عرض مشاركة واحدة
قديم 10-01-09, 04:39 PM   #15
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,839
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]عبد الوهاب المسيري»

بقلم د. مصطفي الفقي ١٠/ ٧/ ٢٠٠٨
لم تكن علاقتنا طيبة في السنوات الأخيرة، ولكن ذلك لا ينتقص من قدره عندي، فالموضوعية هي ميزان حياتي، خصوصاً أن الخلاف بيننا لم يكن خلافاً شخصياً، فقد كنت أشفق علي اسمه الأكاديمي الكبير من وحل السياسة وضجيج الشارع المصري،
بينما كان هو ينتقد بعض انتماءاتي الفكرية وولاءاتي السياسية إلي الحد الذي جعله يدعم المرشح المنافس لي في الانتخابات البرلمانية الأخيرة لأسباب تتصل بمبادئه وقناعته، وعندما شكوت الأمر إلي صديقنا المشترك المهندس «إبراهيم المعلم» رئيس اتحاد الناشرين اتصل بي بعدها د. «عبد الوهاب المسيري» ليعبر في هدوء ورقة عن محبته لي واعتزازه بصداقتنا، موضحاً أن الخلاف السياسي لا يفسد للود قضية،
وأضاف أنه كان شديد الحرص علي ألا يمس شخصي ولا دوري الفكري والثقافي بكلمة واحدة، لأنه يقدر ذلك ويختلف فقط مع الموقف ذاته في إطار الحياة السياسية المصرية الراهنة، هذا وتذهب علاقتي بالراحل الكبير إلي السنوات الأخيرة من ستينيات القرن الماضي عندما استقدم الدكتور «أسامة الباز» لتلاميذه في معهد الدراسات الدبلوماسية بوزارة الخارجية ـ وأنا أحدهم ـ كوكبة من كبار الفقهاء والمفكرين وأساتذة الجامعات من أمثال «جورج أبو صعب» و«تحسين بشير» و«عبد الوهاب المسيري» و«يحيي العزبي»، إلي جانب أسماء لامعة في سماء الوطن من طراز «لويس عوض» و«أحمد بهاء الدين» وغيرهما،
وفي تلك الفترة اقتربت من الدكتور «عبد الوهاب المسيري»، خصوصاً أننا ننتمي إلي المحافظة نفسها، فهو سليل عائلة عريقة وكبيرة في «دمنهور» معروفة بنشاطها التجاري وتعدد اتجاهات أبنائها في مجالات الحياة المختلفة، وقد رأيت في الدكتور «المسيري» رصانة الفكر وعمق الفلسفة والرغبة الدائمة في تأصيل الأمور والسعي نحو إظهار الحقيقة، ولقد كانت موسوعته عن اليهود واليهودية والصهيونية عملاً جباراً يعادل جهد خمس درجات علمية كبري ولقد أهداها إلي بكلمات رقيقة،
واقترحت يومها ـ وقد كان هو سعيداً بذلك، فالحس التجاري النظيف لعائلته كان لايزال يجري في عروقه ـ أن تعمم هذه الموسوعة علي الجامعات والكليات في الداخل والسفارات والقنصليات في الخارج، إيماناً مني بقيمتها الرفيعة وفائدتها الكبري، وكنت أداعبه أحياناً بالقول إن بيت «المسيري» العريق هو بيت يهودي من شمال أفريقيا نزح من «المغرب» أو «تونس» إلي إقليم «البحيرة» قبل الإسلام وكان هو يضحك دائماً،
ويقول لي: كف عن هذا الافتراء، بل هم فلاحون مصريون من طين غرب الدلتا المصرية، ولقد جمعني به منذ سنوات برنامج تسجيلي عن الإسلام وروحه السمحاء، وكنا نحن الثلاثة ـ الفقيه الكبير الدكتور «أحمد كمال أبو المجد» والدكتور «عبد الوهاب المسيري» وأنا ـ ضيوفاً علي ذلك البرنامج الذي كان يذاع باللغة الإنجليزية في محطات عربية وإسلامية بإعداد وتقديم من الإعلامي اللامع الأستاذ «محمد إسلام»،
وفي معرض الكتاب منذ عامين دُعيت لإدارة ندوة عن القضية الفلسطينية، وكان هو أحد كبار المشاركين فيها فقدمته تقديماً موضوعياً وعادلاً يتناسب مع قيمته الفكرية وقامته العلمية، فنظر إلي في ارتياح مشوب بالرضا لا أنساهما أبداً، وعندما كنا نرتاد منزل الكاتب الكبير «أحمد بهجت» بصحبة أخينا الأستاذ «إبراهيم المعلم» كنت ألاحظ أن العمارة التي يسكنها في مصر الجديدة مختلفة عن كل بنايات القاهرة تقريباً..
ففي المدخل بعض الأحجار الفرعونية والآثار الإسلامية، وعلي حوائط الدرج لوحات فنية وقطع من التراث العربي، وسألت الكاتب الكبير «أحمد بهجت» عن ذلك فقال لي يومها: ألا تعلم أن هذه عمارة الدكتور «عبد الوهاب المسيري»؟ ومن الطبيعي أن تكون بهذه الروعة.. فكل إناء بما فيه ينضح!
ذلك هو «عبد الوهاب المسيري» الذي فقدته مصر وأمته العربية والإسلامية مفكراً فريداً، ومثقفاً رفيعاً، وإنساناً بسيطاً زجت به السياسة في أتون نارها الحامية، ودفعه اهتمامه بالشأن العام إلي مواقف صعبة وظروف شائكة لم يكن لجسده العليل أن يتحملها، ولا لصحته المتهالكة في السنوات الأخيرة أن تتعايش معها، رحمه الله رحمة واسعة، وجعل عطاءه العلمي وميراثه الفكري ضياء له في عالم سرمدي يذهب إليه الناس ولا يعودون.. إنه عالم الأبدية والبقاء.

فؤاد سراج الدين»

بقلم د.مصطفى الفقى ٣/ ٧/ ٢٠٠٨
لقد ربطتني بهذه الشخصية الفريدة في الحياة السياسية المصرية الحديثة صلة مباشرة، ربما كان أحد أسبابها أن قرينته في السنوات الأخيرة هي قريبة لي، فضلاً عن العلاقة الناجمة عن عملي في المؤسسة السيادية الأولي، وأذكر أنني تلقيت اتصالاً هاتفياً منه ذات يوم يدعوني لحضور حفل رأس السنة، الذي يقيمه في منزل شقيقه الراحل «ياسين سراج الدين»،
وعندما ذهبت إلي ذلك الحفل وجدت نسبة كبيرة من الحاضرين ممن ينتمون للعائلات الوفدية القديمة أو المعنيين بالشأن العام وهموم الوطن عموماً، وأجلسني «فؤاد باشا» إلي جانبه ـ وكنا في منتصف التسعينيات من القرن العشرين ـ وراح يتحدث معي وكنت أستمع إليه، وكأنما أستمع إلي صوت التاريخ يأتي من أعماق الماضي السحيق، وسألته: لماذا تدخن السيجار يا باشا؟ ـ في أواخر الثمانينيات من عمره ـ فقال لي إنه بدأ التدخين منذ سن السابعة عشرة ولم يتوقف عنه حتي وهو في السجون، فلماذا يتوقف الآن؟،
ورأيته ينادي خادمه، ويقول له إن الدكتور مصطفي يشرب مشروباً معيناً كما أن علبة «المناديل» موجودة إلي جانب جهاز التليفزيون! ووجدتني أشعر بالدهشة الشديدة لذاكرته القوية، وشخصيته المؤثرة، وثقافته الواسعة، ودهائه الواضح، وقلت في نفسي إن الأطباء يحذرون من عدة عوامل تؤثر في سلامة القلب وتقصف العمر مبكراً وهي التدخين،
و«فؤاد باشا» مدخن لمدة سبعين عاماً علي الأقل، والسمنة و«فؤاد باشا» بدين منذ مولده، والضغط النفسي والعصبي و«فؤاد باشا» سجنه «عبدالناصر» و«السادات» وعاش سنوات صعبة للغاية بعد ثورة ٥٢ اضطر فيها إلي الاشتغال بتجارة التحف والعاديات، أما النهم للحياة «ففؤاد باشا» كان يقطع أمامي من طبق «الفواجرا» الدسم بسكين، ويلتهم منه بشهية طوال السهرة، بل ويتابع الراقصة في شغف واهتمام، فكل عوامل قصف العمر موجودة في حياة الباشا، ومع ذلك اقتحم التسعين ومات وهو يحمل ذاكرة حديدية وشخصية فذة وروح دعابة لا تختفي،
وعندما دعوته لحضور حفل زفاف ابنتي وجدته يستند إلي مرافقيه في الثانية صباحاً خارجاً من قاعة الحفل فقلت في نفسي إنه لرجل صامد، بقي يجاملني حتي هذه الساعة المتأخرة من الليل؟! ولكنني اكتشفت أنه ذاهب إلي دورة المياه، ثم يعود ليكمل السهرة في حيوية وسمو ودماثة خلق!
وما أكثر ما سمعت من نوادره، خصوصاً من الأصدقاء «نعمان جمعة» و«محمود أباظة» و«منير فخري عبدالنور»، وحفيده ورفيق سنواته الأخيرة «فؤاد بدراوي»، والكل يجمع علي تلك الصفات النادرة التي تميز بها ذلك الباشا المتألق ـ إيجاباً أو سلباً ـ في عصور الملك «فاروق» والرؤساء «نجيب» و«عبدالناصر» و«السادات» و«مبارك»، ومازلت أتذكر تلك الليلة من شتاء النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي عندما ذهبنا: السفراء، «شكري فؤاد» و«أنور بشاي» و«محمود مرتضي» وكاتب هذه السطور، لحضور المؤتمر الأول لمندوبي الأقاليم الذين وفدوا إلي مقر الباشا في «جاردن سيتي» يبايعونه لرئاسة حزب «الوفد» الجديد بعد انقطاع استمر لأكثر من عقدين من الزمان،
وكان ذلك في أعقاب ظهور إرهاصات التعددية الحزبية علي يد الرئيس «أنور السادات»، وأتذكر أن أحد الخطباء الذي كان يمثل محافظة القليوبية قال لـ «فؤاد باشا» في مستهل كلمته: (لقد جئتك من مدينة «طوخ» أحمل لك تأييد صاحب القصر وساكن الكوخ..!)
ثم تصاعدت الهتافات بحياة «فؤاد باشا» الذي أدرك بفطنته أن مصر الثورة لا تعرف إلا الحاكم الأوحد فقاطع المتحدثين، وقام خطيباً ليقول: (إن التحية واجبة أولاً للرئيس «أنور السادات» الذي أتاح لنا فرصة العودة إلي الحيـاة السياسية والالتقاء في هذا المؤتمر)، وإذا كان شهر العسل لم يدم طويلاً بين الأحزاب الجديدة والرئيس الراحل «السادات»، إلا أن الفضل يرجع إليه في بعثها من مرقدها بعد طول غياب.
إنه أيضاً «فؤاد سراج الدين» ابن الأرستقراطية الإقطاعية في الريف المصري الذي كان تألقه في صفوف الوفد الأولي بمثابة ضربة خفية للعلاقة التاريخية بين «مصطفي النحاس» و«مكرم عبيد»، وهو أيضاً «فؤاد سراج الدين باشا» الذي كان من أصغر من دخلوا مجلس النواب سناً في تاريخ البلاد، وهو الذي كان وزيراً للزراعة، وأهم من ذلك أنه كان وزير الداخلية الوطني الذي شهد المواجهة الباسلة بين رجال الشرطة وقوات الاحتلال في مدينة «الإسماعيلية»، وهي المناسبة التي أصبحت عيداً سنويا للشرطة المصرية حتي الآن.
وقد اختار «فؤاد باشا» دائماً الانحياز إلي الجانب الوطني فقد كان علي علم ببعض اجتماعات الضباط الأحرار داخل صفوف الجيش، ولكنه تجنب الوشاية بهم أو تعويق مسيرتهم، وقد كان من بين صفوفهم أحد أبناء عمومته، وهو الذي أصبح فيما بعد السفير «عيسي سراج الدين»، وقد خدمت معه مباشرة عندما كان مديراً لإدارة شؤون فلسطين بوزارة الخارجية في ستينيات القرن الماضي..
إنه «فؤاد سراج الدين» الامتداد الطبيعي لزعامة «سعد زغلول» و«مصطفي النحاس»، وهو سكرتير عام حزب الأغلبية لعدة سنوات، والوزير المرموق الذي عصفت به ثورة يوليو، وأذاقته من كأس ما كان يستحق أن يشرب منها.. رحمه الله بقدر ما تميز به من حس وطني، وشعور إنساني، وشخصية حصيفة، ورؤية ثاقبة.[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس