قراءات تاريخيه مع هورودت

عبر فنّ الخطابة الذي كان اليونانيون مولعين به أشدّ الولع، فنظّروا له وعلّموه في المدارس لما له من دور كبير في المنازعات القضائية ونظامهم الديمقراطي، وإلى جانبه نما فنّ كتابة التاريخ ليتوّج عصر ازدهار النثر مع إذا كان الشعر عماد الأدب اليوناني في تلك المرحلة الموغلة في الزمن، إلاّ أن النثر بدوره سجّل حضوراً كبيراً هيرودوت وتوكيديدز، اللذين كتبا تاريخ بلادهما مكملاً ثانيهما ما بدأه الأوّل.
ولد هيردوت حوالي عام 484 ق.م في أسرة تهتم بالأدب والفن والسياسة، وقد شغف منذ صغره بالتعليم ومطالعة الكتب المختلفة والأشعار والملاحم، وقد عاصر في بداية طفولته غزو الفرس لبلاد اليونان بقيادة «أحشويرش» الأوّل (أردشير). ونظراً لتشبّعه بأفكار الحرية، فإنه عارض استبداد الطاغية «هاليكارناسوس»، وإلى ذلك فإنه نفي من بلده وهو في الثانية والثلاثين من عمره بسبب مواقفه السياسية، الأمر الذي دفعه للسفر والمغامرة بعيداً في رحلات جاب فيها أصقاع البحر الأبيض المتوسط، وليتوغّل في مصر حتى يبلغ شلال النيل الأوّل جنوباً، والبحر الأسود شمالاً، وما بينهما من حضارات: الفينيقيين، وبابل، وليبيا بالإضافة إلى بلاد اليونان
ولمّا أنهى رحلاته عام 447 ق.م كان قد جمع مادة تاريخية وجغرافية واجتماعية ضخمة، ساعده على كتابتها بحسب عبد الإله الملاح مترجم الكتاب ازدهار الحياة الفكرية اليونانية في القرن الخامس ق. م، إذ إن «هذا الجو من النشاط الفكري والصراعات الإنسانية، أو بتأثير منه، ما حمل هيرودوت على تدوين تاريخه».

والمادة التي جمعها هيرودوس مختلفة المصادر، فمنها مما شاهده ورآه بعينيه، أو مما سمع به، أو نقل إليه عن طريق العنعنة، فكان أن نقل إلينا جغرافية المتوسط وعادات شعوبه وتواريخهم، بالإضافة إلى وصفه لحياة الناس اليومية.
وقيل إن هيرودوت كان يقرأ تاريخه هذا على الجمهور في أثينا، وأن الأثينيين أعجبوا أشدّ الإعجاب بما ورد فيه من وصف للحرب وما قاموا به من أعمال. وفي تقديمه للكتاب يقول هيرودوت: «هذه أبحاث هيرودوت الهاليكارناسي، كتبها ليبقى ذكر أفعال الرجال حيّاً، ومآثر الإغريق والبرابرة وأعمالهم المجيدة خالداً، وهدف منها توثيق أسباب النزاع بين الناس»، وبحسب «ول ديورانت» فإن هذا الكتاب هو إلى حدّ ما «تاريخ عالمي» لأنه تناول قصّة جميع الأمم التي تسكن شرق البحر الأبيض المتوسط، وهو على الرغم من سعيه لتأريخ الحرب، كما جاء في تقديمه، إلاّ أن الكتاب جمع بين ضفّتيه حقائق لا تحصى عن ملابس الجماعات التي يصفها وعاداتها وأحلامها ومعتقداتها بما في ذلك النساء وجمالهنّ وفتنتهنّ.


وإذا كان «سترابون» قد رأى في تاريخ هيرودوت الكثير من الهراء، إلاّ أنّ «ول ديورانت» سينصفه معتبراً أن موضوعاً كبيراً وشاملاً إلى هذا الحدّ، لابدّ وأن يصاحبه شيء من الزلل، سواء كان الأمر قبوله لكثير من الخرافات والأعاجيب، أو في تردده بقبول بعضها الآخر، وسيعزو الأمر إلى أن هيرودوت كان يكتب متأثراً بملاحم «هوميروس» وهو يستهدف تسلية القارئ المتعلّم، ولذلك فإن أسلوبه جاء سهلاً وغير متماسك، نظراً لأنه كان يكتب عن حوادث بعيدة جداً عنه نقلت إليه أخبارها معنعنة مرتين أو ثلاث مرات.

ويضمّ «تاريخ هيرودوت» تسعة أجزاء رئيسية، كلّ جزء منها يحمل اسماً من أسماء عرائس الفنون من بنات «زيوس» التسع: كليو ـ ربّة التاريخ، يوتربي ـ ربّة الموسيقا والعزف على الناي، ثاليا ـ ربّة التراجيديا والمأساة، ميلوميني ـ ربّة الكوميديا أو الملهاة، تربسيخوري ـ ربّة الرقص الغنائي، أراتو ـ ربّة الشعر الغنائي أو الأناشيد، بوليهيمنيا ـ ربّة فنّ التمثيل، أورانيا ـ ربّة الفلك، كالليوبي ـ ربّة شعر الملاحم.
يؤكّد عبد الإله الملاّح، في دراسته المهمّة للكتاب، بأن القارئ العربيّ «مدين لهيرودوت، إذ اهتم بتوثيق تاريخ العرب، وبيّن أن أصل الفينيقيين من منطقة الخليج العربيّ، وانهم انتقلوا إلى الشاطئ الشرقيّ للبحر الأبيض المتوسط.» وبالإضافة إلى ذلك فإنه وصف جغرافية بلاد العرب وأبدى إعجابه الشديد بأخلاقهم، وأنهم لم يرضخوا للفرس، «بل عقدوا معهم التحالفات على قدم المساواة، وقد وصل به إعجابه بالعرب وبلادهم إلى درجة أنه قال أن بلاد العرب تفوح بعطر سماويّ ».

اقتباس من كتاي تاريخ هوردوت

الاخت حياة

موضوع راائع للغاية وأفادني كثيرا

أشكرك جدا على هذا الموضوع الثقافي



تحية

اهلا اخي احزان الليل

سعيده انه عجبك الاختيار

لك

أشكر الاخت حياة على هذا الموضوع

بصراحة اشياء لأول مرة أعرفها


بارك الله فيك أختي حياة

هلا اخي كادي

شكرا لك على مرورك

لك

الاخت حياة

احييك على حسن الاختيار الرائع للموضوع


نحن بحاجة لمثل هذه المواضيع

هلا دموع القمر

شكرا لك