شارك على

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on telegram

إقرأ أيضا

محتويات

لماذا الإفراط في حب الطفل

قال الله تعالى في كتابه الحكيم: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم) آل عمران/ 188.

من عوامل نشوء عقدة الحقارة، الإفراط في إبداء مظاهر الحب والحنان بالنسبة إلى الطفل.

إن الأطفال الذين يبذل لهم من العناية والحب أكثر مما ينبغي ينشأون في النتيجة معجبين بأنفسهم، فيلاقون طيلة أيام حياتهم، وخاصة عند مواجهة مشاكل الحياة، والشعور بالحقارة والضعة بشدة، فيقدمون على أعمال غير مرضية.

وقد يؤدي بهم الشقاء والضغط الروحي إلى الجنون والانتحار.

أن المحبة ضرورية لنمو روح الطفل كالغذاء الضروري لنمو جسمه.

وإن أهمية التوازن الصحيح في كم المحبة وكيفها وأسلوب إظهارها لا تقل عن أهمية المحبة ذاتها.

وكما أن لكل من التقليل من الغذاء، والإكثار منه، وتسممه، أثراً في بدن الطفل،

كذلك لكل من التقليل من المحبة، والإكثار منها، والمحبة غير موضعها والتي ينحرف بها الطفل آثاراً مشومة في رح الطفل وتسبب له مشاكل كثيرة.

الاعتدال في المحبة:

الهدف من التربية الصحيحة هو أن تقرن حياة الطفل بالسعادة، وتكلل جهوده بالنجاح.

إذ الحياة على طولها تتضمن صراعاً مع المشاكل وهكذا يواجه الفرد كثيراً من المنخفضات والمرتفعات والمنغصات والمصائب في مختلف أدوار حياته.

والمربي القدير هو الذي يعمل على تنشئة جسم الطفل وروحه على أحسن الأساليب بحيث يعده للمقاومة والثبات أمام صعوبات الحياة.

وكما أن جسم الطفل يقوى نتيجة للمراقبة الصحية، والتوازن في أكله ونومه وحركته ورياضته،

ويستطيع من مقاومة البرد والحر، والجوع والعطش، والمرض على أحسن وجه،

فكذلك روحه فإنها تنمو قوية في ظل الصحة الروحية والتعاليم الخلقية، والتوازن بين أساليب العطف والحنان والشدة والخشونة.

وبذلك يتمكن من الصمود أمام المصائب والمشاكل والإندحارات الروحية.

وبالعكس فإن الأطفال الذين يواجهون المحبة والرأفة الزائدتين، ويستسلم لهم آباؤهم وأمهاتهم بدون أي قيد أو شرط،

ويستجيبون لجميع مطاليبهم من صالح أو طالح، وبالتالي ينشأون على الاستبداد والإعجاب بالنفس.

فإنهم يحملون أرواحاً ضعيفة ونفوساً سريعة الانهزام من ساحة المعركة،

ويتأثرون من دور الطفولة حتى آخر لحظة من العمر من مواجهة أبسط الأشياء، وأخف المصائب، وينكسرون أمام مشاكل الحياة بسرعة.

إن الأفراد الذين نشأوا في ظل الحنان المفرط، هم أتعس الأفراد، لأنهم يعجزون عن حل مشاكل الحياة الاعتيادية،

فيلجأون في الشدائد إلى الانتحار متصورين أن النهاية الحتمية لفشلهم يجب أن تبرر بالانهزام من معركة الحياة.

خطأة تربوية:

بالرغم من أن كل أسلوب أهوج يتبعه الوالدان في تربية الأولاد يكون له الأثر السيئ، ويولد نوعاً من الانحراف، فإن الإكثار الضار من المحبة للأطفال يعد من أعظم الأخطاء التربوية.

إن العواقب السيئة التي يلاقيها الأطفال بهذه المناسبة مهمة وخطرة. ولقد اهتم جميع علماء النفس بهذا الموضوع في بحوثهم التربوية، ولكل منهم حوله كلام مفصل.

ولأنقل لكم ـ على سبيل الشاهد ـ بعض النصوص لعدد من علماء الغرب:

1 ـ يقول جلبرت روبين:

إن تعويد الطفل على الإعجاب بنفسه يورث الغضب الشديد فيه لأبسط الأشياء، والاستبداد في الراي.

وفي الغالب يدفعه إلى الرغبة في طلب الجاه، وفي النتيجة يحصل الطفل على القدرة التي تساعده على التقدم، ومع كونه ذا أعصاب هزيلة فإنه ينجح بواسطة الحيلة والشدة.

إن جعل الأطفال معجبين بأنفسهم يكون منهم أفراداً تعساء، ضعفاء، عديمي الإرادة.

لقد كان أولئك الذين يقولون للأم العابثة بلحن مصحوب بالسخرية:

ليس طفلك معجباً بنفسه، بل هو غير صالح.

لم يكن كلامهم خالياً عن المبالغة فحسب، بل كان تنبؤهم صحيحاً أيضاً.

هناك حالات تتقزز النفوس من مشاهدتها لعدم الالتزام في التربية، لأننا نشاهد في الحقيقة مقتولين أبرياء كان بالإمكان إنقاذهم.

الأطفال المدللون:

2 ـ يقول مك برايد:

الشعور بالدل والغنج أمارة أخرى من أمارات عقدة الحقارة، ويجب البحث عن أساسه في أسلوب التربية الخاطئ المتخذ في دور الطفولة.

إن الطفل الذي كان يرى نفسه قرة عين والديه، عندما يكبر ويصبح رجلاً كاملاً يجب أن يكون في جميع نواحي الحياة محبوباً من غير علة ومحترماً لدى الجميع.

فعندما يرى أنه لم يعتن به، يفقد الهدوء والاستقرار، ويختل ما صفا من فكره، فإما أن يلتجئ إلى الانتحار، وإما أن يبغض الآخرين.

إن عقدة الحقارة التي تنشأ في الناس بهذه الظاهرة مصيبة عظيمة للمجتمع.

3 ـ يقول ريموند بيج:

يجب أن ننبه على بعض الأخطاء في السنين الأولى من حياة الطفل.

وأكثرها شيوعاً هو الأسلوب الذي يؤدي إلى غرور الطفل وأنانيته إن المحبة بدون سبب في الأيام الأولى هو التي تسبب غرور الطفل وأنانيته.

إن الآباء والأمهات يأملون في الطفل النجاح والسعادة طبعاً، ولهذا فهم يرأفون به أشد الرأفة، ويتملقون له ويبعدون كل عقبة أو مشكلة حتى لو كانت تافهة عن طريقه.

وكلما كبر الطفل حاولوا تهيئة وسائل اللعب المناسبة له.

إن هذه الأعمال تستوجب الاستحسان في الظاهر. أما في الباطن فإن الخطر الكامن وراءها موحش جداً.
((إن الفرد الناشئ في ظل الرأفة الزائدة لا يطيق المقاومة أمام تقلبات الحياة، ولا يستطيع الصراع معها)).

4 ـ يستشهد (الفرد آدلر) العالم النفسي الشهير، وزعيم المدرسة الفردية في علم النفس بإمرأة ((انتحرت لسبب تافه هو أن جارها كان يعلي صوت المذياع، ولم يهتم باستنكارها المستمر.

وأخيراً أقدمت على الانتحار وتدل التحقيقات التي أجراها (آدلر) بهذا الصدد على أن هذه المرأة نشأت منذ طفولتها على الغرور والرضا بالنفس، وكان يحضر إليها في المنزل ما تشاء من دون قيد أو شرط. ولهذا السبب فإنها لم تطق العيش في دنيا تسمع الجواب السالب على ما تطلب فيه.

الإفراط في المحبة:

لقد حذرت الشريعة الاسلامية الغراء أولياء الأطفال في أسلوب تربيتهم من الإفراط في المحبة.

إن الذين يفرطون في الرأفة بأطفالهم، ويدفعونهم بسلوكهم الأهوج هذا إلى الإعجاب بأنفسهم، ملومون من قبل الأئمة (ع).

فعن الإمام الباقر (ع) أنه قال: ((شر الآباء من دعاه البر إلى الإفراط، وشر الأبناء من دعاه التقصير إلى العقوق)).

إن العواقب السيئة التي يلاقيها الأطفال نتيجة الإفراط في المحبة تجاههم مهمة جداً وخطرة. ولهذا السبب يعرف الإمام (ع) الآباء الذين يفرطون في التظاهر بالحب والحنان لأطفالهم بأنهم شر الآباء.

إن الطفل مفطور على حب الحرية

إنه يرغب في أن يعمل ما يريد، ويمد يده إلى ما يشاء، لا يمتنع أحد من تنفيذ ما يطلب، ولكن ذلك غير صالح للطفل، لأنه لا يميز الحسن من القبيح، ولا يفهم الخير من الشر.

إن المربي الصالح هو الذي يسير وفق مقتضيات العقل في الاستجابة لمطاليب الطفل، فيعمل على تحقيق مصلحة الطفل مع العطف والحنان عليه، ويمنعه متى كان طلبه يخالف صالحه، بكل صرامة، متبعاً في ذلك مختلف الوسائل، من النظرة الشزراء، والإهمال الموقت وما شاكل ذلك.

العواطف التافهة:

هناك بعض الآباء والأمهات الجهلاء ليس لهم أدنى اهتمام بخير الطفل وصلاحه. هؤلاء الوالهون المفرطون في الحب والحنان، الذين أعمى الحب عيونهم، واصم آذانهم.

هدفهم الوحيد هو إرضاء الطفل وتنفيذ رغباته، فيعطون المجال له بدون حساب، ويجعلون أنفسهم طائعين فعلاً وممتثلين لأوامر الطفل الصغير، منقادين له تماماً.

كل يوم يزداد من عمر الطفل يزداد إعجابه بنفسه، وتتحكم في نفسه جذور الاستبداد والتعنت بالرأي، ويعود عالة على المجتمع.

هؤلاء الآباء والأمهات، وإن تظاهروا بمظهر الحب والحنان فإنهم في الواقع يحملون معاول لهدم أساس سعادة أطفالهم، ويقودونهم بعواطفهم التافهة ومحبتهم غير المرضية إلى طريق التعاسة، والمستقبل المؤلم.

إن الأطفال الذين يتربون على هذا الأسلوب المذموم، ينشأون معجبين بأنفسهم.

وهذا الخلق السيئ من الآفات الروحية الخطيرة، بحيث يترك آثاراً وخيمة على الجسم والروح، وتظهر نتائجه السيئة من خلال أقوال المصاب وأفعاله بكل وضوح.

اترك تعليقاً