عرض مشاركة واحدة
قديم 09-05-09, 09:50 PM   #175
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
كيف تدور المعركة بين جهاز المناعة وفيرس الانفلونزا ؟؟


د. عبدالهادى مصباح يكتب: كيف تدور المعركة بين الجهاز المناعى وفيروس الأنفلونزا؟

٩/ ٥/ ٢٠٠٩
لكى نضرب مثلا لكيفية عمل جيش الدفاع الإلهى المسمى بجهاز المناعة، ولكى نعرف كيف تعزف خلاياه هذه السيمفونية المتكاملة الرائعة فى تناغم وانسجام لكى تدافع عن الجسم، تعالوا نصف بشىء من التفصيل رد فعل الجهاز المناعى عندما يصاب الإنسان بفيروس الأنفلونزا سواء العادية الموسمية، أو أنفلونزا الخنازير أو أنفلونزا الطيور، فهل نعرف شيئاً عن المعارك التى تحدث داخل أجسامنا حينئذ؟ تعالوا نراقب هذه المعركة ونسجل أحداثها عن قرب.

١- الهجوم الفيروسى ومقدمات الإصابة بالأنفلونزا:

تنتقل عدوى فيروس الأنفلونزا من كائن إلى آخر عن طريق بروتين على سطحه يسمى «هيماجليوتنين» ويرمز له بحرف H، بينما يتكاثر وينتشر فى الجسم عن طريق بروتين آخر يسمى «نيورامنيديز» ويرمز له بالرمز N، ويدخل فيروس الأنفلونزا الجسم من خلال فتحات الجهاز التنفسى حيث ينتقل عن طريق الرذاذ من شخص إلى آخر، أو من خلال الهواء، أو تلوث اليدين، ويهاجم الفيروس الخلايا المبطنة للغشاء المخاطى للأنف أو البلعوم أو الحنجرة وكذلك العين،

وكعادة الفيروسات بشكل عام فإن فيروس الأنفلونزا يوظف الخلية التى يهاجمها لكى يتكاثر بداخلها حتى تنفجر، ويخرج منها العديد من الفيروسات التى تهاجم الخلايا الأخرى وتحاول أن تتكاثر بداخلها، ويحدث هذا أثناء فترة الحضانة (١- ٧ أيام) وهى الفترة ما بين التقاط العدوى، وظهور الأعراض المرضية،

وهكذا نجد أن الفيروس يتكاثر ويسبب أعراضا مختلفة تبدأ من الرشح ثم الدموع ثم السعال مع الإحساس بالتعب والإجهاد والصداع، ثم تنزل العدوى إلى الرئة، التى إن لم يتم علاجها يتحول الالتهاب إلى نزلة شعبية ثم التهاب رئوى، ويكون الإنسان معدياً للآخرين قبل ظهور الأعراض المرضية بيوم، وحتى اختفاء الأعراض تماماً.

٢- التوتر والانفعال يؤثران على كفاءة الجهاز المناعى القتالية:

هل يسبب التوتر والانفعال أعراضاً مرضية تؤثر على جهاز المناعة ؟ كان هذا هو موضوع البحث الذى نشره د. «ستيفين ماير» أستاذ علم النفس فى جامعة « كلورادو»، وألقاه فى الاجتماع السنوى للجمعية الأمريكية عام ٢٠٠٦، وخلاصة البحث أن التوتر والانفعال يسببان أعراضا مرضية جسدية، ولقد تعودنا أن نقول ذلك حتى فى تراثنا الشعبى والثقافى، ولكننا الآن توصلنا إلى تفاصيل هذه العلاقة، وعلمنا أن القلق والتوتر بكل أنواعهما - حتى القلق من أن تمرض وتصاب بالأنفلونزا - يسببان ضعف المناعة والإصابة الفعلية بها وبأعراضها المرضية.

والعلاقة التبادلية بين خلايا المخ وخلايا الجهاز المناعى، تجعل كل ما يؤثر بالسلب على مناعة الإنسان، يؤثر أيضا على سلوك ومزاج الإنسان، والعكس صحيح، وربما كان مثلاً التعرض لهذه النسب العالية من التلوث الذى يؤثر على جهاز المناعة، هو أحد الأسباب التى تزيد من نسبة حدوث الأمراض النفسية والعصبية على اختلاف أنواعها.

وتناول «ماير» فى بحثه رد فعل الجسم والجهاز المناعى الأول عند التعرض لشىء يهين الجهاز المناعى ويهاجمه مثل العدوى بفيروس الأنفلونزا مثلاً،

وماذا يحدث فى الساعات الأولى من التعرض له، قبل أن تخرج من الجهاز المناعى الخلايا المتخصصة والأجسام المضادة لمواجهة العدو، فالبحث ينصب أساساً على رد الفعل الذى يحدث عندما تضرب صفارات الإنذار من رادار الجهاز المناعى معلنة عن وجود خطر أو هجوم خارجى من عدو يريد أن يعتدى على الجسم، ولكنه لا يشمل الأسلحة المتخصصة التى سوف يتم الرد بها على هذا المعتدى،

وهو ما يطلق عليه فى المناعة Non specific Immune Response، أما رد فعل المتخصص فيأتى فيما بعد عندما تصل المعلومات إلى مركز القيادة، وتبدأ فى الرد من خلال الجناح الخلوى من خلال الخلايا التائية، وقذائف المدفعية من خلال الخلايا البائية، وباستخدام الحرب الكيماوية للتصدى للسموم والكيماويات التى يحاول العدو غزو حصون الجسم من خلالها.

وربما شعر الكثيرون منا برد الفعل الأوّلى للجهاز المناعى فى الساعات الأولى من التعرض للعدوى بالأنفلونزا مثلاً، والذى يبدأ بما يسمى برد الفعل المرضى Sickness Response وهو عبارة عن مجموعة من الأعراض التى تكون بمثابة صفارة الإنذار للجسم، التى تعلن عن غزو كائن غريب ينبغى التصدى له،

وتشمل هذه الأعراض تغير فى المزاج وفى الحالة النفسية للإنسان، وظهور بعض الأعراض المرضية مثل ارتفاع درجة الحرارة، واضطراب التمثيل الغذائى فى الكبد، وانسداد الشهية عن الأكل والشرب، وانخفاض الرغبة والنشاط الجنسى، وزيادة التوتر والتعب لأقل مجهود، مع زيادة إفراز هرمونات الانفعال مثل الكورتيزول والأدرينالين وغيرهما.

والهدف من كل هذه الأعراض السابقة _ إلى جانب الإعلان عن الخطر _ هو توفير الطاقة اللازمة للحرب من أجل مواجهة المعتدى، وتوفير أكبر قدر من الطاقة التى تستنفدها سلوكيات الإنسان عندما يكون طبيعياً ولا يتعرض لأى خطر، ومن الملاحظ أن كل هذه الأعراض التى تعتبر وسائل دفاعية عن الجسم عند تعرض الجهاز المناعى للعدوى، تصدر من المخ، وبالذات من منطقة ما تحت المهاد المسماة «هيبوثلاموس»، لذلك فمن المنطقى أن يتبادر إلى الذهن سؤال وهو : كيف علم المخ بوجود كائن غريب يهدد الجهاز المناعى ؟ لابد إذًا أن هناك اتصالاً مباشرًا وغير مباشر بين كل من الجهازين.

والعناصر الأولى التى تقوم بهذا الدور هى مجموعة من الموصلات المناعية تفرزها الخلايا الأكولة التى تسمى «ماكر وفاج»، التى تمثل المخابرات وأيضاً حائط الصد الأول للدفاع عن الجسم، وتسمى «سايتوكاينز» Cytokines، وتشمل «إنترليوكين -١»، «إنترليوكين -٦»، وعامل تليف الأورام ألفا TNF-X،

وقد تبين أن هذه المواد المناعية هى التى تنقل الرسائل الأولى من أخبار الهجوم إلى خلايا المخ، فتكون هذه الأعراض المرضية هى رد الفعل المبدئى تجاه ما يحدث، حتى يتبين الجهاز المناعى أيًا من الأسلحة المتخصصة سوف يستخدمها لوقف هذا الهجوم.

ولأن جزيئات هذه المواد المناعية الـ«سيتوكاينز» كبيرة نسبيا بحيث لا تستطيع أن تعبر الحاجز الدموى للمخ، فقد بدأ فريق البحث بقيادة «ماير» يبحث عن ساعى بريد آخر يأخذ الرسالة من هذه المواد لكى يوصلها لخلايا المخ، وتوصلوا إلى أن هذه الرسالة تصل من خلال موصلات عصبية توجد فى مخازن على العصب الحائر، وتحتوى على مستقبلات لمادة «إنترليوكين - ١».

والحقيقة أن هذا الأداء الأوركسترالى الربانى يثير الدهشة، فالخلايا الأكولة تتصدى للمعتدى، وتحاول التهامه، وفى نفس الوقت تأخذ بصمته وتبلغها للقيادة، ثم تفرز مادة «إنترليوكين - ١» فى الدم، التى تنبه المستقبلات الموجودة على العقد العصبية الموجودة على العصب الحائر، الذى يرسل بدوره الإشارة إلى خلايا المخ، التى تفرز بدورها مادة « إنترليوكين -١» الخاصة بها، التى ينتج عنها ظهور هذه الأعراض المرضية، وإرجاع الإشارة إلى قيادة الجهاز المناعى لكى تتولى الأسلحة المتخصصة التصدى للمعتدى، ومن خلال هذا يتضح بجلاء أن هناك علاقة تبادلية ذهابًا وإياباً بين المخ والجهاز المناعى، وأن هناك توزيعًا للأدوار وتكاملاً تامًا بينهما من أجل سلامة الجسم والدفاع عنه.

٣- جيش المناعة يرد الهجوم بأسلحة متخصصة:

بعد ذلك تحمل هذه الخلايا الأكولة المسماة «ماكروفاج» الفيروس وتقدمه الى الخلايا الليمفاوية التائية المساعدة (مايسترو أو قائد الجهاز المناعى)، ثم تقدم الخلايا الأكولة الجزىء المعدى للميكروب المسمى بـ«الأنتيجين» مصاحبا للبصمة الجينية لها HLA للخلايا التائية المساعدة، ويكون هذا بمثابة العلم الأحمر الذى يدل على الخطر، أو جهاز الإنذار لكل خلايا الجهاز المناعى بأن هناك كائنًا غريب، نوعه كذا، وتركيبه الجينى كذا،

والمطلوب : قوات دفاع إضافية للقضاء على هذا الفيروس، وفى هذه الحالة يكون الصراع والسباق على أشده بين الفيروس وخلايا الجهاز المناعى، وهذه هى المرحلة التى ينبغى تناول دواء «تاميفلو» خلالها كمضاد للفيروس من أجل إضعاف قواته ومنع انتشاره وتكاثره داخل الجسم، وتمكين الجهاز المناعى منه.

٤- انطلاق قذائف المدفعية:

وحيث إن الخلايا الأكولة (المخابرات) قد أبلغت القيادة العامة لجيش الدفاع الإلهى المسمى بالجهاز المناعى بالغزو ومواصفاته ومدى قوته وفاعليته، وتلك القيادة ما هى إلا الخلايا التائية المساعدة T-helper cells -

وهى بالمناسبة الهدف الذى يدمره فيروس الإيدز حين يلتقط الإنسان عدواه - فإن قيادة جيش المناعة تصدر الأمر إلى الخلايا الليمفاوية البائية وهى بمثابة قوات المدفعية المسؤولة عن إفراز الأجسام المضادة التى تتطابق فى تركيبها مع تركيب الجزء المعدى فى الفيروس «الانتيجين»، بناء على الفيش والتشبيه الذى تم أخذه لبصمته الجينية عند دخوله للجسم، وتلك الأجسام المضادة هى بمثابة قذائف المدفعية التى تنطلق فى جميع الاتجاهات التى يمكن أن يتواجد الفيروس فيها حتى توقف زحفه ثم تقتله وتقضى عليه.

٥- الحرب الكيماوية:

وفى هذه الأثناء تفرز الخلايا الأكولة «الماكروفاج» مجموعة من المواد الكيماوية، التى تسمى «ليمفوكاينز» وهذه المواد بعضها يستخدم لتكملة وظيفة أو نضج بقية خلايا الجهاز المناعى وبعضها الآخر له تأثير مباشر على الجسم الغريب، سواءا كان فيروسًا أو حتى خلايا سرطانية فيتوقف نشاطها ويقتلها، ومن أمثلة هذه المواد «انترليوكين - ١» والذى يعمل كثرموستات للجسم فيسبب ارتفاعًا فى درجة الحرارة وحمى لكى يقلل من نشاط وتكاثر الفيروس وسرعة انتشاره، وفى نفس الوقت ينبه وينشط بقية خلايا الجهاز المناعى.

وهكذا نجد أن الحمى أو الحرارة التى تصيب الانسان فى حالة إصابته بالأنفلونزا أو بأى عدوى أخرى إنما هى من ضمن وسائل الدفاع التى يستخدمها الجهاز المناعى للدفاع عن الجسم.

وبالطبع تحدث خسائر نتيجة لهذه المعركة ويكون هناك ضحايا فى ميدان المعركة فتجد أن مادة «جاما انترفيرون» التى سبق أن أشرنا الى تأثيرها فى قتل الفيروسات والخلايا السرطانية تحول الخلايا الأكولة الى مسؤولة النظافة الأولى فى ميدان المعركة، حيث تلتهم كل الضحايا التى خلفتها هذه المعركة حتى لا يحدث أن يموت الفيروس،

ويتحلل غلافه الخارجى ويخرج الحامض النووى المكون له من الغلاف ليؤثر على خلية أخرى، فهو بمثابة الحبة التى لو تركت فإنها سوف تنبت وتصبح شجرة كبيرة، لذا فإن الجهاز المناعى يعهد للماكروفاج أو الخلايا الأكولة بتنظيف ميدان المعركة تماما، مثلما يحدث فى المعارك الحربية عندما نترك جثث الضحايا فإنها سوف تصيب الأحياء من الجنود بالطاعون والأوبئة مثلما حدث مع نابليون وجيشه فى حملته على الشام.



okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس