السلام عليكم



رحلة رائعة حملتني على مهل إلى مدن منسية وليست منسية ، مدن شيدها عظماء هاجروا من بطن الجزيرة العربية بهجرات متتالية إلى الشمال واستوطنوا مناطق عدة ما بين الرافدين وعلى الساحل وحيث الماء والخضرة
رحلتي البارحة كانت مميزة ، زرت تلك المناطق مرات عديدة في حياتي لكن البارحة كان مختلف جداً .
لماذا ؟
لأنّي ذهبت إليها ليس فقط بجسدي وعيوني وإنما بقلبي وعقلي وأبحرت فيها بخيالي وتمنيت لو كنت حقاً أعيش في تلك الحقبة الزمنية التي بنت حضارة راقية رفيعة المستوى .
زيارتي كانت إلى أوغاريت ـ رأس شمرة تلك المدينة التي دونت التاريخ بأبجديتها ودونها التاريخ بحضارتها المذهلة .
إيقاع غريب ورهيب كان يختلج بداخلي عندما كان المحاضر يطلعنا على تلك الحضارة في كل ركن وزاوية من أوغاريت الرائعة
هنا مدخل أوغاريت ، وهذا القصر الملكي وهذه قاعة الاجتماعات وتلك الفسحة هي حديقة القصر وذاك هو الأرشيف وتلك هي المكتبة وهنا صالة الطعام وهذه هي أقنية المياه وفي الأعلى غرف النوم وهناك المقابر وذاك المسرح وووووووو
كانت هذه المدينة مركزاً تجارياً فائق الأهمية لكونها نقطة التقاء البحر المتوسط مع ممالك الشرق ، وبين مصر الفرعونية في الجنوب وأمبرطورية الحثيين في الشمال لذلك كان لهذين الجارين تأثير سياسي قوي عليها فتتأرجح ما بين هذا الجار وذاك
هي تملك الثروة لكنها لم تملك القوة العسكرية فكانت تدفع ثمن حمايتها على الدوام
أوغاريت كانت مدينة الثقافة ، فقد عثر فيها على آلاف الرقم الفخارية وقد كتبت بثماني لغات مختلفة
لكنّ أعظم إنجاز تحقق فيها كان ابتكار الأبجدية ، بكتابة مسمارية من 30 شكل وكل شكل يمثل حرفاً ( صوتا ) فكانت هذه قفزة نوعية سهّلت انتشار المعرفة والاتصالات كما يسرت عمل الكتبة والتعليم والتعلّم
واللغة الأغاريتية هي لغة مشرقية تشترك مع العربية بأكثر من 700 كلمة وقد انتقلت هذه الأبجدية إلى معظم لغات العالم القديم والحديث .
كما ذكر على رقيم في أوغاريت أول كسوف للشمس في التاريخ ويعود لعام 1223 فبل الميلاد ، أي قبل كسوف الشمس الأخير بأكثر من ثلاثة آلاف ومئتين سنة .
وقد اندثرت هذه المملكة بعد أنّ نهبت وأحرقت بفعل الغزوات البربرية التي قام بها شعوب قادمة من البحر لم يحدد التاريخ من هم .

خلال عودتي من هذه الرحلة الرائعة أفكار كثيرة وتساؤلات جمّة خطرت ببالي ولكنّ للأسف قد لا يكون لها فائدة ولا أثر إلا بمخيلتي الراحلة دوماً عبر التاريخ

وأهم تساؤل ولربما كان نتيجة أو حتمية وليس تساؤلاً بالأحرى كان :

هو أن منطقتنا ـ منطقة الشرق الأوسط ، شهدت على مرّ العصور حضارات عديدة ومرّ عليها شعوب وشعوب وأتتها هجرات كثيرة ودمرت فيها حضارات وأشيدت أخرى بعدها
لكنّ الأوابد الأثرية تبقى شاهدة على أنّ هذه المنطقة هي أمّ الأرض ومركز لأطماع الجميع.



تحيااااااااتي

وللحديث بقية

ودعني بصمته
وانتهينا
فعلام الهوى
يحن إلينا

كانت الفرحة الطرية
في الصدر
تروي الشفاف
من قلبينا
وافترقنا كأننا
ما التقينا
من سنين
ولا بهن انتشينا