|
شخصيات وحكايات حكايات عربية - قصص واقعية - قصص قصيرة - روايات - أعلام عبر التاريخ - شخصيات إسلامية - قراءات من التاريخ - اقتباسات كتب |
|
أدوات الموضوع |
21-05-04, 07:15 PM | #1 | ||
سفيرة زهـرة الشرق
رقم العضوية : 1615
تاريخ التسجيل : Apr 2004
عدد المشاركات : 4,287
عدد النقاط : 10
|
لا تجعل الدنيا اكبر همك
الـــــرجوع إلي الحمام
بقلم: صلاح عبد السيد لم أكد أخطو ـ في إثر الحقائب وزوجتي ـ داخلا إلي الشقة حتي اندلع رنين الهاتف. فزعت. كان الرنين مثل ضربات جرس كبير صدئ.. تلطم رأسي والجدران.. وتحدث زوبعة من رنين.. تتراقص فيها خيالات هلامية من غبار.. في الضوء الخابي. وزوجتي هناك في الضفة الأخري من الردهة ترمقني. والمقاعد.. وصورتي المعلقة.. بنصف عين.. من وراء ستار. وعيناي متورمتان.. وتحت جفوني رمل. وبداخل جسدي. والصداع يلطم رأسي.. والرنين.. الرنين المجنون. وبدا لي الهاتف عدوا. عدوا يتربص بي في الضفة الأخري من الردهة.. يخزن لي ـ لابد ـ مصيبة قادمة. من ذلك الملعون الذي يترصد خطوي بعد عام من الغياب.. ليهدمني بذلك الرنين المفجع؟ وعيناي تتلمسان الردهة المتربة ذات الضوء الخابي. هل أرفع سماعة الهاتف فتهدمني المصيبة التي ـ لابد ـ قادمة.. أم أتغاضي لأستريح لأيام.. بعد رحلة العودة المهلكة.. التي قدت فيها العربة المحملة بأكداس من حقائب وأغراض.. عبر الصحراء اللاهبة؟ والعدو رابص في الضفة الأخري.. ممعن في تحديه. لن يتركني هذا العدو اللعين إلا إذا عبرت إليه وواجهته. وزوجتي ترمقني من الضفة الأخري.. ويمتد بوزها الفأري المشعر إلي: ـ ـ رد وأعبر إلي الضفة الأخري.. أشق ذرات التراب الناعمة كأنما أشق الصحراء اللعينة.. إلي ذلك العدو اللعين. وأقبض علي رقبته.. وقبل أن أنبس يتدافع إلي صوت أخي: ـ ـ حسنا إنك عدت ـ ـ هل حدث شيء؟ ـ ـ أمك ضاعت ـ ـ ضاعت؟ تمتمت ـ ـ غافلتنا في الصباح الباكر وتسللت خارجة من الدار.. وبحثنا عنها في كل مكان فلم نعثر لها علي أثر. سقطت في بئر بلا قرار.. ومن البئر صرخت: ـ ـ وكيف غافلتكم أيها الغافلون؟! وتدافع صوته الفظ إلي: ـ ـ بدل أن تهيننا أيها المتعلم.. تعال الآن لتبحث معنا عن أمك ـ ـ لا أستطيع الآن ـ ـ أنت لا تستطيع دائما.. متي تصبح رجلا؟ وأغلق سماعة الهاتف الفظ الملعون الذي سرق إرثي: أرضي وبيتي. وزحفت عائدا إلي الضفة الأخري.. وارتميت فوق مقعد. وزوجتي من فوق رأسي ترمقني.. وبوزها الفأري المشعر يمتد إلي: ـ ـ ما الذي حدث؟ تسمع الملعونة كل شئ.. لكنها ـ كعادتها ـ تطلب مني أن أعيد ماسمعت. وأعدت. أمي ضاعت.. وأخي محفوظ يطلب مني أن أسافر الآن إلي القرية للبحث عنها. ـ ـ وما الذي ستفعله لها؟ ـ ـ لاتنسي أنها أمي ـ ـ لكنك متعب..لك أيام لم تنم ـ ـ لابد أن أسافر الآن ـ ـ انتظر حتي الصباح ـ ـ الآن وانزلقت علي خشب الباركيه في طريقي إلي باب الشقة. ـ ـ انتظر استدرت ـ ـ احملني معك في طريقك إلي مسكن أمي. وأشارت لي علي حقيبتها الكبيرة لأحملها. تلك الحقيبة التي بها دنياها وآخرتها: ذهبها.. نقودها.. دفاتر توفيرها.. عقودها التي اشترت بها الأراضي والشقق.. وبها ملابسها. وحملت الحقيبة الثقيلة ومضيت أزحف بها نازلا فوق السلم.. ودفعتها إلي حقيبة العربة.. وانزلقت إلي مقعد القيادة.. فجلست إلي جواري ترمقني في ضيق.. وبوزها الفأري المشعر يشكني في عيني. وانطلقت بالعربة.. والرمال تحت جفوني.. والصداع يضرب رأسي.. والبشر أمامي يعومون في سراب.. في رمال.. في صحراء.. لم تغادرني الصحراء بعد. والعربة تشق طريقها وسط الصحراء.. إلي أن وصلت إلي بيت أمها.. فأنزلتها والحقيبة.. وانطلقت بلاكلمة. جسدي يلهث.. عيناي. وذرات من رمل ملعون تغطي زجاج العربة الأمامي.. والخلفي.. والمرآة.. والمقاعد.. وملابسي. وأوقفت العربة.. أمسح بالفوطة الصفراء تلك الصحراء. والطريق يتأرجح أمامي.. طويل.. طويل وملتو. والأشجار تخرج لي من العتمة.. والكلاب. وأنا أحجل بالعربة علي الطريق.. أمسك بمقود العربة في قوة.. خشية أن تنزلق بي إلي الترعة المجاورة. والعربة تشق الليل.. وتتلوي علي الطريق.. كأنما من تلقاء نفسها تقودني.. أنا ذاهب الآن إلي قريتي.. إلي أخي محفوظ.. لأبحث معه عن أمي.. عن أمي التي أضاعها.. ذلك اللعين.. الذي سرق إرثي: أرضي وبيتي.. بحجة أني تعلمت.. بينما بقي هو فلاحا يزرع. ومن يومها تركت له أمي. وتخايلت لي أمي.. لي سنوات لم أرها.. موغلة في البعد.. كأنها فرت مني.. ذهبت إلي زمن آخر.. والضباب تدافع إليها. وأدفع الضباب بكل قوتي عن صورة أمي. وتطل.. تطل بوجهها الباسم. أمي.. بلسمي. أمي.. قمري. أمي.. شمسي. دنياي.. أمي.. وأسرع بالعربة.. والعربة تصطك.. تمضي من تلقاء نفسها.. كأنما تتوق هي الأخري للبحث عن أمي. والقري تتتابع علي الناحيتين.. طينية.. جاثية.. كابية.. بينها بيت أو اثنان يتعاليان.. والضوء الخافت المرتعش يتسرب منها. والعربة تندفع علي الطريق كأنما يد لاقبل لي بمقاومتها.. هي التي تدفعها. وتنبثق لي قريتي.. أراها فجأة عن يميني وأنا غافل.. والكوبري يطلع لي. وأري العربة التي تعرف الطريق تصعد إلي الكوبري وتمضي إلي دارنا ـ دار محفوظ ـ وتتوقف أمام الدار. وباب الدار مفتوح.. وباحة الدار خالية.. إلا من كلوب مشتعل يلهث.. وطبلية مكسورة.. وحزمة برسيم.. وفردة قبقاب. وأصفق بيدي.. فتطلع لي زوجة أخي ترضع طفلها.. وتبتسم لي.. فتبين أسنانها الصفراء..الخضراء. ـ ـ أين أخي؟ ـ ـ مع الرجال هناك علي جسر البحر ـ ـ البحر! وأتذكر.. يسمون النيل البحر. ـ ـ وماذا يصنع والرجال علي جسر البحر؟ ـ ـ ينتظرون طلوع جثة أمك ـ ـ أمي.. وهرولت.. أتخبط في شوارع القرية.. أبحث عن ذلك الشارع الترابي الطويل الذي يفضي إلي البحر.. وأتعثر فيه.. أجري.. إلي أن أصل إلي جسر البحر.. لأجدهم هناك ـ محفوظ والرجال ـ في ملابسهم الثقيلة وعمائمهم العالية يجلسون القرفصاء.. وأمامهم كلوبات تفح. و.. ـ ـ السلام عليكم وينهضون.. ويزعقون برد السلام.. إلا أخي محفوظ.. يظل جالسا القرفصاء. وأزحف إليه. ـ ـ كيف غرقت أمنا؟ ـ ـ بعض الناس رأوها عند الغروب تجلس فوق اللسان الحجري الممدود في البحر وتكلمه ـ ـ تكلم البحر؟! هز رأسه ـ ـ أمي؟! أنت لاتعرف ما الذي جري لأمك في غيابك ـ ـ ما الذي جري لأمك في غيابك ـ ـ ما الذي جري لها؟ ـ ـ أصابها الخرف.. حتي أنها تكلم الأموات وتنادي عليهم ـ ـ أمي؟! ـ ـ تنادي علي أخيها عبد الحليم الذي غرق في البحر طفلا ـ ـ أمي؟! ـ ـ أنت لم تعد تعلم شيئا عن أمك.. أنت هناك لاه في حياتك الباذخة.. وتترك الهم هنا لمحفوظ. ولهث.. فتدافع زبد من شدقية. جلست القرفصاء صامتا.. والكلوبات تفح.. والعيون تتسابق إلي صفحة النهر.. تتلمسها.. تبحث عن أية بادرة لأية جثة تطفو. ووجدتني أهمس لأخي ـ ـ تقول إن أمك تنادي علي أخيها الميت؟
توقيع : هيفاء
يا عندليب ما تخافش من غنوتك قول شكوتك واحكي على بلوتك الغنوة مش ح تموتك انما كتم الغنا هو اللى ح يموتك عجبي زهرة الشرق zahrah.com |
||
21-05-04, 07:16 PM | #2 | ||
سفيرة زهـرة الشرق
رقم العضوية : 1615
تاريخ التسجيل : Apr 2004
عدد المشاركات : 4,287
عدد النقاط : 10
|
هز رأسه
ـ ـ ربما ذهبت إليه في دار جدي رمقني بعينيه الغبيتين.. ولهث.. ثم دب الأرض بحذائه الكالح والذي يحمل أثقالا من روث وأعواد من قش.. وحمل الكلوب ومضي يخب في الشارع الطويل.. فأسرعت من خلفه.. أتعثر.. إلي أن وصلنا إلي بيت جدي. ودفع باب جدي الموارب بيده.. فأز.. وتساقط من فوق رأسينا تراب. ودخل يتخبط والكلوب في يده.. إلي بيت جدي المهدم.. وأنا من خلفه.. أتخبط في أكوام من حجارة وأخشاب. وأدار الكلوب.. في الباحة الخالية.. الساكنة.. ليتوقف عليها: جسد نحيل.. مكوم.. راكع علي ركبتيه.. إلي الحائط.. كأنها تصلي.. ولامسها. ـ ـ عبد الحليم ـ ـ أنت محفوظ يا أمي واستدرت.. فبهت.. اضطربت.. كدت أتهاوي. هذه ليست أمي. هذه شبح لايمت بصلة لأمي. مثل عود الحطب جسدها. منطفئ وجهها.. وعيناها ميتتان.. لا.. ليست هذه أمي ـ ـ احمل أمك ومد زراعه القوية إليها.. فمددت ذراعي المرتجفة. ـ احمل جيدا وانزلقنا بها خارجين من الباب الموارب.. وزحفنا بها إلي دار محفوظ ـ دارنا ـ تلك التي تواجه دار جدي. ودخلنا بها إلي المندرة.. وأنامها محفوظ فوق دكة عليها غطاء رقيق. ـ اسقني يا محفوظ. وأسرعت زوجة محفوظ إلي القلة.. وأقامها محفوظ.. وسقتها زوجته وأنامها محفوظ. هذه ليست أمي.. لا.. هذه لاتمت بصلة إلي أمي. وتحركت إلي كثبان من رمال.. وريح. ووجدتني ثانية في صحراء. لقد جئت لأبحث عن أمي فلم أجدها.. فما الذي يبقيني بلا أمي؟! ورأيتني أنتفض خارجا من صحرائي. ـ إلي أين؟ ـ أستأذن في الانصراف. ـ ليس قبل أن نتواجه بالحساب. ـ أي حساب؟ ـ لقد قمت بدوري في رعاية أمك طيلة سنوات غيابك.. وآن لك الآن أن تقوم بدورك. ـ أي دور؟ ـ أن تأخذ أمك. أصابتني لطمة. وتركني ومضي زاحفا بحذائه الثقيل. والكلوب يفح في مواجهتي. والنائمة فوق الدكة الخشبية خرقة.. بالية. هذه ليست أمي.. لقد أضاع اللعين أمي. وسمعت حذاءه يزحف من خلفي. ـ أنا لن استطيع أن آخذ أمي. ـ لماذا؟ ـ لأنني سأسافر بعد شهر إلي الدولة التي كنت معارا بها. جأر: ـ ألم تشبع؟ لك عشرات السنين تسافر إلي الإعارة وتعود من الإعارة.. وتكدس الأموال.. وتشتري الأراضي والعقارات. لمن تترك كل هذه الثروات وأنت بلا ذرية.. لزوجتك.. بوز الفأر كما كانت تسميها أمك؟! رمقته. ـ أما آن لك أن تخرج من هذه الصحراء؟ دفعني الفظ ثانية إلي البئر بلا قرار. ـ تعال لتستريح قليلا لأنك ستحمل أمك في الصباح.. في عربتك.. إلي مسكنك. صرخت من البئر. ـ بل الآن. هز رأسه موافقا.. وسمعته ينادي علي زوجته لتحضر أشياء أمي.. فوجدتها تحضر علي الفور كيسا من البلاستيك ممتلئا بالملابس.. وشبشب قديم. المسألة إذن معدة منذ البداية. ورأيته ـ الفظ ـ يحمل أمه النائمة. ـ احمل معي. وحملناها إلي العربة.. وزوجة أخي تحمل الكلوب المضاء فوق رأسها.. وباليد الأخري تحمل كيس البلاستيك والشبشب القديم. وأجلسناها في المقعد الأخير من العربة.. لكنها تمايلت.. فأنمتها فوق المقعد.. ممددة. وألقت زوجة أخي بالكيس البلاستيكي والشبشب القديم إلي داخل العربة. وانطلقت بالعربة.. انطلقت بلا كلمة. خارجة من متاهة الرمال.. داخلا إلي متاهة الرمال. حاملا معي جثة أمي في المقعد الأخير. ورمقتها. تبدو مثل جثة ممددة مثل جثة. تركة السنين كلها.. تلك الجثة. أشق بها الصحراءاللاهبة. أتسلق بها كثبانا من رمال.. وأهوي بها إلي وهاد. والعربة تصطك.. لكنها ـ للعجب ـ تواصل المسير. وجثة أمي في المؤخرة.. أخوض بها في الصحراء.. لأواريها الثري هناك في شقتي. وتتوقف العربة أمام شقتي. وأزعق مناديا علي البواب.. وتطلع لي ابنته ـ زاهية ـ الريفية.. القوية مثل رجل.. وأطلب منها أن تساعدني في حمل أمي. وتندفع إلي باب العربة تفتحه.. وتسحب أمي من المقعد الخلفي.. وتدخل من أسفلها.. تحملها.. وتزحف بها إلي المصعد. وتصعد بها إلي مسكني.. وتدخل بها ـ كما طلبت منها ـ إلي حجرة الضيوف. تلك الحجرة التي ظلت منذ زواجنا حكرا علي أخوات زوجتي وأمها. وتمددها فوق السرير. وأسرع إلي الهاتف.. أخبر زوجتي أنني جئت بأمي. ويمتد بوزها الفأري المشعر إلي حبتي عيني يصرخ: ـ وكيف تجرؤ علي إحضار أمك إلي مسكني؟! ـ إنه مسكني أيضا. وبوزها الفأري المشعر يتلاعب أمام عيني: ـ أعد أمك ثانية إلي حيث كانت. الملعونة. ـ طوال عشرات السنين.. مئاتها.. آلافها... تحاصرني.. تمنعني عن أمي وأهلي.. وتدفع أمها وأهلها إلي. ـ اسقني يامحفوظ. سمعت الجثة تتمتم.. ولم أتحرك.. فأسرعت زاهية إلي كوب من الماء وأقامتها ثم تشممتها: ـ أمك بحاجة إلي أن تستحم. ـ لماذا؟ وطأطأت رأسها ـ هل لديك غيار لها وجلباب؟ وادفع إليها بالكيس البلاستيكي. ـ احمله معي إلي الحمام. وأسندها من بعيد بيدي ـ ابق معي حتي لا تنزلق مني. وتجلسها زاهية فوق مقعد.. وتأخذ في خلع ملابسها عنها.. قطعة قطعة.. ليبين ذلك الجسد. الجسد الضامر.. المسكين.. الخاوي.. الضعيف.. اللاهث.. المرتبك.. المتراجع.. المنزوي.. الرائح.. المنسحق.. الضائع.. الفاني. والذي ليس لأمي. وتحممها زاهية.. تصب الماء عليها.. وتدعك جسدها باللوفة والصابون.. مرة..مرتين.. في حرص وأناة.. كأنما هي ابنتها.. بينما أنا شارد.. إلي البعيد.. غائب في صحرائي.. غارق في رمالي. ويرن جرس الهاتف ـ عليك أن تعيد أمك في الصباح إلي أخيك. وزاهية تجلس إلي أمي.. تطعمها من طبق ممتلئ بالخضار المسلوق المدهوك.. في أناة وتريث.. كأنها فعلا ابنتها. ويرن جرس الهاتف. وزاهية تجلسها إلي مقعد له ذراعان.. وتلفها ببطانية وتفتح لها التلفاز. وأمي تفتح عينا وترمق التلفاز.. ووجهها يتلون.. كأنما تتعجب لذلك الصوت الذي يتردد.. ولتلك الصورة التي تومض. ويرن جرس الهاتف. وزاهية تسندها.. تمضي بها في الردهة.. خطوة.. خطوتين.. ثم تجلسها إلي المقعد وتلفها في البطانية. وتفتح أمي عينين.. تدور بهما في أنحاء الشقة.. كأنما تتلمس.. أين هي؟ وأنا أرقب مايحدث.. أرقبه من صحرائي البعيدة. لكني ذات مساء.. وجدتني أتقدم إليها.. وأربت عليها: ـ عبدالحليم. ـ أنا محروس. ـ محروس! ـ محروس ابنك يا أمي. وترفع حاجبيها.. تجاهد.. تدفع أنواء النسيان.. غيومه.. لعل شمس الذاكرة تشرق.. لكنها تعود خائبة.. وقد ضربتها رياح النسيان.. قتلت الخضرة في أرضها.. وأسلمتها إلي صحراء. وزاهية تخطو بها في ردهة الشقة جيئة وذهابا. وأسرع إليها.. أمسك بيدها.. أخطو بها في ردهة الشقة. ثم أجلسها إلي المقعد.. وألف البطانية من حولها.. وأفتح لها التلفاز. ويرن جرس الهاتف. .ـ هل أعدت أمك إلي أخيك؟ ـ لا ـ لماذا؟ ـ لأنني لن أعيدها ـ ماذا قلت؟! لن أعيد عليها ـ الملعونة ـ ماسمعت. وأجلس إلي أمي أطعمها بيدي.. لقمة لقمة. ـ عبدالحليم ـ أنا لست عبد الحليم يا أمي.. أنا محروس ـ محروس! ولا تتذكرني. تتذكر أخاها الذي غرق في البحر طفلا.. ولا تتذكر ابنها الذي غرق في الرمل شيخا! ـ أنا محروس يا أمي. وترمقني.. تجاهد لتتذكر.. لتدفع أنواء النسيان لتخرج من صحرائها اللعينة. ـ ويرن جرس الهاتف. ويمتد بوز زوجتي الفأري المشعر إلي أذني: ـ الإجازة قاربت علي الانتهاء.. وعليك أن تعد نفسك للسفر في الإعارة. ـ أنا لن أسافر إلي الإعارة. ـ ماذا قلت؟ لن أعيد عليها أبدا ـ تلك الملعونة ـ ما سمعت. عشرات السنين.. مئات السنين. آلاف السنين.. أدور في ساقيتها.. أروي الأرض الجدباء والأرض الجدباء لاتثمر إلاجدبا.. صحراء والصحراء تمتد.. تحيط بي. علي أن أخرج من هذه الصحراء. وأمي تخطو من تلقاء نفسها.. وخيط من ملامح يعود إليها وأربت عليها ـ عبد الحليم. لم تعد أمي تذكر غير الماضي.. أنا الآخر لي ماض كنت طفلا.. منذ آلاف الأعوام كنت طفلا هل تذكرين يا أمي؟ وترمقني أنا الطفل محروس.. ابنك الذي كان يلعب في حضنك. يلعب البلي والكرة ويتسلق اشجار التوت ويذهب الي الترعة ليصطاد السمك... فيعود متسخا مبلولا.. فتمسكين بيده وأنت تبتسمين: هيا الي الحمام. وتجثين علي ركبتين فالقي بذراعي حول رقبتك, فتحملينني وانت تتمتمين: هوبا ياجمل حمدان. وتمضين بي الي الحمام ـ الحمام! واشتعل وجهها... اشتعل.. كأنما أمسكت بأول الخيط. وفي الحمام كنت تغسلينني من الوسخ.. تدعكين جسدي بقوة حتي اضج جسدي ووجهي واسناني.. حتي انك كسرت لي سنا ضحكت أنا محروس.. ابنك الطفل هذا يا أمي واشتعل وجهها وانفرطت دموع من عينيها.. وغيوم تدفعها بقوة لتتذكرني.. لتحطني في بؤبؤي عينينها ووجدتها تجأر: محروس كأنها ولدتني.. وجدتني وجثت امي.. فألقيت بذراعي من حول رقبتها: هوبا يا جمل حمدان ومضيت من خلفها الي الحمام.
توقيع : هيفاء
يا عندليب ما تخافش من غنوتك قول شكوتك واحكي على بلوتك الغنوة مش ح تموتك انما كتم الغنا هو اللى ح يموتك عجبي زهرة الشرق zahrah.com |
||
23-05-04, 12:14 PM | #3 | ||
سندريلا زهـرة الشرق
رقم العضوية : 1479
تاريخ التسجيل : Jan 2004
عدد المشاركات : 9,787
عدد النقاط : 57
|
رائع
ما خططت يا هيفاء نثرت كلمات ونسقت قصص الف شكر لإبداع قلمك ولك
توقيع : أشجان
أحبتيزورو ... يومياتي ويومياتك ... والكل يكتب اين انتم أعضاء زهرة الشرق ..والله لكم وحشة تعلمت.. ان احب بصمت ،، ابتعد بصمت.. وانظر للغد زهرة الشرق |
||
26-05-04, 02:11 AM | #4 | ||
المراقبة العامة
رقم العضوية : 540
تاريخ التسجيل : Dec 2002
عدد المشاركات : 16,580
عدد النقاط : 10
|
شكرا لك هيفاء هذه القصة
توقيع : حياة
|
||
29-05-04, 05:34 PM | #5 | ||
مراقبة الأقسام الأسرية
رقم العضوية : 555
تاريخ التسجيل : Dec 2002
عدد المشاركات : 17,938
عدد النقاط : 10
|
[ALIGN=CENTER]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، ¨°o.O ( أختي : هيفاء ) O.o°¨ شكرا لكِ على سرد هذه القصة سلمتي لنا وبانتظارك دوما (`'•.¸(` '•. ¸ * ¸.•'´)¸.•'´) «´¨`.¸.* تحيـاتي : أم متعـMـب *. ¸.´¨`» (¸. •'´(¸.•'´ * `'•.¸)`'•.¸ ) [/ALIGN]
توقيع : أم متعـMـب
زهرة الشرق .. أكبر تجمع عائلي
|
||
12-10-04, 07:52 AM | #6 | ||
سفيرة زهـرة الشرق
رقم العضوية : 1615
تاريخ التسجيل : Apr 2004
عدد المشاركات : 4,287
عدد النقاط : 10
|
سعيده بمروركم
تحيه لكم
توقيع : هيفاء
يا عندليب ما تخافش من غنوتك قول شكوتك واحكي على بلوتك الغنوة مش ح تموتك انما كتم الغنا هو اللى ح يموتك عجبي زهرة الشرق zahrah.com |
||
20-10-04, 12:04 AM | #7 | ||
خطوات واثقة
رقم العضوية : 68
تاريخ التسجيل : Jun 2002
عدد المشاركات : 192
عدد النقاط : 10
|
ألف شكر لك أختي على هذه القصة الرائعة
ماشاء الله عيكي مجهود رائع منك اختي هيفاء تقبلي
توقيع : سهارى
|
||
21-10-04, 10:54 AM | #8 | ||
سفيرة زهـرة الشرق
رقم العضوية : 1615
تاريخ التسجيل : Apr 2004
عدد المشاركات : 4,287
عدد النقاط : 10
|
غاليتي سهارى
سعيده جدا بمرورك الكريم وكل عام وانت بخير
توقيع : هيفاء
يا عندليب ما تخافش من غنوتك قول شكوتك واحكي على بلوتك الغنوة مش ح تموتك انما كتم الغنا هو اللى ح يموتك عجبي زهرة الشرق zahrah.com |
||
27-10-04, 12:19 AM | #9 | ||
عضوية متميزة
رقم العضوية : 382
تاريخ التسجيل : Oct 2002
عدد المشاركات : 211
عدد النقاط : 10
|
مشكورة أختي هيفاء
بجد استمتعت كثير بالقراءة الله يبارك فيك
توقيع : super_man
|
||
27-10-04, 02:01 AM | #10 | ||
سفيرة زهـرة الشرق
رقم العضوية : 1615
تاريخ التسجيل : Apr 2004
عدد المشاركات : 4,287
عدد النقاط : 10
|
اخي الكريم
كلي سعاده انها اعجبتك تحيه لك
توقيع : هيفاء
يا عندليب ما تخافش من غنوتك قول شكوتك واحكي على بلوتك الغنوة مش ح تموتك انما كتم الغنا هو اللى ح يموتك عجبي زهرة الشرق zahrah.com |
||
|
|
زهرة الشرق - الحياة الزوجية - صور وغرائب - التغذية والصحة - ديكورات منزلية - العناية بالبشرة - أزياء نسائية - كمبيوتر - أطباق ومأكولات - ريجيم ورشاقة - أسرار الحياة الزوجية - العناية بالبشرة
المواضيع والتعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي منتديات زهرة الشرق ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك
(ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر)