|
حدائق بابل تاريخ العراق - التراث العراقي - الفلكلور الشعبي العراقي - اللاجئين العراقيين - صور الحرب العراقية - مدن عراقية - السياسة العراقيـة كل يوم |
|
أدوات الموضوع |
06-09-14, 02:47 PM | #1 | ||
هيئة دبلوماسية
رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,747
عدد النقاط : 10
|
تحولات نوعية في قصيدة بدايات القرن الماضي في العراق//الأستاذ جواد دوش
تحولات نوعية في قصيدة بدايات القرن الماضي في العراق November 13, 2011 at 1:01pm تحولات نوعية قصيدة بدايات القرن 304022_287944311237163_999864153_n.jpg?oh=bd6c90c5 ea61498587290944bfe217e5&oe=54A05131 إن الحياة ليست أمراً أو تعبيراً أو مصطلحاً غريباً أو غامضاً لدى الفنان أو الشاعر إذ هو يعيش في هذا المجتمع الذي يحيا فيه بقيمه الوجدانية والذوقية وأحداثه ومتغيراته . و لذلك فإن العلاقة بين الشاعر ومجتمعه هي علاقة قد تتعرض في حالات ما الى نوع من الإغتراب ، ولكنها بشكل عام علاقة التحام وتفاعل ، كما إن مردودات المجتمع السلبية أو الإيجابية تجد لها مكاناً بارزاً في ذهنية ووجدان الشاعر مع آثارها فيه .. والشاعر بعد ذلك يقف أمام قيم مجتمعه القديمة منها والجديدة موقف التقديس أو الرفض والتمرد والثورة ، راجعاً ذلك بلا شك الى صلابة ومبدئية الموضوعات والأفكار التي يرتكز عليها المجتمع أبداً دائبه مستمرة الى أمام فإن الشاعر يستمر معها ويتحرك شعره هنا ضمن هذه المعادلة الى الدائرة .. ولعل الشعراء العراقيين الأوائل في بدايات القرن الماضي " الزهاوي والرصافي والكاظمي والشبيبي " كانوا ضمن حركة والتفاعل تلك وإن تفاوتت مواقفهم و أختلف تناولهم للأحداث آنذاك فلا يخفى على هؤلاء إطلاعهم على الأفكار والآراء الجديدة بعد إحتكاكهم بالمتغيرات في تركيا ومصر ، كذلك أثرت التغيرات في الداخل على صقل مواهبهم وآرائهم .. وإن أهم المتغيرات السياسية التي أثرت في المجتمع العراقي حينذاك هي حركة الإنقلاب العثماني وما أعقبها من إعلان للدستور والحماس الذي قوبلتا به . أما ما قدمته تلك الحركة فهو إنفتاح المجتمع العراقي لأول مرة على العالم الخارجي ، كذلك هبوب تيارات الفكر والصحافة والأدب ، ولا ريب أن الشعر قد إستفاد من ذلك قدر إستفادته من روح العصر الجديد الذي هو عصر اليقظة في الفكر والشعور ، وعليه فإن الوضع النفسي والتناول الموضوعي للأحداث لهذا الجيل من الشعراء قد تغير عما كان عليه في القرن التاسع عشر بعد أن كان شعراء الجيل السابق مرتبطين بالوالي العثماني إرتباطاً مصيرياً إضافة الى رواج أغراض المدح والرثاء والتهاني للتكسب . كذلك برز الإختلاف في الثقافة من حيث إتساع آفاق ومعارف هذا الجيل من الشعراء ومحاولات بعضهم التجريدية في فنية الشعر مما إصطلح عليه " بالشعر العصري " والتخلص من القافية على يد " الزهاوي والرصافي " هذه المحاولة التي لم تثمر بسبب تراجع الشاعرين بعد ذلك عنها .. إلا أن ما يسجل لهؤلاء الشعراء ــ ولو بحدود معينة ــ تفاعلهم مع الأحداث الجارية في المجتمع وتعبيرهم عن موضوعات ذات صدى في الشارع العراقي ، وإن وقعت هذه المواقف في التناقض بسبب طبيعة وعي الشعراء آنذاك لتمثل الأحداث الكبيرة ومحدودية الفهم من بعض الأمور ، إضافة الى سطوة الوالي والتخلف في مجالات عديدة .. ومع هذا فإن الشعر عندهم لم يعد بل عطاء ووظيفة بحيث إننا نرى أن الصفة الغالبة على أكثر أشعارهم هو الطابع السياسي ، هذا الطابع سواء في التعبير عن آلام المواطن وقوة وجبروت وظلم السلطان ، أو في تناول الأحداث العربية ومن ذلك قول " الزهاوي " عن ظلم السلطان " عبد الحميد " وتحذيره لشعبه من مغبة ما يمكن أن تؤديه سياسة هذا السلطان الطامعة : " لقد عبثت بالشعب أطماع خائف ـــ يحمِّلَهم من جوره ما يحمل فيا ويح قومِ فوَّضوا أمر نفسهم ـــ الى ملكٍ عن فعله ليس يسألأو قول " الرصافي " ــ الذي كان أكثرهم تمرداً ونقداً وإن تخلل شعره في حالات أخرى بعض التناقض ــ عن سلطة ما سمي ب " الحكم الوطني " ــ وما أشبه اليوم بالبارحه ب " حكم المنطقة الخضراء " التابع للإحتلال الأجنبي ! ــ وسخريته اللاذعة منها وفضحه لها : " هذي حكومتنا وكل شيوخها ـــ كذبٌ وكل صنيعها متكلف ُ علمٌ و دستورٌ ومجلس أمةٍ ـــ كل عن المعنى الصحيح محرَّف من يقرأ الدستور يعلم أنه ـــ وفقاً لصك الإنتداب مصنف " أو في قصيدته في مهاجمة الحسينيين الثلاث " السلطان حسين كامل ، وكبير وزرائه حسين رشدي ، والحسين إبن علي شريف مكة ، هجوماً لاذعاً لأنهم والوا وشايعوا الأنكليز ـــ وحكام بغداد اليوم والوا وشايعوا الأمريكان والإنكليز والفرس ! ـــ : " قل للحسينيين في مصر رويدكما ـــ قد خنتما الله والإسلام والوطنا شايعتما الإنكليز اليوم عن سفه ـــ تا الله ما كان هذا منكما حسنا " أو هجاؤه للملك والبلاط والذي شاع بين العراقيين : " أبلاط أم ملاط أم لواط ـــ أم مليك بالمخانيث محاط " كما ظهرت بنفس تلك الحقبة دعوة لتحرر المرأة وإن كانت قد أخذت جانباً محدوداً متمثلاً بالسفور . وقد كان رائد هذه الدعوة " الزهاوي والرصافي " بعد تأثر الإثنين بدعوة " قاسم أمين " في مصر وبعد فترة من حركة " أتاتورك " وأمره برفع الحجاب في تركيا ، ودعوة " أمان الله خان " في أفغانستان " ، و " رضا شاه " في إيران . لقد كانت مسألة ظهور المرأة سافرة في الحياة العامة عند " الزهاوي والرصافي " ضرورية ، على عكس " الكاظمي والشبيبي " اللذين وقفا موقف الضد .. يقول " الرصافي " : " ما العار أن تبدو النساء بمسرح ـــ تمثل حالي عزة وإباء " وبصدد الشاعر الكبير " الجواهري " لا بد لأية دراسة عن الشعر العراقي عموماً أن تأخذ بالحسبان والأهمية مناسبةً إسمها " الجواهري " والتي ستبقى ــ ورغم العديد من الملاحظات والمآخذ ــ من الأهمية بحيث تفرض نفسها في كل حديث عن الشعر والشعراء .. إن بدايات " الجواهري " الأولى في تربة النجف الغنية بآدابها ، وإمتداد شعره لشعراء الكلاسيكية " الزهاوي والرصافي " وغيرهم ، ثم قدرة الجواهري المبكرة من تمثل التجدد الكلاسيكي في شعر " الكلاسيكية الجديدة " وبناء إسلوبه الخاص به وهو لم يزل شاباً أعطى بلا شك له بعداً كبيراً سواء في مخزون الشاعر الثقافي واللغوي أو في تمثله لموضوعات ملتهبة على الساحة العراقية في الأربعينات والخمسينات تمثلاً ناضجاً ورائداً . ومع إن الجواهري الشاب لا ينكر أستاذية " الزهاوي " عندما كان في بغداد وتكرره عليه لثلاث سنوات ، إلاّ أن هذا لا يمنع " الرصافي " من تقدير شاعرية الجواهري الشاب قائلاً :" أقول لرب الشعر مهدي الجواهري ـــ الى كم تناغي بالقوافي السواحرِ " " |
||
06-09-14, 02:48 PM | #2 | ||
هيئة دبلوماسية
رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,747
عدد النقاط : 10
|
رد: تحولات نوعية في قصيدة بدايات القرن الماضي في العراق//الأستاذ جواد دوش
والجواهري بعد ذلك يتعامل مع الموروث بروح عالية كغيره من الشعراء ، كتضمينه لبيت " حميد إبن ثور " المشهور في قصيدته الى " محمد تقي الشيرازي " زعيم الثورة العراقية :
" مهيب إذا رام البلاد بلفظه ـــ تداعت له أطرافهن الشواسع ينام بإحدى مقلتيه ويتقي ـــ بإخرى الأعادي فهو يقظان جائع " وفي المرحلة الثانية عام 1935 فقد عدها بعض النقاد مرحلة إضطراب في حياة الشاعر ، مع ما حملت بعض قصائده من إعترافات صريحة في الوقوع بالتناقض قوله في " معرض العواطف " :" ولكم ملقتُ مسهداً لمواقف ـــ حكمت علىَّ بأن إداري مبغضا " على عكس ما كان في المرحلة الأولى حيث تمثل البطولة وموروث التاريخ ، بينما هنا أخذ التعبير يصب في ذات الشاعر وأحاسيسه قبل كل شيء ، كما في قصيدتيه " عبادة الشر " و " ثورة النفس " .. إلا أنه تبرز هنا قصائد أخرى ترجمت هجومه على السلطة وصناعها ووقوفه الى جانب الشعب ، قوله : قيوداً من الإقطاع في الشرق أحكمت ـــ لإرهاق أهليه لها حلقات " لقد كانت تلك التغييرات ذات أثر فاعل في شعره بحيث أغنت رؤيته وجذرت موقفه من الوطن ووسعت من آفاقه بإلتزامه بقضايا شعبه ، ودفاعه عن حرية الفكر والمعتقد والرأي ــ كما في قصيدته " أبو العلاء المعري " عام 1944 والتي ألقاها في الذكرى الألفية لأبي العلاء المعري ، جاعلاً منه رمزاً للضمير العربي وحرية الفكر عموماً ، يقول : " وإن للعبقري الفذ واحدة ـــ أما الخلود وأما المال والنسبا لثورة الفكر تاريخ يحدثنا ـــ بأن ألف مسيح دونها صلبا " كما تبرز تلك المواقف الوطنية والعواطف الجياشة بهموم الشعب والإنسان في قصائد مثل " " عبد الحميد كرامي " و " جعفر أبو التمن " و الى " الشعب المصري " و "هاشم الوتري " و " يوم الشهيد " ويا " أم عوف " و " أتعلم أنت أم لا تعلم " وغيرها ، التي أصبحت أناشيد الشعب وجزء من تراثه الثوري .. ففي قصيدته " عبد الحميد كرامي " تحديد جلي للطغاة وظلمهم وضرورة إندحارهم وإنتصار الشعب والمثل العليا : " باقٍ وأعمار الطغاة قصارُ ـــ من سفر مجدك عاطرٌ موّارُ " وفي قصيدته السياسية الأخرى " الى الشعب المصري " تعاطف وتضامن مع هذا الشعب وإنتفاضاته ضد الإستعمار الإنكليزي كما هي إستنطاق للأحداث الثورية : " يا مصر مصر الشعب لا غاياته ـــ تغنى ولا خطواته تتقهقرُ هذا الصعيد مشت عليه مواكب ـــ للدهر مثقلة الخطى تتبخترُ "تتمة : إن تطورات الأوضاع في العراق والوطن العربي لم تغب عن ذهن الشاعر ووجدانه . بل كانت تشكل الإطار الموضوعي لمعظم قصائده في هذه المرحلة الساخنة . ومن قصائده في تحدي السلطة الغاشمه وغضبه وعنفه قوله في قصيدة " هاشم الوتري " : " ماذا يضر الجوع ؟ مجد شامخ ـــ إني أضل مع الرعية ساغبا أنا حتفهم ألج البيوت عليهم ـــ أغري الوليد بشتمهم والحاجبا " كما يبرز نفس الصوت الواثق الغاضب في قصيدته " أطبق دجى " " أطبق دجى " : " أطبقْ دجى أطبقْ ضباب ـــ إطبق جهاماً يا سحاب " تلك الرِؤية الغاضبة التي تعبر عنها لغته الثرة الحية المتجددة تبدو أكثر وضوحاً في قصيدة " يوم الشهيد " حيث تعلو صرخة الدم ، دم الشهداء الأبرار الذين سقطوا دفاعاً عن كرامة العراق وإستقلاله الحقيقي ، كما يظهر فيها تقديس الشاعر لهؤلاء البررة : " يوم الشهيد تحية وسلام ـــ بك والنضال تؤرخ الأعوام بك والضحيا الغر يزهو شامخاً ـــ علم الحساب وتفخر الأرقام أو قسمه بقدر الشعب وثورته و إيمانه في قصيدة " ذكرى أبو التمن " " قسماً بيومك والفرات الجاري ـــ والثورة الحمراء والثوار "الجواهري بملحمة شعرية رائعة الإتقان في حرفة الإبداع هي " المقصورة " نشرت الصحافة العراقية أبياتاً منها في آب 1948 وبقيت عالقة في ذاكرة جماهير العراق الغفيرة : "برغم الإباء ورغم العُلى ـــ ورغم أنوف كرام الملا ورغم القلوب التي تستفيـ ـــ ضُ عطفاً تحوطَك حوطَ الحمى وإذ أنت ترعاك عين الزمان ـــ ويهفو لجرسك سمْعُ الدَّنـى وتلتفُ حولك شتى النفوس ـــ تجيشُ بشتى ضروب الأسى تسامي فإنك خير النفوس ـــ إذا قيسَ كلٌّ على ما انطوى وأحسن مافيك أنَّ " الضمير" ــ يصيح من القلب إني هنا سلامٌ على هضبات العراق ـــ وشطيهِ والجرفِ والمنحنى على النخل ذي السعفات الطوال ـــ على سيد الشجر المقتنى على الرُّطب الغضِّ إذ يجتلى ـــ كوش العروس وإذ يُجتنى على الجسر ماإنفكَّ من جابيهِ ـــ يتيحُ الهوى من عيون المها فيا ليتهنَّ الذي يعتدي ـــ وياليتك الرجُل المعتدى " يكاد " بحر العلوم " يشبه " الجواهري " في كثير من الظروف حيث خاض نفس الأحداث التي خاضها " الجواهري " بل وأعنف وأصلب المواقف ، وأتجه في الأربعينات والخمسينات للإشتراكية العلمية .. إلاّ أنه مع ذلك لم يصل كشاعر مرتبة " الجواهري " فنياً ولغوياً وشاعريةً . وكان لمواقف بحر العلوم الجذرية الأولى فلاحقاً في الأربعينات والخمسينات والستينات وغضبه وتمرده بحيث أصبح شعره جماهيريا ولقب ب " شاعر الشعب " .. ومن قصائده المبكرة في الوطن والإنحياز له قوله عام 1921 : " وطني أريح صباك طيبني ففاح صباي طيبا وعلقتُ فيك تعلق النفس التي أختبرت حبيبا " وهذا بحق شعرٌ جميلٌ ورقيق وينم عن عواطف صادقة ونبيلة وبناء فني متقن ، إلاّ أنه في قصيدنه الأخرى بعد ذلك يقع في التقريرية الشعرية رغم حسها الطبقي والسياس الواضح يقول : " أين : ميثاق بوتسدام ؟ وقمع الهتلرية من رؤوس طلعت فيها القرون النووية " وفي قصيدته عن ثورة العشرين ثم إنتكاستها ترجمة لمشاعره إزاء ما آلت إليه الثورة ومادتها الرئيسة الفلاح الفقير : " قف بالرميثة وإنشد الفلاّحا ـــ هل نال من ماضِ الجهود فلاحا ؟ يتنعمون بكده ووجوههم ـــ لولا عنايته لزال وراحا " وفي الوثبة في الأربعينات يظهر إيمان الشاعر بالثورة التي سوف تصلح أمور العراق وتقمع جشع الساسة الحاكمين عملاء الإستعمار : " ولم تزل أسيافنا باقية ـــ يقطر منها نجيع الدماء نريد منها وثبة ثانية ـــ تقمع فيها جشع الأدنياء " وفي نفس الفترة يتضح إنحيازه الجذري لشعبه ووطنه ، مسطراً بذلك أبياته فنياً لخدمة الموضوع الذي طرقه : " سعيت للناس والإيمان يشهد لي ـــ بأنني خير من تسعى به قدم " كما تبرز عنده قصائد كثيرة تعبر عن غضبه وتحديه للسلطة ، وتفاؤله رغم السجون والإعتقال التي غُيب فيها المناضلون والتي سكنها هو أكثر من مرة : " : |
||
06-09-14, 02:49 PM | #3 | ||
هيئة دبلوماسية
رقم العضوية : 11600
تاريخ التسجيل : Sep 2008
عدد المشاركات : 5,747
عدد النقاط : 10
|
رد: تحولات نوعية في قصيدة بدايات القرن الماضي في العراق//الأستاذ جواد دوش
صبرتُ وفي دمي الفائرِ ـــ شموخٌ على ضعةِ الفاجرِ "
ورغم مواصلة لهذا النفس في الخمسينات والسينات وتغنيه بثورة الشعب في 14 تموز 1958 . إلاّ أنه مع هذا تعثر على مواقف متناقضة للشاعر في المواقف من بعض رؤوس النظام الدكتاتوري السابق في السبعينات ، ويبقى قلماً آخر في سجل تاريخنا الشعري ، أعطى الكثير ، وقدم الكثير من حياته من أجل ذلك ...السيَّاب ظاهرة رائدة وتحوَّل جديد : بعد الحرب العالمية الثانية وبعد الإنتصار على الفاشية والإنطلاقة السياسية والفكرية في الداخل وهبوب رياح الثورة والتغيير وبروز الدعوة للإستقلال وهبات الشعب العراقي ، وتحديداً في عامي 1947 ــ 1948 ، ظهرت حاجة ملحة لتغيير جديد في مفهوم الشعر وشكله ليرافق الثورة على الواقع السيء آنذاك . هذا الواقع الذي يذكرنا بثورة الأدباء والفنانين الفرنسيين قبل إندلاع الثورة .. وبرياح التغيير في الإسلوب والنمط الشعري على يد " وولت ويتمان " في ديوان " أوراق العشب " في منتصف القرن التاسع عشر .. وعلى يد " اليوت وتشيلي وكيتس " وغيرهم من الشعراء الإنكليز في نفس الفترة .. ورغم أن هذة الأخيرة تشبه تلك الفترة التي مر بها الواقع العربي في الربع الأول من القرن العشرين فظهرت عند جيل من الرومانسيين العرب الأوائل عام 1922 وعام 1923 محاولات جديدة في النظرة للشعر تتلائم والأحداث الجديدة كالذي تمثل في ظهور جماعتي " الديوان " و " أبولو " في مصر أو شعر مدرسة " المهاجر " .. وقد كانت تلك المحاولات ــ سواء في موضوعات الشعر الجديدة أو شكله ــ بلا شك إرهاصاً لظهور حاجة ملحة بعد الحرب العالمية الثانية للون جديد وتغيير جذري ليتلاءم هو الآخر والوضع المتفجر والتطورات في المجتمع والسياسة منها خاصة .. فكان أن ولد الشعر الحر على يد " بدر شاكر السيَّاب " و " نازك الملائكة " ومن ثم البياتي في العراق و " صلاح عبد الصبور " في مصر لقد كان أمام شعراء الجيل الجديد أن يخلقوا تقاليد جديدة في فن الشعر وموضوعاته بعد أن لم تستطع القصيدة الكلاسيكية أن تتألق إلاّ على يدي " الجواهري " و " الصافي النجفي " . وبعد أن أصبحت الحاجة للتغيير تشمل مجالات عديدة فلابد أن تمس الشعر وهكذا كان .. لقد كانت الإستفادة من الموروث الشعري وكذلك التطورات الجديدة في داخل المجتمع و الإحتكاك بآداب الأمم الأخرى من العوامل التي ساعدت على الولادة الجديدة .. فالشاعر في القصيدة الجديدة هنا تجاوز الترميمات والتحسينات التي حدثت على القصيدة الكلاسيكية في المرحلة الرومانسية بعد الحرب العالمية الأولى بحيث أخذت المضامين المطروحة على وجدان الشاعر في الأربعينات تشكل ثقلاً لا يمكن الخلاص منه إلاَّ بثورة في الشعر أيضاً .. ويتفق كل النقاد تقريباً أن قصيدة " هل كان حباً ؟ " للسيَّأب وقصيدة " الكوليرا " لنازك الملائكة تعتبران أول محاولات مهمة في صياغة اللون الجديد من الشعر ... إن " السيَّاب " الذي أخذ يبدأ مبكراً وتنمو شاعريته سريعاً مما يدل على موهبة فائقه لديه لكتابات لاحقة . ومن ثم "سياب " البصرة و " شناشيل إبنة الجلبي " والأحلام الضائعة ، فقدومه الى بغداد المنتفضة عام 1945 عام الإنتصار على النازية ونضوج الفكر الإشتراكي العلمي الثوري وإشتداد ساعد الحركة الوطنية ، وإطلاعه بشغف على تراث الشعوب الفكري ومعايشته لوضع العراق المتفجر .. إن ذلك كله قاد " السياب " أن يكون في معمعات النشاط السياسي والذي كان ثمنه الأول فصله من دار المعلمين عام 1946 وإعتقاله بعد ذلك وخاصة وقت إزدباد النقمة الجماهيرية ضد الإنكليز والسلطة العميله للإستعمار والصهيونية . وفي عام عام 1948 يرجع الى دار المعلمين بعد الإفراج عنه ليمثل طلبة الدار في مؤتمر السباع الطلابي .. لقد كانت تلك السنة سنة الوثبة والأحداث الملتهبة وسنة بداية الشعر الحر على يده ، وسنة مشروع تقسيم فلسطين ، فكان أن وقف " السيَّاب " منحازاً إنحيازاً كاملاً لقضايا شعبه وأمته العربية ، يقول من قصيدة عن فلسطين : " والقدس ما للقدس يمشي فوقها ـــ صهيون بين الدمع والأشلاء "" السيَّاب " في قصيدته في تمجيد الوثبة ضد معاهدة بورتسموث والإنكليز وصناعهم في الداخل . ــ كما هو حالنا الآن مع صناع الأمريكان والفرس الحاكمين في بغداد ! ــ تلك الوثبة التي تعمدت بدماء خيرة أبناء شعبنا العراقي . يقول : " عربد الثأر فإنهضي يا ضحايا ـــ وإطرحي عنك باردات الصفاح " وبعد إعتقاله عام 1949 وفصله من عمله كمدرس ثم خروجه من السجن كانت الأحداث مأساوية جداً حيث أعدم العديد من قادة الحركة الوطنية وشرد آخرون إلاّ أنه واصل نشاطه السياسي .. وفي سنة 1950 ينشط في صفوف حركة السلم الناشئة في العراق ويكتب قصيدة يقول : " هناك يرين السلام ـــ كأهداب طفل ينام ويضحك ملء الحقول ـــ وفي أغنيات الغرام " ويضطر " السياب " بعد إنتفاضة تشرين 1952 المجيدة الى الهرب الى إيران ثم الكويت ويرجع بعد ذلك الى العراق .. إن الملاحظ على أشعاره في تلك الفترة هو غلبة الطابع السياسي الجذري وإنحيازه لهموم الشعب وإنتفاضاته وتحديه للسلطة وميله للفقراء الكادحين ونقمته على المستعمرين والطغاة يقول في قصيدة بعنوان " حفار القبور " : " ويظل حفار القبور ، ينأى عن القبر الجديد متعثر الخطوات .. يحلم باللقاء وبالخمور " كما تبرز لنا مطولات شعرية سياسية تعبر عن فكره السياسي ونظرته للحياة وهي بنفس الوقت من القصائد الجديدة في الشعر العربي الحديث ، ففي " إنشودة المطر " ينقلنا " السياب " الى عالم زاخر حيث الجوع والحرمان والثراء ، الى عالم الإنسان ومضطهده ، الى البشر والطبيعة : " وفي العراق جوع ، وينثر الغلال فيه موسم الحصاد لتشبع الغربان والجراد ، وتطحن الشوان والحجر رحىً تدور في الحقول .. حولها بشر مطر .. مطر .. مطر " أو حنينه وصرختصه في نفس القصيدة |
||
|
|
زهرة الشرق - الحياة الزوجية - صور وغرائب - التغذية والصحة - ديكورات منزلية - العناية بالبشرة - أزياء نسائية - كمبيوتر - أطباق ومأكولات - ريجيم ورشاقة - أسرار الحياة الزوجية - العناية بالبشرة
المواضيع والتعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي منتديات زهرة الشرق ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك
(ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر)