العودة   منتديات زهرة الشرق > >{}{ منتديات الزهرة الثقافية }{}< > شخصيات وحكايات

شخصيات وحكايات حكايات عربية - قصص واقعية - قصص قصيرة - روايات - أعلام عبر التاريخ - شخصيات إسلامية - قراءات من التاريخ - اقتباسات كتب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 10-01-09, 05:11 PM   #31
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]أحمد خليفة السويدي

بقلم د.مصطفى الفقي ٨/ ١١/ ٢٠٠٧
هو زميل دراستي الجامعية قضينا معًا سنوات الجامعة في ستينيات «القاهرة» عندما كانت جيوبنا خاوية ولكن هامتنا عالية! إنها تلك السنوات الحالمة من رومانسية الثورة وزعامة «عبد الناصر» الكاسحة، سنوات المد القومي والمجد العربي وذروة الدور المصري في المنطقة، في تلك السنوات تخرجنا - قبل النكسة بعام واحد - وعاد «أحمد خليفة السويدي» الذي كان يدرس علي نفقة مكتب «قطر» في «القاهرة» لأن عائلته تركت مدينة «العين» إلي «قطر» بسبب تخلف الشيخ «شخبوط» وسوء إدارته لإمارة «أبو ظبي» الصغيرة والفقيرة نسبيا حينذاك، وارتبطت عودته بوصول «الشيخ زايد آل نهيان» إلي حكم الإمارة بديلاً لشقيقه، فكان مجيئه إيذانًا بميلاد الدولة الحديثة وامتداد حركة الإعمار في تلك المنطقة من الخليج العربي،
وقد تولي «أحمد خليفة السويدي» رئاسة الديوان الأميري «للشيخ زايد» فور عودته ثم أصبح أول وزير لخارجية دولة الإمارات المتحدة وهو يعتبر بحق أحد مهندسي هذا الاتحاد وأبرز مستشاري «الشيخ زايد» طوال سنوات حكمه، وما أكثر الأوقات التي قضيناها في منزل «أحمد خليفة السويدي» في العمارة رقم ٧ بشارع التحرير بالدقي وكان معه زميلاه «راشد بن عبد الله» الذي أصبح وزيرًا لخارجية الإمارات أيضًا وكذلك «علي مفتاح» الذي أصبح سفيرًا لقطر في السودان، وكان حديثنا في تلك السنوات يدور حول هموم الأمة العربية والمواجهة الحادة بين «عبد الناصر»
والغرب وحيث إنني كنت رئيسًا لاتحاد طلاب كلية الاقتصاد والعلوم السياسية فإن الطلاب العرب كانوا دائمًا علي مقربة مني حتي إنني اتهمت رسميا بقيادة تنظيم طلابي قومي في الجامعة مما أدي إلي طردي من التنظيم الطليعي للاتحاد الاشتراكي العربي في ديسمبر ١٩٦٦، ولقد استراح «أحمد خليفة السويدي» كثيرًا في التعامل معي والتقي الحس القومي لدينا بشكل كبير ثم انصرفت بنا السبل بعد سنوات التخرج إلي أن بدأت ألتقيه بانتظام في العاصمة البريطانية - في مستهل حياتي الدبلوماسية - كلما حل بها في زيارات منتظمة في وقت كان يجري فيه دعم الكيان الاتحادي الوليد لدولة الإمارات،
وأذكر عندما حصلت علي الدكتوراه من جامعة لندن عام ١٩٧٧ أن جاءني الصديق «أحمد خليفة السويدي» مهنئًا وعرض علي مباشرة العمل في دولة الإمارات مستشارًا سياسيا للشؤون العربية وأبدي دهشة شديدة لاعتذاري خصوصًا عندما إن ما يربطني بتلك الدولة الشقيقة هو صداقتي معه وإذا عملت لديهم فإن الصداقة الخالصة سوف تتحول إلي تبعية وظيفية لا أقدر عليها، ومرت السنوات وعملت في مؤسسة الرئاسة المصرية وكلما جاء «الشيخ زايد» إلي مصر
وبرفقته السيد «أحمد السويدي» وأيضاً كلما ذهبنا في زيارة رسمية إلي دولة الإمارات كان تكريمه لي زائداً وظاهراً وراقياً وظل «أحمد السويدي» يعمل بجد ووعي لخدمة بلاده حتني إنني أعتقد أن جزءاً كبيراً من التوجهات القومية «للشيخ زايد» -رحمه الله- والارتباط الشديد بمصر قيادة وشعباً كانا نتاجاً لفكر «أحمد السويدي» ووعيه وحبه للكنانة التي كان مغرماً بزرعها الأخضر ملبياً لدعوات زملائه لزيارة قراهم أثناء الدراسة الجامعية حباً في الريف المصري وتعلقاً بالفلاح البسيط في الدلتا والوادي،
وسوف نظل نذكر «لأحمد خليفة السويدي» هذا الدور الوطني والقومي الذي لا تنساه له مصر ولا العرب أيضاً عندما أوفدته «قمة بغداد» ضمن وفد رفيع للقاء الرئيس «السادات» بعد توقيع «اتفاقية السلام» المصرية - الإسرائيلية وقد رفض الرئيس «السادات» استقبال ذلك الوفد بسبب ملابسات تلك الأيام الصعبة ولكنه استثني «أحمد السويدي» من انتقاده وذكره بكلمات طيبة تعكس اعتراف «القاهرة» بدوره وتقدر ظروفه،
ولقد دعاني الصديق «أحمد خليفة السويدي» عام ٢٠٠١ لإلقاء محاضرة تذكارية في المجمع الثقافي «لأبي ظبي» الذي كان رئيساً له عندما طلق عالم السياسة في السنوات الأخيرة لحياة «الشيخ زايد» واقتصر دوره علي النشاط الثقافي الذي حرص عليه دائماً واعتز به في كل مراحل حياته، ولقد كنت منذ أيام في زيارة قصيرة لمدينة «دبي» مشاركاً في المؤتمر الأول للمعرفة الذي دعتني إليه «مؤسسة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم» نائب رئيس الدولة حاكم دبي،
وسألت هناك عن صديق عمري الأستاذ «أحمد خليفة السويدي» فقيل لي إنه قد اعتزل الناس إلي حد كبير بعد وفاة «الشيخ زايد» وانصرف إلي القراءة المكثفة مع شيء من التصوف، وقد جاءني صوته عبر الهاتف محيياً ومرحباً وداعياً لي بالذهاب إليه في «أبوظبي» للقاء نتطلع إليه معاً نقلب في أمور الدنيا وأحوال الأمة وشؤون العرب، ولكن ذلك لم يتيسر لي بسبب ارتباطي بالعودة سريعاً إلي الوطن.
.. إنها صفحات ناصعة لصداقة طويلة تربطني «بأحمد خليفة السويدي» علي امتداد خمسة وأربعين عاماً وهي علاقة يعتز بها كل من اقترب منه أو تعامل معه فهو نموذج رائع للعربي الواعي والإنسان الصادق الذي جمع بين البساطة والتواضع ودماثة الخلق في قت واحد.


عبد الله بن عبد العزيز

بقلم د. مصطفي الفقي ١/ ١١/ ٢٠٠٧
عُدت في إجازة طارئة من «فيينا» حيث كُنت سفيراً لمصر في النمسا والمنظمات الدولية وكان ذلك عام ١٩٩٧ لزيارة والدتي ـ رحمها الله ـ في أيامها الأخيرة وأثناء وجودي في القاهرة تلقيت اتصالاً هاتفياً من الشيخ «عبد العزيز التويجري» ـ طيب الله ثراه ـ وهو شخصية فذة بكل المقاييس،
فقد علم نفسه بنفسه في بادية الجزيرة العربية، وبلغ مستوي ثقافياً رفيعاً بجهده الذاتي، وأعجب بـ«عبد الناصر» في فترة من حياته وهو السعودي المتفتح تجاه الحركة القومية وارتبط بالأمير «عبد الله بن عبد العزيز» رئيس الحرس الوطني السعودي وأصبح نائباً له وقريباً منه،
وأصدر عدداً من الكتب المتميزة أشهرها كتابه عن سيرة الملك «عبد العزيز آل سعود» موحد الجزيرة العربية، والذي كتب مُقدمته الأستاذ الكبير «محمد حسنين هيكل»، ولقد تعرفت بالشيخ «عبد العزيز التويجري» وامتدت علاقتي به لسنوات طويلة كنت ألتقيه في القاهرة أو لندن، والفضل في تعرفي عليه يرجع إلي صديقي الكاتب الكبير «محمود السعدني» الذي قدمني له في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، ولقد كان «التويجري» مستودعاً للذكريات السياسية والثقافية،
وربطته بمصر دائما علاقات وثيقة وكان له فيها أصدقاء من بينهم الأستاذ «محمود السعدني» والدكتور «محمود شريف» الوزير الأسبق، ولقد كانت علاقته بخادم الحرمين الحالي الملك «عبد الله بن عبد العزيز» شديدة الارتباط منذ سنوات طويلة عندما كان الملك أميراً، ولقد اصطفي ذلك الأمير القوي الشيخ «عبد العزيز التويجري» صديقاً وخليلاً ومستشاراً..
وكان الرجل يستحق هذه الثقة بكل المقاييس، أقول ذلك لكي أستطرد، متذكراً أن الشيخ «التويجري» اتصل بي من القصر الجمهوري بالقبة في ذلك اليوم من ربيع ١٩٩٧ حيث كان ينزل الأمير «عبد الله بن عبد العزيز» ومعه ثلاثة من أبرز أصحاب السمو الملكي أبناء «عبد العزيز الكبير»، وكانوا قد وفدوا إلي مصر في زيارة لعدة أيام ترضية للرئيس «مبارك» عن خطأٍ وقعت فيه صحيفة سعودية، رأوا هم فيه مساساً بنجلي الرئيس المصري، الذي يقدرونه كثيراً، وقد قال لي الشيخ «التويجري» في الهاتف إن صاحب السمو الملكي الأمير «عبد الله بن عبد العزيز» يريد أن يستقبلك مساء اليوم في قصر القبة مع المفكر الكبير «لطفي الخولي» ـ رحمه الله ـ والكاتب الصديق «محمود السعدني»،
وبالفعل دخل ثلاثتنا علي الأمير وإخوانه وبدأ الأستاذ «لطفي الخولي» يتحدث في حماس شديد عن جماعة «كوبنهاجن للسلام» وحكي «السعدني» بعض الملاحظات الطريفة عن الشخصية العربية، ثم اتجه الأمير ببصره نحوي وقال إني أريد أن أسمع منك أنت تصورك لما يمكن أن يضمن استمرار متانة العلاقات بين البلدين الشقيقين دون السقوط في مستنقع التراشق الإعلامي مثلما يحدث أحياناً في محاولة لتسميم العلاقة بين الشعبين المصري والسعودي، فقلت له يا صاحب السمو .. بداية ليس لي في هذا اللقاء صفة رسمية فأنا مجرد سفير لمصر في أحد العواصم الأوروبية،
فقال إنني أعرف ذلك ولكنني دعوتك كمثقف مصري نُريد أن نستمع إلي رأيه، فاستطردت شارحاً وجهة نظري في ذلك الأمر حتي استقر رأينا جميعاً علي ضرورة تشكيل مجموعة عمل من عدد من الكتاب والصحفيين المصريين والسعوديين، لوضع ضمانات تحول دون تكرار الحملات الإعلامية المفتعلة بين البلدين،
وأذكر أن خادم الحرمين الشريفين الملك «عبد الله بن عبد العزيز» ـ ولي العهد حينذاك ـ قد ذكر الرئيس «مبارك» أمامنا بعبارات شديدة الود وحيا عروبته بشكل خاص، وقال إنه يمضي وإخوانه عدة أيام «بالقاهرة» في حب الرئيس المصري وتحية لشعبه الشقيق، وكان متجها في ذلك المساء إلي دار الأوبرا المصرية لحضور عرض فني علي شرفه مع الرئيس مبارك، وعند خروجي من قصر القبة طلبت من أمين الرئاسة الأستاذ «حامد عبد الرازق» إبلاغ مكتب الرئيس بزيارتي للأمير،
ويبدو أنه لم يكن بحاجة إلي هذا الطلب! وكانت المناسبة الثانية التي التقيت فيها العاهل السعودي عندما اصطحبني الأستاذ «عمرو موسي» وزير الخارجية حينذاك وكنت مساعده لشؤون الشرق الأوسط للقاء الأمير «عبد اللهَ» القائم بأعمال الملك «فهد» ـ رحمه الله ـ أثناء أزمته الصحية واكتشفت أن «عبد الله بن عبد العزيز» عروبي حتي النخاع، بدوي الطباع، لا يعرف الالتواء في الحديث ويتميز بالصراحة غير المعهودة في ملوك هذا الزمان،
كما أنه رجل شديد البأس قوي الشكيمة يرتبط تاريخياً بمنطقة الشام الكبير حيث جاءت من إحدي القبائل العريقة للبادية العربية المتاخمة له والدته ثم زوجته أيضاً بعد ذلك، وله نظرة إكبار لمصر هي امتداد لوصية «عبد العزيز الكبير» لأبنائه وهو في مرض الموت عندما دعاهم إلي الحرص الخاص علي العلاقات الوثيقة مع الشعب المصري،
ويهمني هنا أن أسجل عن ذلك الرجل الذي رأيته عن قرب مرتين أنه كان شديد التقدير لمستشاره الشيخ «عبد العزيز التويجري» حتي أنني أذكر أنه كان يطلب أن يحضر الشيخ لقاءاته الثنائية مع الملوك والرؤساء تقديراً له واحتراماً لفكره، كما يهمني أن أسجل أن العلاقات المصرية السعودية تتأثر أحياناً ببعض الأحداث الفردية علي نحو ينال من متانتها ويؤثر في صفائها،
وإذا كانت الظروف قد أتاحت لي أن أجلس مع العاهل السعودي مرتين إلا أنها حرمتني من فرصة لقاء أكثر ملوك العرش السعودي خبرة وحنكة ومعرفة بالعالم الخارجي وأعني به الملك الراحل «فيصل بن عبد العزيز» الذي اغتيل غدراً عام ١٩٧٥ ولم ينل حقه من التكريم العربي لدوره المشهود في «حرب ١٩٧٣»
ومعركة حظر البترول الفاصلة في أعقاب تلك الحرب الظافرة والتي كانت نقطة تحول في مسار الاقتصاد العالمي كله، تلك بعض الخواطر أردت أن أسجلها حول من رأيت «عن قرب» في أمانة ودقة وموضوعية.[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 05:13 PM   #32
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]«خالد محيي الدين»

بقلم د.مصطفى الفقي ٢٥/ ١٠/ ٢٠٠٧
قد يذكر التاريخ المعاصر أن «خالد محيي الدين» هو أبرز الشخصيات السياسية المصرية، علي امتداد الفترة منذ عام ١٩٥٢ حتي الآن، ولا يقاس الأمر هنا بالمناصب الرسمية أو المواقع السيادية، ولكن الفيصل هو تواصل العطاء لمصر والإخلاص للوطن الغالي. «وخالد محيي الدين» نموذج فريد لا نكاد نجد له نظيراً في تاريخنا الحديث،
وعلي الرغم من أن الرجل يحمل «ميدالية لينين الكبري» من قيادة الاتحاد السوفيتي السابق «والميدالية التذكارية لثورة ١٩٥٢» في عيدها الخمسين من الرئيس «مبارك» فإن مجلس قيادة الثورة، عندما منح كل أعضائه «قلادة النيل»، حرم ذلك الفارس النبيل «خالد محيي الدين» منها، وكأنما أخذ الرجل علي نفسه عهداً من ذلك الحين بألا يحضر مناسبات رسمية أبداً حتي لا يشعر، من خلال الترتيب «البروتوكولي»،
بالظلم الذي وقع عليه، وهو واحد من أبرز قادة تنظيم الضباط الأحرار، ومن أشجع ثوار «٢٣ يوليو» وأكثرهم ثقافة وإيماناً بالحرية ودفاعاً عنها، ورغم انتمائه العقائدي المعروف لليسار المصري فإنه وظف ذلك لخدمة الوطنية المصرية قبل أي اعتبار آخر. ولقد جمعتني بهذا الرجل العظيم فترة عضويته للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصري منذ عام ٢٠٠٠ حتي عام ٢٠٠٥،
حيث ترأسها في العام الأول الراحل «ماهر أباظة»، ثم انتُخبت بعده رئيساً لها، ولن أنسي حرص السيد «خالد محيي الدين»، بتاريخه الطويل واسمه الكبير وماضيه المشرف، علي حضور جلسات اللجنة في مواظبة شديدة والتزام واضح، وهو في ثمانينيات العمر، وهو أيضاً ذلك الثائر الذي قرر مجلس قيادة الثورة تعيينه رئيساً للوزراء، لامتصاص ثورة ضباط سلاح الفرسان، في وقت كنت أنا ومعظم زملائي في اللجنة لانزال نرتدي «الشورت» أطفالاً ونلهو في فناء المدرسة الابتدائية!
وقد كان حضور الرجل دائماً مؤثراً وفعالاً، فهو يشارك في الرأي ويبدي الملاحظات في لغة واضحة وسهلة مع عفة في اللسان وعمق في التفكير وسلام شديد مع النفس دون مرارة تنغص عليه حياته، بسبب الثمن الذي دفعه،
في شجاعة وتجرد، من أجل الديمقراطية فيما سُمي «أزمة مارس ١٩٥٤» وما بعدها، حيث فرض عليه رفاقه النفي في «سويسرا» ليبتعد بشعبيته داخل الجيش عن الساحة كلها، لأنه كان يحظي باحترام وحب شديدين بين الضباط من مختلف الرتب. وعندما قرر الدكتور «أحمد فتحي سرور»، رئيس مجلس الشعب، تشكيل وفد كبير لزيارة رسمية للبرلمان الأوروبي كان من أعضائه السادة «خالد محيي الدين»، «ومنير فخري عبدالنور»، «ومنصور عامر»، والدكتورة «فائقة الرفاعي».
حرص الدكتور «سرور» علي أن يستمزج رأي الأستاذ «خالد محيي الدين» في المشاركة ضمن وفد يترأسه رئيس لجنة العلاقات الخارجية، ولكن الرجل، بتواضعه المعروف وأدبه الجم وشخصيته الراقية،
لم يمانع في ذلك، وكان حضوره معنا في الوفد كشخصية تاريخية مرموقة قومياً ومعروفة دولياً ما أكسبنا مزيداً من الاحترام، وحقق لمهمتنا النجاح المطلوب، وكنت أحرص علي تقديمه عنا جميعاً، وأكاد أحمل عنه حقيبة يده أحياناً تقديراً لمكانته وحباً لشخصه. ولقد تسابق أعضاء الوفد في رعايته والحفاوة به، وأتذكر أنه عند زيارتنا مدينة «ستراسبرج»،
المقر التبادلي للبرلمان الأوروبي، أن نائباً فرنسياً يترأس لجنة المشرق ـ وهو جزائري الأصل ويعتبر شخصية برلمانية معروفة ـ قال لنا عندما رأي الأستاذ «خالد محيي الدين»: لقد تحققت أحد أحلامي، فلقد كنت أريد أن أري الرجل الذي قرأت عنه كثيراً، وها هو الحلم يتحول إلي حقيقة أخيراً!
إنه السيد «خالد محيي الدين» الذي ترك رئاسة «حزب التجمع» طواعية، في بادرة غير مسبوقة علي مسرح السياسة المصرية في العقود الأخيرة، حتي اختاره أعضاء الحزب رئيساً فخرياً لهم مدي الحياة، ولقد لفت نظري كثيراً أن هذا الرجل الكبير كان يحمل هموم دائرته الانتخابية في تفانٍ وإخلاصٍ واضحين،
ويساعد كل من يلجأ إليه، ويسعي لتلبية طلب كل من يتصل به، ولا أنسي أحاديثي الطويلة معه حول «٢٣ يوليو» وتحول أسلوبها إلي نمط سلوكي في السياسة والحكم داخل مصر وخارجها، وكان الرجل موضوعياً فيما يقول، صادقاً فيما يحكي، لا يتحامل علي أحد، ولا يشوه التاريخ، الذي هو جزء مهم منه،
وكان يتحدث عن «عبدالناصر» في مودة، وعن «السادات» في موضوعية، وهو صاحب التوليفة التاريخية بين «الفكر الماركسي» «والشخصية الإسلامية»، فلقد أجري الرجل مصالحة نفسية بينهما منذ البداية، وعاش في صدق مع الذات بصورة يحسد عليها. لقد عرفت «خالد محيي الدين» عن قرب لسنوات عديدة، وازددت كل يوم احتراماً له وتقديراً لدوره في الحياة السياسية والعمل الوطني علي امتداد ستة عقود. وسوف يظل «خالد محيي الدين» جزءاً لا يتجزأ من ضمير مصر وأمتها العربية، فالحوار معه ميزة، والاستماع إليه متعة. أمد الله في عمره رمزاً، ومكانة، وقدوة.

ماهر أباظة

بقلم د.مصطفى الفقى ١٨/ ١٠/ ٢٠٠٧
ربطتني بهذه الشخصية المتميزة علاقات وثيقة ومواقف متعددة، فلقد تعاملت مع ماهر أباظة بحكم موقعي في مؤسسة سيادية لسنوات طويلة، وأدهشني فيه كفاءته العالية وإلمامه الشامل بكل التفاصيل والمشكلات المتعلقة بقطاع الطاقة والكهرباء، وقدرته الفريدة علي تطوير ذلك القطاع في سنوات قليلة، ليصبح واحداً من أقل القطاعات إثارة للمتاعب، وأكثرها أملاً في المستقبل، فهو «تكنوقراط» رفيع الشأن، امتدت علي يديه شبكة الربط الكهربائي من الكونغو غرباً إلي تركيا شرقاً، حتي حظيت مصر بخبرة مشهودة في هذا المجال، جعلتها تبادر بالمشاركة في دعم الأشقاء والأصدقاء عند الحاجة،
بدءاً من الكويت إلي لبنان، مروراً بفلسطين، وصولاً إلي عدد كبير من الدول الأفريقية، ولعلنا نتذكر أن الكهرباء في مصر قبل «ماهر أباظة» كانت شيئاً مختلفاً تماماً عما هي عليه حالياً، والفضل في ذلك يرجع إلي رجل عشق مهنته وأجاد تخصصه وخدم بلده، ومازلت أتذكر دقته فيما كان يقول، حتي إنه اتصل بي ذات يوم ليصحح تعبيراً خاصاً بقياسات التيار الكهربائي،
جري استخدامه خطأ في عديد من المناسبات الرسمية، وقد فعل الرجل ذلك بلا تردد أو مواربة، وعندما أقصيت عن موقعي في تلك المؤسسة السيادية، انزويت في مكتب صغير بوزارة الخارجية، وجدت الوزير المتألق ماهر أباظة يسعي إلي مكتبي في تواضع جم وأدب شديد، ويمضي في ضيافتي ساعة أو بعض ساعة، في حديث طيب يرطب النفس ويبدد الغيوم ويحيي الشعور بالثقة بالناس في لحظات قاسية لا يعرفها إلا من مر بها،
وقد كان ـ رحمه الله ـ وهو سليل عائلة عريقة بكل المقاييس لا يذكر أحداً بسوء، ويتحدث عن الناس جميعاً بمحبة زائدة ومودة ملحوظة، ويعطي الفضل لأهله ويشيد بإنجازات غيره، كما كان طلق المحيا، بشوش الوجه اجتماعياً بفطرته مقبلاً علي الناس بطبيعته، وعندما ذهبنا معاً ذات مرة في وفد رئاسي إلي «دمشق» سعي إليه عشرات من أبناء الأسرة الأباظية الضخمة من قاطني الشام، وبدأوا يتحدثون عن أصول العائلة في إقليم «أبخازيا» بالاتحاد السوفيتي السابق،
واكتشفت يومها أن للرجل وعائلته فروعاً في معظم دول غرب آسيا وشمال أفريقيا، وعرفت ماهر أباظة عن قرب في محنة مرض زوجته الراحلة، التي أمضت معنا أكثر من ستة شهور تحت العلاج المكثف في العاصمة النمساوية، عندما كنت سفيراً لبلادي هناك، وكان الرجل يتسلل من أعبائه الضخمة ومهامه الثقيلة ليأتي إلي «فيينا» في عطلة الأسبوع، يزور زوجته المريضة ويطمئن علي رفيقة حياته وشريكة عمره في حنو وعطف بالغين، وقد كان لي شرف استضافته في منزلي طوال فترات وجوده في «فيينا»،
فازدادت علاقتي به توثقاً وأصبحت قريباً منه علي نحو غير مسبوق وعرفت أعماقه الطيبة وخلقه الحميد بصورة لا أنساها أبداً. ولقد كان ماهر أباظة مجاملاً بغير حدود، ودوداً بلا غاية، عطوفاً علي الفقراء والضعفاء، رحب الصدر أمام شكاوي الناس ومطالب المحتاجين، كما كان محسناً معطاء عفيف النفس شفاف السريرة، وعندما انتقلت من وزارة الخارجية إلي مجلس الشعب، وعملت تحت رئاسته في لجنة العلاقات الخارجية، كان الرجل كبيراً كالمعتاد،
فقد ترك لي جزءاً كبيراً من مهام رئاسة اللجنة، وأعطاني تفويضاً في العديد من صلاحياته، لأن الكبير يظل كبيراً في كل موقع، وعندما تقرر في العام التالي أن اترأس اللجنة استقبل الرجل العظيم الأمر في رقة بالغة، واتصل بي هاتفياً مهنئاً وسعي إلي مشاركاً، وظلت علاقتنا متينة، كما هي بفضل مساحة الثقة بالذات لديه، والصدق مع النفس في شخصيته،
ولقد لفت نظري احترام العائلة الأباظية له باعتباره عميدها، بعد رحيل المرحومين أحمد أباظة ووجيه أباظة، حتي إن ابن أخيه الدكتور محمود أباظة، رئيس حزب الوفد لم يفكر في احتلال مقعد العائلة بالبرلمان، إلا بعد أن زهد عمه ماهر أباظة فيه، وسيطرت عليه هموم حالته الصحية في السنوات الأخيرة، وتلك تقاليد رفيعة لا نجدها إلا في البيوت العريقة، وأتذكر الآن أن الراحل الكبير كان يتحدث الإنجليزية والألمانية والفرنسية، وأتذكر كذلك أنه عندما ترك المهندس ماهر أباظة موقعه الوزاري كان موزعاً بين شعورين مزدوجين، أولهما الارتياح،
لتخففه من أعباء المنصب بعد قرابة عشرين عاماً فيه، والثاني شعوره بالقلق من أن يكون انتهاء دوره مرتبطاً بتقصير في عمله، أو ملاحظات علي أدائه، حتي جاءت «قلادة النيل» تتهادي إليه لتهدئ من نفسه ولتطمئن شخصيته ذات الحساسية المفرطة في الأدب والرقة، وعندما رحل عن عالمنا منذ أيام شعر المواطن العادي في بلادي بأن الرجل الذي أضاء مصر قد أصبح في رحاب الله، وأن قبره لن يعرف الظلام أبداً، جزاء ما قدم لوطنه وشعبه وأسرته.[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 05:14 PM   #33
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]أم كلثوم»

بقلم د.مصطفى الفقي ١١/ ١٠/ ٢٠٠٧
إذا ترامت إلي مسامعي إحدي أغنياتها وجدتني أنسحب من واقع اللحظة إلي عصاري الستينيات من القرن الماضي ولياليها الرائعة عندما بدأ عشقي لذلك الصوت الذي لن يتكرر. إنها تلك الريفية الفقيرة التي بدأت حياتها بالأناشيد الدينية والمديح النبوي، وانتقلت من «طماي الزهايرة» قرب «السنبلاوين» لتغني علي أعظم مسارح الدنيا،
وفي القاعات الكبري بالعالم. إنها تلك الموهبة التي أجزلت لها العناية الإلهية العطاء ومنحتها صوتاً كانت جيوش الحلفاء والمحور في الحرب العالمية الثانية توقت بعض غاراتها مع حفلاتها الغنائية استثماراً لحالة الاسترخاء التي يعيشها الناس أثناءها. إنها الفنانة الفذة التي خالطت الملوك والزعماء والساسة حتي إنه عندما جري اغتيال «النقراشي» باشا رئيس الوزراء بدأ جحوظ عينيها بتأثير اضطرابات الغدة، نتيجة صدمة الحزن علي صديق عزيز. ولابد أن أعترف بأن الاستماع إليها عن بعد أمتع بكثير من التعامل معها مباشرة،
لا لأنها شخصية غير مقبولة، ولكن لأن صوتها وحده ينقل الإنسان إلي مراتب عليا من الاندماج والشجن، ويفتح أمامه أبواب الخيال المطلق الذي لا توقفه حدود الشخصية بواقعها البشري المعتاد. وأتذكر يوماً من صيف عام ١٩٧٣ عندما كلفني القنصل العام أن أذهب صباح «السبت» إلي فندق «الجروفنر» الشهير لأصطحب السيدة «أم كلثوم» وزوجها الراحل الدكتور حسن الحفناوي إلي مطار «هيثرو» لتوديعهما، بمناسبة انتهاء فترة علاجها في لندن،
ولأن الوقت كان عطلة الأسبوع فقد اصطحبت معي زوجتي وابنتي «سلمي»، التي كانت في عامها الأول، وذهبت بسيارتي «الفولكس» الصغيرة تتبعني سيارة السفارة «الجاجوار» يقودها الحاج «واعر»، سائق السفير المصري في لندن، ووقفت في بهو الفندق حتي نزلت حقائب السفر وأطلت علينا «كوكب الشرق» وزوجها الطبيب الشهير، وقد بدت علي وجهها آثار الزمن وبصمات العمر،
ولكنها كانت متماسكة ويقظة، فقدمت لها نفسي ودرجتي الدبلوماسية فبدا عليها شيء من عدم الارتياح لأن دبلوماسياً من درجة صغيرة هو الذي يودعها ثم انطلقت السيارتان إلي المطار، وأخذت جواز سفرها الدبلوماسي واتجهت به إلي ضابط الجوازات البريطاني الذي قال لي إن الاسم المكتوب في الجواز هو «أم كلثوم» فقط، وأنهم يريدون الاسم ثلاثياً، فاستوفيت البيان منها، ولا حظت أن تاريخ ميلادها المدون هو عام ١٩١٠، وأنا أظن أن هناك سنوات عشراً مختصرة من ذلك التاريخ!
ثم جاءت مندوبة علاقات عامة من شركة الخطوط البريطانية لتكون في خدمة الشخصية المهمة المسافرة، وكانت فتاة رائعة الجمال من أب مصري وأم انجليزية هي «جيهان نخلة» وقد اقتربت منها السيدة «أم كلثوم» وأبدت إعجابها الشديد بها،
وظلت تتحدث معها لفترة، ودعتها لزيارتها في القاهرة عند وجودها في أرض الوطن، ثم فتحت الشركة البريطانية صالة خاصة لكبار الزوار تكريماً لأهم مغنية في التاريخ العربي الحديث، وهمست «كوكب الشرق» في أذني تسألني إن كانت أسعار المشتروات بمطار لندن أرخص أم في الطائرة أم في مطار القاهرة لأنها تريد شراء بعض اللوازم، وأخذت تداعب ابنتي الصغيرة وتقول إنها صغيرة الأنف وتبدي إعجابها بإسمها،
ثم بادرتني بسؤال مباشر لماذا لم يكن السفير كمال رفعت في وداعها؟ فقلت لها إنه لا يخرج للمطار مستقبلاً أو مودعاً إلا لرئيس دولة أو رئيس الوزراء أو وزير خارجية، فهو من كبار قيادات ثورة يوليو ونائب سابق لرئيس الوزراء، فقالت لي: هل يعلم أن الذي كان يودعني في مطار القاهرة بتكليف من الرئيس السادات هو الدكتور محمد عبد القادر حاتم النائب الأول لرئيس الوزراء؟ فشرحت لها ظروف العمل الضاغط في لندن وأن سفرها صادف عطلة الأسبوع ،
يبدو أنها لم تقتنع بما قدمته من تبرير، وشعرت يومها أنني أقف أمام تاريخ مصر كله مجسداً في تلك السيدة التي عاشت حياة حافلة بالعطاء والمجد والشهرة، وعندما صعدت معها إلي داخل الطائرة وجهت لي عبارات شكر مقتضبة وأخرجت أحد الكروت الشخصية بعنوان فيلتها في شارع «أبو الفدا» بالزمالك ورقم تليفونها المنزلي، عندئذ أدركت أنني قد نجحت في مهمتي، ونجوت علي الأقل من سخريتها المحتملة فقد كانت صاحبة نكتة ذكية وملاحظة سريعة،
فعندما سخر بعض أفراد فرقتها من رابطة عنق أحد زملائهم قائلين إن قيمتها لا تزيد علي خمسين قرشاً قالت لهم إن ذلك ظلم لأن عليها بقع زيت تتجاوز قيمتها جنيهاً كاملاً! وعندما كان المذيع المعروف «سيد الغضبان» يقدم إحدي حفلاتها تساءلت غضبان من ماذا؟! وحين قدم لها الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين صديقه المفكر اللبناني «د. كلوفيس مقصود» ضحكت ساخرة وقالت وهي تصافحه: إذا كان هذا هو اسمك الفني فما هو اسمك الحقيقي؟!،
وما أكثر نوادرها وقصصها الطويلة مع رامي والسنباطي والقصبجي وعبدالوهاب ومحمود الشريف وبليغ حمدي وسيد مكاوي وعلاقتها القوية بشعراء عصرها وأدباء زمانها، ولن ينسي المصريون دورها الرائع بعد هزيمة ١٩٦٧ وهي تجوب العواصم العربية والأجنبية من الكويت إلي السودان إلي المغرب ثم إلي باريس ولندن وغيرها تشدو دعماً للمجهود الحربي وإزالة آثار العدوان.
والغريب أنها عندما رحلت عن عالمنا تضاربت بيانات الحكومة في توقيت وفاتها، ربما لأن البعض كان يظن أن حياتها المجيدة سوف تستعصي علي الموت، بينما الخلود لله وحده.


يوسف صديق

بقلم د. مصطفي الفقي ٤/ ١٠/ ٢٠٠٧
قد يتساءل البعض لماذا أكتب عن شخصية بعينها ولا أتعرض لغيرها؟ والجواب بسيط، وهو أنني أكتب فقط عمّن تعاملت معهم «عن قرب»، ولذلك قد تكون هناك شخصيات دولية أو عربية أو محلية ذات ثقل سياسي أو وزن أدبي، ولكنني لم أسعد بلقائها، فلم أكتب عنها، بينما يكون تركيزي علي الشخصيات المهمة التي ساقتني ظروف العمل أو الصداقة الدائمة أو اللقاء المباشر، للتعرف عليها من مسافة قريبة فكرياً وإنسانياً،
وهاأنا ذا أكتب اليوم عن شخصية ذات موقع خاص في تاريخ الثورة المصرية من ناحية تنظيمها العسكري وطبيعة العمليات الاستثنائية ليلة «٢٣ يوليو ١٩٥٢»،إنه رجل تصدق فيه المأثورة التاريخية «الثورات يقوم بها الشرفاء. ولكن يستفيد منها الجبناء»!
إنه القائمقام «يوسف صديق» بطل تلك الليلة الفاصلة في تاريخ مصر الحديث، والذي تحرك بقواته - بطريق الخطأ - قبل ساعة الصفر، في مبادرة شجاعة أنقذت الضباط الأحرار من أحكام إعدام كانت تنتظرهم لو أن الأمر كله قد جري اكتشافه، لتبدأ محاكمة القائمين علي تمرد عسكري فاشل، وهو أيضاً ذلك البطل الذي كادت قواته أن تعتقل جمال عبدالناصر، وعبدالحكيم عامر، بزيهما المدني،
وهما يستطلعان مجريات الأمور قرب القيادة عند مبني رئاسة أركان الجيش، وذلك مع اعترافنا الكامل بأن «عبدالناصر» هو مفجر ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، وقائد تنظيم الضباط الأحرار، إلا أننا نندهش للمعاناة القاسية التي تعرض لها يوسف صديق بعد نجاح الثورة، وكأنما كان عليه أن يدفع مثل قائده اللواء محمد نجيب - أول رئيس للجمهورية المصرية - الثمن الفادح لدورهما الوطني وعملهما التاريخي، فقد أبعدت قيادة الثورة بطل ليلة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، الثائر المثقف يوسف صديق، الذي أنقذت مبادرته الشجاعة مصر من مواجهة دامية في ليلة حاسمة تدخل القدر فيها ليتغير معها مجري التاريخ كله،
ولقد كان لقائي مع بطلنا الراحل الضابط الباسل والرجل الواعي والشاعر الرائع يوسف صديق، علي امتداد أسبوع كامل من شهر سبتمبر عام ١٩٧١، وكان الرئيس «السادات» قد أوفده للعلاج في العاصمة البريطانية، وكنت قادماً جديداً إلي لندن، حيث عملت نائباً للقنصل المصري هناك ولم أكن قد انتقلت إلي مسكني الدائم بعد، فاكتشفت أنني أقيم مع السيد يوسف صديق في فندق واحد، هو فندق «نيرا» في منطقة «كوينز واي» الشهيرة في «عاصمة الضباب» كما كانوا يسمونها في ذلك الوقت،
واقتربت من الرجل كثيراً واستمعت إليه طويلاً، وحكي لي عن النزيف الدموي الذي انطلق من صدره عبر فمه ليلة الثورة، وكيف أن «حقنة» لا يكاد يتذكر اسمها قد أوقفت ذلك النزيف لما يقرب من عشرين عاماً حتي عاودته آلام المرض مرة أخري، وجاءت به إلي رحلة العلاج التي التقيته فيها. وأعجبني كثيراً في ذلك البطل المصري أن مرارة الشعور بالجحود من رفاق الثورة والسلاح لم تترك بصماتها السوداء في قلبه، بل كان يتحدث بحس إنساني رفيع عن عبدالناصر ورحيله، ونجيب وعزلته، وعامر ومصيره،
وشرح لي أكثر من مرة تحليلاته السياسية والعسكرية لدوافع الثورة ونتائجها، بإنجازاتها وأخطائها، لماضيها ومستقبلها، وبدا الرجل أمامي كأنه طيف عابر من ضمير وطن جريح ينزف دائماً قطرات من دم، مثل تلك التي نزفها يوسف صديق ليلة الثورة.
كما قرأ علي فقرات من مذكراته، وتلا علي بعض أشعاره، واستعرض سنوات النفي والعزلة داخل الوطن الذي عاش من أجله وضحي في سبيله، وتناول أزمة مارس ١٩٥٤ وملابساتها، وطرح رأيه فيها، والشيء العظيم أنه ظل قابضاً علي مبادئه، عاشقاً لوطنه، مؤمناً بثورته، مدركاً فضل زوجته المناضلة والتي تنتمي إلي عائلة مسيسة، قدوة لأسرته الصغيرة التي ارتبط بها صديقي وزميل دراستي الأستاذ عبدالقادر شهيب رئيس مجلس إدارة دار «الهلال» ورئيس تحرير «مجلة المصور»،
لقد تعلمت الكثير من الأسبوع الذي قضيته مع ذلك الضابط المتقاعد والفيلسوف الزاهد الذي زرع الكثير وحصد الهشيم، ولكنه ظل دائماً متماسكاً مترفعاً عن شهوة المناصب وعطايا السلطان، وظل ولاؤه لتراب الوطن قوياً حتي سكن في أحضانه ذات يوم تاركاً وراءه سيرة عطرة، وبطولة باقية، وزوجة صلبة، وذرية صالحة.[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 05:15 PM   #34
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]يوسف إدريس»

بقلم د.مصطفى الفقى ٢٧/ ٩/ ٢٠٠٧
لا أظن أن أديباً عربياً عاني في السنوات الأخيرة من عمره مثل معاناة «أب القصة القصيرة» في الأدب العربي المعاصر «يوسف إدريس»، فلقد عاش الرجل ذو الحساسية المفرطة سنوات من عمره وهناك من يلوح له في الخارج بجائزة «نوبل» للأدب ولكن عندما هبطت الجائزة أرض النيل اتجهت إلي الروائي الكبير «نجيب محفوظ» ولا شك أن الذين داعبوا أحلام «يوسف إدريس»
ودغدغوا مشاعره لم يكونوا واهمين أو مخدوعين فالرجل يستحقها بجدارة ولكن الإطار السياسي الذي وضع نفسه فيه كان كفيلاً بإبعاد الجائزة عنه وهي بالمناسبة جائزة قد تكون بريئة في فروع العلوم والتكنولوجيا إلا أنها في فرعي السلام والأدب تخضع في الأولي لتوازنات دولية وفي الثانية لحسابات جغرافية بين الثقافات المختلفة والآداب المتنوعة كما أنها في هذين الفرعين تحديداً لا تبرأ من اعتبارات سياسية تدل كل الشواهد علي وجودها، خصوصاً في العقود الأخيرة، ولقد ربطتني «بيوسف إدريس» علاقة وثيقة امتدت لسنوات طويلة ما بين «لندن» و«القاهرة» و«نيودلهي» فقد عرفته وأنا دبلوماسي شاب، حيث كنت نائباً للقنصل المصري في «لندن» وجاء الأديب المتميز طلباً للخلاص من داء آلم به وليبرأ من مشكلة صحية ونفسية سيطرت عليه،
وكنت في ذلك الوقت المشرف الدبلوماسي علي القسم الطبي بالقنصلية العامة في لندن فتعددت لقاءاتي مع الكاتب الكبير في حضور صديقي الراحل د. «عبدالغفار خلاف» المستشار الطبي للقنصلية ورأيت في «يوسف إدريس» شخصية فريدة خارج الدائرة التقليدية للبشر فهو مفكر حقيقي وإحساسه الإنساني مرتفع للغاية وانتماؤه السياسي واضح فهو منحاز للفقراء والكادحين ولا غرو فهو صاحب «أرخص الليالي» وأديب «الفرافير» الذي كتب عن عمال التراحيل وأجراء الأرض وهو ابن محافظة الشرقية الذي تخرج طبيباً في «قصر العيني» وعايش وهو في الامتياز اللحظات الأخيرة من حياة الشهيد «عبدالقادر طه» الذي اغتاله أعوان الملك «فاروق»
قبيل الثورة فتجمعت لدي «يوسف إدريس» رؤية وطنية مبكرة جعلته بحق «الترمومتر» الحساس للحياة العامة المصرية والضمير اليقظ للوطن علي امتداد العصر الملكي وحكم «نجيب» و«عبدالناصر» و«السادات» و«مبارك»، ومازلت أتذكر شطحاته الفكرية وخروجه عن السياق العام برؤي غير تقليدية كان يبدو فيها سابقاً لعصره ومعاصريه، وعندما عدت إلي الوطن تواصلت لقاءاتنا وتوطدت علاقتنا وعرفت فيه إنساناً فريداً يعشق الحق والخير والجمال،
وعندما عملت في السفارة المصرية بالعاصمة الهندية جاء «يوسف إدريس» عام ١٩٨٢، ضيفاً كبيراً قضي معنا أسبوعاً لا أنساه أبداً حيث رافقته في محاضرة ألقاها بجامعة «جواهر لال نهرو» عن «الاتجاهات الحديثة في الأدب العربي المعاصر» واستقبلته بعدها السيدة «أنديرا غاندي» الرئيسة القوية للحكومة الهندية واحتفت به كثيراً وتهللت عند استقباله حتي ظل يقبل يديها ويلثم ذراعيها في مودة واضحة وهي سعيدة بذلك الشعور العفوي لأديب مرموق له مكانته المحلية والدولية بينما تصاعدت مكانته القومية منذ رفضه جائزة «حوار» اللبنانية بسبب غموض دوافعها في وقت كان المد القومي فيه كاسحاً والرأس العربية شامخاً،
وأتذكر جيداً أن ليل «يوسف إدريس» كان طويلاً ينتعش بعد الحادية عشرة مساء بينما سفيرنا اللامع في النهد حينذاك القاضي الدولي د. «نبيل العربي» ينام مبكراً ولا يهوي السهر فكان علي أن أواصل مع أديبنا الراحل ساعات طويلة بعد العشاء الذي يكون مدعواً إليه في عدد من البيوت المصرية أو الهندية علي السواء، ولم يتوقف الأديب الكبير عن مداعباته الراقية لزوجات السفراء الأوروبيين في سهرات الهند فقد كان، رحمه الله، فناناً قبل أن يكون أديباً تسيطر عليه قيمة الجمال قبل غيرها من القيم وذلك دأب ذوي الانتماء البشري العميق،
ولقد حكي لي «يوسف إدريس» أنه عندما اعترض علي اتفاقية «كامب ديفيد» ومعاهدة السلام المصرية ووقف في المعسكر المناوئ لسياسات الرئيس الراحل «أنور السادات» اتصل به المستشار الصحفي للسفارة العراقية بالقاهرة وأبلغه دعوة خاصة من «صدام حسين» النائب القوي لرئيس العراق والحاكم الحقيقي لأرض الرافدين والذي كان يعرف «يوسف إدريس»
شخصياً من سنوات الصعلكة الدراسية للمغامر العراقي في العاصمة المصرية وعندما هبط «يوسف إدريس» مطار «بغداد» أخذته سيارات الضيافة العراقية إلي حيث كان «صدام» يشرف بنفسه علي تنفيذ «وجبة» إعدام في عدد من معارضيه قرب ضواحي بغداد وكاد «يوسف إدريس» أن يغمي عليه وهو الذي أجريت له جراحة «قلب مفتوح» قبل تلك الزيارة بسنوات قليلة،
وعندما عاتب الأديب الكبير نائب الرئيس العراقي علي دعوته المتهورة لمشاهدة ذلك الحدث الدامي ضحك «صدام» كثيراً وقال له «إن الأدباء الكبار لا يجزعون من الموت لأنهم يصنعون الحياة» وظلت العبارة لا تفارق ذهني أبداً لأنها تمثل المواجهة الحقيقية بين السياسة والثقافة، بين السلطة والأدب، بين الموت والحياة،
ولقد كتب «يوسف إدريس» مقالاً طويلاً بالأهرام في يومياته بعد عودته من الهند خصني فيه بفقرات طويلة أعتز بها حتي الآن، ولقد رأيته في سنواته الأخيرة وهو يشعر بجحود حقيقي لعطائه الفذ وإنكار لموهبته العبقرية، وظل يري في ابنه الراحل وشقيقه وفي «نسمة» ابنته ودرة وجدانه امتداداً حقيقياً له يربطه بشريكة حياته ورفيقة عمره، وعندما كان يحضر الحوار الفكري بين الرئيس «مبارك» والأدباء والمفكرين في «معرض القاهرة الدولي للكتاب»
كان يتحدث مع الرئيس عن شواغل الناس وهموم الشارع المصري وقضايا الوطن الكبير، وكان الرئيس يتلقي آراءه باهتمام بالغ ومحبة زائدة، وعندما اعترض «يوسف إدريس» ذات مرة علي ارتفاع أرقام «فواتير الكهرباء» سأله الرئيس «كم جهازاً للتكييف في بيتك أيها الأديب الكبير؟» وضجت القاعة بالتصفيق في جو ودي حميم، لذلك كله لست أشك في أن رحيل «يوسف إدريس» كان ولايزال خسارة كبيرة للوطن وللأدب ولي شخصياً.
جعفر نميري

بقلم د. مصطفي الفقي ٢٠/ ٩/ ٢٠٠٧
شاهدت برنامجاً تليفزيونياً منذ أيام، تحاور فيه المذيعة ضيفتها المناضلة السودانية «فاطمة إبراهيم»، أول سيدة تدخل البرلمان السوداني عام ١٩٦٥، وزوجة القيادي الشيوعي الذي كان عضواً بارزا في الحركة العمالية الدولية، وأعني به شهيد الرأي «الشفيع أحمد»،
الذي أعدمه الرئيس السوداني «جعفر نميري» في بدايات حكمه، ولابد أن أعترف هنا بأن الشأن السوداني كان، ولايزال، وسوف يظل، واحداً من أهم شواغلي وأخص اهتماماتي، وإذا كنت سوف أكتب يوما عن السيد «الصادق المهدي» ومولانا «محمد الميرغني»، وغيرهما من زعامات السودان التقليدية، التي تعاملت معها فإنني أكتب اليوم عن الرئيس «جعفر نميري»،
الذي حكم السودان قرابة خمسة عشر عاماً اتسمت بالصعود والهبوط، بالاستقرار والاضطراب، وتفجرت خلالها معظم مشكلات السودان أكبر الدول الأفريقية مساحة، والذي كان يمكن أن يكون «سلة الغذاء» لدول وادي النيل وشرق أفريقيا. والرئيس «نميري»، كما عرفته، شخصية تحتاج إلي دراسة، فهو الرجل العسكري الذي فقد والديه في حادث سير وهما يتجهان إلي مبني الكلية الحربية السودانية لحضور حفل تخرجه ضابطاً فيها،
ولقد شاءت الظروف أن ألتقيه مرات عديدة في سنوات منفاه الاختياري بالقاهرة، ولفت نظري أنني كلما ذهبت إليه وجدت لديه المستشار الإعلامي للسفارة السودانية في القاهرة والملحق العسكري بها وبعض الدبلوماسيين من السفارة في وقت كانت حكومة «الخرطوم» تسعي فيه لاستعادة «نميري» ومحاكمته رسمياً وشعبياً! وتلك ظاهرة ينفرد بها السودانيون دون غيرهم،
وهي الفصل بين المواقف السياسية والعلاقات الشخصية. ولقد تحدثت إلي الرئيس «نميري» كثيراً وتطرقت معه إلي موضوعات ذات حساسية بالنسبة له مثل علاقته بالمعارضة السودانية وموافقته علي إقامة جسر جوي ينقل يهود «الفلاشا» إلي إسرائيل وما تردد عن حصوله شخصياً علي مقابل لتلك العملية التي تتعارض مع انتمائه الأفريقي والعربي والإسلامي وقد نفي الرئيس السوداني السابق ذلك تماماً، وشرح ملابسات تلك العملية وتداعياتها، وقد لاحظت أنه يحمل قدراً كبيراً من مرارة الخصومة تجاه عدد من الشخصيات التاريخية علي مسرح الحياة السياسية للسودان،
ذاكراً بعض أخطائهم، راصداً عدداً من سقطاتهم، ولا عجب في ذلك فهو الرئيس السوداني الذي انقلب عليه «الشيوعيون» واحتواه «المتأسلمون» وانصرف عنه «القادة التقليديون»،
كما أن تحالفاته مع ليبيا «القذافي»، ثم انهيار العلاقة معها كانت هي الأخري ظاهرة متكررة، بل إن علاقاته بـ «القاهرة» أيضاً لم تخل من شد وجذب، وإن كانت مصر «السادات» تذكر له رفضه الانصياع لقرار القمة العربية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر، بعد توقيعها اتفاقية السلام مع إسرائيل، وهو موقف انفرد به، ولم يشاركه فيه إلا حكومتا دولتي «عمان» و«الصومال».
ويجب أن أسجل هنا أن «نميري» ينتمي إلي أكثر الدول العربية إحساساً بالحرية، والتزاماً بحق إبداء الرأي مهما كانت الظروف، فالشعب السوداني هو الذي أدخل المفهوم الحديث لحركة العصيان المدني في قاموس السياسة الدولية المعاصرة مرتين في النصف الثاني من القرن العشرين، كانت الأولي ضد نظام «إبراهيم عبود» عام ١٩٦٤، والثانية بالحركة الشعبية للنقابات ضد نظام «نميري» عام ١٩٨٥، ولابد أن أعترف هنا بأن سنوات حكم «نميري»
كانت نسبياً هي أكثر العهود تقارباً بين القاهرة والخرطوم، ولعلي أتذكر الآن من لقاءاتي مع عدد من السياسيين المرموقين في تاريخ السودان من أمثال الراحل «جون جارانج» والسياسي الفذ الدكتور «منصور خالد» وصديقي العزيز «فاروق أبوعيسي» الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب،
ولكن أقرب السودانيين إلي قلبي هو السفير «إبراهيم طه أيوب»، الذي جاءت به حركة ١٩٨٥ وزيراً للخارجية بعد أن كان سفيراً لبلاده في الهند في فترة تزامنت مع عملي مستشاراً بالسفارة المصرية في «نيودلهي» مع نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات من القرن الماضي، وأتذكر الآن جيداً يوم أن دعاني السفير «إبراهيم طه أيوب» إلي منزله في العاصمة الهندية ورأيت صورة كبيرة في قاعة الاستقبال للرئيس السوداني «جعفر نميري»
فقلت له مجاملاً: «إن هذا الرجل قد حقق للسودان استقراراً لم يتوفر لها من قبل» فضحك السفير «أيوب» ساخراً وقال: «إن هذا رجل سيئ ولا يزيد عنه سوءاً إلا رئيسكم السادات»! فاندهشت لذلك الموقف العفوي من دبلوماسي متميز، ولكن تلك هي دائماً الشخصية السودانية الصريحة الواضحة التي لا تقبل النفاق ولا تهوي المجاملة الزائفة، وأسجل هنا أن الرئيس «نميري» قد بدا لي بعد زوال السلطة عنه إنساناً عاطفياً للغاية يهتم ببعض المشروعات الخيرية، ويرعي عدداً من الأطفال المحتاجين،
خصوصاً أنه لم يرزق أولاداً، ولكن مشكلة بعض القادة وهم في الحكم أن بريق السلطة يعمي الأبصار ويستولي علي الأفئدة ويجعل القرارات أحياناً شديدة القسوة، إلي حد يصل بالخصوم إلي حبل المشنقة.. إنها السياسة لعنها الله في كل زمان ومكان![/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 05:17 PM   #35
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]محمد متولي الشعراوي»

بقلم د.مصطفى الفقى ١٣/ ٩/ ٢٠٠٧
هو إمام الدعاة في النصف الثاني من القرن العشرين بغير منازع، وهو أكثر علماء الإسلام شعبية في العقود الأخيرة، حتي دخلت مكانته إلي قلوب الملايين في العالمين العربي والإسلامي، وقد كنت مدعواً منذ شهور قليلة لدي الفنان العالمي «عمر الشريف»، وأدهشني كثيراً غرام الفنان الكبير بالشيخ الراحل، وقدرته الفذة علي تقليده وحفظ مقاطع كاملة من أحاديثه، وهو ما يعني أن «كاريزما» الشيخ قد شملت الجميع، ووصلت إلي الناس بمختلف ثقافاتهم وتوجهاتهم وأفكارهم، ورغم ما يتردد من أن تفسير الشيخ للقرآن الكريم كان يعتمد علي الجانب اللغوي، بحيث يغوص في أعماق العبارات البليغة، إلا أنه امتلك جاذبية خاصة صنعت درجة عالية في التعلق الشديد بالإمام،
وجعلت منه مؤسسة دينية مستقلة، لا نكاد نعرف لها نظيراً بين دعاة العصر. وعندما تردد أن مشيخة الأزهر قد عُرضت عليه أثناء وزارة الدكتور «فؤاد محيي الدين»، وأن الشيخ قد اعتذر عنها، انتابني شعور بالحزن علي فرصة ضاعت علي الإسلام والمسلمين، وعبرت عن ذلك لصديقي منذ عشرات السنين الشيخ الجليل «محمود عاشور»، وقد كان قريباً من إمام الدعاة ـ وقد أصبح وكيلاً للأزهر فيما بعد ـ فعاد بعد حديثنا بأيام ليقول لي- نقلاً عن الإمام- إن مشيخة الأزهر لم تعرض عليه. وأضاف أنه ربما كان هناك توجيه من الرئيس بعرضها عليه، ولكن الراحل «فؤاد محيي الدين» لم يتحمس، لأنه لم يكن من محبي الشيخ ولا من مريديه.
ولي مع الشيخ «الشعراوي» مواقف كثيرة، لعل أشدها تأثيراً في نفسي هو ما فعله معي في نهاية ١٩٩٢ عندما تركت موقعي في مؤسسة الرئاسة، حيث تلقيت اتصالاً هاتفياً من وزير الأوقاف الأسبق السيد «أحمد عبدالله طعيمة» ـ وهو من الضباط الأحرار وكان شديد القرب من إمام الدعاة ـ يقول لي فيه إن الشيخ يريد الدعوة لعشاء، تكريماً لشخصي، نظراً للعلاقة الطيبة التي ربطتني به لعدة سنوات، وعندما ذهبت إلي ذلك العشاء وجدت الشيخ متهللاً ومرحباً ومازحاً في ليلة لا أنسي كرمه فيها، وكان من الحاضرين وزير كويتي سابق ومحافظون وسفراء سابقون وعدد كبير من مريدي الشيخ ومحبيه، وأجلسني إلي جانبه علي مائدة الطعام،
وظل يناولني الأطباق بيديه في تواضع وسماحة يستحقان التقدير والعرفان، وقال في حقي كلاماً طيباً، ربما لا أستحقه، وظل يحكي عن ذكرياته وطرائف حياته، بصورة خلقت جواً من المحبة، حتي إنني أذكر أنه كان من بين الحاضرين ضيف قبطي، صديق لأحد المقربين من الإمام الراحل، وعندما خرجنا من منزل الوزير «طعيمة» في أحد شوارع الزمالك بعد العشاء بدأ الشيخ يوزع حسنات بغير حدود علي طوابير من الفقراء يقفون في انتظاره، ليعطيهم صدقة من الأموال التي كانت تأتيه من أهل الميسرة ليوجهها في مصارف الخير.
وعندما مرض الشيخ واعتلت صحته، وذهب إلي لندن للعلاج، سعي إليه عدد من كبار الأطباء الأقباط في العاصمة البريطانية بتوجيه من قداسة البابا «شنودة»، وأسهموا بشكل كبير في رعايته والاهتمام بصحته، وأظن أن ذلك الأمر قد أثر في الشيخ كثيراً، وأحدث لديه تحولاً فكرياً جعله يدرك أكثر من ذي قبل قرب المسيحيين من المسلمين، ووطد علاقته أيضاً بالبابا «شنودة الثالث»،
وقطع الطريق علي كثير من الادعاءات حول ما تردد عن عبارات تمس النصاري في بعض أحاديث الشيخ السابقة. ولن ينسي المصريون يوم عاد الرئيس «مبارك» سالماً من محاولة الاغتيال الغادرة في «أديس بابا» عندما وقف الشيخ متحدثاً ليقول عبارته الشهيرة: «إذا كنت قدرنا فأعاننا الله عليك، وإذا كنا قدرك أعانك الله علينا»، ويومها هرع رئيس ديوان رئيس الجمهورية بنفسه ليستند عليه الشيخ في مشيته، احتراماً لمكانته وتقديراً لهيبته،
ورغم أنني لا أميل إلي التفسير التآمري للأحداث فإنني أتذكر جيداً أن صديقي الراحل الشهيد «فرج فودة» قد لقي مصرعه اغتيالاً في نفس الأسبوع، الذي كتب فيه مقالاً في مجلة «أكتوبر»، تضمن تلميحات سلبية حول شخصية الشيخ بصورة تنال من هيبته، وتمس مكانته وتؤثر في شعبيته الكاسحة. ولست أنسي أبداً عندما رأيت مصرياً نحيلاً طويل القامة، يرتدي حلة غربية أنيقة في أحد شوارع لندن في السبعينيات من القرن الماضي برفقة صديقين، وكان هو الشيخ «الشعراوي» وزير الأوقاف حينذاك. إنه ذلك العالم الفذ الذي قضي سنوات من عمره في الجزائر والسعودية، وعرفه الناس من خلال شاشات التليفزيون عندما أصبح نجم حلقات برنامج «نور علي نور» الذي كان يقدمه الإعلامي الراحل «أحمد فراج».
ولست أنسي أيضاً يوماً كنت فيه بمطار القاهرة عام ١٩٩٤ مسافراً، وحدث لبس في الإجراءات حول فتح صالة كبار الزوار لمودعي الشيخ «الشعراوي»، الذي كان مسافراً إلي الأراضي المقدسة، وكانوا كثراً، وقد غضب الشيخ يومها بشدة، وتدخلت شخصياً، وطيبت خاطره، وأشهد أن الرجل استسلم لما أقول في طيبة ووداعة شديدين، وأذكر أنني قلت له إن رئيس ميناء القاهرة الجوي رجل تقي هو اللواء طيار «عبدالعزيز بدر»، وهو صهر لواحد من أكبر البيوت الإسلامية في وسط آسيا،
وهو بيت «المجددي» كبري عائلات «أفغانستان»، فكان لتلك الكلمات وقع طيب لدي الشيخ، وسافر راضياً، وقد نشرت صحيفة الأهرام هذه الواقعة في صفحتها الأخيرة في اليوم التالي.
.. ذلك هو إمام الدعاة بحق، وأقرب رجال الدين إلي قلب رجل الشارع في العصر الحديث، وهو الداعية الذي كنا نترقب أحاديثه في شهر رمضان وفي غيره من شهور العام.

ريمون بار

بقلم مصطفى الفقى ٦/ ٩/ ٢٠٠٧
إنه ذلك السياسي الفرنسي المخضرم، الذي تولي رئاسة الوزراء في بلاده ١٩٧٦ ـ ١٩٨١، ورشحته قطاعات كبيرة من المجتمع الفرنسي لرئاسة الدولة، منافساً لشيراك في فترته الأولي، إنه رجل الدولة المخضرم البدين جسداً الهادئ عقلاً والذي رحل عن عالمنا منذ أيام، عن عمر يناهز ثلاثة وثمانين عاماً.
وقصتي مع رئيس وزراء فرنسا الأسبق تتلخص في أنني تلقيت دعوة من المنتدي الاقتصادي في «دافوس»، وهو ذلك المنتدي السنوي الشهير الذي يؤمه رؤساء دول وحكومات ووزراء وساسة ورجال أعمال ومفكرون ودبلوماسيون وإعلاميون، وذلك كي أكون متحدثاً في اليوم الأول للمؤتمر، وفي قاعته الكبري، حول موضوع «الدين والسياسة في الشرق الأوسط»، وقد كان ذلك في نهاية شهر يناير عام ١٩٩٥.
وأظن أن الذي نصح إدارة المنتدي بدعوتي للحديث في ذلك الموضوع المثير للجدل، كان هو البروفيسور الفرنسي الشهير «كيبيل» وكنت قد التقيته في صيف ١٩٩٤ ودار بيننا حديث طويل حول الأصولية والإسلام السياسي والغرب، وعندما ذهبت إلي «دافوس» وجدت أنني أول المتحدثين بعد مراسم الجلسة الافتتاحية مباشرة، وأن الذي يدير الجلسة هو السيد «ريمون بار» رئيس وزراء فرنسا الأسبق، والذي كان اسمه لايزال يتردد كمرشح محتمل للرئاسة الفرنسية، ووجدتني أمام رجل صافي الذهن هادئ الطبع رتيب الحركة، وعندما قدمني لجمهور الحاضرين وهم صفوة متميزة من رواد ذلك المنتدي السنوي الشهير، حيث تنقل شاشات العرض وقائع الجلسة في أبهاء المبني الكبير الذي يعتبر مقراً لذلك اللقاء السنوي المهم.
فوجئت بأن السيد «ريمون بار» يمثل نموذجاً متواضعاً للغاية في التعامل مع الآخرين، ولفت نظري أنه استعرض تاريخ حياتي الشخصية عند تقديمي بصورة تدعو إلي الدهشة، فقد أشار إلي تفاصيل كثيرة، فأمنت أن الرجال العظام يدرسون الشخصيات التي سوف يتعاملون معها قبل الالتقاء بها، وأذكر أن الجلسة كانت مثيرة وعاصفة، كما دار حوار طويل بيني وبين السفير الإيراني الشهير «جواد ظريف»، وهو واحد من ألمع مندوبي إيران الثورة الإسلامية في المنظمات الدولية.
كما أن الحضور كانوا يمثلون حشداً كبيراً من شعوب العالم، وأذكر منهم رئيس جمهورية قبرص السابق، ومجموعة إسرائيلية مدربة تتحرك بشكل مدروس بين أروقة المنتدي، وقد تطرق النقاش يومها إلي الأصولية اليهودي والتشدد المسيحي والتطرف الإسلامي، وظل «ريمون بار» محتفظاً بهدوئه في أكثر اللحظات حدة في الحديث وتوتراً في الحوار، وبدا لي متعاطفاً إلي حد كبير مع أفكار الشرق وفلسفاته ودياناته.
وليس ذلك غريباً علي مثقف فرنسي لعبت بلاده دوراً رئيسياً في صحوة المنطقة العربية، وإيقاظ الشخصية المصرية، وميلاد الدولة الحديثة فيها، وعندما انتهت الندوة جلست إلي السياسي الفرنسي الكبير علي مائدة الغداء ودار بيننا حديث طويل قلت له فيه.. إن «نابليون» هو أهم شخصية في التاريخ الأوروبي خلال القرن التاسع عشر، وأن «ديجول» هو واحد من أبرز الشخصيات العالمية في القرن العشرين، وسألته أن يفاضل بينهما، فذكر أن التأثير الحضاري والثقافي لغزوات «نابليون بونابرت» ومغامراته يختلف عن دور المنقذ الذي لعبه «شارل ديجول» في الأخذ بيد الأمة الفرنسية مرتين.
الأولي في قيادته للمقاومة ضد النازي في الحرب العالمية الثانية، وكانت المرة الأخري عندما أنقذ سمعة فرنسا المتورطة في الوحل أثناء حرب التحرير الجزائرية، فبينما رحل «نابليون» مهزوماً وحبيساً في جزيرة «سانت هيلانة»، فإن «ديجول» قد قضي للقاء ربه بعد أن خذلته أصوات الفرنسيين في أعقاب «حركة الطلاب عام ١٩٦٨»، عندما لم تتحقق له نسبة من الأغلبية اشترط الحصول عليها لمواصلة قيادته فرنسا.
إنه كبرياء الجنرال طويل القامة في وقت يظل فيه تأثير «بونابرت» قصير القامة، مذكوراً حتي الآن في تاريخ العلاقات الأوروبية والحملات الشرق أوسطية، ثم يبقي أيضاً «كود أوف نابليون» علامة مضيئة في تاريخ التشريعات المدنية المعاصرة، ولقد استمر التواصل بيني وبين السياسي الفرنسي إلي أن انقطع منذ سنوات، حتي فوجئت بالدولة الفرنسية تنعاه في الرابع والعشرين من أغسطس ٢٠٠٧، بعد أكثر من اثني عشر عاماً منذ لقائي الأول به.
وأريد أن أسجل هنا أن الحديث إلي جيل السياسيين القدامي في أوروبا يجعلنا نشعر أنهم يفهموننا أكثر من غيرهم، لأنهم عايشوا الحقبة الاستعمارية وعاصروا تواجد دولهم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بل إنني استمعت يوماً إلي السيد «كوف دي مورفيل» رئيس وزراء فرنسا الأسبق والذي كان سفيراً لفرنسا بالقاهرة، عندما قامت «ثورة يوليو ١٩٥٢»، وبهرتني تعليقاته العميقة حول الثورة والضباط الأحرار، إنه جيل عظيم مضي ولن يعود، رحم الله «ريمون بار» أستاذ الاقتصاد السياسي الذي لم يبحث عن الشعبية الزائفة، ولم يتبع الأساليب «الديماغوجية» الرخيصة، ولعب دوراً حاسماً في دعم السياسات الاقتصادية لبلاده في فترة حكم الرئيس الفرنسي الأسبق «جيسكار فاليري ديستان»، إنه حقاً واحد من آخر الساسة المحترمين!.
[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 05:18 PM   #36
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]«جاد الحق علي جاد الحق»

بقلم د.مصطفى الفقى ١٦/ ٨/ ٢٠٠٧
كان شيخاً للأزهر، شديد المراس، معتزاً برأيه، يتميز بصلابة في التمسك بما يؤمن به وما يقتنع بسلامته، عاش فقيراً، ومات فقيرا، لم يتربح من مناصبه وظل يعيش في شقته المتواضعة حتي رحل عن عالمنا، وعندما شعر الشيخ الراحل «محمد الشعراوي» بمعاناة شيخ الأزهر في صعود الدرج إلي شقته المتواضعة حاول أن يشتري له، من ماله الخاص، شقة بديلة يقيم فيها تتناسب مع سنه وظروفه الصحية، ولكن الشيخ «جاد الحق علي جاد الحق» اعتذر شاكراً، وظل علي تمسكه بأسلوب حياته الذي لم يتغير، وقد بدأ صعود نجم هذا العالم الراحل مع حكومة الدكتور «فؤاد محيي الدين»،
رئيس الوزراء الأسبق، الذي سعي شيخنا إلي مكتبه ذات يوم شاكياً بعض أحواله الوظيفية وتأخر الترقية عنه، وعندما خلا منصب مفتي الجمهورية تذكره رئيس الوزراء الدكتور «فؤاد محيي الدين»، واستدعاه وعرض عليه المنصب، والحقيقة أن الحكومة المصرية كانت تعاني كثيراً عند شغل منصب الإفتاء، لأن الإقبال عليه كان محدوداً بسبب إحجام الكثيرين عنه لاحتمال خسارة مكافأة نهاية الخدمة، إذا كان المرشح له من رجال القضاء،
كما أن الحياة الفكرية والثقافية قد عانت هي الأخري من بعض شطحات من تولوا ذلك المنصب الرفيع، الذي يتبع وزارة العدل، والذي احتله يوماً إمام التجديد والإصلاح والاستنارة الشيخ «محمد عبده» عندما جري فصل منصب الإفتاء عن مشيخة الأزهر في بدايات القرن العشرين. ونعود إلي شيخنا الجليل «جاد الحق علي جاد الحق»، الذي تولي المناصب الدينية العامة الثلاثة في مصر،
وهي الإفتاء ووزارة الأوقاف ومشيخة الأزهر، واتسمت فترات شغله منصب شيخ الأزهر بالاستقرار والتأكيد علي استقلالية المؤسسة الدينية، مع الحرص الشديد علي أن يظل الأزهر بعيداً عن سيطرة الحكم، وأذكر أنني ذهبت إليه ذات مرة مبعوثاً للاستفسار من فضيلته حول أمر اتخذ فيه قراراً من قبل فأحسن الرجل وفادتي، وكان بسيطاً بشوشاً لا يخلو الحديث إليه من روح الدعابة الوقورة، ولكنه تمسك في نهاية الحوار بما رآه الأزهر،
معبراً عن احترامه للجهة التي أوفدتني، ومتمسكاً في الوقت ذاته بما استقر عليه رأيه، كما أنه كان عازفا عن المجالس الخاصة، مبتعدا عن مناسبات التكريم والمنتديات الاجتماعية، محافظاً علي وقار الأزهر ومكانة شيخه وهي مكانة رفيعة لو تعلمون! لأن الشيخ يجلس علي مقعد جلس عليه أئمة من أمثال «المراغي» و«عبدالمجيد سليم» و«الخضر حسين» و«شلتوت» و«عبدالحليم محمود» وغيرهم من الكوكبة الرشيدة من علماء الإسلام،
وقد ظل الرجل معتزاً بنفسه محافظاً علي كرامته حتي لحظة الرحيل، وسوف أظل أذكر له فضلاً لا أنساه، فعندما دعوت في شهر يناير ١٩٩٥ فضيلة الدكتور «محمد سيد طنطاوي»، مفتي الجمهورية ـ حينذاك ـ لعقد قران ابنتي الكبري تبركاً به وتفاؤلاً بشخصه، فوجئت قبل عقد القران بأيام قليلة بمكالمة من فضيلته، يعتذر فيها عن عدم عقد القران لسفره ومعه القس «صموئيل حبيب» رئيس الطائفة «الإنجيلية» في رحلة عمل لدعم الوحدة الوطنية المصرية بين أبنائنا في المهجر بالولايات المتحدة الأمريكية، وطلب مني فضيلة المفتي - إن شئت - تأجيل عقد القران حتي يعود فضيلته من مهمته، ولكنني شكرته،
وعبرت له عن شعوري بأن تأجيل عقد القران ليس مدعاة للتفاؤل عند الكثيرين، وفي صباح اليوم التالي فوجئت بهاتف المنزل يدق ويقول المتحدث «السلام عليكم»، أنا «جاد الحق علي جاد الحق» شيخ الأزهر وأضاف: «لقد علمت أن عقد قران ابنتنا مستحق في العاشر من هذا الشهر، وشيخ الأزهر يريد أن يعقد القران بنفسه»! وكانت المفاجأة بالنسبة لي رائعة ومؤثرة في ذات الوقت، فقلت له هذا فضل كبير لم أجرؤ علي التفكير فيه، ومكرمة لن أنساها مدي حياتي، لأنني أعرف أن الشيخ لا يقوم بهذه المهمة إلا نادراً، وسألته ـ رحمه الله ـ في أي ساعة يكون عقد القران في مشيخة الأزهر؟ فأجاب:
بل سيكون مجلس العقد في منزل والد العروس مثلما كنت تريد. وبالفعل حضر الشيخ الجليل إلي منزلي في الموعد المحدد، وظل يلاطف العروسين بعبارات طيبة وظهر معهما في صور تذكارية استأذنته في نشرها في الصفحة الأخيرة بـ«الأهرام» فلم يمانع، بل بدا مرحباً وكريماً.
.. هذه سطور لعلاقتي بعالم جليل كان شيخاً للأزهر، حافظ علي مكانته، وعلا بسمعت، ابتغاء مرضاة الله وخدمة للإسلام والوطن.

«يعقوب جووون»

بقلم د. مصطفي الفقي ٩/ ٨/ ٢٠٠٧
كنت أسكن في شقة بالشارع الرئيسي لحي «سان جونز وود»، في العاصمة البريطانية، تقع في الدور الأول من البناية الكبيرة، حيث أقيم معرض سيارات «فولكس فاجن»، وذات صباح كنت أقوم بحجز موعد للخدمة الدورية لسيارتي الخاصة، وعندما دخلت صالون الانتظار وجدت أمامي وجهاً مألوفاً، أمعنت النظر إليه وأدركت من يكون، فبادرته قائلاً (هل أنت الجنرال «يعقوب جووون»، رئيس جمهورية «نيجيريا» السابق؟)
فابتسم الرجل وأجاب: (أنا الجنرال «جووون»)، وكان قد أطيح به قبل ذلك بشهور قليلة بعد أن كان رجل «نيجيريا» القوي والحاكم الأفريقي المرموق، عندما كانت «لاجوس» لا تزال هي العاصمة قبل إنشاء مدينة «أبوجا»، وهو أيضاً سيد البلاد المتمرس في فترة حرب الانفصال في إقليم «بيافرا». وعندما غادر السلطة مكرهاً في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، اعتبر كثير من المراقبين أن حاكماً أفريقياً مهماً قد خرج من دائرة الضوء بعد سنوات من سلطة الحكم ومسؤولياته.
نعود الآن إلي الرئيس النيجيري السابق واللقاء معه، فبعد أن تعرفت عليه وقدمت نفسي إليه ودعوته إلي فنجان شاي في منزلي في الدور الذي يعلو صالة استقبال «فولكس فاجن»، استجاب الرجل بسرعة، لأن الحكام يعودون مستأنسين للغاية بعد رحيل السلطة وشحوب الضوء حولهم! وبالفعل جلسنا معاً أكثر من ساعة ونصف الساعة في منزلي، أنا ورئيس دولة سابق لم يمض علي إقصائه أكثر من عدة شهور، حيث اختار منفاه الاختياري في بريطانيا،
والتحق بالدراسات العليا في إحدي جامعاتها المرموقة، وقد أذاع التليفزيون البريطاني صوراً للرئيس السابق، وهو يحمل «صينية طعامه» بيده، ويتحرك مع طابور الطلاب بلا تمييز أو تفرقة، فما أحلي الحياة العادية للبشر! وقد بدأ الرئيس النيجيري السابق يحكي لي ذكريات الحكم ويوميات السلطة، وقد قالوا قديماً «إن التاجر إذا أفلس بدأ يبحث في دفاتره القديمة»، فقال لي إنه مسيحي بالتبشير، نتيجة انضمامه في طفولته لمدارس الإرساليات الكنسية،
رغم أنه ابن أسرة نيجيرية مسلمة وله أخت تدعي «فاطمة»، وهذه بالمناسبة ظاهرة أفريقية شائعة وهي تحول بعض العائلات، بل والقبائل، إلي المسيحية تحت إغراء المنح التبشيرية والإرساليات التعليمية، و«نيجيريا» عرفت شيئاً من ذلك حتي تراجعت نسبة المسلمين فيها بشكل ملحوظ في العقود الخمسة الأخيرة، وقد حكي لي الرئيس السابق كيف كان يحكم بلاده وكيف كان يتعامل مع خصومه، كما دافع بشدة عن نفسه أمام تهم الفساد السياسي والمالي المنسوبة إلي فترة حكمة، وبرر كثيراً من مواقفه الأفريقية والدولية، كما ظل متماسكاً وراضياً عن أدائه السلطوي،
متحمساً لأسلوبه في إدارة البلاد، معترضاً علي ما تنشره وسائل الإعلام عنه وعن عهده بالكامل، ثم امتد الحديث بيننا عن مصر ومكانتها الأفريقية، ودورها في تحرير القارة، ومواجهة الحركات الانفصالية في بعض دولها، وقد لاحظت أنه يبدو كمن استراح من عبء السلطة، ولم تعد لديه رغبة في العودة إليها، وبدت لي طموحاته الدراسية، وقد استحوذت علي تفكيره بالكامل، وذلك هو حال الإنسان دائماً إذا حاز من المال كثيره، تطلع إلي السلطة، وإذا حاز السلطة فقد يتطلع لدور ثقافي وفكري.
فهناك نوع من البشر يريد كل شيء، مع أن مقدار المتاح لكل مخلوق هو مقدار ثابت قد يأخذه علما أو مالاً أو صحة أو ذرية أو سلطة. وقد لا يكون لديه شيء من كل ذلك، ولكن تبقي لديه سعادة داخلية ليس لها مصدر!. ذلك درس أدركته من خلال متابعة آلاف الحالات الناجحة والفاشلة علي حد سواء.
لقد درات بذهني كل هذه الأفكار وأنا شاب لم يبلغ الثلاثين وقتها، وبانتهاء جلسة الشاي الحميمة بيني وبين الرئيس النيجيري المخلوع،
في شقتي بلندن، اكتسبت يومها صديقاً، واتفقنا علي مواصلة الاتصالات واللقاءات، خصوصاً أنه كان يدرس في جامعة قريبة من لندن التي أدرس فيها أيضاً لدرجة الدكتوراه، وقد عدت بعد اللقاء مسرعاً إلي مبني السفارة المصرية، حيث أعمل، وأعددت تقريراً عن أهم ما دار في اللقاء، متصوراً أنني قد حققت سبقاً دبلوماسياً مهماً، ولكن عندما جري إرسال التقرير إلي وزارة الخارجية،
كان رد الأجهزة المعنية في القاهرة هو طلب توقف الدبلوماسي الشاب عن لقاء الرئيس النيجيري السابق، لأن أعين النظام النيجيري الجديد ترصد تحركات الرئيس «يعقوب جووون» في منفاه، وإذا علموا أن دبلوماسياً مصرياً من السفارة في لندن يقيم علاقة صداقة أو زمالة معه، فإن ذلك قد ينعكس سلبياً علي علاقات «القاهرة» و«لاجوس» في ذلك الوقت، ومع ذلك فإنني أعتبر تلك العلاقة العابرة بمثابة صفحة مطوية، أتذكرها عندما أرصد البشر وهم في السلطة وخارجها، وأتأمل الفارق بين الحالتين للإنسان الواحد. حاكماً مرة وطريداً مرات![/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 05:19 PM   #37
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]عبدالحليم حافظ»

بقلم د.مصطفى الفقى ٢/ ٨/ ٢٠٠٧
في مثل هذه الأيام من كل عام، نتذكر أغاني «عبدالحليم حافظ» في عيد الثورة المصرية، وهي أيام أعترف بأن الكثيرين من جيلي مرتبطون بها عاطفياً حتي ولو رفضوا نتائجها عقلياً. فعلاقتنا بزعامة «عبدالناصر» لا تزال كالحلم الجميل الذي كنا لا نريد أن نستيقظ منه،
بينما نعترف أيضاً بأن «السادات» تحرك بواقعية - اتفقنا معه أو اختلفنا - علي نحو يضعه في خانة «رجل الدولة» الذي جاء بعد «زعامة تاريخية» ضخمة، لذلك فإن الأغاني الوطنية «لعبدالحليم حافظ» سوف تظل استكمالاً طبيعياً لأغانيه العاطفية، فكلاهما يمجد عاطفة الحب، سواء كان ذلك لحبيبته الغالية أو للمعشوق الأعظم،
وهو الوطن الكبير. بل إنني أعترف هنا أنني كلما استمعت إلي أغنيته «صورة» عادت بي الذاكرة إلي منتصف الستينيات، ووضعتني في حالة شجن عاطفي ووطني بغير حدود، وعندما أستمع إلي «رسالة من تحت الماء» أو «قارئة الفنجان»، وقبلهما عشرات من روائع ذلك الفنان شديد الحساسية، الذي امتلك صوتاً ذكياً، وإن لم يكن قوياً، معبراً،
وإن لم يكن سخي الموهبة، مؤثراً لأنه لفنان خرج من طين محافظة الشرقية، وتربي في ملجأ للأيتام، ودفع حياته ثمناً لمرض مصري شائع سببته دودة «البلهارسيا» حتي تكون حياته ومماته مرتبطتين بالأرض الطيبة ونيلها الخالد، وسوف تظل رحلة «عبدالحليم حافظ» مع المرض مأساة إنسانية فريدة،
ولقد تعرفت عليه في مطلع السبعينيات من القرن الماضي بالعاصمة البريطانية عندما قدمتني إليه السيدة «عنايات الحكيم» شقيقة الإعلامي الكبير «وجدي الحكيم» - رفيق دربه وصديق عمره - وكان كلما جاء إلي «لندن» سأل عني، فسعيت إليه حيث كان يقيم في شقته بنفس الحي الذي أقيم فيه «سان جونز وود»، وما زالت لدي بعض منقولاته البسيطة التي صمم علي إهدائها لي عندما انتقل من شقته الأولي التي ما زال يعيش في نفس عمارتها الصديق «علاء بدراوي» بالعاصمة البريطانية،
وما أكثر ما التقيت به أنا وزميلي الدبلوماسي المصري «محمد أنيس» الذي يشغل حالياً موقعاً مرموقاً في منظمة «اليونيسيف»، وكنا نري دائماً الحزن العميق يطل من عيني العندليب الأسمر، وكأنه يجتر دائماً ذكريات السنوات الصعبة قبل أن تبتسم له الدنيا التي لم ينعم بها طويلاً، لأن المرض داهمه في سنوات الشباب وما زلت أتذكر آخر لقاء لنا في يوم «سبت» كنت أتسوق فيه بمتجر «سيلفريدج» في لندن،
فإذا بي ألتقي مصادفة بـ «عبدالحليم حافظ» وجهاً لوجه، حيث كان يشتري بعض المفروشات لاستكمال تأثيث شقته الجديدة، وعندما رآني اندفع نحوي وقال: «إنني وصلت أمس وكنت أطلب من سكرتيرتي السيدة سهير علي - وقد عملت بعد ذلك سكرتيرة للسفير المصري بعد رحيل العندليب - أن ترتب لقاء لي معك ومع محمد أنيس وهاهي الفرصة جاءت لأني أريد الآن أن أستطلع رأيك في أمر يتعلق بحالتي الصحية، فأنا أتعرض لعملية حقن لدوالي المريء كل عام لمنع النزيف المحتمل،
ولكن هناك فرصة طبية جديدة يقدمها طبيب هولندي تقوم علي أساس إجراء جراحة تجعلني لا أحتاج إلي حقن الدوالي إلا كل خمس سنوات، فما رأيك في ذلك؟» فأجبته: «إنني أفضل الطرق التقليدية في التعامل مع الصحة ولا أميل كثيراً إلي المجازفة، وقد يكون الحقن السنوي المضمون أفضل من جراحة مجهولة العواقب»،
ثم داعبته قائلاً: «إن وزنك قد زاد وهذه علامة تحسن في الصحة»، فأجاب ضاحكاً: «بل هي دليل علي تقدم في السن»، وكان يقترب وقتها من الخمسين فقط من عمره القصير نسبياً، الطويل فنياً، المؤثر إنسانياً، ثم استطرد يحكي لي عن حفلاته في المغرب وبعض الأغاني المرتبطة بالمناسبات الملكية لعرش «الحسن الثاني» وأولاده وأهميتها،
رغم أنها غير معروفة للمستمع المصري، وتصافحنا علي أمل اللقاء بعد خروجه من المستشفي، ولم تمض إلا أيام قليلة إلا ومحطات التليفزيون البريطاني تقطع برامجها لتعلن في خبر عاجل رحيل أشهر «مغني» في الشرق الأوسط، فاندفع المصريون والعرب إلي فناء المستشفي في مظاهرة حزينة تعبر عن نهاية جيل من الطرب العاطفي والوطني،
ويومها أرسل ملك المغرب طائرة خاصة لنقل جثمان الفنان الصديق، وأرسل الأمير «بدر بن عبد العزيز» طائرة أخري لنفس الغرض ولكن السلطات المصرية صممت علي أن تحمل طائرة مصر للطيران جثمان الفنان الذي غني للوطن والثورة، للحب والمرأة، للحاضر والمستقبل،
لذلك سوف يظل اسمه مبعثاً لذكريات دفينة جمعتني فيها الظروف بذلك الفنان شديد الحساسية، الذي غني للهزيمة والانتصار، وردد القصائد والأشعار، وجعلنا نستغرق في سنوات الحلم الجميل، نحلق في سماوات الأمل ونعيش أروع سنوات العمر.
زكريا محيي الدين

بقلم د.مصطفى الفقى ٢٦/ ٧/ ٢٠٠٧
ونحن نحيي الذكري الخامسة والخمسين لثورة يوليو ١٩٥٢ فإننا نتذكر بعض ثوارها، ممن تركوا بصمات علي صفحة الحياة السياسية المصرية في النصف الثاني من القرن العشرين، ولقد اخترت من بينهم رجلا ترفع عن المهاترات، ولم ينزلق إلي حرب المذكرات، وآثر أن يطوي صفحة الماضي، وأن يمضي بقية عمره في شموخ وكبرياء، معتزلا الحياة العامة، فلم يقف تحت دائرة الضوء في العقود الثلاثة الأخيرة إلا مرة واحدة، عندما سلمه رئيس الدولة المصرية «ميدالية الثورة» في حفل تخريج إحدي دفعات الكلية الحربية منذ سنوات قليلة. وقصة هذا الرجل مع وطنه تثير الاحترام إلي حد كبير، فهو سليل عائلة معطاءة، قدمت للوطن شخصيات مرموقة، حيث يقف هو وابن عمه المناضل التاريخي خالد محيي الدين علي قمتها، وتليهما في الموكب الرائع أسماء أخري،
مثل د. فؤاد محيي الدين رئيس الوزراء الأسبق، وصديقي العزيز الاقتصادي اللامع د. عمرو محيي الدين، بالإضافة إلي عبدالعزيز وصفوت محيي الدين وغيرهما، وصولا إلي آخر العنقود الدكتور محمود محيي الدين، لذلك فإن «كفر شكر» لا تباهي فقط بفاكهتها الشهيرة، ولكنها تباهي أيضا بذلك العقد الفريد الذي يرصع جيدها أمام غيرها من مدن الدلتا والصعيد، ومازلت أذكر غداة رحيل قائد الثورة جمال عبدالناصر، أن صحيفة «الأهرام» نشرت في مربع خاص عزاء منفردا من السيد زكريا محيي الدين، ينعي فيه رفيق النضال وشريك الثورة،
ولا أظن أن ذلك كان عفو الخاطر، فالكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، رئيس التحرير وقتها كان شديد اليقظة لما تنشره «الأهرام»، ولا يترك سطرا يرتبط بتلك المناسبة الحزينة دون أن يكون له مغزي رغم لوعته لرحيل الزعيم الذي قضي كالأسد الجريح، والأرض محتلة والوطن يقف في شجاعة ليبني حائط الصواريخ بعد حرب استنزاف باسلة هي من أمجد حروب الشعب المصري،
وأكثرها تضحية وفداء. وأنا أظن أن الأستاذ هيكل كان يعبر فيما نشرته «الأهرام» عن رأيه الشخصي فيمن يخلف القائد، الذي مضي إلي رحاب ربه رغم أن زكريا محيي الدين كان قد ترك المواقع الرسمية قبل ذلك بعامين، وهو بالمناسبة وزير الداخلية الحازم وأبرز مؤسسي جهاز المخابرات المصري، ورئيس الوزراء القوي،
والرجل الذي امتلك من الهيبة والاحترام ما جعله محسوبا علي اليمين الوطني قريبا في ذهن الناس من الغرب، حتي إنه كان مبعوث عبدالناصر إلي واشنطن في زيارة لم تتم، لأنها صادفت اليوم الأول في «حرب الأيام الستة»، ويجب ألا يغيب عن أذهاننا أن زكريا محيي الدين هو واضع خطة تحركات قوات الثورة ليلة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، فهو رجل «عمليات» موهوب، ومخطط ذكي وعسكري رصين، وعندما وقعت الواقعة وظهر الرئيس عبدالناصر علي شاشات التلفزة، ليعلن لشعبه وأمته رسميا نبأ الهزيمة وتداعياتها فإنه رشح زكريا محيي الدين لخلافته،
إما عن رغبة حقيقية في ذلك أو لحرق البديل في ظل يوم تعيس هو التاسع من يونيو ١٩٦٧ حتي كادت الجماهير تتطاول علي الوزير آنذاك السيد محمد فايق ـ وهو شخصية مرموقة استحوذت علي التقدير الأفريقي والعربي والمصري في آن واحد ـ لمجرد التشابه بينه وبين السيد زكريا محيي الدين، خصوصا في صلعة الرأس، وفي ظروف ظلام تلك الليلة الليلاء. ولعلي أسجل هنا أنني واحد من القلائل الذين شرفوا بالاستماع إلي ملاحظات موجزة من السيد زكريا محيي الدين مباشرة رغم عزوفه المعروف عن التعليق علي الماضي. ففي مطلع صيف ١٩٩٩، وأنا سفير لمصر في العاصمة النمساوية، اتصل بي زميلي سفيرنا في «براغ» لكي يبلغني أن السيد زكريا محيي الدين سوف يقضي عدة ساعات في مطار «فيينا» في طريق عودته إلي الوطن بعد أيام قضاها في إحدي المصحات، وأعطاني رقم الهاتف الخاص بالزائر الكبير،
فاتصلت بالسيد زكريا محيي الدين، وأسعدني أنه كان يعرف شيئا عني، ثم سعيت إليه بالمطار في اليوم التالي، وقضيت إلي جانبه ساعات أشبع فضولي، وأتعرف علي رجل بقيمة ومكانة زكريا محيي الدين، وقد كان حاضر الذهن، قوي الذاكرة، متقد التفكير، ولا يحول بينه وبين الحياة العادية إلا ثقل الحركة في قدميه علي نحو يستعين فيه بابنته الفاضلة، التي كانت ترافقه في رحلته الاستشفائية. وأتذكر مما قاله أنه عندما انتهي من رسم خطة العمليات كتابة أمام جمال عبدالناصر ورفاقه عشية الثورة، فإن القائد مازحه بقوله «إن من حدد سير العمليات يتوهم أنه هو صانع الثورة الوحيد»، ولكن ذلك وغيره لم يمنع زكريا محيي الدين ابن البيت العريق وصاحب السجل النظيف من أن يتحدث عن جمال عبدالناصر بإكبار وتعظيم، رغم ما اعتري علاقتهما من شوائب،
وما اقترن بها من صعود وهبوط أدي به إلي الانسحاب من المناصب الرسمية، والانزواء بعد عام من نكسة يونيو ١٩٦٧، التي كان مرشحا في أعقابها رئيسا لمصر، وهو أيضا الذي قاد تيارا قويا يعارض توجهات الاتحاد الاشتراكي بقيادة السيد علي صبري قبيل النكسة. تلك صفحة مطوية من تاريخ شخصية وطنية، اتسمت بالغموض أحيانا، واتهمت بالقسوة أحيانا أخري، ولكنها بقيت دائما علامة تاريخية في سماء الوطن والثورة معا.
[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 05:21 PM   #38
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


أسامة الباز

بقلم د. مصطفى الفقى ١٩/ ٧/ ٢٠٠٧
عاد إلي مصر بعد سنوات قضاها طالباً للدكتوراه في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان ذلك في أواخر عام ١٩٦٧ والشباب المصري ينزح إلي خارج وطنه، في أعقاب الهزيمة النكراء والأجواء الخانقة لنكسة يونيو التي أطبقت علي أنفاس جيل بالكامل وسحقته تحت وطأة الغضب والحزن والإحباط بعد سنوات المد القومي والحلم العربي،
عاد إلينا ذلك الشاب المثقف الذي يتحدث الإنجليزية بلكنة أمريكية وفيه من حيوية النشاط السياسي الذي مارسه في الولايات المتحدة الأمريكية رئيساً لاتحاد الطلاب العرب، وفيه من انفتاح وليبرالية سنوات وجوده في الغرب، وفيه من تعددية مصادر المعرفة التي حازها من تجارب في حياته التي بدأها «وكيلاً للنيابة»، تمرس بحياة الشارع ومعاناة الناس، ثم التحق بالسلك الدبلوماسي في منتصف الخمسينيات وفقاً لدرجته التي وصل إليها في النيابة العامة، وقد ربطته حينذاك صلات مباشرة ببعض ثوار يوليو من الضباط الأحرار من خلال زملاء أخيه الأكبر الذي كان ضابطاً في القوات المسلحة، وقد رأوا في «أسامة الباز»،
ذلك الشاب النجيب، رفيع الثقافة، غزير المعرفة، متوهج الذكاء، نموذجاً يلتقون به ويستمعون إليه، ويستعينون بخبراته، وظل في وزارة الخارجية لعدة أعوام، فيما كان يسمي بالإدارة العامة للأبحاث، حيث تولي موقعه إلي جانب رجل وزارة الخارجية القوي في ذلك الوقت السفير إبراهيم صبري - ابن أخت الزعيم الراحل مصطفي كامل - وذاع اسم أسامة الباز بين أقرانه، نموذجاً للجرأة والبساطة والكفاءة في وقت واحد، ومن خلال معايشتي له واقترابي منه علي مدي الأربعين عاماً الماضية، أستطيع أن أزعم أنه شخصية استثنائية بجميع المعايير، فهو ابن عالم أزهري من محافظة الدقهلية، تلقي دراسته الأولي في مدينة «دمياط» بحكم عمل والده في سلك التعليم،
ومع ذلك فإن درجة تأقلمه - هو وشقيقه عالم جيولوجيا الفضاء «فاروق الباز» - مع مناخ الحياة الغربية، يوحي بالقدرة الرائعة علي التكيف الذكي من بيئة البيت الأزهري إلي طبيعة الحياة المختلفة تماماً في الغرب، كما أن إجادته الواضحة لقواعد اللغة العربية، لم تكن علي حساب تفوقه أيضاً في اللغة الإنجليزية، ولعل الكثيرين لا يعلمون أنه يتميز بخط جميل للغاية في اللغتين معاً، لقد جاءنا ذلك الشاب الرائع ونحن طلاب في معهد الدراسات الدبلوماسية بوزارة الخارجية في أجواء ١٩٦٧ وما بعدها، فإذا به يأتيناب العالم كله عندنا ونحن مبهورون به،
مشدودون إليه، لقد أتحفنا بأساتذة مرموقين من أمثال جورج أبوصعب، وتحسين بشير، ويحيي العزبي، وعبدالوهاب المسيري، واستقدم لنا من رجال السياسية والفكر والثقافة والإعلام في العالمين الغربي والعربي، فهذا هو لويس عوض، وذلك هو أحمد بهاء الدين، ومعهما كوكبة من صفوة العقول في المنطقة كلها، فاستطاع أسامة الباز أن يربي أجيالاً في الخارجية المصرية، وأن تتكون له مدرسة دبلوماسية متميزة تجمع بين السياستين الداخلية والخارجية علي اعتبار أن كلاً منهما امتداد للأخري، وقد شرفت شخصياً،
ولا أزال، بالانتماء إليها، وعندما اختارني للعمل في مكتبه فور عودتي من خدمتي في «الهند» ألمت به وعكة صحية طارئة، أرسل لي أثناءها كتاباً من مستشفاه، يطلب مني القيام بما أستطيع من أعماله والوفاء بما أقدر عليه من المسؤوليات الملقاة علي عاتقه، عندئذ سنحت لي الفرصة أن أعمل مباشرة مع رئيس الدولة، إلي أن عاد هو معافي من مرضه يواصل دوره، إلي أن التحقت أنا بمؤسسة الرئاسة سكرتيراً للرئيس للمعلومات بعد ذلك بعامين، وأريد أن يعلم الجميع أن شخصية أسامة الباز تقوم علي أسس أخلاقية رصينة، فما رأيته يوماً يدق أسفيناً في شخص، أو يطعن في مكانة غيره، فإذا سئل عن إنسان قال خيراً أو صمت، ولقد لاحظت دائماً إعزاز الرئيس مبارك له وتقديره لمكانته وفهمه لطبيعة شخصيته،
وللدكتور أسامة الباز دائرة واسعة من المعارف والأصدقاء في أعلي المستويات عربياً ودولياً ما أتذكر الصورة الرئيسية في الصفحة الأولي في صحيفة «الأهرام» للرئيس الأمريكي السابق «جيمي كارتر» و«أسامة الباز» وحدهما يراجعان معا بعض ملفات الصراع العربي الإسرائيلي، فهو من أخبر الناس بتفاصيل القضية الفلسطينية ودهاليز السياسة العربية وطبيعة العلاقات المصرية الأمريكية ولقد سمعت بأذني حديثا لرئيسة وزراء بريطانيا السابقة «مارجريت تاتشر» وهي تشير إليه باحترام وإعجاب شديدين.
إني أكتب عن «أسامة الباز» اعترافا بفضله علي جيلي كله وتقديرا لمدرسته في الدبلوماسية المصرية واعتزازا بدوره الوطني، فقد كان دائما هو المفاوض البارع طوال عمله في مجال العلاقات الدولية المعاصرة، ومن ثم فإنني أنضم إلي غيري من أبناء مصر وبناتها في تحية رجل عاش زاهدا في المناصب، مترفعا عن الصغائر، خادما أمينا للوطن، وعندما فكرنا هذه الأيام في تكريمه بمناسبة عيد ميلاده «الماسي» فإننا لم نجد مكانا أفضل من معهد الدراسات الدبلوماسية الذي علمنا هو فيه، إنه ذلك المعهد الذي تشرفت شخصيا بأن أكون مديرا له في مطلع التسعينيات من القرن الماضي،
وعندما عرضت الفكرة علي مدير المعهد الحالي الدكتور «وليد عبدالناصر» سفيرنا القادم إلي العاصمة اليابانية تحمس للفكرة بحكم انتمائه أيضا لمدرسة «أسامة الباز» ضمن آخر جيل تربي علي يديه، وعرض مدير المعهد الأمر علي وزير الخارجية السيد «أحمد أبوالغيط» الذي سبقنا في حماسنا وقرر أن يطلق اسم «أسامة الباز» علي الدفعة الجديدة بالمعهد الدبلوماسي العريق، لذلك فإن هذه السطور هي تحية لمواطن مصري دخل إلي «المطارات» دائما مع العامة ولم يطلب يوما فتح «صالة كبار الزوار»، وركب «مترو الأنفاق» مع كل الطبقات المصرية، وتمشي وحيدا علي «شاطئ النيل» دون أدني حراسة، إنه نبت الأرض الطيبة وابن الكنانة البار الذي يتواصل دائما عطاؤه وتعلو دوما مكانته.


أشرف مروان



بقلم د.مصطفى الفقى ١٢/ ٧/ ٢٠٠٧
كنت أنتوي الكتابة عنه في ترتيبه، بين من عرفت ولكن رحيله المفاجئ ألزمني بأن أخرجه من «الطابور»، ليتقدم غيره خصوصا أن علاقتي به بدأت مع وصولي إلي «لندن» نائبا للقنصل عام ١٩٧١ بعد خمس سنوات من التحاقي بالسلك الدبلوماسي حيث كان أول رئيس لي هو السفير «محب السمرة» القنصل العام آنذاك- وهو بالمناسبة من أكثر الدبلوماسيين كرما وشهامة- وقد قدمني لسكرتير الرئيس «السادات» للمعلومات «أشرف مروان» ونظرا لتقارب السن بيننا فقد خصني د. أشرف بعلاقة متميزة بلغت حد متابعتي المادة العلمية الواردة من القاهرة والخاصة بتحضيره درجة الدكتوراه التي كان أحد مشرفيها العالم المصري الراحل د. أحمد مصطفي وزير البحث العلمي بعد ذلك.
ويهمني هنا أن أقرر أن د. أشرف مروان الذي دخل دائرة المعلومات والثروة والسلطة في آن واحد مثلما هو الحال لأسماء أخري منها السيدان «كمال أدهم» و«عدنان خاشوقجي» وغيرهما فإن د. مروان كان من أكثر الناس خدمة للآخرين وحرصا عليهم ووفاءً لهم، وقد وظف اتصالاته العربية الواسعة لخدمة الاقتصاد والعسكرية المصريين ولعب دورا حاسما في مرحلة الإعداد لمعركة «أكتوبر» الظافرة.
ولقد ذكر لي د. عبدالخالق حجازي رئيس وزراء مصر الأسبق ذات يوم أن أشرف مروان كان أحد العوامل الأساسية في دعم الخزانة والجيش المصريين والتمهيد للحظر البترولي أهم أسلحة حرب ١٩٧٣ إلي جانب توثيق العلاقة بين مصر وكل من السعودية وليبيا علي نحو يضعه في مصاف أبطال أكتوبر الذين يعتز بهم الوطن.
وعندما تأتي الشهادة من رجل بحجم د. حجازي ومكانته الرفيعة ونزاهته المعروفة فإننا نضعها في مكانها الصحيح تكريما للراحل الذي مسح الرئيس مبارك عن اسمه ضباب الغموض والظلم وعندما قال كلمته الفاصلة «أشرف مروان كان وطنيا مخلصا لوطنه» فاستحق أن يلتف حول جثمانه علم مصر الخالدة، كما أن جنازته العزاء فيه مساء اليوم نفسه وقد حضرتهما كانا استفتاء رسميا وشعبيا علي مكانة الرجل ومدي الثقة فيه، وأذكر أنه عندما اختارني الرئيس مبارك لكي أشغل المنصب الذي كان يشغله د. أشرف مروان في عصر الرئيس السادات مع الفارق الكبير في نوعية الصلاحيات وطبيعة المسؤوليات فإنني تعاملت معه بمودة دائمة كانت هي امتدادا لموقف الرئيس الذي أعمل معه، والآن دعنا نتحدث عن «شرفات لندن» ودورها مع الشخصيات المصرية.
خصوصا أنني شاهدت واقعتين كبيرتين هناك علي نفس النمط، فقد كنت أنا الذي اتصل به المرحوم د. «عبدالغفار خلاف» المستشار الطبي المصري الذي كان زميلاً لي في القنصلية العامة «بلندن» ليبلغني بأن جثمان الفريق «الليثي ناصف» قائد الحرس الجمهوري السابق والمرشح سفيراً في اليونان ملقي علي قارعة طريق «ميدافيل» بعد سقوطه من شرفة شقته في برج «ستيورات» والتي انتقل إليها قبل الحادث بيوم واحد، فسارعت إلي الذهاب لموقع الحادث ووجدت مأساة إنسانية حقيقية، زوجة منهارة تتحدث فيما يجب وما لا يجب، وتوزيع الاتهامات بلا وعي وابنتين حزينتين وظروف غامضة تحيط بالرحيل المفاجئ لواحد من أبطال حركة ١٥ مايو ١٩٧١، وبعدها بسنوات قليلة - وكنت ألملم أوراقي بعد حصولي علي الدكتوراه - اتصلت بي قيادة القسم الخاص في الشرطة البريطانية لأخذ رأيي في ملابسات مقتل العقيد «علي شفيق» المدير السابق لمكتب المشير «عبدالحكيم عامر» حيث وجد مقتولاً «بالشاكوش» في شقته بعد اشتباك مع قاتليه فقد كان ملاكماً سابقاً ولكن الكثرة تهزم القوة والشجاعة معاً.
وأذكر أنني لاحظت أن الشرطة البريطانية تحاول استيفاء الأوراق وإغلاق الملفات حتي لا تتورط في تفاصيل لا تريد الغوص فيها، ولا أزال أتذكر أن السيد «شمس بدران» وزير الحربية السابق الموجود حينذاك في لندن قد اتصل بي وقال إنني أريد منك إجابة واضحة هل اغتيال علي شفيق سياسي أم جنائي؟ وأجبته بأن الأمر متداخل وغامض وقد كان السيد «شمس بدران» شديد الحذر في تعامله مع الآخرين ويأخذ بكل أسباب الحيطة في تحركاته بمنفاه الاختياري بإنجلترا، إنني أتذكر كل ذلك اليوم لكي أقول إن رائحة المؤامرة ليست بعيدة عن بعض حالات الرحيل المفاجئ للشخصيات الأجنبية المرموقة في العاصمة البريطانية وغيرها من المدن الغربية.
ولكن حزني علي «أشرف مروان» سوف يلازمني لفترة طويلة، خصوصاً أنني التقيته في القاهرة قبل رحيله بأسابيع قليلة وكان حديثنا طويلاً عن مذكراته ورغبته في أن يضع شهادة د. «حجازي» في حقه نقلاً عني في مقدمة تلك المذكرات، ولست أنسي زياراتي للندن في خريف ٢٠٠٦ فعندما علم من الصديق د. «علاء الجندي» المستشار الثقافي المصري حينذاك أنني أزور المكتب كعادتي السنوية منذ حصولي علي الدكتوراه تحت إشراف إدارة البعثات المصرية ومقرها في العاصمة البريطانية، لست أنسي أن «أشرف مروان» عندما علم بوجودي هرع للقائي هناك في محبة تلقائية اتصف بها دائماً تجاه كل من يعرفه، لذلك سوف يظل رحيله المفاجئ لغزاً محيراً لا أظن أجهزة الأمن البريطانية قادرة علي حله أو حتي راغبة في ذلك.


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 05:23 PM   #39
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


كورت فالدهايم»

بقلم مصطفى الفقى ٥/ ٧/ ٢٠٠٧
بعدما بدأت العمل في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، سفيراً لمصر لدي النمسا، ومندوباً مقيماً لدي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وغيرها من المنظمات العاملة في فيينا، ساقتني طبيعة عملي إلي لقاءات متعددة في مناسبات اجتماعية مختلفة مع د. كورت فالدهايم، رئيس جمهورية النمسا الأسبق، وأمين عام الأمم المتحدة لدورتين متتاليتين.
وتوثقت عري الصداقة بيننا، التي كان يغذيها حبه لمصر وشعوره العميق بالظلم من جانب إسرائيل واللوبي الصهيوني الدولي، الذي شن علي الرجل حملة قاسية استهدفت الإطاحة به من موقعه كرئيس لبلاده، بدعوي وجود ارتباطات له بألمانيا النازية وخدمته في جيشها، وهي تهمة عامة برعت إسرائيل في إلصاقها بكل من تريد معاقبته وإقصاءه عن موقعه، بينما السبب الحقيقي في معاملة الدولة العبرية للرئيس النمساوي العملاق، هي أنه كان أمين عام الأمم المتحدة، الذي دخلت اللغة العربية في عهده وبمباركة منه، كإحدي اللغات الرسمية العاملة في المنظمة الدولية الأولي.
كما أن «فالدهايم» أيضاً هو أمين عام الأمم المتحدة، الذي استقبل الزعيم الفلسطيني الراحل «ياسر عرفات»، متحدثاً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في منتصف سبعينيات القرن العشرين.
وقد حكي لي الرجل كثيراً - بكبرياء مجروح ونفس حزينة - طبيعة الهجوم القاسي الذي تعرض له، إلي حد اعتباره شخصاً غير مرغوب فيه لدي الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي حرمه حق المشاركة في العيد الخمسيني للأمم المتحدة، رغم أنه كان أميناً عاماً لها، لأكثر من عقد كامل من الزمان. وقد وصلت درجة العلاقة بيننا إلي أنني كنت أقوم بتوصيله بسيارتي إلي منزله بجوار مقهي «موزارت» الشهير وسط العاصمة، كلما كانت لدينا مناسبة مشتركة في أمسيات «فيينا»، التي خدعتنا فيها «أسمهان»، عندما شدت برائعتها «ليالي الأنس في فيينا»! وكثيراً ما أسعدني ذلك الرجل بحضور جميع المناسبات في منزلي، الذي هو بيت الدولة المصرية في العاصمة النمساوية، الذي يقع علي هضبة عالية في قصر تاريخي، وفقني الله في الحصول عليه لبلادي، في مقابل الأبنية المصرية المتهالكة في العاصمة النمساوية قبل ذلك، ثم كانت المفاجأة الحقيقية عندما شرفني بطلبه أن أكتب مقدمة الطبعة العربية لكتابه «الرد»، الذي رحبت «دار الشروق» في القاهرة بطبعه ونشره في أنحاء العالم.
وقد تعرضت في مقدمة طويلة للكتاب إلي تاريخ الرجل الناصع ومعاناته الطويلة، وكيف أنه استشهد في كتابه بعدد من اليهود الألمان المعاصرين له، والذين قرروا بوضوح وبصراحة أن «فالدهايم» بريء من تهمة خدمة «النازية»، ومع ذلك ظلت حملة إسرائيل مستمرة عليه، وقد آلمني كثيراً أن بعض العواصم العربية لم ترحب بزيارته لها، مجاملة لإسرائيل وابتعاداً عن المشكلات المحتملة من وجود «كورت فالدهايم» علي أرضها.
رحل الرجل منذ أسابيع قليلة، ومع حزني علي رحيله وحيداً معزولاً تجددت عندي مشاعر التقدير والاحترام لأوروبي عظيم، واجه العواصف العاتية والرياح الكاسحة في شجاعة وثبات، ولا أزال أذكر حديثه عندما كنا نحتفل بعيد ميلاده الثمانين قرب نهاية التسعينيات من القرن الماضي،
وكيف كانت كلماته قوية ومباشرة في خدمة سلام البشرية ورفاهية الإنسان، وقد كان يكرر علي مسامعي أنه مدين للدبلوماسي المصري الراحل «إسماعيل فهمي» - وزير الخارجية الذي ترك موقعه، بسبب قرار الرئيس الراحل «السادات» زيارة «القدس»، وهو أيضاً والد الدبلوماسي الرصين «نبيل فهمي»، سفير مصر في «واشنطن» - وقد كان «فالدهايم» يذكر دائماً أنه لولا «إسماعيل فهمي»، واتصالاته الواسعة في أروقة الأمم المتحدة، وتأثيره القوي علي وفود الدول المختلفة، ما تمكن ذلك الدبلوماسي النمساوي المخضرم من الوصول إلي الوظيفة الدولية الأولي في عالمنا المعاصر.
ولقد ارتبطت في ذهني دائماً تلك المعاناة الحزينة لـ«فالدهايم» بمعاناة أخري، ولكنها تمتزج بروح الكبرياء لدي د. «بطرس بطرس غالي»، الذي كان أميناً عاماً للأمم المتحدة، وترك موقعه، بسبب غضب «واشنطن» منه بعد سماحه بإعلان تقرير مذبحة «قانا»، فضلاً عن غياب الكيمياء البشرية بين المصري الشامخ و«مادلين أولبرايت»، وزيرة الخارجية الأمريكية. وقد آمنت دائماً بأن «فالدهايم» و«بطرس غالي» وأمثالهما قد دخلوا التاريخ من أوسع أبوابه، بينما خرج الكثيرون من أضيق نوافذه.




**************

الى هنا انتهت مقالات الدكتور مصطفى الفقى
التى كتبها بجريدة مصر اليوم القاهرية حتى تاريخة
ولكم تحياتى
احمد المصرى


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-01-09, 03:18 PM   #40
 
الصورة الرمزية امل2005

امل2005
المشرفة العامة

رقم العضوية : 4124
تاريخ التسجيل : Feb 2006
عدد المشاركات : 8,226
عدد النقاط : 50

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ امل2005
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


كل الشكر لك استاذ أحمد لطرح هذه المقالات للدكتور مصطفى الفقى

والتى نتعرف من خلالها على بعض من جوانب هذه الشخصيات المهمة

عن نفسى كنت أجهل عنها كثيرا

شكرا جزيلا لك

تحيتى


توقيع : امل2005
زهرة الشرق
zahrah.com

امل2005 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-01-09, 03:57 PM   #41
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


نسأل الله ان يعلمنا ماجهلنا
لك الشكر والتقدير اخت امل


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مصطفى , الدكتور , الفقى , وهؤلاء


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
موقع الدكتور طارق سويدان احلام ضائعة الكمبيوتر والتقنية 10 06-05-11 05:54 PM
مصطفى لطفي المَنْفَلُوطي حسين الحمداني شخصيات وحكايات 6 02-11-08 01:20 AM
كيف ألغيت الخلافة ؟ دموع القمر أوراق ثقافية 5 26-08-07 08:44 AM
مصطفى كمال اأتاتورك لوس كلاريتا شخصيات وحكايات 3 12-04-07 04:03 AM
الدكتور عبد العزيز الرنتيسي في سطور مس لاجئة زهرة المدائن 10 31-01-07 12:56 PM


الساعة الآن 01:22 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.

زهرة الشرق   -   الحياة الزوجية   -   صور وغرائب   -   التغذية والصحة   -   ديكورات منزلية   -   العناية بالبشرة   -   أزياء نسائية   -   كمبيوتر   -   أطباق ومأكولات -   ريجيم ورشاقة -   أسرار الحياة الزوجية -   العناية بالبشرة

المواضيع والتعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي منتديات زهرة الشرق ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك

(ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر)