تشبثوا بآمالكم، فإن أمل دنقل قد مات. ومن لديه أمل فليعض عليه بالنواجذ. هاهي آمال الشعر العربي تغادر.. وتتسرب من بين أيدينا واحداً بعد الآخر.
هل أمل دنقل آخرها / أول الذين /
( لا وقت للبكاء
فالعلم الذي تنكسينه.. على سرادق العزال
منكس في الشاطئ الآخر.. والأبناء يستشهدون كي يقيمون.. على تبة
العلم المنسوج من حلاوة النصر ومن مرارة النكبة خيطاً من الحب..
وخيطين من الدماء )
قال ذلك عند وفاة عبدالناصر / كأنه يقولها لنا الآن، فهو لم ينس الحياة حتى وهو بين فكي الموت.
عندما مات انهالت مئات المقالات بسرعة البرق للحديث عن شاعر مات. حتى نكاد نشعر بأن بعض هذه المقالات فرحة لأنه مات.
لماذا الآن يصير الشاعر جديراً. ويسمعه الناس ؟
ها نحن ندخل في واحدة من محن الشاعر العربي الجديد. أمل دنقل لم يعرفه طوال تجربته الشعرية ربع عدد الذين يعرفون / يعرفونه الآن.. بعد /
نحن أمة تقدس الموتى. موتاها خاصة. بل أننا أمة تقتل مبدعيها لتقدسهم. إن الفرق / المفارقة بين إهمال الشاعر ومحاصرته إلى درجة الحرب أثناء حياته، وبين الاهتمام والاحتفاء إلى درجة التقديس بعد موته، مسألة مثيرة وجديرة باكتشاف النفسية العربية تجاه المبدعين الأحياء / الأموات.
أمل دنقل، جاء. صرخ في العالم المستكين، لم يعبأ بصوته أحد. ما همه أحد. كتب أجمل الأشعار ومات.
(أمثل ساعة الضحى بين يدي كافور ليطمئن قلبه
فما يزال طيره المأسور لا يترك السجن ولا يطير
أبصر تلك الشفة المثقوبة
ووجهة المسود، والرجولة المسلوبة.
.. أبكي على العروبة)
من مقال في مجلة الدوحة