كثيراً بما كان يحكيه لى عن الذكريات العلمية لمصر فى الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضى وأصدقاء عمره الذين تساقطوا على طريق رحلة العلم والعمل، ولقد استمر تواصلى أيضاً مع «بنت الشاطئ» من خلال علاقتى العائلية بزميلى بالسفارة المصرية فى لندن الأستاذ «رزق طعيمة» الذى كانت زوجته الفاضلة السيدة «عائشة» أختاً غير شقيقة لبعض أبناء الشيخ «أمين الخولى» فتجمعت لدى دائماً خيوط متشابكة عن تلك العائلة الثقافية المتميزة فى الأدب والعلم والفن الذى جسدته شخصية مثل واحدة من أبناء الشيخ «أمين الخولى» وأعنى بها الدكتورة «سمحة الخولى» (رحمها الله)،
إننى أحنى الرأس اليوم احتراماً لأسم «عائشة عبد الرحمن» وعطائها المتصل للثقافة العربية والفكر الإسلامى ودورها المرموق فى تاريخ الأدب الحديث، بل وأشرك معها عائلة أستاذها وزوجها الشيخ «أمين الخولى» الذى عاشت «بنت الشاطئ» على ذكراه بقية عمرها، تردد بين سطور كتاباتها شجن الأيام الجميلة ومظاهر الحب العميق، الذى حملته له وعاشت به وتعايشت معه.. لقد كان زمناً جميلاً احتفظت فيه الكلمة بجلالها والفكرة بعمقها والنظرة بموضوعيتها.. زمن الشوامخ من أمثال تلك السيدة الرائعة الأستاذة «بنت الشاطئ» أو الدكتورة «عائشة عبد الرحمن


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 04:21 PM   #4
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


عبدالحميد السراج

بقلم مصطفى الفقى ١٨/ ١٢/ ٢٠٠٨
تميز «العصر الناصرى» بالخبطات الشهيرة التى كان يطلق على كل منها «ضربة معلم»، وفى أحد الأعياد الدينية مع مطلع الستينيات أذاع التليفزيون المصرى بعد وقوع الانفصال وانهيار الجمهورية العربية المتحدة بعدة شهور، نبأ وصول السيد «عبدالحميد السراج» وحارسه «منصور رواشدة» إلى «القاهرة»، بعد أن تمكنت الأجهزة الأمنية من إخراجهما من «دمشق» عن طريق «بيروت»،
حيث كان نائب رئيس الجمهورية العربية المتحدة الأسبق، أو حاكم الإقليم الشمالى كما كان يطلق عليه خصومه، قيد الاعتقال فى العاصمة السورية بعد الانفصال والتنكيل بعدد لا بأس به من القيادات الموالية للرئيس «عبدالناصر» أو حتى للمشير «عامر»، وترجع قصة «عبدالحميد السراج» مع الجمهورية العربية المتحدة منذ قيامها إلى قدراته التنظيمية المعروفة وخبراته الاستخباراتية المشهودة،
حيث كان واحداً من أبرز ضباط «المكتب الثانى» كما ظل محل ثقة «عبدالناصر» من البداية إلى النهاية، ولم يفرق أبداً ـ وهو القادم من الإقليم السورى ـ بين انتمائه الأصلى وولائه للقيادة الناصرية أو لدولة الوحدة، ولقد هاجمه الكثيرون، بل بلغ الشطط بالبعض أن اعتبر ممارساته السياسية والأمنية هى أحد دوافع الانفصال وأسباب انهيار دولة الوحدة..
والذى لا يعرفه الكثيرون أن الرجل كان مستقل الرأى، منفرد الإرادة، حتى إنه اختلف مع الرئيس «عبدالناصر» عبر أزمات صامتة، ولو أن القائد العربى الكبير استمع إلى بعض ملاحظات رجله الأول فى سوريا، لربما أمكن تفادى وقوع جريمة الانفصال التى أطاحت بالحلم العربى العظيم فى ٢٨ سبتمبر ١٩٦١ قبل وفاة «عبدالناصر» بتسعة أعوام بالتمام والكمال، قضاها الرجل وحلم العودة يطل من عينيه، متذكراً ذلك اليوم الذى حمل فيه الشعب السورى، العروبى بفطرته، القومى بطبيعته،
ذلك الثائر الأسمر القادم من صعيد مصر يقاوم الاستعمار ويتحدى أعوانه متجهاً بأمته نحو حلمها الكبير، أقول لو أن «عبدالناصر» وأجهزته قد استمعوا إلى نصائح «السراج» فى السنة الأخيرة لدولة الوحدة لربما اختلفت الصورة وتغير مشهد النهاية، وقد شدتنى إلى شخص السيد «عبدالحميد السراج» صلة بدأت يوم أن كانت بيننا الزميلة الراحلة «رشا زلفو مدينة» شقيقة زوجته ومعها شقيقة أخرى وأخ ثالث فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة منذ عام ١٩٦٢،
حيث عرفنا وقتها أن الثلاثة هم من أشقاء زوجة النائب السابق لرئيس الجمهورية «عبدالحميد السراج»، وأنهم سوريون ينتمون إلى أصول كردية من الإقليم الشمالى للجمهورية العربية المتحدة، ولقد ظلت السيدة «رشا» مذيعة لامعة فى التليفزيون المصرى حتى رحيلها إلى عالم الأبدية منذ سنوات قليلة، وتمتعت هى وعائلتها بصداقات واسعة بل أنساب مشتركة مع عدد من العائلات المصرية،
حيث اندمجوا فى المجتمع المصرى وانخرطوا فى صفوفه وذابوا فى كيانه حتى اليوم وربما يرجع الفضل فى ذلك إلى أن ذلك الرجل الذى كان وراء قدومهم من الشمال إلى الجنوب وهو السيد «عبدالحميد السراج»، لم يفرق يوماً بين انتمائه السورى وانتمائه المصرى، بل ظل وفياً لقضيته القومية بغير مزايدة أو ادعاء، فلم يكتب مذكرات للنشر ولا أحاديث للإعلام، واعتبر أنه قد أدى رسالة فى فترة حاسمة من تاريخ الأمل العربى، وأن عليه أن يحتفظ بها لنفسه وللتاريخ، واكتفى بأن يكون موظفاً كبيراً فى الإدارة المصرية كرئيس لشركة إعادة التأمين،
ولقد كان آخر لقاء لى به منذ عدة سنوات فى أحد المحال التجارية فى حى «مصر الجديدة»، ورأيته يومها شامخاً متماسكاً متألقاً ولقد تهلل كثيراً مرحباً بى، وتحدثنا يومها وكان السؤال الرئيس فى ذهنى الذى ألححت عليه به هو: لماذا لم تكتب مذكراتك، خصوصاً أننى واثق من أنها سوف تكشف الكثير من الحقائق وتجلى الغموض عن فترة مهمة فى التاريخ العربى الحديث احتشدت فيها على قمة السلطة العربية أسماء مثل «عبدالناصر» و«عامر» و«الحورانى» و«البغدادى» و«السادات» و«الشافعى» و«صلاح البيطار» وأيضاً «ميشيل عفلق»؟
ويومها كان رد السيد «عبدالحميد السراج» على رداً هادئاً واثقاً حيث قال لى: «إن الكل يعلم أننى أعرف الكثير لكننى لا أحب أن تتضمن مذكراتى الصادقة إساءة لأحد، خصوصاً إذا كان قريباً إلى قلبى، عزيزاً على نفسى»، عندئذ أدركت أن شموخ الرجال يجعلهم يمضون واقفين كالأشجار حتى نهاية رحلة العمر!..
ذلك هو «عبدالحميد السراج» الذى يمثل فصلاً مهماً من فصول كتاب الوحدة القومية ودولة الجمهورية العربية المتحدة.

المستشار حسن كامل

بقلم د.مصطفى الفقى ٢٥/ ١٢/ ٢٠٠٨
يشترك فى هذا الاسم عدد من الشخصيات المهمة كان أحدهم رئيساً للديوان الجمهورى فى عصر الرئيس الراحل «السادات» بعد أن كان سفيراً مرموقاً فى وزارة الخارجية المصرية وقبلها ضابطاً متميزاً فى القوات المسلحة،
أما الذى أعنيه اليوم فهو يمثل شخصية فريدة ذات تاريخ حافل قد لا يعرفه الكثيرون، وأعنى به المستشار «حسن كامل» الذى يعتبر واحداً من الأعمدة الأساسية التى قامت عليها سياسة دولة «قطر» الشقيقة،
فقد كان هو مستشار الأمير الأب الشيخ «خليفة بن حمد»، و«حسن كامل» هو واحد من أبناء الارستقراطية المصرية تخرج فى الجامعة عام ١٩٢٨ ثم التحق بالسلك الدبلوماسى المصرى،
وكان واحداً من الدبلوماسيين القريبين من الدكتور «محمد صلاح الدين» وزير خارجية حكومة «الوفد»، ولقد عرفت الرجل عبر أمسية طويلة امتدت لأكثر من ست ساعات فى القصر الأميرى بـ«الدوحة» فى أواخر الثمانينيات من القرن الماضى، حيث كنت عضواً فى الوفد المصرى أثناء زيارة رئاسية لدولة «قطر»،
وبعد العشاء الرسمى انفردت بذلك الرجل الوقور الذى كان قد تخطى الثمانين من العمر فتراكمت لديه التجربة، وتكدست فيه الخبرة وبدا لى كأنه مستودع كبير لأسرار كثيرة وخزانة مغلقة لمعلومات بغير حدود،
وكان قد لفت نظرى يومها أن أمير «قطر» ذاته كان يحترمه بشكل ملحوظ، بل يقدمه أحياناً أمامه، ولاحظت أن الجميع حول الأمير يوقرون المستشار «حسن كامل» وينظرون إليه نظرة الأب معترفين بفضله مدركين لقدره،
ولقد ظللت أستمع إلى ذلك المصرى العظيم حتى الساعات الأولى من الصباح فى تلك الأمسية القطرية الهادئة، وحكى لى الرجل تفاصيل المهمة الشهيرة التى أوفده فيها الملك «فاروق» لمقابلة شقيقته الإمبراطورة «فوزية» فى «طهران» ـ وهى بالمناسبة واحدة من أرقى أميرات الأسرة العلوية على الإطلاق، أطال الله فى عمرها،
وقد اقترنت بعد طلاقها من الشاه بالسيد «إسماعيل شيرين» الذى كان آخر وزير للحربية فى العصر الملكى والذى أمد الوفد المصرى بخرائط ومعلومات أفادت فى قضية التحكيم حول «طابا» بسبب وطنيته المفرطة، رغم سنه المتقدمة فى منتصف الثمانينات ـ وكان الهدف من تلك المهمة هو أن يستطلع الدبلوماسى المصرى رأى الأميرة المصرية التى كانت وقتها إمبراطورة إيران
فيما تردد حول المتاعب التى تعانيها، والسعادة التى تفتقدها وقد رأى شقيقها ملك مصر والسودان أن يوفد إليها مبعوثاً خاصاً يكون أهلاً للثقة والاحترام، فلم يجد أفضل من ذلك الدبلوماسى المصرى المحترم،
ولقد قال لى المستشار «حسن كامل» إنه استغرق وقتها فى رحلته ما بين ثلاث وأربع ليال بالطائرة من «القاهرة» إلى «دمشق» ثم من «دمشق» إلى «بغداد» ثم من «بغداد» إلى «طهران» حيث أتاحت له المراسم الإمبراطورية فى قصر الشاه «محمد رضا بهلوى» أن ينفرد بالإمبراطورة فى حديث مباشر ينقل فيه إلى الأميرة الجميلة رسالة شفهية خاصة من شقيقها العاهل المصرى،
ويقول المستشار «حسن كامل» إن الإمبراطورة ردت عليه بأدب الملوك فى إشارة غير مباشرة إلى معاناتها بسبب بعض تصرفات زوجها وقلة إخلاصه لها، فضلاً عن الفارق الكبير فى ذلك الوقت بين حياة القصر الملكى فى مصر ـ وقد كانت واحدة من أغنى ملكيات الشرق وأعرقها ـ وحياة القصر الإمبراطورى فى «طهران» التى كانت تبدو أكثر انغلاقاً وأقل تحضراً،
وقد عاد المستشار الدبلوماسى المصرى من رحلته الفريدة فاستقبله الملك «فاروق» ليستمع منه إلى رد شقيقته على رسالته، والغريب أن الملك قال للمستشار بعد أن عرف بمعاناة الإمبراطورة الوحيدة «عجيب أن تضيق شقيقتى بتصرفات الشاه، فكلنا ذلك الرجل،
وأنا شخصياً لى تصرفات مماثلة وربما أكثر منه»! ولقد طوى المستشار النفس على ذلك الرد الذى أسرَّ إلىَّ به فى تلك الليلة الرائعة من ليالى «الدوحة» العامرة،
وظل الرجل يحكى لى من ذكرياته الدبلوماسية وعلاقاته التاريخية ما جعلنى أعيش معه لعدة ساعات فى حالة تركيز وإعجاب شديدين خصوصاً أن الرجل كان يجسد أمامى نموذجاً للخلق المصرى الرفيع والسمو الأخلاقى النادر فى وقار وهدوء وشفافية تذكرنا بعصر ولى وقد لا يعود،
ولقد انتهت خدمة المستشار «حسن كامل» الدبلوماسية فى الخارجية المصرية مع أول حركة تطهير بعد الثورة حيث جرى التخلص من عدد لا بأس به من الدبلوماسيين أصحاب الخبرات الرفيعة بسبب انتماءاتهم للعهد البائد! وفى ذلك اليوم من مطلع الخمسينيات جمع ذلك الرجل النادر أوراقه بعد أن تلقى دعوة كريمة من أمراء «قطر» الذين كانوا يعرفون فضله ويقدرون مكانته لكى يعمل مستشاراً فى القصر الأميرى،
ولقد ظل الرجل مقيماً هناك حتى رحل فى هدوء حاملاً معه خزينة أسراره المغلقة، وحقيبة معلوماته الوفيرة، ابناً باراً للدبلوماسية المصرية التى قدمت دائماًً أعرق الكفاءات وأفضل الخبرات.
يتبع


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 04:22 PM   #5
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


ثـروت عـكاشـة»

بقلم د.مصطفى الفقى ٢٧/ ١١/ ٢٠٠٨
إنه ظاهرة من نوعٍ خاص فى تاريخ ثورة يوليو وحركة «الضباط الأحرار»، فهو مثقفٌ من طراز فريد يقف على قمة هرم الثقافة المصرية، ولقد ربطنى به إعجابٌ شديد - من جانبى - كضابط فذ يتعاطى الثقافة منذ شبابه، ويتحدث الفرنسية بطلاقة، ويقتحم جوهر المعرفة الإنسانية ويبحر فى كل روافدها، ولو لم يكن فى تاريخه إلا ذلك الإنجاز التاريخى الكبير فى الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة، التى غمرتها المياه المحتجزة خلف «السد العالى»،
لكان ذلك فى حد ذاته كافيًا لأن يضعه فى الصف الأول من أبناء مصر العظام. إن الضابط «ثروت عكاشة» يمثل نموذجًا لا مثيل له فى تاريخ العسكرية المصرية الشامخة، ولم يكن غريبًا عليه أن يكون عنصرًا مؤثرًا فى حركة «الضباط الأحرار» موظِّفًا كفاءاته الفكرية ومهاراته الثقافية فى خدمة أهداف «ثورة ٢٣ يوليو»، مع الأخذ فى الاعتبار صلته المباشرة «بآل أبوالفتح» أصحاب «المصرى» ودورهم معروفٌ فى تاريخ الصحافة المصرية،
وهو أيضًا «ثروت عكاشة» السفير اللامع فى عاصمة الفن والجمال «روما» الإيطالية، وهو أيضًا «ثروت عكاشة» صاحب المؤلفات الرائعة فى المكتبة العربية التى تعمَّق عبر صفحاتها فى تاريخ الحضارات ومذاق الثقافات، فجعل «العين تسمع والأذن ترى» كما قال عنوانًا لأحد كتبه، ولم يتوقف عند ثقافات أوروبا، ولكنه غاص فى أعماق الفلسفات الهندية، وتعمق فى أغوار الفنون الآسيوية.
ولقد ربطتنى بهذا الرجل العظيم صلاتٌ مستمرة منذ سنواتٍ طويلة حتى أرسل إلىَّ وأنا سفيرٌ لدى «النمسا» طالبًا الحصول على بعض الصور القديمة والوثائق النادرة من متحف «فيينا» الشهير، ولقد فعلت ذلك بحبٍ وفخرٍ شديدين،
وعندما أرسلت إليه ما أراد وجدته مصممًا على أن يبعث إلىَّ بتكاليف ذلك، رغم أن الأمر لم يكن يزيد على عشرات الدولارات، إلاَّ أنه أصرَّ على أن يرسلها لى، ربما لأنه يستعذب أن ينفق من ماله الخاص على ثقافته وعلمه، ولقد تكرَّم علىّ فأهدانى جميع مؤلفاته الصادرة عن «دار الشروق»، ولقد حدثنى صديقى المهندس «إبراهيم المعلم» صاحب الدار عن دقة الدكتور «ثروت عكاشة» فى مراجعة مؤلفاته، والوقت الذى يقضيه فى اتصالاتٍ مع الأستاذ «أحمد الزيادي» مساعد رئيس «دار الشروق» يراجع ويحذف ويضيف،
وتلك دقة العلماء وسمة المثقفين رفيعى القدر، ولعلنا نذكر أن صلة «ثروت عكاشة» بالرئيس «عبدالناصر» قد شهدت حالاتٍ من الصعود والهبوط لأسبابٍ لا مجال للغوص فيها الآن، ولكن الرجل ظلَّ على ولائه لقائد ثورته ولم ينزلق – مثل غيره- إلى ساحة الحياة السياسية، متراشقًا بالألفاظ الضخمة أو مستعرضًا بالمذكرات المنحازة،
ولكنه انصرف فى كبرياء إلى رصيده الباقى وهو الفكر والثقافة، ولعل الكثيرين لا يعلمون أن الدكتور «أحمد عكاشة» أستاذ أساتذة الأمراض النفسية ورئيس جمعيتها الدولية هو الشقيق الأصغر للدكتور «ثروت عكاشة» بتاريخه العريض، ويبدو أن فيروس التميز يصيب أحيانًا بعض العائلات فيدفع منها إلى الصفوف الأمامية بشخصياتٍ متميزة فى تخصصاتٍ متباينة!
وعندما أفتش فى ذكرياتى الآن فإننى أتذكر أننى قمت – وأنا نائبٌ للقنصل فى لندن عام ١٩٧٢ – بعقد قران النجل الأكبر لمثقفنا الكبير «ثروت عكاشة» فى احتفال بسيط بمبنى القنصلية العامة رقم ١٩ بـ«الكنزنجتون بالاس جاردنز» وهو المبنى الذى كان قد آل إلينا بالمقاصة مع الحكومة السورية بعد الانفصال، ويهمنى أن أسجل هنا أن أجيالاً ثلاثة على الأقل من تاريخ مصر الحديث تنظر بانبهارٍ وإكبار إلى هذه الشخصية رفيعة الشأن،
وعندما أقيم حفل كبيرٌ لتكريم «ثروت عكاشة» منذ سنوات قليلة، وشرفنى منظمو الحفل بدعوتى لكى أكون متحدثًا فيه وسط حشدٍ رفيع من المثقفين المصريين والعرب والأجانب، وجدته مناسبة مواتية لكى أتحدث عن الرجل وفضله على الثقافة المصرية وشخصيته الفريدة فى تاريخنا الوطنى الحديث،
وعندما دعوت الدكتور «ثروت عكاشة» لكى يكون متحدثًا فى صالون «إحسان عبد القدوس» الذى كنت أشرف عليه فى أواسط التسعينيات من القرن الماضى اعتذر الرجل بأدبه الشديد ورقته المتناهية متعللاً بظروفٍ صحية،
ولكننى أدركت من خلال معرفتى له أنه لا يريد الغوص فى أوحال السياسة العربية والظروف الدولية، لأنه ينأى بكبريائه عن الدخول فى سجالٍ مع الآخرين فى غير الموضوعات المتصلة بالفكر والثقافة.. تحيةً «لثروت عكاشة» الضابط والوزير والسفير، وقبل ذلك كله المفكر العملاق، والمثقف الضخم، والوطنى البارز، والإنسان العظيم


بنيتا فريرو فالدنر»

بقلم د.مصطفى الفقى ٢٠/ ١١/ ٢٠٠٨
إنها وزيرة الدولة للشؤون الخارجية فى النمسا، إذ كان يتولى وزارة الخارجية زعيم حزبها السيد «شوسل» الذى أصبح مستشارًا للنمسا بعد ذلك، وهو المنصب الذى يعادل «رئيس الوزراء» ويستأثر بذلك اللقب النظامان الألمانى والنمساوى،
وقد جمعتنى بالسيدة «بنيتا» علاقة ودية مستمرة منذ أن هبطت إلى العاصمة النمساوية والتقيتها فى اليوم التالى لتسليم صورةٍ من أوراق اعتمادى، وقد أسعدنى أنها شديدة القرب من بلادى وتضع «مصر» فى موقعٍ خاص على خريطة اهتماماتها، وحاولت أن أبحث فى الأسباب وأن أحفر قليلاً فى تاريخها الشخصى، فقيل لى إنها ارتبطت فى مطلع حياتها بقصة حبٍ مع شابٍ مصرى كان يدرس لدرجة الدكتوراه فى «فيينا» وهو الآن أستاذٌ بإحدى الجامعات الإقليمية فى مصر،
وحيث إننى لا أستسلم للتفسير المادى للتاريخ فإننى أيضًا لا أرفض التفسير «العاطفى» للبشر، واللافت فى ظنِّى هو أن تلك الدبلوماسية الذكية التى خدمت كسكرتير أول لسفارة بلادها فى «داكار» ثم مستشارة فى السفارة النمساوية «بباريس»، قد قفزت فجأة إلى موقع أمين عام مساعد للأمم المتحدة لشؤون «البروتوكول» خلفًا للسفير المصرى المرموق «على تيمور»، وكان ذلك فى عهد الأمين العام ـ صاحب الرؤية البعيدة والمواقف المستقلة ـ الدكتور «بطرس بطرس غالى»، لذلك كانت تحمل له من الود والاحترام ما يفوق التصور،
وكان يكفينى أن أحدثها ببضع كلماتٍ عنه وعن أخباره ومحنته فى المواجهة الشهيرة بينه وبين الإدارة الأمريكية لكى أفتح شهيتها للحوار وتدعونى إلى مكتبها فى اليوم التالى لاستكمال الحديث، وكانت تحمل أيضًا مشاعر الود العميق والصداقة القوية للوزيرة المصرية «فايزة أبوالنجا» فقد تزاملتا فى أروقة الأمم المتحدة عندما كانت السيدة «فايزة أبوالنجا» هى المساعد الخاص للأمين العام للأمم المتحدة وصاحبة الخبرة الرفيعة فى الشؤون الدولية، ولقد كنت أشعر دائمًا بأن السيدة «بنيتا» شديدة الطموح فهى تتحدث الألمانية والإنجليزية والفرنسية بطلاقةٍ واضحة، وهى متزوجة من إسبانى يهوى الموسيقى والفنون التشكيلية، لذلك أصبحت تتحدث أيضًا الإسبانية وتجيدها كلغةٍ رابعة،
ولقد صعد بها طموحها القائم على كفاءتها العالية لكى تكون مرشحة حزبها فى الانتخابات العامة لمنصب رئيس الجمهورية، الذى حصل عليه منافسها السيد «فيشر» رئيس البرلمان النمساوى السابق والذى أصبح رئيسًا للجمهورية بفارق أصوات ضئيل للغاية يتأرجح بين ١% و٢%، ولكن السيدة «بنيتا» لم تستسلم للخسارة ولم تقف أمام منصب رئيس جمهورية دولة «النمسـا» الذى لم تحصل عليه بفارقٍ محدود، بل اتجهت إلى القارة الأم واتحادها القوى لكى تصبح مفوضة الاتحاد الأوروبى للشؤون الخارجية وهو منصب متميز،
ولقد زارت «مصر» أكثر من مرة بحكم منصبها الجديد وكان لى دائمًا شرف استقبالها والالتقاء بها، وكانت كعهدها ودودةً يقظةً محبةً لبلادى وتربطها صلاتٌ طيبة بوزراء الخارجية المصرية، خصوصًا السيد «عمرو موسى» ـ صاحب الكاريزما المعروفة لدى الرجال والنساء على حدٍ سواء ـ ولقد وقفت تلك السيدة الفاضلة وراء منحى الوسام الأعلى لدولة النمسا،
رغم أننى كنت قد حصلت قبل ذلك بعامٍ واحد على الوسام النمساوى الرفيع الذى يمنح لمن يسهم بخدماتٍ ثقافية متميزة على المستويين الدولى والإقليمى، وقد جاء ذلك فور انتهاء خدمتى فى بلادها حين حضر إلى القاهرة أحد وزراء الحكومة النمساوية وسلمنى ذلك الوسام فى حفلٍ كبير ضمَّ عددًا من الشخصيات المصرية المرموقة وقد ألقى الوزير النمساوى خطابًا رقيقاً كما تحدث أيضًا فى تلك المناسبة سفير النمسا الأسبق الصديق «فردناند تراوتمانس دورف» وهو سليل أصحاب الدماء الزرقاء، لأنه أحد أحفاد إمبراطور النمسا،
ولست أنسى أيضًا أن الوزيرة «بنيتا» أقامت على شرفى حفل توديع كبيرًا فى مبنى وزارة الخارجية النمساوية، وألقت فيه كلمة رقيقة أعطتنى فيها ما أستحق وما لا أستحق، ومازلت أتذكر عندما ذهبت إليها ذات يوم فى مقر وزارة الخارجية طالبًا دعم بلادها لترشيح الدكتور «إسماعيل سراج الدين» لمنصب مدير عام «اليونسكو»، وكانت التعليمات الواردة لنا من الخارجية المصرية هى ألا نقول عنه أنه مرشح «مصر» بل نقول أنه مرشحٌ من «مصر»!،
ذلك لأننا كنا نعانى فى ذلك الوقت من انقسامٍ فى المجموعة العربية، حيث كان ينافسه الوزير السعودى الشاعر الدكتور «غازى القصيبى»، ولقد ضحكت الوزيرة يومها كثيرًا وقالت إننا سنؤيد المرشح من مصر حتى لو لم يكن المرشح الرسمى لها، وأتذكر أيضًا خطبتها فى افتتاح المؤتمر الدولى «للمعاهد الدبلوماسية» فى مقر الأكاديمية الدبلوماسية «بفيينا»،
والذى حضرته فى الأسبوع الأول لوصولى إلى «فيينا» كمدير سابق لمعهد الدراسات الدبلوماسية فى وزارة الخارجية المصرية، حيث تجلى إلمامها الواسع بالقضايا الدولية والمشكلات الإقليمية لذلك فأنا أظن أن تلك السيدة قد علمت نفسها كثيرًا حتى اتسمت مواقفها بالموضوعية، إلى جانب تعاطفٍ حذر مع الجانب العربى والشعب الفلسطينى، ولقد كانت بوابتها إلى المنطقة منذ بدايتها الأولى هى «مصر» ومازال عطاؤها يتواصل دون توقف على المستويين الأوروبى والدولى، لذلك فإننى أتذكرها دائمًا كصديقة لبلادى، ومسؤولة عالية الكفاءة، وشخصية رفيعة الشأن


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 04:23 PM   #6
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


«أنيس منصور»

بقلم د.مصطفى الفقى ١٣/ ١١/ ٢٠٠٨
كنت دبلوماسياً صغيراً فى العاصمة البريطانية عندما زارها ذلك الكاتب الأسطورى الكبير، والتف الشباب المصرى حوله فى أحد الفنادق القريبة من مبنى القنصلية المصرية فى منطقة «بيزووتر» يستمعون إلى حديثه الجذاب وقصصه المثيرة وعباراته الساخرة،
وأتذكر أيضاً عندما كنت مستشاراً للسفارة المصرية بالهند أننى كنت أنتظر «الحقيبة الدبلوماسية» كل أسبوع، لكى أقرأ الحلقات التى كان يكتبها الأستاذ «أنيس منصور» فى مجلة «أكتوبر» ـ التى أنشأها ـ وقد جمع تلك المقالات بعد ذلك فى كتابه الرائع «فى صالون العقاد كانت لنا أيام» وكنت أستمتع كثيراً بتلك الحلقات لأنها تندرج تحت ما نطلق عليه عملية التأريخ الفكرى والثقافى والاجتماعى لمصر فى فترة ازدهر فيها الأعلام الموسوعيون،
وفى مقدمتهم «صاحب العبقريات»، وقد يختلف الكثيرون مع الأستاذ «أنيس منصور» فى بعض مواقفه السياسية خصوصاً ما يتصل منها بانتقاداته الحادة للعصر الناصرى وموقفه من قضية السلام والتطبيع مع إسرائيل، ولكن يظل ذلك كله محكوماً بإطار القيمة الرفيعة لذلك المفكر الفذ الذى أثر فى ثلاثة أجيال ـ على الأقل ـ عبر تاريخنا الحديث، فهو صاحب أكبر عدد من الكتب التى أصدرها كاتب «مصرى» فى حياته،
كما أنه يتمتع بقاعدة عريضة من القراء من الرجال والنساء من مختلف شرائح العمر لم يتمتع بها سواه. إنه كاتب مقروء، ومحدّث مسموع، يملك مساحة واسعة من حرية التعبير عن الرأى انتزعها بقيمته ومكانته، خصوصاً فى السنوات الأخيرة، وهناك من لا يتحمسون لبعض آرائه ويرون فيه أحياناً ـ رغم قامته الفكرية العالية ومكانته الثقافية الرفيعة ـ كاتباً عدمياً، يميل إلى التشاؤم ويستغرق طويلاً فى جلد الذات،
كما أنه يبدو فى بعض الأحيان يائساً من محاولات الإصلاح، متحفظاً تجاه بعض الشخوص والأفكار والمواقف بصورة جريئة، بل وأسلوب لاذع، وسوف يظل كتابه «حول العالم فى ٢٠٠ يوم» سفراً رائعاً يجمع بين المعلومة الجغرافية والنظرة الثقافية والمتعة الذهنية، فكتبه تقدم فائدة مزدوجة لقرائه وتلاميذه، لأنها زاد ثقافى وجرعة نفسية ومادة للتسلية.
كل ذلك فى وقت واحد، إنه «أنيس منصور» صاحب المواقف المثيرة الذى كتب عن «تحضير الأرواح»، وقام بعملية تشريح واعية لأمراض المجتمع وهمومه، وهو أستاذ الفلسفة فى الجامعة الذى تأثر بالعظماء فى المجالات الأكاديمية والثقافية فى مصر والعالم لعشرات السنين، وهو قارئ نهم يستطيع أن يهضم الكتاب الذى بين يديه قبل أن ينتهى من قراءة صفحاته.
إنه موسوعى موهوب يملك جاذبية هائلة فى الحديث، حتى أطلق عليه المقربون منه لقب «الساحر»، ولست أنسى أبداً ذلك الجدل المستمر الذى ثار حول كتاباته أحياناً ومواقفه أحياناً أخرى، وأتذكر أنه قال لى ذات مرة إن «عبدالناصر» ظاهرة «هيكلية» صاغها كاتبه ومفكره ومستشاره الأول «محمد حسنين هيكل»،
ولدى «أنيس منصور» عشرات بل ومئات القصص والطرائف، فضلاً عن المشاغبات والمداعبات مع أصدقائه من مختلف الأجيال، بدءاً من «بطرس غالى» وصولاً إلى «زاهى حواس»، وبينهما عشرات من المفكرين والسياسيين من أنحاء العالم. وقد رافق كاتبنا الرئيس «السادات» طوال فترة حكمه وكان بمثابة مستشاره الثقافى ومحاوره الفكرى..
صداقته ممتعة، وعداؤه شديد، تربطنى به شخصياً صلة ممتدة عبر عشرات السنين، عرفته فيها مفكراً هادئاً وناقداً يقظاً وقارئاً نهماً وكاتباً لديه معين لا ينضب حول تاريخ الأدب وثقافات الشعوب وحضارة العرب والغرب على حد سواء، يستمد منها خصوصاً عندما يكتب عن أساتذته العظام «العقاد» و«طه حسين» و«الحكيم» و«منصور فهمى» و«عبدالرحمن بدوى» وغيرهم من رموز الفكر المصرى المعاصر،
وهناك قيمة أخرى لـ«أنيس منصور» تتجسد فى إيمانه بمصر المنفتحة المزدهرة التى احتضنت الجاليات الأجنبية بها وصنعت منها تجربة رائعة للتعايش المشترك بين المسلمين والمسيحيين واليهود وطوائف الأرمن واليونانيين والإيطاليين والشوام، ممن أكسبوا مصر مذاقاً خاصاً فى النصف الأول من القرن العشرين، وأنا أظن أيضاً أن ذلك المفكر الموهوب قد قطع فى مسيرة حياته مسافة مرهقة من الشك إلى اليقين، من الوجودية إلى الإيمان، من ثقافات الغرب إلى حضارة الإسلام،
وكلما التقيته فى جلساتنا الخاصة أجد لديه أسئلة يطرحها وأخباراً يحققها، وذلك شأن الفلاسفة المجددين والمفكرين الكبار، فتحية لذلك الكاتب العبقرى والصحفى المرموق الذى قد يختلف الناس معه ولكنهم لا يختلفون حول قيمته كمفكر ومثقف وكاتب أديب ومؤلف روائى وناقد مسرحى ومؤرخ اجتماعى ارتبط اسمه بالحركة الفكرية والبيئة الثقافية فى الشرق الأوسط على امتداد العقود الخمسة الأخيرة.
أمد الله فى حياته كاتباً ثرى الفكرة، غنى النظرة، دافئ العبارة، قوى الحجة، حاد القلم، يتأرجح بين الوجود والعدم، بين البرج العاجى والشارع العادى، بين الأسطورة والحقيقة، بين الواقع والخيال!.

عبد العزيز حجـازى»

بقلم د.مصطفى الفقى ٦/ ١١/ ٢٠٠٨
لم أدرس على يديه مباشرةً ولكننا ـ ونحن طلاب الجامعة ـ كنا طوال فترة الدراسة فى كلية «الاقتصاد والعلوم السياسية» خلال النصف الأول من ستينيات القرن الماضى ندرك أن اسم «عبد العزيز حجازى» ملء السمع والبصر، يتحدث عنه طلاب كليات التجارة والكليات الأخرى بالإعجاب الممزوج بالهيبة، فمن متحدثٍ عن شخصيته القوية إلى منبهرٍ بعلمه الغزير إلى مقدرٍ لدوره النشيط فى الحياة الجامعية.
وكأنما استجاب الرئيس «عبد الناصر» لمطلب تلاميذ الدكتور «حجازى» فاختاره وزيرًا للخزانة فى فترة عصيبة بعد نكسة ١٩٦٧، فاقترن اسم هذا المصرى المرموق بفترة الإعداد لمعركة الثأر من بدايتها حيث قدم لوطنه خدماتٍ جليلة فى مرحلة إعداد الدولة للحرب ورد العدوان، ولم يكن ذلك أمرًا هينًا خصوصًا على الصعيد الاقتصادى.
وقد اقترن اسمه أيضاً بواحدٍ من الوثائق المهمة فى تاريخ الثورة المصرية وأعنى به بيان ٣٠ مارس ١٩٦٨ الذى كان بمثابة الانطلاقة للتحول نحو مجتمع الحريَّات والخروج من دائرة الحراسات، كما أن ذلك البيان كان مقدمةً مبكرة وتمهيدًا تاريخيًا لسياسة تحرير الاقتصاد المصرى والدخول فى مرحلة الانفتاح الإنتاجى التى يعتبر الدكتور «حجازى» بطلها الحقيقى، ولا يمكن أن نتذكر سياسة الانفتاح إلا وهى مقترنة باسم ذلك العالم الكبير.
والدكتور« حجازى» يمثل نموذج الفلاح المصرى «ابن الشرقية» الذى درس فى «بريطانيا» وحاز أعلى الدرجات العلمية وظل محتفظًا بكبرياء الريف المصرى وأصوله وقواعده معتزًا بنفسه محافظًا على كرامته مترفعًا حتى فى حضرة الملوك والرؤساء!
لذلك لم يكن غريبًا أن يستعين به الرئيسان «عبد الناصر» و«السادات»، فهو مهندس إعداد الدولة لحرب ١٩٧٣ الظافرة، وهو الذى استطاع أن يضع الاقتصاد المصرى فى إطار العملية التعبوية الشاملة لحشد موارد الدولة لتحقيق النصر المجيد،
وقد اختاره الرئيس «السادات» رئيسًا للوزراء ـ بعد حرب اكتوبر ـ فانتقى الدكتور «حجازى» مجموعة معاونيه من الكفاءات التى يعرفها فى المجالات المختلفة، وقد كان تركه لمنصب «رئيس الوزراء» تصرفًا مبهمًا لا يخلو من غموض صراعات القوى فى الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس الراحل «أنور السادات»،
ولقد ظل الدكتور «حجازى» محتفظًا بمكانته وقيمته، متألقًا فى كل مراحل حياته، بالمنصب وبدونه، بالموقع المتميز وبشخصيته وحدها، وظل مكتبه الشهير مزارًا لأصحاب الحاجات وطالبى دراسات الجدوى.
كما لم يغمض الوطن عينيه عنه أبداً فكان طرفًا فاعلاً فى العديد من المؤتمرات المحلية والإقليمية والدولية وظل اسمه متوهجًا فى سماء مصر خصوصًا فى المنظمات غير الحكومية والأعمال الخيرية. وأتذكر أنه دخل علينا ذات يوم فى اجتماع أعضاء السفارة المصرية فى «لندن» وهو رئيسٌ للوزراء وكان بسيطًا رقيقًا واعيًا،
وحدثنا يومها عن هموم الوطن ومشكلاته، وقال لنا إن الظروف الاقتصادية صعبة والمرتبات ضئيلة، وأن بعض الوزراء فى حكومته لو عرض عليه منصب مستشار السفارة فى لندن فسوف يقبله، وبذلك سد علينا الطريق بذكائه وفطنته حتى لا تكون لنا مطالب من ميزانية دولة أرهقتها الحرب ولم تستثمر بعد نتائج الانتصار.
وقد زاملت هذا الأستاذ العظيم فى مؤتمرات وندوات خارج الوطن وداخله واقتربت منه على امتداد العشرين عامًا الأخيرة، ووجدت فيه حكمة المفكرين وهيبة العلماء ووطنية المقاتل من أجل وطنه وأمتيه العربية والإسلامية، وعندما كنت أستكمل دراسة الدكتوراه فى جامعة« لندن» كان «المستر فيولنج» سكرتير المكتب الثقافى المصرى،
وهو ألمانى الأصل استشراقى النزعة ـ يحدثنى عن النجباء من أبناء مصر الذين درسوا تحت إشراف المكتب الذى قضى فيه هو أكثر من أربعين عامًا ويتذكر دائمًا بالتقدير والاحترام اسم «عبدالعزيز حجازى» طالب بعثة الدكتوراه فى« لندن» فى خمسينيات القرن الماضى.
ويجب أن أسجل هنا أن الدكتور« عبدالعزيز حجازى» يحظى باحترامٍ عربى وإسلامى ودولى لا نكاد نجد له نظيرًا لدى شخصية مصرية عامة أخرى، وهو أيضًا هادئ الطبع خفيض الصوت إلا إذا استنفر لسببٍ يتصل بوطنه أو دينه.
وهو يترأس حاليًا اتحاد الجمعيات الأهلية المصرية بما فيها جمعيات الصداقة مع الدول الأجنبية ويكرس جل وقته لجمع التبرعات للأعمال الإنسانية والأنشطة التطوعية، ويترأس كذلك جمعية خريجى جامعة القاهرة التى يعد هو واحدًا من أبرز أبنائها. ولقد جمعتنى به منذ أسابيع قليلة ندوة فكرية ثقافية فى قاعة «أحمد لطفى السيد» تحت قبة الجامعة العريقة،
وتحدثنا يومها كلٌ من زاوية تخصصه، فكان فى شرحه لظروف حرب أكتوبر وملابساتها الاقتصادية والمالية ما يؤكد الدور العظيم لذلك الوطنى المتألق فى كل الظروف، وأمام التحديات كافة.
ولقد دعانى يومًا - منذ سنواتٍ قليلة - إلى العشاء فى منزله على شرف الأمير« الحسن» الذى كان وليًا لعهد الأردن وحضر لإلقاء محاضرة فى النادى الثقافى المصرى الذى يترأسه الدكتور «حجازى» منذ سنوات، ويومها كانت «عصمت هانم» هى المضيفة الراقية للجميع بلا استثناء،
وعندما رحلت رفيقة العمر التى كانت تلميذته فى الجامعة تسلل الحزن الهادئ إلى وجه العالم الجليل وأصبح يتوكأ أحيانًا على عصاه، يخاطب الزمن الذى مضى والرفيقة التى رحلت، ولكن ظل الشموخ والكبرياء يتمثلان فى خطواته الثابتة وكلماته الواثقة.
أمدَّ الله فى عمره خادمًا لوطنٍ يحبه وأمةٍ تقدره وشعبٍ لا ينسى فضل أبنائه العظام.


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 04:24 PM   #7
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


محمد حافظ إسماعيل

بقلم د.مصطفى الفقى ٣٠/ ١٠/ ٢٠٠٨
فى تاريخ الأمم وحياة الشعوب شخصياتٌ استثنائية قد لا يشعر الناس كثيرًا بوجودها ولكنهم بعد حين يفتقدون بشدة غيابها، وهذا النمط الرائع من البشر يعمل غالبًا فى صمت ويتحمل مسؤولياته فى كفاءة،
ويقدم النموذج الرفيع الذى يجب أن يحتذى به الآخرون وأن تتعلق به الأجيال الجديدة بعيدًا عن أجواء الفساد والتخلف والذاتية، فلقد كان «محمد حافظ إسماعيل» مثالاً للمصرى الوطنى رفيع القدر مرفوع القامة عالى الهامة يتميز بالشموخ والكبرياء فى لحظات الانتصار والانكسار على حدٍ سواء،
فلقد وصل إلى رتبة «لواء» بالقوات المسلحة المصرية فى أواخر الثلاثينيات من عمره، وعمل مديرًا لمكتب المشير «عبدالحكيم عامر» وكان مختصًا فقط بجوانب العمل العسكرى البحت من تدريب وتسليح وتنظيم وإدارة، وهو يعتبر الخبير الأول فى مفاوضات صفقة الأسلحة «التشيكية» فى منتصف الخمسينيات من القرن الماضى، والتى كانت بمثابة نقلة نوعية فى تسليح الجيش المصرى الحديث، وتميز دائمًا بالكفاءة المطلقة والجدية الكاملة ونظافة اليد وعفة اللسان،
وعندما جاء إلى وزارة الخارجية المصرية فى مطلع الستينيات كان هو بحق العقل المنظم الذى أعطى الخارجية المصرية شخصيتها المطلوبة، فهو الذى قسمها إلى إدارات متخصصة ووضع قواعد محددة للتعيين والترقى والنقل إلى الخارج من حيث المناطق الجغرافية والمدد المرتبطة بكلٍ منها، ومازالت أجيال سبقتنا بسنواتٍ قليلة تتذكر «محمد حافظ إسماعيل» رئيس لجان الامتحان الشفهى للتعيين فى الخارجية،
وأسئلته الدقيقة وملاحظاته الواعية بل ومداعباته الرقيقة، وعندما ذهب إلى باريس سفيرًا فى المرة الأولى وهو لا يتحدث الفرنسية لم تمض إلا شهور قليلة وكان «محمد حافظ إسماعيل» يدخل فى حوارٍ بالفرنسية مع الرئيس العملاق بطل التحرير «شارل ديجول»، وقد عمل أيضًا سفيرًا فى «لندن» وسفيرًا فى «موسكو»،
ثم تم ترشيحه سفيرًا فى «الهند» ولكن الرئيس الراحل «أنور السادات» أجرى تعديلاً على الحركة الدبلوماسية قبل مغادرة «حافظ إسماعيل» القاهرة بأيامٍ قليلة لكى ينقله إلى«باريس» سفيرًا لدى فرنسا للمرة الثانية، وقد عمل «محمد حافظ إسماعيل» رئيسًا للديوان الجمهورى، ثم مستشارًا للأمن القومى فى فترة شديدة الحساسية بالغة الصعوبة من تاريخنا الوطنى وكنَّا نتندر،
نحن شباب الدبلوماسيين، على صرامة «حافظ إسماعيل» وجبينه المقطب دائمًا وابتسامته الغائبة، فكنا نطلق عليه اسم «كيشنجر» على وزن نظيره الأمريكى «كيسنجر»،
ولقد أبلى الرجل دائمًا بلاءً حسنًا فى المفاوضات والمباحثات والمنظمات لأنه كان صاحب عقلية مرتبة للغاية وشخصية جادة فى كل الظروف، وعندما أولانى السيد «عمرو موسى» وزير الخارجية - آنذاك - موقعى مديرًا لمعهد الدراسات الدبلوماسية عام ١٩٩٣ اقترحت تكريمًا سنويًا لإحدى الشخصيات البارزة فى تاريخ الدبلوماسية المصرية حتى يرى فيهم الدبلوماسيون الجدد قدوة تحتذى ونموذجًا يقتفى،
ومازالت هذه السنة الحميدة تتواجد سنويًا مع زملائى السفراء من مديرى المعهد الدبلوماسى حتى الآن، ولقد بدأت هذه السلسلة من التكريم بالسيد «محمد حافظ إسماعيل» حيث دعوته متحدثًا إلى أبنائه من شباب السلك الدبلوماسى المصرى فى حضور مساعدى وزير الخارجية وعدد من البارزين الذين عملوا إلى جواره فى المواقع العسكرية والمدنية المختلفة،
وأذكر ممن حضروا التكريم الدكاترة «أسامة الباز» و«على السمان» والسفيران «أحمد ماهر» و«على ماهر»، وقد حاول الدكتور «عصمت عبد المجيد» حضور تلك المناسبة، ولكن حالت ظروف ارتباط عمله أمينًا عامًا لجامعة الدول العربية دون ذلك، والجدير بالذكر أن الدكتور«عصمت» بتاريخه الطويل وخبرته العريقة قد عمل مديراً لمكتب «حافظ إسماعيل» فى مرحلة معينة، ومازلت أتذكر أن السيد «حافظ إسماعيل» فى يوم تكريمه بالمعهد الدبلوماسى كان ودودًا رقيقًا،
كما أهديته يومها باسم الدفعة التى كانت تدرس بالمعهد «شهادة تقدير» تتضمن أسباب تكريمه والمحطات البارزة فى تاريخه النقى النظيف والمتألق المزدهر فى ذات الوقت، وتواصلت علاقتى بذلك الرجل العظيم خصوصًا أثناء عضويتنا معًا فى «لجنة العلوم السياسية» بالمجلس الأعلى للثقافة وكان معنا مديرٌ سابقٌ لمكتبه أيضًا هو السفير «عبد الهادى مخلوف» أطال الله فى عمره ..
وذات يوم انسحب ذلك المقاتل «محمد حافظ إسماعيل» من ساحتى الحرب والدبلوماسية معًا ليزوى فى مقبرةٍ تذكِّر المصريين جميعًا بأن رجلاً عظيمًا قد رحل عن عالمنا تاركًا مدرستين ناجحتين فى القوات المسلحة ووزارة الخارجية، لقد مضى ولكن ذكره سوف يبقى بين الشوامخ من أبناء الكنانة.


محمود نور الدين»

بقلم د.مصطفى الفقى ٢٣/ ١٠/ ٢٠٠٨
إنها شخصية جدلية حار بشأنها المقربون منها واختلف حولها البعيدون عنها، إنه «محمود نور الدين السيد» قائد تنظيم «ثورة مصر» الذى تعقب عدداً من المسؤولين الإسرائيليين فى مصر من العاملين بسفارتها بالقاهرة، أو من شاركوا فى أحد الأعوام فى المعرض الدولى للكتاب بها.
وترجع صلتى به إلى سنوات عملى فى السفارة المصرية بلندن مع بداية سبعينيات القرن الماضى فعندما بدأت العمل هناك لاحظت أن ذلك الشاب طويل القامة لطيف المعشر المعروف بالكرم والمروءة هو موظف محلى بالبعثة، ولكنه يتمتع بنفوذ أكبر من ذلك بكثير، فعلاقاته الشخصية واسعة وزواره الكبار كثر،
ودعواته متكررة لحفلات الغداء والعشاء لى ولزملائى على شرف المسؤولين القادمين من مصر، كما أننى أتذكر أنه كان يقوم بمجاملة معروفة عندما يصل زميل جديد إلى السفارة فيقدم «محمود نور الدين» سيارته الشخصية الثانية ليستخدمها القادم الجديد حتى تصل سيارته المشتراة بعد عدة أسابيع.
وقد عزز من صلتى به معرفته الواسعة بالناس، كما أن قرينته وأم بناته الثلاث السيدة «نادية سري» كانت زميلة عزيزة لى فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وهى تنتمى إلى عائلة مرموقة تأكد لى من زواجها به أن أهميته تفوق ما نراه عليه فضلاً عن ثرائه الظاهر وجاذبيته الواضحة.
وأتذكر له مواقف تتسم بالرجولة والشهامة معى ومع زملائى أيضاً فعندما مكثت فى لندن عامين إضافيين بعد انتهاء خدمتى الرسمية فى السفارة كى أستكمل دراستى للدكتوراه كان على أن أبعث إلى مصر بمنقولاتى وأثاث منزلى حتى أستفيد من الإعفاء الجمركى الخاص بالعودة إلى الوطن والمرتبط بفترة محددة،
ولقد فوجئت به يبعث إلى بقطع أثاث مؤقتة على سبيل الإعارة لعدة أسابيع حتى أتمكن من تأثيث شقة الطالب الجامعى بديلاً عن مسكن المسؤول الدبلوماسى، وأتذكر عندما كنت أعمل فى الهند مع نهاية السبعينيات من القرن الماضى أن عدت إلى العاصمة البريطانية فى زيارة عائلية وفوجئت به يأتينى من العاصمة السويدية حيث كان يقيم فى تلك الفترة قائلا إنه عرف بوجودى فى لندن من صديق مشترك يعمل فى أحد البنوك وكان وقتها متورطاً فى حملة معارضة قوية ضد سياسات الرئيس الراحل «السادات» بعد توقيعه على «معاهدة السلام» مع إسرائيل،
حيث أصدر «محمود نور الدين» صحيفة «٢٣ يوليو» تحت إشراف الكاتب المصرى الكبير «محمود السعدنى» ـ شفاه الله وعافاه ـ وكان هدف لقاء «محمود نور الدين» بى أثناء زيارتى الخاطفة للندن هو تحميلى رسالة للتوسط وإصلاح ذات البين مع المسؤولين الذين يمكن أن أصل إليهم فى القاهرة، وبالفعل قابلت السفير «حسن أبو سعدة» سفير مصر فى لندن حينذاك ـ شفاه الله وعافاه ـ وأطلعته على تفاصيل اللقاء وأهدافه فأبدى السفير ـ وهو أحد أبطال حرب أكتوبر ـ تفهماً لما فعلت ووعد بتأييد المسعى.
ولقد سمعت عن «محمود نور الدين» روايات كثيرة فمن قائل أنه قد قتل أحد أصدقائه السابقين فى لندن تعذيباً على مدى ثلاثة أيام انتقاما من خيانته له، ومن قائل آخر إنه كان رجل المخابرات المصرية فى العاصمة البريطانية وقائل ثالث إنه كان مقامرا ومغامرا جاءته الثروة بعد أن عمل فى المكتب التجارى المصرى فى لندن قبل أن يلتحق بوظيفته المحلية فى السفارة المصرية،
ولكننى أشهد الله أننى لم أر من ذلك الرجل إلا كل الخصال الحميدة والصفات الطيبة، وعندما جرى اقتحام مسكنه فى القاهرة للقبض عليه كمتهم بقيادة «تنظيم ثورة مصر» الذى مارس سلسلة من محاولات الاغتيال ضد بعض الشخصيات الإسرائيلية طالب «محمود نور الدين» فى بداية التحقيق معه بضرورة حضور شخصية يثق فيها وذكر اسمى تحديدا رغم موقعى الحساس حينذاك كسكرتير للسيد رئيس الجمهورية للمعلومات،
حتى ظهرت صحيفة «الأهالي» فى اليوم التالى بعنوان هو «محاولة الزج باسم مسؤول برئاسة الجمهورية فى قضية أمنية كبرى» ولقد انقطعت صلتى د »محمود نور الدين« فى سنواته الأخيرة، وعندما جاءتنى ابنته ـ وهو يقضى عقوبة السجن المؤبد بعد أن خانه شقيقه وأبلغ عنه السفارة الأمريكية بالقاهرة ودل على محل إقامته ـ تطلب منى شهادة شخصية للسلطات البريطانية وتوقيعاً على استمارة طلبها جواز سفر بريطانى تستحقه بحكم المولد لم أتردد لحظة واحدة فى أن أفعل ذلك،
وقد علمت منها بعد ذلك أن والدها قد تأثر كثيراً من موقفى وأرسل لى من محبسه بخالص تحياته وصادق دعواته، ثم فوجئت ذات صباح بنبأ رحيله عن عالمنا وهو فى محبسه رافضاً للتطبيع مقاوماً للوجود الإسرائيلى فى المنطقة. وقد يختلف البعض عليه أو يتفق معه ولكنه يبقى فى النهاية ظاهرة تستحق الدراسة والبحث على المستويين الشخصى والرسمى ..
رحمه الله وهو فى رحاب ربه يحكى قصته فى الملأ الأعلى ويفتح صندوق أسراره الذى لم نتمكن من معرفة خباياه فى عالمنا الزائل.


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 04:25 PM   #8
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


الملكة إليزابيث الثانية

بقلم د. مصطفي الفقي ١٦/ ١٠/ ٢٠٠٨
التحقت بالسلك الدبلوماسي المصري في نهاية عام ١٩٦٦، ونُقلت بعدها بأربع سنوات إلي القنصلية العامة في لندن، ثم السفارة المصرية بها.. وكانت التقاليد الملكية البريطانية ـ ولا تزال ـ تقضي بلقاءين سنويين بين صاحبة الجلالة وأعضاء السلك الدبلوماسي الأجنبي في بريطانيا،
من خلال حفلتين إحداهما شتوية داخل قصر «باكنجهام»، والثانية صيفية في حدائق القصر، وكان نظام السفارة المصرية يقضي بأن يصطحب السفير المصري معه الملحق العسكري واثنين أو ثلاثة من أعضاء السفارة.
من بينهم أحدث دبلوماسي فيها، وبذلك أتيحت لي الفرصة في سنٍ مبكرة أن أدخل قصر «باكنجهام» ضمن وفد السفارة، المصرية الذي تستقبله الملكة، ويتشرف أعضاؤها بمصافحتها وهم يتقدمون نحوها خلف سفيرهم،
وأمضينا عدة أيام قبل الحفل نستأجر بدلة التشريفة الرسمية التي سوف نرتديها يوم لقاء الملكة، مع بعض التعليمات البروتوكولية الخاصة بالانحناءة الخفيفة أمام جلالتها علي أن نخاطبها في البداية بـ «صاحبة الجلالة»، فإذا استطردت في الحديث تكون مخاطبتها بعد ذلك بعبارة «سيدتي».
وفي يوم الاحتفال تقدمنا سفيرنا الراحل السيد «كمال الدين رفعت» لنقف وجهًا لوجه ـ في حديثٍ قصير ـ مع الملكة «إليزابيث الثانية» وزوجها الأمير «فيليب»، الذي بادرنا بصوتٍ مرتفع، وهو من أصلٍ يوناني ويتحدث مثل شعوب البحر المتوسط دون التقيد كثيرًا بآداب الخطاب الملكي: «ما معني الجمهورية العربية المتحدة؟»،
وكان ذلك لا يزال هو الاسم الرسمي للدولة المصرية قبل صدور دستور ١٩٧١ الذي جعل اسم الدولة هو «جمهورية مصر العربية»، ثم أضاف زوج الملكة، بلهجة جادة لا تخلو من انفعال، قائلاً : «إن اسم مصر هو واحدٌ من أقدم الأسماء في تاريخ البشرية، ولا يجوز أن يختفي أبدًا»،
وأضاف الأمير «فيليب»: من قال لكم إنكم عرب؟، إننا عندما نتحدث عن منطقتكم نقول «مصر والدول العربية» تمييزًا لتاريخكم واحترامًا لحضارتكم! وبدت الملكة محرَجة من حديث زوجها الذي يفتقد اللياقة، وقد لا يخلو أيضًا من شبهة التدخل في الشؤون الداخلية لدولة محورية في العالم العربي،
ولقد علمت أن الأمير «فيليب» قد كرر نفس السؤال علي وفد السفارة المصرية الذي ذهب في العام التالي للمناسبة ذاتها وعندما علم أن كلمة «مصر» قد ظهرت من جديد في الاسم الرسمي للدولة أبدي ارتياحه لذلك، وتمني التركيز المستمر علي الهوية الأولي للدولة المصرية، وعندما ذهبت في عام آخر إلي الحفلة الصيفية في حدائق القصر،
ألزمنا البروتوكول البريطاني بأن ترتدي زوجات الدبلوماسيين قبعاتٍ لابد منها عند لقائنا الأسري بالملكة، في ذلك الحفل السنوي الصيفي المفتوح الذي تبدو فيه القيود البروتوكولية أقل من الحفل الشتوي داخل القصر،
ثم شاءت الأقدار أن أعمل بعد ذلك بسنوات في مؤسسة الرئاسة بالقاهرة، وأن أكون ضمن الوفد المصاحب لرئيس الجمهورية في زيارته الرسمية (زيارة دولة) إلي العاصمة البريطانية في الثالث والعشرين من يوليو عام ١٩٩١،
وتابعت عن قرب واحدة من طرائف تلك الملكة العريقة التي تتصف بالرقي والوداعة والهدوء، فقبيل وصول «الرئيس مبارك»
والسيدة قرينته إلي قصر «باكنجهام» للإقامة في الجناح المخصص تكريمًا لهما في الضيافة الملكية، كان لابد أن يتولي الحرس الجمهوري المصري تفتيش الجناح وحراسته قبل وصول الرئيس بيومٍ كامل علي الأقل، وقد فوجئ ضابط المفرقعات المصري بأن الأميرة «مارجريت» شقيقة الملكة ـ التي توفيت منذ سنوات ـ تدخل الجناح من بابٍ خلفي لتستخدم حمام السباحة فيه،
فيضطر الضابط المصري إلي إجراء عملية التفتيش من جديد فور مغادرة الأميرة له، فوقف علي باب الجناح محتجًا بسبب تكراره لعملية التفتيش بشكل مرهق، ثم رأي سيدة وقوراً تمضي من أمامه وهي تلبس رداءً أبيض وحذاءً خفيفًا، وتبتسم له في بساطة،
فظن أنها إحدي مشرفات القصر فاتجه إليها قائلاً بإنجليزية بسيطة: (يا سيدتي إنني كلما انتهيت من تفتيش الجناح فتحته الأميرة «مارجريت» من الجانب الآخر، فأضطر إلي إعادة التفتيش مرة أخري)، فابتسمت له قائلة: (لا تقلق.. سوف أحل لك المشكلة)،
وكان يتابعه علي الجانب الآخر من الردهة أعضاء مقدمة سكرتارية الرئيس المصري الضيف، وأدركوا علي الفور من ملامحها أن التي تحدث إليها الضابط هي الملكة «إليزابيث الثانية» ذاتها وصاحوا ينبهونه إلي ذلك، فكاد ينهار من فرط المفاجأة حتي فوجئ بها تعود إليه بابتسامة حانية والضابط الشاب ينظر إلي الأرض في اضطراب ويردد كلمة «الملكة.. الملكة»،
وقالت له: (لن تتعب بعد الآن فقد أغلقنا الباب الخلفي للجناح)، ثم داعبته بكلمات قليلة، بينما كاد هو يفقد الوعي، وزملاؤه ينظرون إليه علي الجانب الآخر بضحكات مكتومة ودهشة شديدة.
تلك هي ملكة بريطانيا، التي تعيش في بلاط «سان جيمس»، وتتربع علي عرش المملكة المتحدة منذ عام ١٩٥٣ حتي الآن، وتأبي التنازل لابنها الأمير «تشارلز» ـ الذي تجاوز هو الآخر الستين من عمره ـ عن العرش، لأن دفء الكرسي يجذب صاحبه إليه حتي النهاية..
إنها الملكة التي تصرفت بهدوء وشجاعة أمام الأزمات العاصفة التي اجتاحت عرش الإمبراطورية، التي كانت «لا تغرب عنها الشمس»،
وعرفت المآسي الكبري في حياة تلك العائلة التعيسة أحيانًا، رغم أبهة الحكم وجلال العرش، فمن شقيقة مدمنة رحلت عن عالمنا، إلي أميرةٍ متمردة أطاحت بسمعة ولي العهد، إلي زوجةٍ جديدة له لا تملك جاذبيةً تشدها مع زوجها نحو العرش المنتظر..
إنها إليزابيث الثانية الصامدة التي رحلت أمها منذ سنواتٍ قليلة بعد أن جاوزت المائة من عمرها.. فأبشري يا صاحبة الجلالة بطول العمر، أما أنت أيها الأمير «تشارلز» فإن انتظارك قد يطول كثيرًا!

الفريق «الليثي نـاصف»

بقلم د. مصطفي الفقي ٩/ ١٠/ ٢٠٠٨
في الصباح الباكر لأحد أيام صيف ١٩٧٣ كنت قنصلاً لمصر بالإنابة في العاصمة البريطانية واتصل بي المرحوم الدكتور «عبدالغفار خلاَّف»، المستشار الطبي للسفارة المصرية في لندن ليبلغني بسقوط الفريق «الليثي ناصف» قائد الحرس الجمهوري السابق والسفير المصري المرشح لدولة اليونان من شرفة الشقة التي يقيم بها في برج «ستيوارت» بمنطقة «ميدافيل»، وأن الفريق قد توفي بالفعل فور ارتطامه بأرض الشارع، وأن البوليس يطوِّق المنطقة،
كما بدأ توافد بعض الصحفيين إرضاءً للفضول الإعلامي بسبب أهمية الفريق الراحل، فتوجهت علي الفور إلي مكان الحادث، وما إن وصلت وصعدت إلي الطابق الحادي عشر، حيث كان يقيم، وجدت المشهد الحزين لأرملته وابنتيه، وكان واضحًا أن عنصر المفاجأة الأليمة قد أطاح بتوازن رفيقة حياته، التي كانت تبكي في حرقة، وتطالب بدفنه بعد الاتصال بالملك «حسين» عاهل الأردن والملك «الحسن» عاهل المغرب لأنهما من سلالة «النبي صلي الله عليه وسلم»،
وتضيف السيدة الحزينة التي تنحدر من أصول تركية واضحة أن هناك مؤامرة هي التي أودت بحياة الفريق «الليثي ناصف»، ورددت كثيرًا أنه تم الخلاص منه بسبب اعتزازه الشديد بالرئيس «عبدالناصر» حتي إنه أطلق اسم «هدي» و«مني» علي ابنتيه تيمنًا بابنتي الرئيس الراحل، وظلت السيدة المكلومة تتحدث بطريقة تلقائية أقرب إلي الهذيان منها إلي الكلام الواضح،
عندئذٍ وصل السفير «كمال رفعت» سفير مصر لدي المملكة المتحدة حينذاك والوزير المفوض «نبيل حمدي»، فحاولت زوجة الفريق الراحل إجراء مكالمتين تليفونيتين مع «عمَّان» و«الرباط»، ولكنها لم تنجح في ذلك حتي وصل ابنها الكبير من زواجٍ سابق لها، والذي كان يبكي بطريقة غير مسبوقة ويقول: «إن الفريق هو الذي رباني بعد وفاة والدي، فهو أبي الحقيقي»،
وهذا يدل علي شخصية «الليثي ناصف» النقية الطيبة، ولقد علمت يومها أن الفريق وأسرته قد انتقلوا إلي هذه الشقة قبل الحادث بيوم واحد، وأنها مملوكة لابن أحد المسؤولين في رئاسة الجمهورية المصرية وشريكه الراحل «نور الدين السيد» قائد «تنظيم ثورة مصر» الذي توفي بالسجون المصرية منذ سنوات قليلة.
وقد بدأت إجراءات التحقيق في الحادث للتفرقة بين احتمالات ثلاثة أولها أنه سقوط لا إرادي، لأن الفريق كان يعاني ضمورًا في المخ ولا يستطيع الاحتفاظ بتوازنه مع طول قامته، والاحتمال الثاني هو الانتحار، وهو احتمالٌ يكاد يكون معدومًا لمن يعرفون الفريق وإيمانه وخلقه،
أما الاحتمال الثالث فيحوم حول الشبهة الجنائية بقذف الفريق من الشرفة من الدور الحادي عشر في برجٍ عرف فيما بعد حالاتٍ مماثلة، منها سقوط الفنانة المصرية الشهيرة «سعاد حسني»، ولقد اهتم الرئيس السادات كثيرًا بالحادث وكان رئيس الديوان الجمهوري السيد «حافظ إسماعيل» يجري اتصالات يومية معنا في لندن لمتابعة التحقيق البريطاني في الحادث
وجري إيفاد كبير العائلة المرحوم «النبوي ناصف» وهو والد صديقي اللواء «نبيل» الذي عمل سنواتٍ في الأمانة العامة لمجلس الشعب بعد انتهاء خدمته في مباحث أمن الدولة والذي تربطني به صلة تمتد إلي أكثر من خمسةٍ وثلاثين عامًا كما حضر أيضًا الدكتور «صلاح سليمان» ابن أخت الفريق وهو أستاذ «السمعيات» الشهير بجامعة عين شمس،
ولكن الجانب البريطاني احتجز الجثمان قرابة أسبوعين كاملين لمزيدٍ من التحقيقات، وعقد جلسة حضرتها في المحكمة بالنيابة عن القنصلية المصرية وجري فيها الاستماع إلي أقوال ابنته الكبري «مني» وكانت فتاة عاقلة وهادئة، كما استمع إلي أقوال شاهد عيان كان يقف في شرفةٍ قريبة من شرفة الفريق حيث رآه وهو يترنح بجوار حافة شرفته حتي اختل توازنه وسقط مرتطمًا بأرضية الشارع،
عندئذٍ وافقت السلطات البريطانية علي الإفراج عن جثمان الفريق ليجري دفنه في وطنه عبر موكبٍ حزين توديعًا لقائدٍ عسكري تميزت حياته بالشرف والنزاهة واحترام الشرعية، فهو البطل الحقيقي لانقلاب ١٥ مايو ١٩٧١ الذي جري فيه اعتقال خصوم الرئيس «السادات» ليستقر له الحكم وتستتب له الأمور وكأنها «مذبحة القلعة»،
ولكن دون إراقة دماء، فلقد التزم «الليثي ناصف» بقسم الولاء لرئيس الجمهورية وتصرف كما يتصرف الكبار احترامًا للمنصب وتمسكًا بالشرعية الدستورية، ولكن يبدو أن من يري الكبار في لحظة ضعف فإن إبعاده يصبح مطلوبًا في كل الظروف!
ولقد تناولت الغداء ذات مرةٍ مع الفريق «الليثي» قبل وفاته بأسبوع تقريبًا علي مائدة القنصل العام السفير «محب السمرة»، ولاحظت أن ذلك القائد العسكري هادئ الطبع رقيق الخلق يمثل نموذجًا للعسكري المحترف، الذي لا تبدو له صلة بالسياسة من قريبٍ أو من بعيد، وبرحيله طويت صفحةٌ غامضة من صفحات التاريخ المصري المعاصر، رحم الله «الليثي ناصف» ابنًا بارًا للوطن ونموذجًا محترمًا للعسكرية المصرية


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 04:26 PM   #9
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


المشير أحمد إسماعيل

بقلم د. مصطفي الفقي ٢/ ١٠/ ٢٠٠٨
لم يجمعني بذلك القائد العسكري العظيم إلا أسبوع النهاية، عندما كنت أعمل بالسفارة المصرية في «لندن»، ووصل الصديق «محمد أحمد إسماعيل»، الدبلوماسي الشاب، في صحبة والده المريض، بعد أن قاد القوات المسلحة المصرية في حرب أكتوبر الظافرة.
ولقد وصل المشير إلي العاصمة البريطانية مرهقاً وقد نال منه المرض واستبد به الداء اللعين، فأُدخل علي الفور إلي مستشفي «ويلنجتون» في شمال غرب العاصمة البريطانية، علي مسافة خمس دقائق سيرًا علي الأقدام من منزلي حينذاك، وكان بصحبته أيضًا رفيقة حياته والدتنا الفاضلة السيدة «سماح شلقاني».
ولقد استقبله في مطار «هيثرو» السفير المصري الفريق «سعد الدين الشاذلي» وقد كان ذلك هو واجبه الوظيفي والتزامه العسكري، برغم ما كان بين الرجلين من ود مفقود، بل وعداء معروف، وتعود علاقتي بالصديق «محمد إسماعيل» إلي عدة سنوات قبل ذلك.
وهو بالمناسبة دبلوماسي هادئ ونابه، اختتم حياته الوظيفية مساعدًا لوزير الخارجية، بعد أن كان سفيرًا مرموقًا لمصر بالعاصمة السورية، كما أنه صاحب دور مهم عشية الخامس عشر من مايو ١٩٧١، فهو الذي أدخل والده الراحل إلي مبني المخابرات العامة، التي كان يعمل فيها الابن.
وكان من الصعب دخول الرئيس الجديد لذلك الجهاز العريق فجأة ودون مقدمات، إلا إذا تم الأمر بالصورة التي حدثت، وهي أن يصطحب الابن أباه في سيارته في الصباح الباكر إلي مكتب رئيس الجهاز ليباشر مهام منصبه الجديد دون صدام محتمل أو مشاكل متوقعة، ويبدو أن ذلك التخطيط العبقري لعملية الاقتحام السلسة، في ظل ظروف ذلك الوقت العصيب، كانت واحدة من نتاج فكر «السادات» ودهائه الفطري، ولقد كان ارتباط الابن بأبيه قوياً وعميقاً، لذلك كانت عاطفة «محمد إسماعيل» تجاه والده شديدة وتأثره بمرضه كبيراً.
ولحسن الحظ أن المشير «أحمد إسماعيل» لم يفقد وعيه إلا ما قبل وفاته بساعات قليلة، بل كان مبتسماً هادئاً طوال الأيام التي زرته فيها، وكان يسألني دائماً: ما هي أخبارك مع السفير «سعد الشاذلي»؟ وأعترف هنا بأنه كان يتحدث عنه باحترام، رغم أنه كان واضحاً لي أن تاريخ العلاقة بينهما لم يكن طيباً في مجمله، رغم أنهما عملا معاً في أهم مرحلة في تاريخ مصر الحديث، وهي مرحلة صنع انتصار أكتوبر العظيم.
كما كان الرجل يتحدث عن مصر وأمله في العودة إلي عمله وتحمل مسؤولياته ومشاركة الرئيس الراحل «السادات» خطواته التي أعقبت عمليتي فك الاشتباك علي الجبهة المصرية، وذات صباح اتصل بي صديقي «محمد أحمد إسماعيل» وقال لي إن والده يتنفس بصعوبة وإن صدره يرتفع ويهبط بشدة.
عندئذ شعرت بدنو الأجل وبأن ساعة الرحيل قد اقتربت، فذهبنا إليه في المستشفي وكان معنا زميلنا الثالث الدبلوماسي في السفارة «محمد أنيس»، وهو صديق قريب أيضاً إلي زميلنا ابن المشير وعندما صعدت روح القائد العظيم إلي بارئها احتشد العشرات من السفارة والمكتب العسكري والجالية المصرية.
وانعكست المأساة علي وجه الأرملة الصامدة التي لم تتوقف دموعها لحظة واحدة، خصوصاً أنها شهدت إلي جوار زوجها لحظات الانكسار والانتصار، فالمعروف أن اللواء «أحمد إسماعيل» قد شغل منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية عقب استشهاد الفريق «عبدالمنعم رياض».
ثم ترك موقعه بعد حادث سرقة الرادار الشهيرة، ويومها ظلمته صحيفة «الأهرام» وكتبت أن اختيار اللواء «أحمد إسماعيل» لرئاسة الأركان كان قراراً متعجلاً، لأن الرجل أمضي جزءاً كبيراً من حياته في إدارة النقل بالقوات المسلحة!
وأتذكر يومها أن التعليق لم يعجبني، لأنني كنت أعرف جدية الرجل وأدرك أن ملابسات سرقة الرادار كانت حادثاً عابراً لا يقاس عليه، حتي إن أحد زملاء دفعتي كان مجنداً في الوحدة العسكرية المسؤولة عن ذلك الجهاز، وأصدرت المحكمة العسكرية حكماً بإعدامه هو وعدد من زملائه وأقمنا الدنيا ولم نقعدها حينذاك، حتي تم تخفيف الحكم إلي السجن، وأعني بذلك زميلي الفاضل الأستاذ «مدحت أيوب»..
تلك شهادة للتاريخ أقولها وأنا أتذكر تلك الأيام القليلة التي قضيتها إلي جوار فراش مرض ابن مصر البار المشير «أحمد إسماعيل»، ولحسن حظي فإن علاقتي لاتزال متواصلة مع صديقي المعروف بدماثة الخلق ونقاء القلب، السفير «محمد أحمد إسماعيل» ووالدته الفاضلة، التي أعمل نائباً لها في رئاستها لجمعية مرضي السرطان وأتشرف بعملها معي في مجلس إدارة جمعية الصداقة المصرية النمساوية، وقد كرست سنوات عمرها الباقية في خدمة المشروعات الخيرية في صمت وهدوء..
رحم الله واحداً من أبطال مصر.. إنه قائد القوات المسلحة في حرب العبور العظيم يوم السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣

شمس بدران

بقلم د.مصطفى الفقى ٢٥/ ٩/ ٢٠٠٨
كان يبدو كالشخصية الأسطورية الغامضة بحكم ارتباطه بالمشير «عبدالحكيم عامر» النائب الأول لرئيس الجمهورية، ونائب القائد الأعلي للقوات المسلحة، بل إن العقيد «شمس بدران» انفرد أيضاً من بين رجال المشير بقربه من الرئيس «جمال عبدالناصر» حتي إن البعض قد بلغ به الشطط فاعتبر أن «شمس بدران» كان عيناً «لعبدالناصر» علي «عامر»،
لذلك تم تعيينه وزيراً للحربية متجاوزاً مئات الأقدميات باعتبار ذلك تعييناً سياسياً لا يخضع لقواعد روتينية، وكان «شمس بدران» ذا شخصية مهابة يتمتع بنفوذ واسع داخل القوات المسلحة والمكاتب الرئاسية في الدولة حتي بدأت تنسج حوله القصص ويتحدث العامة عن دوره باعتباره واحداً من أكبر مراكز القوي مع منتصف ستينيات القرن الماضي عندما كان العصر الناصري يتجه بسرعة نحو حالة الارتباك التي مهدت لهزيمة يونيو ١٩٦٧،
ونحن نتذكر الزيارة الشهيرة لوزير الحربية المصري «شمس بدران» إلي «موسكو» لاستطلاع رأي السوفيت في دورهم المنتظر إذا نشبت الحرب في الشرق الأوسط عندما عاد ذلك المسؤول المصري الكبير بانطباع تشكل لديه ولدي أعضاء الوفد بأن الاتحاد السوفيتي السابق سوف يحارب جنباً إلي جنب مع القوات المسلحة المصرية لو تعرضت لعدوان إسرائيلي، وأن الروس لن يبخلوا بأي دعم عسكري أو «لوجيستي» تحتاجه مصر في مواجهتها مع إسرائيل،
ولقد اتضح بعد ذلك أن الانطباع لم يكن صحيحاً وأن الموقف لم يكن واضحاً للطرفين بالشكل المطلوب! وقد جمعتني بالسيد «شمس بدران» عدة مناسبات في العاصمة البريطانية عندما غادر مصر في إطار صفقة سياسية يتفادي هو فيها التقديم للمحاكمة علي أن يغادر البلاد وأن يلزم الصمت، وقيل إن الرئيس «السادات» نفسه قد وافق علي هذه المعادلة لأن «شمس بدران» كان يعرف الكثير وفي جعبته ما هو أكثر،
كما أن خزانته تضم من الأحاديث ما يكفي لابتزاز بعض القيادات إذا لزم الأمر، ويكفي أن نتذكر أن مكانة «شمس بدران» لدي المشير «عبدالحكيم عامر» قد بلغت درجة رشح فيها المشير مدير مكتبه السابق «شمس بدران» لكي يكون رئيساً للجمهورية إذا انسحب «عبدالناصر» و«عامر» معاً من المسرح السياسي بحكم مسؤوليتهما عن «النكسة»، وفي كل لقاءاتي مع السيد «شمس بدران» رأيته شخصية متحفظة وهادئة.
وذات مرة كنت أقوم بتوصيله بسيارتي إلي إحدي محطات المترو الأرضي لأنه كان يسكن علي مشارف العاصمة البريطانية طلب مني تغيير مسارنا نحو المحطة المطلوبة ثلاث مرات! وقد قال لي أحد أصدقائه إن السيد «شمس بدران» كان يملأ سيارته بالوقود ذات مرة من إحدي محطات «البنزين» في العاصمة البريطانية
وخرج منها فجأة عندما لاحظ وجود بعض الأشخاص من ذوي الملامح الشرق أوسطية فلقد كان الرجل شديد الحساسية تجاه أمنه الشخصي في تلك الفترة، وكان يخشي أن يكون هناك من يتعقبه من الأجهزة المصرية أو بعض الجماعات الدينية كنوع من تصفية الحسابات معه علي سنوات السلطة المطلقة التي كان هو أحد رموزها البارزة.
وأذكر أيضاً أنه عندما قتل «علي شفيق» المدير السابق لمكتب المشير وكان ذلك في العاصمة البريطانية مع بداية النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي ـ وقد كان زوجاً للفنانة الراحلة «مها صبري» وملاكماً سابقاً إلي جانب سطوته ونفوذه الكبيرين ـ وأظن أنه قد قتل في شقته بعد مقاومة عنيفة مع شخصين قاما بزيارته واختلفا معه علي توزيع نسب العمولة في إحدي صفقات تجارة السلاح لواحدة من ميليشيات الحرب الأهلية اللبنانية، خصوصاً أنني أتذكر أن السيد «علي شفيق» كان قد قال لي بنفسه قبيل مصرعه بأيام عندما زارني في مبني السفارة إنه يقوم بإتمام «صفقة العمر»
ويريد أن يتقاعد بعدها دون أن يحدد لي ما يقصده بالضبط من ذلك، ولقد تردد حينها أن الشرطة البريطانية قد وجدت مليون جنيه إسترليني نقداً في شقته لم يتنبه إليها القاتلان اللذان أصيب أحدهما إصابة بالغة بدليل وجود دماء من غير فصيلة السيد «علي شفيق» في مسرح الجريمة.
أشير إلي ذلك كله لأنني أظن أن السيد «شمس بدران» قد انزعج لمصرع العقيد المتقاعد «علي شفيق» شريكه السابق في إدارة مكتب المشير وظن بحسه الأمني أن الجريمة قد تكون بداية لحملة تصفيات ضد بعض رموز عصر «ناصر ـ عامر»
وقد اتصل بي هاتفياً قلقاً وقال لي أريد منك إجابة واضحة هل اغتيال السيد «علي شفيق» جريمة سياسية أم جنائية؟ فأكدت له أنها ليست سياسية بالمرة، ويجب أن أعترف هنا أن السيد «شمس بدران» كان يبدو لي شخصية قوية متماسكة في كل الظروف وكانت إلي جانبه زوجة فاضلة مثقفة من بيت مصري عريق عملت في الجامعة الأمريكية بالقاهرة لسنوات طويلة بعد انفصالها عنه.
وقد حكي لنا السيد «شمس بدران» أن فنان الشعب الموسيقار الكبير «محمد عبدالوهاب» كان يأتيه في بعض الأمسيات ليدندن له علي العود، فتلك كانت سمة العلاقة بين أهل الفن ورجال السلطة في ذلك العصر! ولا يزال السيد «شمس بدران» يعيش في بريطانيا يلوك ذكريات العمر ويجتر أحداث الماضي ويعزف تماماً عن الحياة السياسية،
بل يوجز في حياته الاجتماعية وأعترف أنني لم أسمع منه أو عنه كثيراً علي امتداد الثلاثين عاماً الماضية.. إنه عصر ولي برموزه ولكن بقيت آثاره في حياتنا المصرية وبصماته في تاريخنا الحديث حتي الآن.


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 04:27 PM   #10
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]صالح سليم

بقلم د.مصطفى الفقى ١٨/ ٩/ ٢٠٠٨
لم أكن متهمًا في مراحل حياتي المختلفة بالاهتمام بالرياضة البدنية أو عشق كرة القدم، بل إن من النوادر التي أتذكرها جيدًا أن شقيقي الأكبر سألني مازحًا ذات يوم وهو يقرأ صفحة الرياضة بإحدي الصحف: هل تعرف من هو «ألدو»؟ فكانت إجابتي: ربما يكون ممثلاً أجنبيا لم أسمع عنه!
والمعروف أنه كان أحد نجوم كرة القدم المصرية في ذلك الوقت، كما أنني أتذكر أيضًا أن اللاعب الشهير «محمود الخطيب» قد زار «لندن» في أوائل السبعينيات وفي مطلع سنوات شهرته ولم أكن أعرفه عندما قدمني إليه صديقنا المشترك المرحوم «أحمد سلطان»، ولاشك أن «محمود الخطيب» قد اندهش لأن مواطنًا مصريا لم يكن يعرفه، وقد توطدت علاقتي به بعد ذلك، وعرفت قدره في تاريخ الرياضة المصرية،
أسوق هذه المقدمة لكي أقول أن اهتمامي بالرياضة يأتي دائمًا من منظور وطني ومن منطلق سياسي وليس من اهتمام بكرة القدم في إطارها الرياضي وحده فأنا أنظر إلي النادي «الأهلي» ـ مثلاً ـ باعتباره النادي الرياضي المرتبط بالحركة الوطنية وحزب «الوفد» والحركة الشعبية للجماهير، وهو النادي الذي عرف أسماء مثل «سعد زغلول» و«فؤاد سراج الدين» وغيرهما من رموز الوطنية المصرية، أما نادي «الزمالك» فإنني أنظر إليه أحيانًا علي أنه كان نادي الأجانب «المختلط» أو نادي القصر المسمي في مرحلة ما قبل الثورة «نادي فاروق»،
مع اعتذاري لزميل دراستي الصديق «ممدوح عباس»، وقد لا يكون هذا التقسيم دقيقًا، بل قد يكون معيبًا، فالرياضة تجمع ولا تفرق وتساوي ولا تميز، كما أنها ليست انعكاسًا للسياسة، بل إن السياسة هي التي تستفيد منها أحيانًا وتوظفها لخدمة بعض حالات المصالحة الوطنية والدولية، حتي ظهر في العقود الأخيرة وعن حق تعبير «دبلوماسية الرياضة»، لذلك ظل اسم «صالح سليم» نجمًا ساطعًا في سماء مصر والعالم العربي باعتباره «كابتن مصر» لسنواتٍ طويلة، ثم رئيسًا للنادي الأهلي لعدة فترات،
وصاحب الشخصية القوية ذات «الكاريزما» المشهودة والجاذبية التي جعلته شخصية عامة في تاريخ الوطن، وليس مجرد لاعب شهير لكرة القدم، بل لقد تجاوز عالم الرياضة إلي عالم الفن حتي بقي فيلم «الشموع السوداء» علامة في تاريخه وجزءًا من تاريخ السينما المصرية الحديثة، ولقد ربطتني بالبطل الرياضي الراحل علاقات قوية منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي،
بدأت في مدينة «لندن» عندما كنت منتدبًا للعمل في «غرفة التجارة العربية البريطانية»، بعد انتهاء فترة عملي بالسفارة المصرية بلندن، وبقائي بالعاصمة البريطانية لاستكمال دراستي للحصول علي الدكتوراه في الاقتصاد والعلوم السياسية من «كلية الدراسات الشرقية والأفريقية»، وقد كنت رئيسًا لقطاع العضوية بالغرفة الوليدة وكان معي الصديق «فؤاد أبوغيدة» حارس مرمي النادي الأهلي في الستينيات من القرن الماضي وهو فلسطيني الأصل مصري الهوي،
لذلك عندما زاره صديقه الراحل «صالح سليم» ومعه الصديق «مروان كنفاني» سنحت لي الفرصة للتعرف عن قرب بكابتن مصر والخروج مع مجموعته في جولات عديدة بالعاصمة البريطانية، وأتذكر أن سيارة أحدنا قد تعطلت في إحداها وظللنا ندفعها وكان «صالح سليم» أشدنا بأسًا مع أنه أكبرنا سنًا!
ولقد أتاحت لي الظروف بعد ذلك التواصل معه عبر السنين، بل وحملت له عبر الهاتف ذات يوم تهنئة رئيس الجمهورية بمناسبة فوزه برئاسة النادي الأهلي في المرة الأولي، ولا يختلف اثنان علي الشعبية الكاسحة التي تمتع بها «صالح سليم»، حتي كان مشهد جنازته عالقًا في الذاكرة المصرية حتي اليوم،
ولا عجب فهو أيضًا الصديق القريب من فنان مصر الراحل «عبد الحليم حافظ» إلي جانب كوكبة من المثقفين والفنانين اندمج فيهم «صالح سليم» وتعايش معهم وظل متألقًا بينهم بشخصية مرموقة تتسم بكبرياء واضح وتتصف باعتزاز شديد بالنفس والنادي الذي يترأسه، والوطن الذي ينتمي إليه بصورةٍ جعلت منه واحدًا من رموز مصر وجزءًا من ظاهرة شعبية إيجابية لا تغيب عن الوجدان.
إنه «صالح سليم» الذي أتذكر دائمًا لقاءاتي معه وأحاديثنا المتبادلة وتندره الدائم علي جهلي بالرياضة وعالمها واهتمامي بكرة القدم في حالة واحدة فقط وهي حينما يلعب الفريق القومي مع فريقٍ أجنبي وكان يقول لي ساخرًا: حتي هذه تريد أن تلعب فيها السياسة؟!
كما عرفت من نوادره وسجاياه الكثير من خلال من كانوا أكثر قربًا منه مثل المهندس «إبراهيم المعلم» رئيس اتحاد الناشرين والكابتن «حسن حمدي»، الذي تولي رئاسة النادي الأهلي بعد رحيل نجم النجوم «صالح سليم»، رحمه الله فلقد كان واحدًا من رموز العصر الجميل، الذي انتهي وقد لا يعود!

فرانسوا ميتران

بقلم د.مصطفى الفقى ١١/ ٩/ ٢٠٠٨
تعاودني بين حين وآخر عقدة مزمنة مردها أنني كنت أود أن أدرس القانون بدلاً من الاقتصاد والعلوم السياسية، كما أنني كنت أتمني أن أكون «فرانكوفونياً» أتحدث الفرنسية بطلاقة وأغوص في أعماق الأدب الفرنسي، مصدر الإلهام الكبير لمعظم الدراسات الإنسانية والفلسفات المعاصرة، ولكن شاء حظي غير ذلك، فحصلت علي دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية من بريطانيا وليست دكتوراه فلسفة القانون من فرنسا!
وبقيت أشعر دائمًا بغصة في حلقي متوهمًا أنني لو كنت أستاذًا في القانون يجيد الفرنسية لتبدلت أحوالي، لذلك ظللت دائمًا أغوص في أعماق كل ما يتصل بالفكر اللاتيني والأدب الفرنسي والثقافة «الفرانكوفونية» فقرأت كل ما كتب عن «نابليون» وحروبه، وأعطيت الحملة الفرنسية علي مصر اهتمامًا خاصًا في دراستي التاريخ المصري الحديث،
باعتبار أن مصر صحت من سباتٍ عميق، استغرقها عدة قرون من الحكمين المملوكي والعثماني علي دوي مدافع «نابليون»، الذي جاء ليدفع مصر نحو اللحاق بالعصر الحديث، مثلما فعل «عبد الناصر» في حرب اليمن عندما أراد أن يخرج - بذلك الشعب الشقيق - من غياهب العصور الوسطي، ولقد فطن المفكر المصري البارز د. «فؤاد زكريا» إلي ذلك التشابه بين الحملة الفرنسية وحملة مصر إلي اليمن في مقاله الشهير «دهاء التاريخ»،
وأنا ممن يظنون أن فرنسا «نابليون بونابرت» و«شارل ديجول» هي أيضًا فرنسا «فرانسوا ميتران» ذلك السياسي الاشتراكي، الذي دخل الانتخابات الرئاسية أمام «شارل ديجول» في عز مجده وهو من هو، فـ«ديجول» قائد المقاومة الفرنسية ضد النازي وهو منقذ فرنسا من الوحل في حرب الجزائر،
لذلك فإن «ميتران» يقف في الصف الأول من قادة فرنسا وساستها العظام، ولقد أتاحت لي فرصة عملي الأسبق أن أري الرئيس «ميتران» عن قرب في لقاءاته المتعددة مع الرئيس «مبارك»، وقد كان بينهما ودٌ متبادل واحترام ملحوظ، ولقد كان «ميتران» مستمعًا جيدًا يتحدث في آخر اللقاء كلمات قليلة تؤكد استيعابه كل ما قيل، ورؤيته لما هو قادم،
وكان ذلك الرجل عميق النظرة، واضح الرؤية بعيد النظر، وقد أحب مصر كثيرًا، وخصها بزياراته المتكررة في عطلة أعياد الميلاد كل عام، حيث كان يقضيها مع صديقته التي عاشت علي هامش حياته سنوات طويلة، وأنجب منها ابنة كانت أثيرة إلي قلبه قريبة من وجدانه، وهو أيضًا «فرانسوا ميتران»، الذي ذكر اسم «يوسف شاهين» والفنانة مصرية الأصل «داليدا» في خطاب استقباله لرئيس مصر في مستهل «زيارة الدولة»، التي قام بها الرئيس «مبارك» في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي إلي الجمهورية الفرنسية، وربط بينهما وبين «شامبليون» مكتشف «حجر رشيد» في سياق حديثه عن العلاقات الثقافية والروابط الحضارية بين فرنسا ومصر،
ولقد تردد كثيرًا أن «داليدا» كانت محظية الرئيس الفرنسي الراحل «ميتران»، ويقال أيضًا إن قصة حبهما كانت أحد أسباب انتحارها، شيءٌ يشبه دائماً عشق الرؤساء كما هو الحال في انتحار «مارلين مونرو» إثر التحول في علاقتها مع الرئيس الأمريكي الراحل «جون كيندي» وشقيقه «روبرت» أيضًا!! ولقد تردد كثيرًا أن «ميتران» كان قناصًا بارعًا في عالم النساء، وكان صيادًا ماهرًا يضع يديه بسهولة علي نقاط الضعف ومصادر الجمال في حواء، وكانت له نظرات هادئة وبعيدة ذات جاذبية خاصة،
وعندما داهمه المرض اللعين الذي رافقه سنواته الأخيرة حتي دخل بذلك الداء العضال انتخابات الفترة الرئاسية الأخيرة وتعايش مع أوجاعه وآلامه وأوهامه، وبدا فيلسوفًا في شهوره الأخيرة يناقش لغز الموت ويتحدث عن الحياة الفانية، وأصرَّ علي أن يودع مدينته المحبوبة «أسوان» في آخر عيد للميلاد المجيد قبل رحيله عن عالمنا، إنه «فرانسوا ميتران» الذي يبدو لي دائمًا كالذئب الحذر الذي لا يتحرك إلا بخطوات محسوبة، ولا يقول إلا ما فكر فيه مليا، ولا يتخذ قرارات انفعالية، أو مواقف ارتجالية، إنه بحق أحد عظماء فرنسا في تاريخها الحديث.
.. بقي أن أضيف أن ذلك الرجل كان داهية سياسية يتصرف «كالوعل» أمام خصومه ويستطيع أن يوجه لهم ضربات قاصمة دون أن يتحرك كثيرًا، وهو أيضًا رجل التوازنات داخل أوروبا الموحدة، والاعتدال في العلاقة الفرنسية الأمريكية دون اندفاع إليها أو ابتعادٍ عنها، وهو الرئيس الفرنسي الذكي الذي أعطي العامل الثقافي في السياسة الفرنسية الخارجية دوره الطبيعي، والطليعي حتي إنه شارك في احتفال افتتاح جامعة «ليوبولد سنجور» في الإسكندرية، وعندما تعطل به المصعد في تلك المناسبة ومعه رؤساء آخرون لم ينزعج،
وظل أثناء تلك الدقائق الصعبة محافظًا علي وقاره متمسكًا بهدوئه، فتلك كانت سمة تميز بها ذلك الرجل الذي ترك بصماتٍ واضحة في سياسة بلاده ومواقفها من الأزمات الكبري والمشكلات الإقليمية، وترك من بعده فراغًا كبيرًا في «الإليزيه» إذ لا أظن أن «شيراك» بضعفه تجاه أصحاب الثروة والنفوذ ولا «ساركوزي» باندفاعه نحو الولايات المتحدة وإسرائيل قادران علي إعطاء «فرنسا» صورتها التقليدية في الذاكرة الإنسانية المعاصرة، رحم الله «ميتران» فقد كان زعيمًا من طراز فريد.[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 04:28 PM   #11
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]«مارجريت تاتشر»

بقلم د. مصطفي الفقي ٤/ ٩/ ٢٠٠٨
في منتصف سبعينيات القرن العشرين أوفدتني السفارة المصرية في «لندن» إلي مدينةBlackpool لحضور المؤتمر السنوي لحزب المحافظين البريطاني، حيث اكتشفت أن الحديث في أروقة المؤتمر يدور حول وزيرة التعليم «مارجريت ثاتشر» المرشحة الأولي لكي تكون زعيمة الحزب،
ثم جاءوا بها من الصفوف الخلفية لتجلس ابنة «البقال» البريطاني في الصف الأول علي مقعد «ونستون تشرشل»، لقد جاءت ويسبقها تاريخ طويل من العمل الجاد في المجالين الحكومي والحزبي كما كانوا يطلقون عليها باللغة الإنجليزية «Thatcher the Snatcher» أي «ثاتشر الخطافة»،
وتلك كانت سخرية منها لإلغائها توزيع وجبة طعام وكوب لبن في بعض المدارس البريطانية لعدم جدواها بالنسبة لصغار التلاميذ في ذلك الوقت، لقد تركز اهتمامي يومها علي متابعة «آلية التصعيد» داخل ذلك الحزب العريق وكيف أن سيدة منه سوف تتقدم صفوفه للمرة الأولي في تاريخه،
وتلك هي الأحزاب الحقيقية راسخة البنيان محكمة التنظيم موضوعية التصعيد التي ترفع الكفاءات الشعبية بغض النظر عن أي اعتبار آخر وبعد ذلك بسنوات قليلة وصلت زعيمة حزب المحافظين إلي ١٠ Dawning Street، لتصبح «المرأة الحديدية»
أول رئيسة للوزراء في تاريخ المملكة المتحدة، وظللت أرقب بعد ذلك تلك السيدة القوية وهي تقلب الأوضاع داخل بريطانيا رأساً علي عقب وتنقذ اقتصاد بلادها من محنته ليصبح واحداً من أقوي الاقتصاديات الأوروبية علي الإطلاق، كما أنها نفذت برنامجاً حقيقياً للخصخصة نقلت به المؤسسات الفاشلة والهيئات الحكومية المتدهورة إلي عقلية القطاع الخاص في ظل إطار عام من المصلحة العليا للوطن ارتضته جميع الأطراف،
كما أن تلك المرأة الجسورة دخلت حرب «الفوكلاند» لانتزاع الجزيرة التي حاولت «الأرجنتين» استعادتها في ظل أوضاع الإمبراطورية البريطانية التي غربت عنها الشمس وأرسلت مسز «ثاتشر» قطع أسطولها البحري لتقوم بعمل عسكري علي بعد آلاف الأميال من أرض الوطن
وكان لها النصر الذي أرادته واستعادت بريطانيا الجزيرة ورفرف عليها علم التاج البريطاني من جديد وكان ذلك إيذاناً بدخول مسز «ثاتشر» إلي قائمة العظماء في التاريخ البريطاني الحديث حتي إن البعض يراها تالية مباشرة للداهية الكبير «ونستون تشرشل» بين عظماء بريطانيا في القرن العشرين كله وقد أقيم لها تمثال في ميدان البرلمان وهي لاتزال علي قيد الحياة في إجراء غير مسبوق في التراث السياسي البريطاني،
ولقد جمعتني بهذه السيدة العظيمة ظروف عملي في المؤسسة السيادية المصرية الأولي كسكرتير لجلسات لقاءاتها مع رئيس الدولة المصرية وبهرني فيها ذكاؤها الحاد، وحرصها علي الاستماع إلي نصائح الرئيس القادم من الشرق الأوسط وإبداء آرائها في عمق واضح تغلفه لغة الدبلوماسية البريطانية المعهودة،
ولقد كانت تبدي اهتماماً خاصاً بالقضية الفلسطينية وأبعادها المختلفة انطلاقاً من المسؤولية التاريخية التي تتحملها بريطانيا في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين كما أن تلك المرأة الحصيفة كانت توازن بدقة بين الارتباط التقليدي بالولايات المتحدة الأمريكية والانتماء الجغرافي والسياسي لأوروبا الحديثة،
وأذكر أنها أشادت في أحد اللقاءات بالدكتور «أسامه الباز» المستشار السياسي للرئيس المصري الذي كان قد أوفده إليها ليشرح لها بعض ملابسات تطور الأوضاع في الشرق الأوسط، ولقد تعددت لقاءات الرئيس «مبارك» برئيسة وزراء بريطانيا التي كانت تستمع إليه باهتمام في تقليد معروف اشترك معها فيه دائماً الرئيس الفرنسي «فرانسوا ميتران»،
ولن أنسي أبداً ذلك التحول الكبير الذي أحدثته «مارجريت ثاتشر» في العاصمة البريطانية عندما أحالت الأحياء الفقيرة المتهالكة إلي أرقي الأحياء التي يتهافت عليها الوافدون إلي «لندن» لشراء العقارات، خصوصاً من الأثرياء العرب الذين باعت لهم الوحدات السكنية بأغلي الأسعار في فترة الازدهار الشديد، ثم باعوها هم في فترة التراجع لكي يكون الفارق مردوداً تلقائياً للخزانة البريطانية!
ويكفي أن نتذكر كيف كانت أحياء مثل Ears Court وNotting Hill Gate وكيف أصبحت الآن لكي ندرك قدرة هذه السيدة البريطانية العظيمة علي جذب الاستثمارات لبلادها في موازنة دقيقة بين الأهداف السياسية والمطالب الاقتصادية..
ولعله من المحزن حقاً أن تلك السيدة الملقبة بـ «المرأة الحديدة»، والتي كانت معروفة بصرامة الموقف وحدة الرأي، والمواجهة المباشرة مع النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي السابق، ومن كانوا يدورون في فلكه، من المحزن حقاً أن تلك السيدة التي كانت معروفة بوقارها الشديد وأناقتها التقليدية أصبحت لا تستطيع الحديث الآن،
وقد زالت السلطة ورحل رفيق الحياة وتقدم بها العمر، لقد قالوا لي في آخر زيارة للعاصمة البريطانية وأنا أتناول الغذاء في مطعم مجلس اللوردات إن ظهور مسز «ثاتشر» في المناسبات المهمة أصبح نادراً، ولم تعد تلك التي كانت خطيبة مفوهة قادرة علي مواصلة الحديث واستكمال العبارات!.. إنها دورة الزمن وفلسفة الوجود تجسدها سيدة دخلت سجل الخالدين في بريطانيا، ووقفت بين عظماء التاريخ في العالم المعاصر.


خالد مشعل

بقلم د. مصطفي الفقي ٢٨/ ٨/ ٢٠٠٨
في أمسية «دمشقية»، أثناء زيارتي هذا الأسبوع لسوريا، دعاني السيد «خالد مشعل»، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» لعشاء خاص في منزله عندما علم بوجودي، حيث كنت أترأس إحدي جلسات ندوة مركز الدراسات الاستراتيجية بالأكاديمية العسكرية العليا في «دمشق»، وكنت قد ألقيت كلمة أمام الندوة أرد فيها علي بعض الأسئلة المستفزة حول الحدود المصرية مع إسرائيل، مسألة معبر «رفح»،
حيث قلت بالنص: (إن الكثير من المصريين ـ وأنا منهم ـ نشعر بالقلق للعلاقة الوثيقة والارتباط القوي بين جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر وحركة «حماس» في غزة)، وأضفت إلي ذلك: (إنني لا أستريح إلي قيام «إمارة إسلامية» علي حدود مصر الشرقية تكون نافذة لقوي إقليمية أخري للوصول إلي حدودنا)،
وأشهد أن الضباط السوريين من حملة الرتب الرفيعة، يتقدمهم العماد وزير الدفاع والعماد رئيس الأركان، كانت لديهم السماحة وسعة الأفق ليستمعوا إلي آراء يختلفون معها، وتعود علاقتي بالسيد «خالد مشعل» لعدة سنوات منذ أول لقاء لنا في «طهران» عام ٢٠٠١،
حيث كنت مبعوثاً من مجلس الشعب المصري لحضور ندوة برلمانية دعمًا لانتفاضة الأقصي، ثم كان لقاؤنا الثاني في جنازة «أبوعمار» بالقاهرة بعد ذلك بسنوات قليلة، واستمر الاتصال الهاتفي بيننا في مناسبات مختلفة إذ إنني لا أخفي إعجابي بشخصيته المتوهجة، رغم اختلافنا في الرأي وتباين وجهات نظرنا، لذلك قبلت دعوته الكريمة علي العشاء في منزله المحاط بحراسة مُحكمة وسط العاصمة السورية،
ودعوت معي صديقي الدكتور «حسن أبوطالب»، الكاتب الصحفي بـ«الأهرام» الذي كان مشاركاً أيضاً في الندوة العسكرية بدمشق، خصوصًا أنني أعلم أنه يعرف السيد «خالد مشعل» من قبل والتقاه في مناسبات سابقة، وتفضل السفير المصري في سوريا فقبل دعوة العشاء معنا، خصوصًا أنه يتردد علي رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» من حين لآخر بحكم طبيعة عمله..
وبعد أن جلسنا في صالون المنزل وبانتهاء حفاوة الاستقبال، بدأ السيد «خالد مشعل» هو ورفاقه معاتبين لي عما بلغهم من حديثي صباح ذلك اليوم أمام الندوة، فأوضحت لهم أن هذه هي وجهة نظري المعروفة، فأكدوا أنهم حركة تحرير بالدرجة الأولي وأن علاقتهم بجماعة «الإخوان المسلمين» كانت علاقة تاريخية، وأنهم يتحاشون زيارة المرشد العام ومعاونيه أثناء زياراتهم القاهرة رفعًا للحرج عن الطرفين، وابتعادًا عن احتمالات التأويل، وقد ذكر السيد «خالد مشعل» أنه متابعٌ لما أكتب ولما أقول، وبدا موضوعيا في تقييمه، منصفاً في تحليله،
وقد تأثرت كثيراً وأنا أستمع منه إلي قصة الأيام التي قضاها في «غيبوبة الموت» بعد أن قام عميلان من «الموساد» بتوجيه غاز خلف إحدي أذنيه للقضاء عليه خلال ساعات قليلة أثناء تواجده في العاصمة الأردنية، وظل يذكر للعاهل الأردني الراحل «الحسين بن طلال» وقفته الشهيرة عندما أجري اتصالاً هاتفيا عاجلاً بالرئيس الأمريكي السابق «بيل كلينتون» وطلب منه إبلاغ إسرائيل بأنه ما لم يصل إلي مستشفي «الحسين» في عمان المصل المضاد الذي ينقذ حياة «خالد مشعل»،
فإن الملك الأردني سوف يغلق السفارة الإسرائيلية في «عمان»، ويقطع العلاقات مع الدولة العبرية، وقد يتراجع عن اتفاقية السلام معها أيضاً، وقد رضخت إسرائيل علي الفور وأرسلت المصل الذي أعاد نبض الحياة لذلك المناضل الفلسطيني، شديد المراس، صلب الإرادة، وقد تمني علينا السيد «خالد مشعل» أن تتدخل مصر بقوة للمصالحة بين «حماس» و«فتح»، وقال: (إنه لا يوجد إلا مصر وحدها هي القادرة علي ذلك)
وأشاد بالرعاية الدائمة للرئيس «مبارك»، والجهود المخلصة للوزير «عمر سليمان»، ولقد شعرت من حديثه أنه يتفهم ظروف «القاهرة» ويدرك حجم الأعباء الإقليمية والدولية الملقاة علي عاتقها وقد اعترف السيد «خالد مشعل» بأن «حماس» أخطأت في بعض المواقف،
وكانت لها تجاوزات غير مبررة علي الأرض، غير أنه أشار إلي الرفض الدائم من جانب الرئيس الشرعي للشعب الفلسطيني السيد «محمود عباس» لأي محاولة للتسوية مع حركة «حماس»، وقد نقلت له كلامًا طيبًا ذكره لي «أبومازن» من قبل عن رئيس المكتب السياسي وبعض عناصر حركة «حماس» ممن يظن بهم خيرًا،
وقد قلت للسيد «خالد مشعل» إن حركات التحرير عبر التاريخ الحديث كله واجهت محنة الانقسام ومأساة التشرذم، ولكن عقلاءها خرجوا بها من المأزق وواصلوا النضال متحدين في إطار توزيع للأدوار لم نبرع فيه نحن العرب حتي الآن،
ويجب أن أعترف هنا بأن الرجل كان مرنًا ومتفهماً وملماً بجميع الظروف، وقال في صراحة إن «إيران» تساعدهم مادياً وتحصد بذلك سياسياً لأن العرب لم يفعلوا ذلك، وأبدي ألمه من أن تكون الدولة الداعمة لحركته هي دولة غير عربية، وحدثته علي مائدة العشاء عن صلاة الجمعة التي أديتها في المسجد «الأموي»،
كيف رأيت بسطاء سوريا وهم يتوافدون بالآلاف علي صحن المسجد الكبير، وخطبة الجمعة الرائعة التي ألقاها الدكتور «محمد سعيد البوطي» الداعية السوري الشهير،
والتي ركز فيها علي رفضه الإرهاب وإدانته العمليات الانتحارية، وهو ما كان محل تقديرنا أنا وسفير مصر الذي سعدت برفقته لأداء الصلاة في الجامع الأموي. ذلك هو «خالد مشعل».. مناضل فلسطيني يعرف قدر مصر، ويتحدث عن فضل مصر، ويضع آماله أمانة في يد مصر، قائدة الحرب ورائدة السلام.[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 04:29 PM   #12
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]محمود درويش»

بقلم د. مصطفي الفقي ٢١/ ٨/ ٢٠٠٨
إنه «شاعر القضية الفلسطينية» رغم أنها تسمية لم يكن يتحمس لها «محمود درويش» شاعر الثورة والحزن والأمل، لأنه كان يظن أن اختزال قيمته الشعرية وموهبته الكبيرة في إطار القضية الفلسطينية وحدها ـ وهي كبيرة ـ إنما يسحب منه قدراً من أسباب شهرته وارتفاع قيمته، ولقد حفر «محمود درويش» اسمه في تاريخ الشعر العربي الحديث،
بقدرته الفائقة علي ترجمة المعاني من خلال ألفاظ موحية يندر التقاطها بغير عاطفة شديدة وحساسية بالغة، وإذا كان «نزار قباني» ـ في ظني ـ هو ناظر مدرسة الشعر العربي الحديث، فإن الكثيرين من أعمدة هذه المدرسة قد أضافوا إليه وإليها وأصبحوا رموزاً يشار إليهم، وهم الذين خرجوا من وادي النيل أو المغرب العربي أو الشام الكبير أو بلاد الرافدين أو الجزيرة العربية،
إلا أن إسهاماتهم جميعاً في شعرهم العاطفي، سواء كان المحبوب وطناً أو إنساناً، تعتبر إضافة كبري لثقافة العرب وتراثهم الإنساني، ولقد جسد «محمود درويش» مأساة شعبه ومحنة أمته كما لم يفعل سواه، لأنه عايش النكبة والنكسة والمأساة ومر بكل الظروف القاسية والآلام التي لا يعرفها إلا من اقترب منها،
وقديماً قالوا (لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها) وأنا أقول اليوم (لا يعرف فقدان الوطن إلا من يكابده ولا يعرف الشتات إلا من يعانيه) وهكذا ظل «محمود درويش» يطوف البقاع ويجوب الأصقاع يردد أناشيد الوطن ويبشر بحلم العودة، ولقد كان آخر لقاء لي معه منذ شهور قليلة، عندما حضرنا سوياً بمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة الحفل التأسيسي لإنشاء مؤسسة «ياسر عرفات» بحضور الرئيس «أبو مازن»
والسيد «عمرو موسي» وعشرات من كبار المسؤولين الحاليين والسابقين الذين وفدوا من الأقطار العربية المختلفة ويومها تحدث معي الشاعر الراحل معلقاً علي محنة أمته وانقسام شعبه، وأشار إلي حديث تليفزيوني لي مبدياً تقديره لوجهة نظري، ومعلقاً علي أحد مقالاتي في صحيفة «الحياة»،
ويومها أدركت أن الشاعر الكبير يتابع كل ما يكتبه المعنيون بالشأن العربي والهم الفلسطيني، وهو أيضاً ذلك الثائر الذي ارتبط بمصر علي المستويين الفكري والشخصي، وقد اقترن بسيدة مصرية فاضلة تنتمي إلي أسرة عريقة من محافظة «المنيا»،
وعاشا سوياً لسنوات قليلة قضياها في المنفي الاختياري الذي أراده لنفسه دائماً في عدد من العواصم الأوروبية، ولست أنسي كلمته عندما ذهبت أنا والسفير «محمد بسيوني» خبير القضية الفلسطينية المعروف، رئيس لجنة الشؤون الخارجية والعربية والأمن القومي في مجلس الشوري، كوفد شعبي في صحبة السيد «عمر سليمان» رئيس المخابرات العامة المصرية، مهندس حلول الأزمات الفلسطينية في السنوات الأخيرة،
للمشاركة في الاحتفال بذكري الأربعين لرحيل الرئيس «ياسر عرفات»، ويومها اعتلي «محمود درويش» منصة الحفل وألقي خطاباً مؤثراً يقف في لغته الرائعة بين الشعر والنثر، وظل يطوف بالحاضرين عبر تاريخ الثورة الفلسطينية ونضال قائدها الراحل،
وإذا كان شعر الثورة الفلسطينية المعاصرة قد ارتبط باسم «محمود درويش» ورفيقه «سميح القاسم»، إلا أن «محمود درويش» تميز دائماً بحضوره الإنساني الطاغي وشخصيته المتميزة وقدرته علي اختراق القلوب والعقول في وقت واحد، وعندما ودعه أساطين الشعر العربي الحديث من «أدونيس» إلي «أحمد عبد المعطي حجازي» مروراً بالأسماء اللامعة في مصر والدول العربية الأخري، شعرت وكأنه ليس عزاء موت ولكن زفة عرس لشاعر كبير خرج من فلسطين
وعاد إليها بعد رحلة عمر رائعة، ترك فيها بصماته القوية علي شعر الثورة وأناشيد الحزن وأهازيج الأمل، وعندما عاد جثمانه إلي تراب فلسطين ملفوفاً بعلمها، ووقف الرئيس الفلسطيني «محمود عباس» يلقي كلمة التأبين أمام الجثمان الطاهر المسجي أمامه لشاعر رحل عن سبعة وستين عاماً، في إشارة إلهية إلي عام النكسة في تاريخ القضية الفلسطينية،
يومها وقف أيضاً رفيق عمره وصنو دربه «سميح القاسم» يتحدث عن «أخيه الذي لم تلده أمه» وقد تحجرت الدموع في المآقي، وسعي الفلسطينيون إلي لحظة التلاقي، وتوحدت كلمة الجميع حول شهيدهم الذي جادت به الأرض المعطاءة، التي لن تتوقف أبداً عن تقديم الأبطال والشعراء والمجاهدين، لأن شمس فلسطين لن تغيب أبداً.

إبراهيم شكري»

بقلم د. مصطفي الفقي ١٤/ ٨/ ٢٠٠٨
عندما تدافعت الجماهير الغفيرة في ساحة مسجد «عمرو بن العاص» عند خروجها وراء جثمان ابن مصر البار «إبراهيم شكري» كدت أسقط وسط الزحام في ظل جو شديد الحرارة،
ومر بخاطري شريط الذكريات البعيدة من عصر ولّي، وحقبة في تاريخ مصر الحديث تلملم أوراقها، ولقد كان آخر اتصال بيني وبين الراحل الكبير عندما هاتفني تليفونياً عدة مرات في الأسابيع الأخيرة قبيل سقوط «بغداد» أمام الغزو الأمريكي،
وكنت أشفق عليه في تلك السن المتقدمة من رحلة الذهاب إلي العراق مناصراً شعبها ضد الاحتلال الأجنبي، ولكن إصراره الهادئ وإيمانه العميق وشعوره بالمسؤولية القومية لم تترك لي فرصة لإثنائه عن عزمه، وواقع الأمر أن علاقتي «بالمجاهد الكبير» بدأت منذ عدة عقود وظلت مستمرة لم يفرق فيها الرجل بين مرحلة قربي من السلطة أو إبعادي عنها، فقد تعامل معي دائماً كابن عزيز وصديق قريب رغم اختلاف توجهاتنا أحياناً وتباين وجهات نظرنا تجاه عدد من القضايا العصرية والإقليمية،
إنه «إبراهيم شكري» ابن الارستقراطية الريفية وواحد من أطول القيادات تواصلاً مع العمل الوطني العام، إنه رفيق «عبد الحكيم الجراحي» في ثورة الطلاب ضد الاحتلال البريطاني فلقد بدأ رحلة جهاده منذ منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي إلي أن دخل مرحلة غيبوبة النهاية مكملاً رحلة سبعين عاماً من النضال الذي لم يتوقف في العصرين الملكي والجمهوري داخل السلطة وخارجها، وقد كان محافظاً للوادي الجديد ووزيراً للزراعة ونقيباً لمهندسيها، ورغم أنه كان ينتمي إلي عائلة عريقة وثرية فإنه آثر دائماً أن يكون بمنأي عن حياة الترف والثروة وأن يبقي دائماً قريباً من حياة الكادحين والفقراء والمعذبين في الأرض،
ولقد تبني «إبراهيم شكري» علي امتداد مسيرة حياته الطويلة مبادئ الفكر الاشتراكي مقترنة بأطروحات وطنية مصرية، ولقد كانت صلابته محل إعجابنا جميعاً، فقد ظل الرجل وفياً لمبادئه حريصاً علي كرامته يعيش هموم الوطن وشجون الأمة، إذ يحفل تاريخه قبل الثالث والعشرين من يوليو ١٩٥٢ بمبادرات سياسية واجتماعية ذات طابع إنساني، فقد تحدث عن تحديد الملكية الزراعية ومقاومة الإقطاع، وقدم إرهاصات مبكرة مع عدد من رفاقه المستنيرين تشير إلي قانون «الإصلاح الزراعي» الذي تبنته ثورة يوليو بعد ذلك، كما كانت له مواقفه الوطنية التي جلبت عليه المشكلات وجعلته عرضة للمساءلة والاضطهاد،
كما كان برلمانياً رفيع الشأن في العصرين الملكي والجمهوري، والمهم أن ذلك كله قد اقترن بالخلق الرفيع والسمو الشخصي والارتفاع عن الصغائر فكان هو «المجاهد الكبير» و«الفارس النبيل» في وقت واحد، وإن كان «إبراهيم شكري» قد تأثر ببعض الأفكار الاشتراكية المتشددة والنزعات القومية المتطرفة وعايش تجربة حزب «مصر الفتاة» بحدته وثوريته فإنه ظل دائماً نموذجاً للكبرياء الوطني والتعبير الشعبي عن الطبقات الأكثر عدداً والأشد فقراً، وعندما بدأ الرئيس الراحل «أنور السادات» الاتجاه نحو التعددية السياسية،
كان «إبراهيم شكري» هو صوت المعارضة التي تستقيم معها التجربة، فلقد اكتشف «السادات» مبكراً أن النظام السياسي لا يحتوي الحزب الحاكم وحده ولكنه يحتاج أيضاً إلي معارضة تكمل دوره وتضع الإطار الصحيح للديمقراطية السليمة حتي دفع «السادات» بصهره القريب إلي قلبه البرلماني الراحل «محمود أبووافية» لكي يكون شريكاً مع «إبراهيم شكري» في حزب يعارض حزب «السادات» مع بداية التجربة الديمقراطية في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وأدي «إبراهيم شكري» دوره دون رضوخ أو مهادنة وأيضاً دون صخب أو ضجيج إلي أن وفدت علي حزبه بعض عناصر الإسلام السياسي، فتوترت العلاقة بين ذلك الحزب والدولة، وانتهت إلي قرار تعطيل صحيفته.
وتحمل «إبراهيم شكري» الموقف في صلابة وهدوء معتصماً بعفة اللسان وسمو الخلق، ومازلت أتذكر مواجهة بينه وبين أحد وزراء الداخلية في مصر الذي كان معروفاً بسطوته وحدّة لسانه، ولكن «إبراهيم شكري» كان دائماً هو الثائر الوديع المناضل الهادئ الذي يمتص المواقف ولا يهوي التصعيد إلا إذا كان مضطراً إليه ولا بديل عنه، ولقد تواصل ذلك الرجل الكبير معي دون انقطاع، وظل يتبادل معي الرأي في أوقات لم يكن لي فيها حول ولا قوة،
وتلك صفة رائعة في «إبراهيم شكري» أنه كان يخاطب العقل قبل السلطة ويناقش الفكر قبل القرار، ومنذ أسابيع قليلة كنا نحتفل بانتهاء خدمة أول عميدة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية الأستاذة الدكتورة «مني البرادعي» قرينة الأستاذ الدكتور «إسماعيل إبراهيم شكري» الطبيب المعروف،
وفي حضور شقيقها صديقي العزيز الدكتور «محمد البرادعي» مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي كان في «القاهرة» ليتسلم الدكتوراه الفخرية من جامعتها العريقة ضمن الاحتفال بمئويتها الأولي، وفي حضور شقيقته الثانية الأستاذة الجامعية المتزوجة أيضاً من ابن آخر «للمجاهد الكبير» هو المهندس «إبراهيم إبراهيم شكري»،
ويومها سألتهم أثناء عشاء التكريم في النادي الدبلوماسي المصري عن صحة المناضل الكبير الذي جاوز التسعين من عمره الحافل بالتحديات والإنجازات، وجاءت إجابتهم لي حزينة مؤلمة عندما قال لي الدكتور «إسماعيل» إن المجاهد الكبير قد بدأ يدخل أحياناً في سبات الغيبوبة، يومها أدركت أن النهاية قد اقتربت، وأنه قد آن للمحارب أن يستريح وللفارس أن ينزل من فوق صهوة جواده إلي حيث عالم الأبدية بلا عودة.[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 04:31 PM   #13
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]أبومازن

بقلم مصطفى الفقى ٧/ ٨/ ٢٠٠٨
إنه السيد «محمود عباس» رئيس السلطة الفلسطينية، الذي جاءني صوته عبر الهاتف منذ أيام قليلة، عندما كان يزور «القاهرة» وتفضل بالسؤال علي وكان خارجاً لتوه من لقاء مع رؤساء تحرير الصحف، وقد قلت له أثناء تلك المكالمة الهاتفية: لست في حاجة إلي أن أوصيك خيراً بالوحدة الفلسطينية، فتلك هي الرصيد الباقي للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
وقد كان الرئيس «أبومازن» كعادته ودوداً ومعبراً عما في قلبه مباشرة دون لف أو دوران ودون التواء أو مواربة، فقال لي إنه كان ولايزال وسوف يظل يبذل قصاري جهده من أجل الوحدة الوطنية الفلسطينية في هذه الظروف الصعبة. وتعود علاقتي «بأبومازن» إلي نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، عندما كنت ألتقيه مع «أبوعمار» أو غيرهما من القيادات الفلسطينية ممن يترددون علي مصر وقيادتها بشكل منتظم.
ولقد كان طوال حياته هادئ الطبع، معتدل التوجه، واقعي النظرة، وقد تولي رئاسة السلطة الفلسطينية في ظروف بالغة الصعوبة شديدة التعقيد، فهو ليس «أبوعمار» بتاريخه الطويل و«الكاريزما» التي تشكلت له وفقاً لذلك، كما أنه اختار منذ سنوات طويلة أن يكون مناضلاً ومفاوضاً في وقت واحد، ويكفي أنه صاحب الموقف الشهير الذي اعترض فيه علي «عسكرة» الانتفاضة، لأنه يؤمن بخصوصية الكفاح الفلسطيني وإمكانية اتباعه وسائل أفضل بكثير من مجرد التصعيد العسكري.
ورغم أنه يدرك مراوغات إسرائيل المعتادة وأساليبها العدوانية فإنه لا يغلق باب التسوية السلمية مهما جلب عليه ذلك من انتقادات بل ومشكلات، وكنت قد زرت «أبومازن» في منزله بـ «عمان» منذ عدة شهور ضمن وفد البرلمان العربي الانتقالي في محاولة لتحقيق المصالحة الحتمية بين «فتح» و«حماس»، وقد كان «أبومازن» يومها متأثراً بما حدث وحزيناً علي الوضع الفلسطيني، مدركاً حجم المخاطر التي تنتظر القضية الفلسطينية في ظروف مثل تلك التي تمر بها، حيث يسعي المخطط الإسرائيلي الخبيث إلي تفكيك عناصر القضية وتصدير مشكلة غزة إلي مصر، وتحميل الضفة للمملكة الأردنية علي الجانب الآخر، وبذلك تتخلص إسرائيل من رموز النضال الفلسطيني.
ومازلت أذكر من زيارتي الأخيرة لـ «واشنطن» أنني شعرت بمثل هذا المخطط الإسرائيلي الذي تباركه الولايات المتحدة الأمريكية، وتري فيه سبيلاً للخلاص من الوضع المتدهور في الأرض الفلسطينية وإنقاذاً للدولة العبرية، لذلك فإن تطويق مثل هذا المخطط يحتاج إلي وقفة فلسطينية واحدة ولا يحتمل الاختلاف في هذه الظروف.
وينتمي «أبومازن» إلي جيل الآباء المؤسسين في حركة «فتح»، وقد قضي عدة سنوات يعمل في «الكويت» قبل أن ينخرط في سلك المقاومة الفلسطينية، التي استهلكت سنوات عمره، وجعلته دائماً صاحب موقف مختلف لم يكن متطابقاً تماماً مع فكر «أبوعمار»، برغم أنهما يقفان علي أرضية واحدة من أجل تحرير فلسطين وقيام دولتها المستقلة بعاصمتها في «القدس».
ولقد لعبت الدبلوماسية المصرية دوراً فاعلاً في إعطاء «أبومازن» اختصاصاته عندما جاء رئيساً للوزراء مع «ياسر عرفات» ـ صاحب الشخصية المقتحمة والنفوذ الطاغي ـ وعندما لم يتمكن «أبومازن» من المضي وفقاً لأجندته، التي يؤمن ببنودها ويقتنع بعناصرها، انسحب من موقعه وترك الساحة لعدة شهور تولي فيها «أبوالعلاء» (السيد ـ أحمد قريع) رئاسة حكومة السلطة الوطنية إلي أن جاءت النهاية المأساوية الغامضة للرئيس الفلسطيني الراحل «ياسر عرفات».
فكان من الطبيعي أن يتحمل «أبومازن» ـ رفيق النضال لسنوات طويلة ـ حتي يكمل المسيرة ويمضي بالقضية الفلسطينية في صبر وإصرار، لكي يصل النضال إلي غايته، وتحقق الثورة هدفها في التحرر الوطني والاستقلال الكامل. ولقد كنت في رحلة لإلقاء محاضرة في العاصمة الأردنية منذ فترة وجيزة، وتصادف وجود أحد أبناء «أبومازن» في مقعد مجاور لي بالطائرة، وهو الابن التالي لشقيقه الذي رحل عن عالمنا منذ سنوات.
وعندها تحمل «أبومازن» مأساته الشخصية إلي جانب محنة الوطن في وقت واحد، وتصرف كعهده دائماً بصبر الواثقين بالله، المؤمنين بأن بعد العسر يسرا، وأنا لا أزعم أن «أبومازن» هو قيادة مثالية للشعب الفلسطيني في هذه الظروف، ذلك أنني أتمني عليه ألا يكون طرفاً في الصراع الداخلي، بل يبقي حكماً بين الفصائل، لا تشده «فتحاويته» بعيداً عن حركة «حماس»، لأنهما يصبان في النهاية في وعاء واحد، فالقضية عادلة، والغايات نبيلة، و«خارطة الطريق» متاحة، ولقد لاحظت دائماً أن «أبومازن» زاهد في الموقع غير متكالب علي المناصب.
كما أنه يملك شخصية انسحابية ترفض المساومة علي إدارة السلطة أو البحث عن الشعبية الزائفة.. إنه «أبومازن» ـ «محمود عباس» ـ الذي يقود السفينة الفلسطينية وسط الأمواج العالية والرياح العاتية والأنواء والأعاصير والمؤامرات المتتالية وسياسة ازدواج المعايير، التي تكيل بها القوة العظمي في عالمنا المعاصر.
ناظم القدسي

بقلم د. مصطفي الفقي ٣١/ ٧/ ٢٠٠٨
أود أن أكرر مرة أخري أنني عندما أكتب عن «قرب»، فإنني أتحدث عن أولئك الذين تعاملت معهم شخصياً وتحدثت إليهم مباشرة، فما أكثر الشخصيات المرموقة والقيادات التاريخية التي لم أتشرف بالجلوس إليها أو التعامل معه،
فأنا لست كاتباً للسيرة الذاتية لأحد ولكنني أقتصر فقط علي الذين أستطيع أن أنقل عنهم بأمانة وأن أسجل انطباعاتي في موضوعية، خصوصاً أنه لا يوجد وراء هذه السلسلة من الشخصيات التي أكتب عنها أجندة خاصة أو غرض ذاتي أو هدف خفي، فأنا أكتب لوجه الله والإنسان والوطن،
واليوم أتحدث عن شخصية جمعتني بها المصادفة، وأعني بها الدكتور «ناظم القدسي»، رئيس الوزراء السوري قبل الوحدة مع مصر، رئيس الجمهورية السورية بعد الانفصال، ولقد التقيت به لعدة ساعات في إحدي ليالي شتاء «لندن» الباردة في منتصف السبعينيات من القرن الماضي،
حيث كنا ضيوفاً علي زميل دراستي الذي أعتز به الأستاذ «أحمد خليفة السويدي» الذي كان وقتها وزيراً لخارجية دولة الإمارات العربية والمستشار القريب من الشيخ «زايد» رحمه الله، والأستاذ «السويدي» هو خريج دفعتي في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة ولاتزال تربطني به صلة مستمرة تقوم علي الاحترام المتبادل والود الدائم،
وفي تلك الليلة كان الدكتور «ناظم القدسي» هو ضيف اللقاء لأن ابنه كان يعمل مع الأستاذ «السويدي»، وكان معنا في الجلسة أيضاً زميل عراقي هو الأستاذ «هشام الكتاب»، وانطلق الدكتور «ناظم القدسي» يحدثنا عن ذكريات سنوات الحكم في سوريا وظروف قبوله رئاسة الجمهورية بعد الانفصال رغم تقديره الكبير لزعامة «جمال عبد الناصر»، وكيف أنه لم يستطع أن يواصل مهمته تلك إلا لفترة قصيرة، وأعترف هنا بأن الرجل بهرني بدبلوماسيته الرفيعة وثقافته الواسعة ودماثة خلقه وهدوئه الملحوظ، ولقد ظل الرجل لعدة ساعات يجيب عن أسئلتنا،
خصوصاً أن فضولي كان شديداً للتعرف علي رأيه في عدد من القيادات العربية والشخصيات السورية التي عاصرها، لقد سألته يومها عن «هاشم الأتاسي» و«شكري القوتلي» كرئيسين سابقين للجمهورية السورية وعن «أكرم الحوراني»، نائب رئيس الجمهورية في عصر الوحدة، و«صبري العسلي»،
آخر رئيس وزراء قبلها، وكان الرجل رحب الصدر شديد الصدق مفرطاً في الموضوعية ويتحدث بلا حساسية وببساطة شديدة، ولقد شرح لي في توازن وعدالة أسباب الانفصال والحساسيات السورية التي نجمت عن الأسلوب المصري في إدارة حكومة الوحدة، ولم يكن الرجل سورياً في حديثه بقدر ما كان عربياً في تحليله، وكان تقديره لدور مصر العربي ووزنها الإقليمي محل تقديري شخصياً،
ولم يقتصر الأمر علي ذلك بل إن الرجل أتحفنا بعدد من الطرائف الدبلوماسية والحكايات السياسية حتي إنني كنت لا أريد للوقت أن يمر وأتمني علي الساعة أن تتوقف، خصوصاً أنني مغرم تاريخياً بمتابعة تتطور السياسة والحكم في دول الشام وأري فيها نبض العروبة الحقيقي،
ولقد كان تعلقي بالشخصية الشامية منذ سنوات الوحدة بحكم عواطفي الشديدة التي ارتبطت حينذاك بالرئيس «عبد الناصر» وعصره وسنوات الشباب القومي الذي مضي ولن يعود، ولقد أيقنت من حديث ذلك السياسي المخضرم أن الشخصية العربية واحدة وأن عيوبها متكررة،
كما أننا أمة لا تتعلم من أخطائها فهي الأمة التي عرفت تعبيرات «النكبة» و«النكسة» و«المأساة» وخلطت بين «الانتصار» و«الانكسار» فلم تستثمر الانتصار جيداً ولم تتعلم من الانكسار أبداً،
إن تلك الليلة من ليالي شتاء العاصمة البريطانية سوف تظل محفورة في ذاكرتي، لأنها كانت مناسبة لمراجعة الأحداث واجترار الذكريات مع شخصية عربية كبيرة عركت دهاليز السياسية ودروب الحكم فاتسمت بالحكمة في التحليل والحياد في الرأي والموضوعية في المناقشة،
إن كلمات «ناظم القدسي» الواضحة وعباراته الهادئة وتوصيفه الدقيق سوف تبقي كلها في ذاكرتي لكي تؤكد لي من جديد أن ثورة يوليو المصرية وعصر الرئيس «عبدالناصر» سيبقيان في وجدان العرب رصيداً قومياً لا ينتهي ومعيناً لا ينضب، مدركاً أن الانفصال في ٢٨ سبتمبر ١٩٦١ كان هو المقدمة الطبيعية لهزيمة ٥ يونيو ١٩٦٧ ،
ولقد قال «ناظم القدسي» ليلتها كلمة لن أنساها أبداً وهي «أن ما بدأ سريعاً ينتهي سريعاً»، في سياق إشارته لتجربة قيام الوحدة المتعجلة بين مصر وسوريا عام ١٩٥٨ وانهيارها السريع عام ١٩٦١.. إنها أحزان أمة وأخطاء سياسة ومحنة شعب.[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 04:38 PM   #14
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]سيف الإسلام حسن البنا

بقلم د.مصطفى الفقى ٢٤/ ٧/ ٢٠٠٨
دق جرس الهاتف في مكتبي مع نهاية الثمانينيات، وكان المتحدث هو المحامي المعروف «سيف الإسلام حسن البنا»، ابن «الإمام» مؤسس جماعة «الإخوان المسلمين»، وهو قطب معروف في الحياة السياسية والنقابية معًًا، طالبًا لقائي، فنحن ننتمي معًا إلي منطقة واحدة من محافظة «البحيرة»، وعندما التقيته، رأيت حديثه معتدلاً ومقبولاً في مجمله، كما أن آراءه اتسمت بالمرونة والرغبة العامة في الإصلاح دون تعصب أو تشدد أو غلواء..
ومنذ ذلك الوقت توثقت علاقتي به، فقد كان حديثه يدور حول تمليك دور السينما للقطاع الخاص، بحيث لا تتحمل الدولة وزر الخطايا الناجمة عنها - من وجهة نظره - كما كان يدعو إلي أن تتحرر الدولة من ملكية شركات تصنيع الخمور، خصوصًا «النبيذ»، وأن تترك ذلك لغيرها، وهذه أمور تتماشي مع فلسفة «الخصخصة»، التي تمثل الاتجاه السائد في الاقتصاديات المعاصرة، وتتوافق مع رغبة الجماعة التي ينتمي إليها الأستاذ «سيف الإسلام البنا».. وقد سعي إلي مرة ثانية ليحكي لي والدموع في عينيه - فهو رقيق الحاشية، شديد العاطفة، سريع البكاء..
وتلك صفات ورثها عن أبيه الإمام الراحل - كيف أن الملك الراحل «الحسين بن طلال» استقبله في إحدي قاعات القصر الملكي في «عمان»، عندما ذهب «سيف الإسلام البنا» ضمن وفد تهنئة مصري للتيار الإسلامي الأردني بالفوز في الانتخابات النيابية عند نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، وكيف أن الملك هو الذي دعاه إلي لقاء منفرد، وحدّثه عن احترامه لأبيه الإمام «حسن البنا»، وعرض عليه تقديم أي خدمة تؤديها المملكة لأسرة «الإمام»..
وقد ظلت علاقتي بالأستاذ «سيف الإسلام حسن البنا» - وسوف تظل - وثيقة وقوية، رغم اختلافي مع فكر الجماعة التي ينتمي إليها، إذ إنني أري فيه نموذجًا للمسلم الطيب الذي يدعو إلي سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، ولقد تابعت الصراعات التي أقحمت عليه في نقابة المحامين منذ سنوات، حيث كان دائمًا عضوًا فاعلاً فيها، ووجدته دائمًا مسالمًا تقيا لا يكرهه أحد، وقد جاءني صوته منذ شهور قليلة يطلب وساطتي في سفر ابنة شقيقته لاستكمال دراستها للدكتوراه في الخارج،
ولقد تحقق لها ذلك بفضل تفهم جهاز الأمن المصري، وكان قد اتصل بي أيضًا لأمر آخر قبل ذلك بعام تقريبًا، طالبًا السعي للسماح له بالسفر إلي العاصمة الأردنية للمشاركة في الاحتفال بمرور مائة عام علي ميلاد والده «الإمام».. وهو يدرك جيدًا أن قدرتي محدودة، ولكنه يسعي إلي كصديق يتحدث معه ويطلب رأيه، ولقد شعرت من أحاديثه في الفترة الأخيرة بنغمة حزن واضحة علي ما آلت إليه أوضاع المواجهة بين الحكومة والجماعة - المحظورة قانونيا، المتواجدة سياسيا - وكان عاتبًا علي بعض العناصر من رفاقه، الذين يميلون إلي الإثارة والتشدد، وهو أمر يؤدي إلي التصعيد من الجانب الآخر، واستمرار احتدام حدة المواجهة، وما التقيته مرة - حتي في غمار أزمتي مع الجماعة أثناء الانتخابات البرلمانية عام ٢٠٠٥ - إلا ورأيته هو نفسه الصديق العزيز، الذي يفيض وجهه بشاشة، وتقطر تصرفاته أدبًا ورقيا..
ورغم أنني أختلف مع جماعة «الإخوان المسلمين» مائة وثمانية درجة من الناحيتين الفكرية والتطبيقية، فإنني أؤمن علي الجانب الآخر بحقهم في التعبير عن آرائهم، والتعريف بفكرهم من خلال القنوات الشرعية دون غلواء أو تحريض، ولا أزال أحتفظ بعلاقات طيبة للغاية مع عدد من رموز هذه الجماعة، في مقدمتهم «سيف الإسلام البنا»، والراحل «مأمون الهضيبي» والدكاترة: «عبدالمنعم أبوالفتوح»، و«محمد مرسي» و«عصام العريان»، و«سعد الكتاتني»، والأستاذ «حسين إبراهيم»..
وغيرهم، ممن يؤمنون بأن «الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية»، ولقد سعيت ذات يوم إلي أداء واجب العزاء في المرشد العام الراحل المستشار «مأمون الهضيبي» بحكم صلتي الشخصية به واعتزازي بنجله الطبيب اللامع الدكتور «خالد الهضيبي» الأستاذ بجامعة «عين شمس»..
وأنا أظن مخلصًا أنه قد آن الأوان لإيجاد أرضية مشتركة تسعي فيها الجماعة - بوطنية كاملة والتزام حقيقي بالمفهوم الديمقراطي الحديث - للاندماج في الحياة السياسية المعاصرة، وعلي الجماعة أن تدرك طبيعة المتغيرات الدولية والتحولات الإقليمية والمستجدات المحلية، وسوف تبقي صداقتي بالأستاذ «سيف الإسلام حسن البنا» أمرًا أعتز بوجوده، وأتمسك به، وأسعي إلي استمراره.


عادل إمام

بقلم د. مصطفي الفقي ١٧/ ٧/ ٢٠٠٨
لا أظن أن الكوميديا العربية عرفت بعد «نجيب الريحاني» ـ العراقي الأب، القبطي الأم ـ مثل «عادل إمام» في العقود الثلاثة الأخيرة، وهما مدينان معاً للقاهرة وجمهور الفن المصري، بينما فنان آخر هو «دريد لحام» مثلاً، وهو بالمناسبة صاحب مدرسة في الكوميديا السياسية أيضاً، غير مدين للقاهرة ولا للجمهور المصري في شهرته، وإن كانت لديه شعبية لا بأس بها بين المصريين، أعود إلي «عادل إمام» ذلك الشاب الواعد الذي كنا نسمع اسمه من خلال الأنشطة الفنية للاتحادات الطلابية في مطلع الستينيات، باعتباره النجم البازغ من كلية الزراعة جامعة القاهرة، ومعه زميل دراسته ورفيق عمره «صلاح السعدني»،
حتي بدأ يلفت الأنظار حين قدم رائعته «شاهد ما شافش حاجة» بعد «مدرسة المشاغبين»، لكي تكون نقطة تحول كبري وضعته علي قمة الكوميديا العربية في عصره بلا منازع، وتبدو القيمة الحقيقية لكوميديا «عادل إمام» ـ مثل الريحاني ـ من ذلك القدر من التلقائية الموهوبة التي لا تحتاج إلي حركة كثيرة علي المسرح، وهذه نقطة اختلاف بينه وبين مشاهير الكوميديا الآخرين في عصره من أمثال «عبدالمنعم مدبولي»، و«فؤاد المهندس»،
لذلك تمتع «عادل إمام» بشعبية في العالم العربي لا نكاد نجد لها نظيراً، وأتذكر أثناء خدمتي في «الهند» أن دبلوماسياً عراقياً شاباً كان لا يستطيع النوم كل ليلة إلا إذا شاهد فصلاً كاملاً من إحدي مسرحيات «عادل إمام»! ولكن القيمة الحقيقية لذلك الفنان الكبير تأتي من أنه ارتفع بمهنته إلي الصفوف الأولي في الحياة العامة، وكانت مدرسته في الكوميديا السياسية المضادة للإرهاب، والمكافحة للتطرف، والمعادية للتعصب، والداعية إلي الاعتدال والتسامح الديني والوحدة الوطنية، وكشف الفساد منظومة كونت في مجملها شخصية ذلك الفنان المسيس حتي النخاع، الذي اقتحم المواقع الصعبة في الظروف المعقدة،
وذهب إلي قلاع التطرف الديني في عقر دارها وتحدي الإرهاب في أوج شدته، ثم إنه أيضاً ذلك الفنان الذي يستقبله رؤساء الدول، ويحتفي به رؤساء الحكومات، لأنه عبر عن مشاعر المواطن العربي تعبيراً أميناً وصادقاً، ولقد جمعتني بالفنان «عادل إمام» صداقة طويلة في مناسبات سياسية وجلسات نقاش فكرية، ولقد كان الكاتب الكبير «محمود السعدني» ـ شفاه الله وعافاه ـ هو همزة وصل بيننا في البداية،
خصوصاً أن «عادل إمام يقف أمام محمود السعدني مثلما يقف شقيقه الأصغر «صلاح»، محبة دائمة، وود قديم، واحترام لا يزول، ويداعبهما الكاتب الساخر أحياناً بأنهما كانا يأتيان إلي منزله من كلية الزراعة طلباً لوجبة غداء ساخنة في سنوات الستينيات التي كانت فيها الجيوب خاوية ولكن الهامات عالية! إنه «عادل إمام» الذي ما ترك مناسبة في حياتي سارة أو حزينة إلا وجاملني بشكل لا أنساه، فأنا مدعو علي المائدة الرئيسية مع الوزراء من أصدقائه في زفاف ابنته بحديقة منزله بالهرم، وهو يشاطرني الأحزان في وفاة أمي وأبي علي صفحات «الأهرام»، وأراه دائماً يحترم نفسه بشكل ملحوظ،
ولا يتخيل أحد أبداً أن ذلك المثقف الذي يشتبك في مناقشات سياسية ساخنة بعمق واقتدار، هو ذاته فنان الكوميديا الذي يضحك الملايين علي المسرح أو شاشة السينما، وتبدو قيمة أخري للفنان «عادل إمام» هي أنه عاش خارج سياق الوسط الفني المعتاد، فتزوج سيدة فاضلة هي سليلة عائلة راقية، ودفع بأبنائه إلي الجامعة الأمريكية للدراسة ولم ينفرط في نزوات الفن أو هفوات البعض، ولم يرتبط اسمه، إلا بفنه ومسرحياته وأفلامه، وهو ليس ذلك الفنان الذي يجلس في مناسبة اجتماعية ليوزع النكات والقفشات حتي يضحك الحاضرون، فليست تلك هي مهمته أبداً في تلك اللقاءات، إذ إن مهمته الفنية تتوقف فقط عند دوره فوق خشبة المسرح أو علي شاشة السينما، ألم أقل لكم إنه فنان ارتقي بالكوميديا إلي قمة الفنون وصعد باسم الفنان إلي قمة المجتمع؟!
وكثيراً ما تعرض «عادل إمام» لحملات ضارية وافتراءات ظالمة وشائعات مغرضة، ولكنه استطاع أن يتجاوز كل ذلك لكي يصبح مثقفاً متألقا وشخصية عامة مرموقة قبل أن يكون فناناً رفيع القدر، ولا أزال أتذكر لقاءنا بالقاهرة مع الرئيس «أحمد بن بيلا» بطل الاستقلال وأول رئيس للجمهورية الجزائرية، والكلمة التي ألقاها «عادل إمام» أمامه والتي تكشف عن وعي سياسي شامل يربط ما بين الستينيات بما لها وما عليها وواقعنا الذي نعيش فيه ونتفاعل معه..
إن «عادل إمام» فنان قد أدخل بعض مفردات الكوميديا إلي قاموس الحياة السياسية، واستعار من عبارات السياسيين تعبيرات كوميدية لا ينساها الناس، إنه بحق إنسان يجمع بين شعبية الفنان وكبرياء المثقف وشموخ الوطني الذي يعيش قضايا أمته ويعكس معاناة شعبه.[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 04:39 PM   #15
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]عبد الوهاب المسيري»

بقلم د. مصطفي الفقي ١٠/ ٧/ ٢٠٠٨
لم تكن علاقتنا طيبة في السنوات الأخيرة، ولكن ذلك لا ينتقص من قدره عندي، فالموضوعية هي ميزان حياتي، خصوصاً أن الخلاف بيننا لم يكن خلافاً شخصياً، فقد كنت أشفق علي اسمه الأكاديمي الكبير من وحل السياسة وضجيج الشارع المصري،
بينما كان هو ينتقد بعض انتماءاتي الفكرية وولاءاتي السياسية إلي الحد الذي جعله يدعم المرشح المنافس لي في الانتخابات البرلمانية الأخيرة لأسباب تتصل بمبادئه وقناعته، وعندما شكوت الأمر إلي صديقنا المشترك المهندس «إبراهيم المعلم» رئيس اتحاد الناشرين اتصل بي بعدها د. «عبد الوهاب المسيري» ليعبر في هدوء ورقة عن محبته لي واعتزازه بصداقتنا، موضحاً أن الخلاف السياسي لا يفسد للود قضية،
وأضاف أنه كان شديد الحرص علي ألا يمس شخصي ولا دوري الفكري والثقافي بكلمة واحدة، لأنه يقدر ذلك ويختلف فقط مع الموقف ذاته في إطار الحياة السياسية المصرية الراهنة، هذا وتذهب علاقتي بالراحل الكبير إلي السنوات الأخيرة من ستينيات القرن الماضي عندما استقدم الدكتور «أسامة الباز» لتلاميذه في معهد الدراسات الدبلوماسية بوزارة الخارجية ـ وأنا أحدهم ـ كوكبة من كبار الفقهاء والمفكرين وأساتذة الجامعات من أمثال «جورج أبو صعب» و«تحسين بشير» و«عبد الوهاب المسيري» و«يحيي العزبي»، إلي جانب أسماء لامعة في سماء الوطن من طراز «لويس عوض» و«أحمد بهاء الدين» وغيرهما،
وفي تلك الفترة اقتربت من الدكتور «عبد الوهاب المسيري»، خصوصاً أننا ننتمي إلي المحافظة نفسها، فهو سليل عائلة عريقة وكبيرة في «دمنهور» معروفة بنشاطها التجاري وتعدد اتجاهات أبنائها في مجالات الحياة المختلفة، وقد رأيت في الدكتور «المسيري» رصانة الفكر وعمق الفلسفة والرغبة الدائمة في تأصيل الأمور والسعي نحو إظهار الحقيقة، ولقد كانت موسوعته عن اليهود واليهودية والصهيونية عملاً جباراً يعادل جهد خمس درجات علمية كبري ولقد أهداها إلي بكلمات رقيقة،
واقترحت يومها ـ وقد كان هو سعيداً بذلك، فالحس التجاري النظيف لعائلته كان لايزال يجري في عروقه ـ أن تعمم هذه الموسوعة علي الجامعات والكليات في الداخل والسفارات والقنصليات في الخارج، إيماناً مني بقيمتها الرفيعة وفائدتها الكبري، وكنت أداعبه أحياناً بالقول إن بيت «المسيري» العريق هو بيت يهودي من شمال أفريقيا نزح من «المغرب» أو «تونس» إلي إقليم «البحيرة» قبل الإسلام وكان هو يضحك دائماً،
ويقول لي: كف عن هذا الافتراء، بل هم فلاحون مصريون من طين غرب الدلتا المصرية، ولقد جمعني به منذ سنوات برنامج تسجيلي عن الإسلام وروحه السمحاء، وكنا نحن الثلاثة ـ الفقيه الكبير الدكتور «أحمد كمال أبو المجد» والدكتور «عبد الوهاب المسيري» وأنا ـ ضيوفاً علي ذلك البرنامج الذي كان يذاع باللغة الإنجليزية في محطات عربية وإسلامية بإعداد وتقديم من الإعلامي اللامع الأستاذ «محمد إسلام»،
وفي معرض الكتاب منذ عامين دُعيت لإدارة ندوة عن القضية الفلسطينية، وكان هو أحد كبار المشاركين فيها فقدمته تقديماً موضوعياً وعادلاً يتناسب مع قيمته الفكرية وقامته العلمية، فنظر إلي في ارتياح مشوب بالرضا لا أنساهما أبداً، وعندما كنا نرتاد منزل الكاتب الكبير «أحمد بهجت» بصحبة أخينا الأستاذ «إبراهيم المعلم» كنت ألاحظ أن العمارة التي يسكنها في مصر الجديدة مختلفة عن كل بنايات القاهرة تقريباً..
ففي المدخل بعض الأحجار الفرعونية والآثار الإسلامية، وعلي حوائط الدرج لوحات فنية وقطع من التراث العربي، وسألت الكاتب الكبير «أحمد بهجت» عن ذلك فقال لي يومها: ألا تعلم أن هذه عمارة الدكتور «عبد الوهاب المسيري»؟ ومن الطبيعي أن تكون بهذه الروعة.. فكل إناء بما فيه ينضح!
ذلك هو «عبد الوهاب المسيري» الذي فقدته مصر وأمته العربية والإسلامية مفكراً فريداً، ومثقفاً رفيعاً، وإنساناً بسيطاً زجت به السياسة في أتون نارها الحامية، ودفعه اهتمامه بالشأن العام إلي مواقف صعبة وظروف شائكة لم يكن لجسده العليل أن يتحملها، ولا لصحته المتهالكة في السنوات الأخيرة أن تتعايش معها، رحمه الله رحمة واسعة، وجعل عطاءه العلمي وميراثه الفكري ضياء له في عالم سرمدي يذهب إليه الناس ولا يعودون.. إنه عالم الأبدية والبقاء.

فؤاد سراج الدين»

بقلم د.مصطفى الفقى ٣/ ٧/ ٢٠٠٨
لقد ربطتني بهذه الشخصية الفريدة في الحياة السياسية المصرية الحديثة صلة مباشرة، ربما كان أحد أسبابها أن قرينته في السنوات الأخيرة هي قريبة لي، فضلاً عن العلاقة الناجمة عن عملي في المؤسسة السيادية الأولي، وأذكر أنني تلقيت اتصالاً هاتفياً منه ذات يوم يدعوني لحضور حفل رأس السنة، الذي يقيمه في منزل شقيقه الراحل «ياسين سراج الدين»،
وعندما ذهبت إلي ذلك الحفل وجدت نسبة كبيرة من الحاضرين ممن ينتمون للعائلات الوفدية القديمة أو المعنيين بالشأن العام وهموم الوطن عموماً، وأجلسني «فؤاد باشا» إلي جانبه ـ وكنا في منتصف التسعينيات من القرن العشرين ـ وراح يتحدث معي وكنت أستمع إليه، وكأنما أستمع إلي صوت التاريخ يأتي من أعماق الماضي السحيق، وسألته: لماذا تدخن السيجار يا باشا؟ ـ في أواخر الثمانينيات من عمره ـ فقال لي إنه بدأ التدخين منذ سن السابعة عشرة ولم يتوقف عنه حتي وهو في السجون، فلماذا يتوقف الآن؟،
ورأيته ينادي خادمه، ويقول له إن الدكتور مصطفي يشرب مشروباً معيناً كما أن علبة «المناديل» موجودة إلي جانب جهاز التليفزيون! ووجدتني أشعر بالدهشة الشديدة لذاكرته القوية، وشخصيته المؤثرة، وثقافته الواسعة، ودهائه الواضح، وقلت في نفسي إن الأطباء يحذرون من عدة عوامل تؤثر في سلامة القلب وتقصف العمر مبكراً وهي التدخين،
و«فؤاد باشا» مدخن لمدة سبعين عاماً علي الأقل، والسمنة و«فؤاد باشا» بدين منذ مولده، والضغط النفسي والعصبي و«فؤاد باشا» سجنه «عبدالناصر» و«السادات» وعاش سنوات صعبة للغاية بعد ثورة ٥٢ اضطر فيها إلي الاشتغال بتجارة التحف والعاديات، أما النهم للحياة «ففؤاد باشا» كان يقطع أمامي من طبق «الفواجرا» الدسم بسكين، ويلتهم منه بشهية طوال السهرة، بل ويتابع الراقصة في شغف واهتمام، فكل عوامل قصف العمر موجودة في حياة الباشا، ومع ذلك اقتحم التسعين ومات وهو يحمل ذاكرة حديدية وشخصية فذة وروح دعابة لا تختفي،
وعندما دعوته لحضور حفل زفاف ابنتي وجدته يستند إلي مرافقيه في الثانية صباحاً خارجاً من قاعة الحفل فقلت في نفسي إنه لرجل صامد، بقي يجاملني حتي هذه الساعة المتأخرة من الليل؟! ولكنني اكتشفت أنه ذاهب إلي دورة المياه، ثم يعود ليكمل السهرة في حيوية وسمو ودماثة خلق!
وما أكثر ما سمعت من نوادره، خصوصاً من الأصدقاء «نعمان جمعة» و«محمود أباظة» و«منير فخري عبدالنور»، وحفيده ورفيق سنواته الأخيرة «فؤاد بدراوي»، والكل يجمع علي تلك الصفات النادرة التي تميز بها ذلك الباشا المتألق ـ إيجاباً أو سلباً ـ في عصور الملك «فاروق» والرؤساء «نجيب» و«عبدالناصر» و«السادات» و«مبارك»، ومازلت أتذكر تلك الليلة من شتاء النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي عندما ذهبنا: السفراء، «شكري فؤاد» و«أنور بشاي» و«محمود مرتضي» وكاتب هذه السطور، لحضور المؤتمر الأول لمندوبي الأقاليم الذين وفدوا إلي مقر الباشا في «جاردن سيتي» يبايعونه لرئاسة حزب «الوفد» الجديد بعد انقطاع استمر لأكثر من عقدين من الزمان،
وكان ذلك في أعقاب ظهور إرهاصات التعددية الحزبية علي يد الرئيس «أنور السادات»، وأتذكر أن أحد الخطباء الذي كان يمثل محافظة القليوبية قال لـ «فؤاد باشا» في مستهل كلمته: (لقد جئتك من مدينة «طوخ» أحمل لك تأييد صاحب القصر وساكن الكوخ..!)
ثم تصاعدت الهتافات بحياة «فؤاد باشا» الذي أدرك بفطنته أن مصر الثورة لا تعرف إلا الحاكم الأوحد فقاطع المتحدثين، وقام خطيباً ليقول: (إن التحية واجبة أولاً للرئيس «أنور السادات» الذي أتاح لنا فرصة العودة إلي الحيـاة السياسية والالتقاء في هذا المؤتمر)، وإذا كان شهر العسل لم يدم طويلاً بين الأحزاب الجديدة والرئيس الراحل «السادات»، إلا أن الفضل يرجع إليه في بعثها من مرقدها بعد طول غياب.
إنه أيضاً «فؤاد سراج الدين» ابن الأرستقراطية الإقطاعية في الريف المصري الذي كان تألقه في صفوف الوفد الأولي بمثابة ضربة خفية للعلاقة التاريخية بين «مصطفي النحاس» و«مكرم عبيد»، وهو أيضاً «فؤاد سراج الدين باشا» الذي كان من أصغر من دخلوا مجلس النواب سناً في تاريخ البلاد، وهو الذي كان وزيراً للزراعة، وأهم من ذلك أنه كان وزير الداخلية الوطني الذي شهد المواجهة الباسلة بين رجال الشرطة وقوات الاحتلال في مدينة «الإسماعيلية»، وهي المناسبة التي أصبحت عيداً سنويا للشرطة المصرية حتي الآن.
وقد اختار «فؤاد باشا» دائماً الانحياز إلي الجانب الوطني فقد كان علي علم ببعض اجتماعات الضباط الأحرار داخل صفوف الجيش، ولكنه تجنب الوشاية بهم أو تعويق مسيرتهم، وقد كان من بين صفوفهم أحد أبناء عمومته، وهو الذي أصبح فيما بعد السفير «عيسي سراج الدين»، وقد خدمت معه مباشرة عندما كان مديراً لإدارة شؤون فلسطين بوزارة الخارجية في ستينيات القرن الماضي..
إنه «فؤاد سراج الدين» الامتداد الطبيعي لزعامة «سعد زغلول» و«مصطفي النحاس»، وهو سكرتير عام حزب الأغلبية لعدة سنوات، والوزير المرموق الذي عصفت به ثورة يوليو، وأذاقته من كأس ما كان يستحق أن يشرب منها.. رحمه الله بقدر ما تميز به من حس وطني، وشعور إنساني، وشخصية حصيفة، ورؤية ثاقبة.[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مصطفى , الدكتور , الفقى , وهؤلاء


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
موقع الدكتور طارق سويدان احلام ضائعة الكمبيوتر والتقنية 10 06-05-11 05:54 PM
مصطفى لطفي المَنْفَلُوطي حسين الحمداني شخصيات وحكايات 6 02-11-08 01:20 AM
كيف ألغيت الخلافة ؟ دموع القمر أوراق ثقافية 5 26-08-07 08:44 AM
مصطفى كمال اأتاتورك لوس كلاريتا شخصيات وحكايات 3 12-04-07 04:03 AM
الدكتور عبد العزيز الرنتيسي في سطور مس لاجئة زهرة المدائن 10 31-01-07 12:56 PM


الساعة الآن 06:56 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.

زهرة الشرق   -   الحياة الزوجية   -   صور وغرائب   -   التغذية والصحة   -   ديكورات منزلية   -   العناية بالبشرة   -   أزياء نسائية   -   كمبيوتر   -   أطباق ومأكولات -   ريجيم ورشاقة -   أسرار الحياة الزوجية -   العناية بالبشرة

المواضيع والتعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي منتديات زهرة الشرق ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك

(ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر)