العلاقة الجدلية بين الناقد و الإبداع !.الاستاذ جواد دوش
نحو إشاعة المناخ الثقافي السليم ، وتطوير العلاقة الجدلية بين الناقد و الإبداع !.
July 13, 2012 at 10:37am
حديثنا عن المعايير النقدية حديث طويل ومتشعب لا سيما وإن عملياتنا الإبداعية تنهل وتتأثر من روافد مذهبية وإبداعية متباينة ومتضاربة من الواقعية الإشتراكية الى اللا معقولية ، ومن الطبيعية الى السريالية ، ومن عمليات النقد الأدبي الداخلي الذي أهتم بأدبية الأدب وإرجاع الأرض الى مالكها من خلال البحث في عملية الأدب توازياً مع النزعة العلمية التي ما فتئت العلوم الإنسانية خصوصاً في بداية القرن العشرين وإعتبارها جهازاً مفهومياً دقيقاً يحقق الكفايات الملاحظية والوصفية والتفسيرية إن أمكن حتى تصل الى مستوى النظرية ، فكان للشكلانيين الروس دورا فاعلاً في البحث في هذه الأدبية موضوع علم الأدب عبر البحث عن البنية الشكلية للنص خصوصاً النص الشعري منه من قبل مناهضيهم سبة وإبتذالاً متعدين بذلك على المنهجين التاريخي والمقارن الذي ساد الدراسة اللغوية قبلهم ، كما أن العملية مجافية ومنافية للإبداع المنفلت الذي لا يمكن أسره بمنهج علمي صارم قائماً على الإحصاءات والتأويلات ، فكيف نجمع بين العقل والوجدان " الإبداع " في الوقت نفسه ؟ أما النظريات النقدية البرانية التي أعتبرت الأدب جزءً من موضوعاتها كعلم النفس الذي يعود الى كاتب الإبداع فيستجلي الدوافع النفسية التي حفزت الكاتب الى تبوء ما يكتبه والمنهج النفسي إذ يهتم بالفرد الكاتب من خلال دوافعه النفسية والغرائزية ومكبوتاته فقط دون أن يلتفت الى جوانب العمل الأدبي الأخرى فهو بذلك منهج براني بعيداً عن الإهتمام بأدبية الأدب أو ما يجعل من إبداع ما ذات طابع أدبي .أما المنهج الإجتماعي فينظر للأدب بإعتباره مؤسسة إجتماعية وظاهرة كباقي الظواهر الإجتماعية الأخرى ، ودراسة المجتمع الذي ينتمي اليه المبدع ، فالأدب مرآة عاكسة لمجتمع الكاتب . أما المنهج التاريخي فينظر للإبداع الأدبي بإعتباره وثيقة تاريخية يمكن النظر إليها وتحليلها ، فالأدب ليس إلاّ قنطرة للعبور الى الأحداث التاريخية التي يعكسها ، ومختلف العلاقات السياسية بين الحاكمين والحكومين ، وقد دعم النظرة الإشتراكية العلمية التحليلية في قراءة النصوص الأدبية فكان الأدب مرآة للصراع الطبقي و تعد هذه المناهج أساس النظريات البرانية التي أعتمدت المنهج النفسي ، والمنهج الإجتماعي ، والمنهج التاريخي ، التي جمعت بين الداخل والخارج في قراءة النص الإبداعي .ولا تتوفر في حقولنا الإبداعية حالة إبداعية متماسكة المزايا والشروط ويمكننا القول أن مساراتنا الإبداعية كألوان ومذاهب لا تزال ــ قومياً ــ بل وحتى وطنياً ، تعاني التداخل والكوكتيلية ، ولهذا يعسر الحديث عن مذهب أو معيار نقديين محددين .. وهنا يجد الناقد نفسه أمام مهمتين ، مهمة معالجة المذاهب الإبداعية ودرجة صلاحها ونفعها وتوئمتها مع حركتنا الثقافية والإبداعية الناهضة ، ثم معالجة الأثر المحدد لموضوع النقد طبقاً لتنسيب مذهبيته الفنية مع الربط بمواصفات الأثر فنياً وعلاقة ذلك بواقعنا وتوجهاتنا الثقافية والذوقية . إن ما أدعو إليه الآن ليس مذهباً فنياً ولا معياراً نقدياً بل ــ بالتحديد ــ هو إشاعة المناخ الثقافي السليم ، ولا سيما في ممارسة النقد والتخلص من عقدتين .. عقدة البحث عن مجد زائف والجري وراء بريق عابر بإنتزاع المدوح بشتى الأساليب المسيئة للعقل والخلق والنزوع الحضاري ، وكذلك عقدة الإختناق من الصراحة والموضوعية وإحلال النميمة محل الحوار أو إشاعة الإستعداد الشللي بدلاً من الإستئناس ببعض والتبادل الحر الصريح لوجهات النظر ..فالحقيقة أقدس من حامليها وهذا تصور جدلي سليم وحضاري والتخلص من مترسبات الذاتية والقبلية الجديدة ، وعلى الناقد أن يرتقي الى مستوى مسؤوليته الأدبية ، وأن يدرك هذه المسؤولية ذات الأبعاد الثلاثة : تقويمي يتضمن تسديد خطى العمليات الإبداعية ومن ورائها مبدعيها ، وتربوي يمتد لتوعية المتلقين وتسديد مسار النمو الثقافي وتقليص الهوة بين الأثر ومتلقيه ، ثم فكري صرف ــ تنظيري ــ يتمثل بتشييد صرح معايير نقدية خاصة وعامة تظل ملك الكل والفكر والحضارة وتعين المبدعين ــ كل في مجاله ــ على التطور بها وتطويرها .
.
|