عرض مشاركة واحدة
قديم 10-01-09, 04:31 PM   #13
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,839
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]أبومازن

بقلم مصطفى الفقى ٧/ ٨/ ٢٠٠٨
إنه السيد «محمود عباس» رئيس السلطة الفلسطينية، الذي جاءني صوته عبر الهاتف منذ أيام قليلة، عندما كان يزور «القاهرة» وتفضل بالسؤال علي وكان خارجاً لتوه من لقاء مع رؤساء تحرير الصحف، وقد قلت له أثناء تلك المكالمة الهاتفية: لست في حاجة إلي أن أوصيك خيراً بالوحدة الفلسطينية، فتلك هي الرصيد الباقي للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
وقد كان الرئيس «أبومازن» كعادته ودوداً ومعبراً عما في قلبه مباشرة دون لف أو دوران ودون التواء أو مواربة، فقال لي إنه كان ولايزال وسوف يظل يبذل قصاري جهده من أجل الوحدة الوطنية الفلسطينية في هذه الظروف الصعبة. وتعود علاقتي «بأبومازن» إلي نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، عندما كنت ألتقيه مع «أبوعمار» أو غيرهما من القيادات الفلسطينية ممن يترددون علي مصر وقيادتها بشكل منتظم.
ولقد كان طوال حياته هادئ الطبع، معتدل التوجه، واقعي النظرة، وقد تولي رئاسة السلطة الفلسطينية في ظروف بالغة الصعوبة شديدة التعقيد، فهو ليس «أبوعمار» بتاريخه الطويل و«الكاريزما» التي تشكلت له وفقاً لذلك، كما أنه اختار منذ سنوات طويلة أن يكون مناضلاً ومفاوضاً في وقت واحد، ويكفي أنه صاحب الموقف الشهير الذي اعترض فيه علي «عسكرة» الانتفاضة، لأنه يؤمن بخصوصية الكفاح الفلسطيني وإمكانية اتباعه وسائل أفضل بكثير من مجرد التصعيد العسكري.
ورغم أنه يدرك مراوغات إسرائيل المعتادة وأساليبها العدوانية فإنه لا يغلق باب التسوية السلمية مهما جلب عليه ذلك من انتقادات بل ومشكلات، وكنت قد زرت «أبومازن» في منزله بـ «عمان» منذ عدة شهور ضمن وفد البرلمان العربي الانتقالي في محاولة لتحقيق المصالحة الحتمية بين «فتح» و«حماس»، وقد كان «أبومازن» يومها متأثراً بما حدث وحزيناً علي الوضع الفلسطيني، مدركاً حجم المخاطر التي تنتظر القضية الفلسطينية في ظروف مثل تلك التي تمر بها، حيث يسعي المخطط الإسرائيلي الخبيث إلي تفكيك عناصر القضية وتصدير مشكلة غزة إلي مصر، وتحميل الضفة للمملكة الأردنية علي الجانب الآخر، وبذلك تتخلص إسرائيل من رموز النضال الفلسطيني.
ومازلت أذكر من زيارتي الأخيرة لـ «واشنطن» أنني شعرت بمثل هذا المخطط الإسرائيلي الذي تباركه الولايات المتحدة الأمريكية، وتري فيه سبيلاً للخلاص من الوضع المتدهور في الأرض الفلسطينية وإنقاذاً للدولة العبرية، لذلك فإن تطويق مثل هذا المخطط يحتاج إلي وقفة فلسطينية واحدة ولا يحتمل الاختلاف في هذه الظروف.
وينتمي «أبومازن» إلي جيل الآباء المؤسسين في حركة «فتح»، وقد قضي عدة سنوات يعمل في «الكويت» قبل أن ينخرط في سلك المقاومة الفلسطينية، التي استهلكت سنوات عمره، وجعلته دائماً صاحب موقف مختلف لم يكن متطابقاً تماماً مع فكر «أبوعمار»، برغم أنهما يقفان علي أرضية واحدة من أجل تحرير فلسطين وقيام دولتها المستقلة بعاصمتها في «القدس».
ولقد لعبت الدبلوماسية المصرية دوراً فاعلاً في إعطاء «أبومازن» اختصاصاته عندما جاء رئيساً للوزراء مع «ياسر عرفات» ـ صاحب الشخصية المقتحمة والنفوذ الطاغي ـ وعندما لم يتمكن «أبومازن» من المضي وفقاً لأجندته، التي يؤمن ببنودها ويقتنع بعناصرها، انسحب من موقعه وترك الساحة لعدة شهور تولي فيها «أبوالعلاء» (السيد ـ أحمد قريع) رئاسة حكومة السلطة الوطنية إلي أن جاءت النهاية المأساوية الغامضة للرئيس الفلسطيني الراحل «ياسر عرفات».
فكان من الطبيعي أن يتحمل «أبومازن» ـ رفيق النضال لسنوات طويلة ـ حتي يكمل المسيرة ويمضي بالقضية الفلسطينية في صبر وإصرار، لكي يصل النضال إلي غايته، وتحقق الثورة هدفها في التحرر الوطني والاستقلال الكامل. ولقد كنت في رحلة لإلقاء محاضرة في العاصمة الأردنية منذ فترة وجيزة، وتصادف وجود أحد أبناء «أبومازن» في مقعد مجاور لي بالطائرة، وهو الابن التالي لشقيقه الذي رحل عن عالمنا منذ سنوات.
وعندها تحمل «أبومازن» مأساته الشخصية إلي جانب محنة الوطن في وقت واحد، وتصرف كعهده دائماً بصبر الواثقين بالله، المؤمنين بأن بعد العسر يسرا، وأنا لا أزعم أن «أبومازن» هو قيادة مثالية للشعب الفلسطيني في هذه الظروف، ذلك أنني أتمني عليه ألا يكون طرفاً في الصراع الداخلي، بل يبقي حكماً بين الفصائل، لا تشده «فتحاويته» بعيداً عن حركة «حماس»، لأنهما يصبان في النهاية في وعاء واحد، فالقضية عادلة، والغايات نبيلة، و«خارطة الطريق» متاحة، ولقد لاحظت دائماً أن «أبومازن» زاهد في الموقع غير متكالب علي المناصب.
كما أنه يملك شخصية انسحابية ترفض المساومة علي إدارة السلطة أو البحث عن الشعبية الزائفة.. إنه «أبومازن» ـ «محمود عباس» ـ الذي يقود السفينة الفلسطينية وسط الأمواج العالية والرياح العاتية والأنواء والأعاصير والمؤامرات المتتالية وسياسة ازدواج المعايير، التي تكيل بها القوة العظمي في عالمنا المعاصر.
ناظم القدسي

بقلم د. مصطفي الفقي ٣١/ ٧/ ٢٠٠٨
أود أن أكرر مرة أخري أنني عندما أكتب عن «قرب»، فإنني أتحدث عن أولئك الذين تعاملت معهم شخصياً وتحدثت إليهم مباشرة، فما أكثر الشخصيات المرموقة والقيادات التاريخية التي لم أتشرف بالجلوس إليها أو التعامل معه،
فأنا لست كاتباً للسيرة الذاتية لأحد ولكنني أقتصر فقط علي الذين أستطيع أن أنقل عنهم بأمانة وأن أسجل انطباعاتي في موضوعية، خصوصاً أنه لا يوجد وراء هذه السلسلة من الشخصيات التي أكتب عنها أجندة خاصة أو غرض ذاتي أو هدف خفي، فأنا أكتب لوجه الله والإنسان والوطن،
واليوم أتحدث عن شخصية جمعتني بها المصادفة، وأعني بها الدكتور «ناظم القدسي»، رئيس الوزراء السوري قبل الوحدة مع مصر، رئيس الجمهورية السورية بعد الانفصال، ولقد التقيت به لعدة ساعات في إحدي ليالي شتاء «لندن» الباردة في منتصف السبعينيات من القرن الماضي،
حيث كنا ضيوفاً علي زميل دراستي الذي أعتز به الأستاذ «أحمد خليفة السويدي» الذي كان وقتها وزيراً لخارجية دولة الإمارات العربية والمستشار القريب من الشيخ «زايد» رحمه الله، والأستاذ «السويدي» هو خريج دفعتي في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة ولاتزال تربطني به صلة مستمرة تقوم علي الاحترام المتبادل والود الدائم،
وفي تلك الليلة كان الدكتور «ناظم القدسي» هو ضيف اللقاء لأن ابنه كان يعمل مع الأستاذ «السويدي»، وكان معنا في الجلسة أيضاً زميل عراقي هو الأستاذ «هشام الكتاب»، وانطلق الدكتور «ناظم القدسي» يحدثنا عن ذكريات سنوات الحكم في سوريا وظروف قبوله رئاسة الجمهورية بعد الانفصال رغم تقديره الكبير لزعامة «جمال عبد الناصر»، وكيف أنه لم يستطع أن يواصل مهمته تلك إلا لفترة قصيرة، وأعترف هنا بأن الرجل بهرني بدبلوماسيته الرفيعة وثقافته الواسعة ودماثة خلقه وهدوئه الملحوظ، ولقد ظل الرجل لعدة ساعات يجيب عن أسئلتنا،
خصوصاً أن فضولي كان شديداً للتعرف علي رأيه في عدد من القيادات العربية والشخصيات السورية التي عاصرها، لقد سألته يومها عن «هاشم الأتاسي» و«شكري القوتلي» كرئيسين سابقين للجمهورية السورية وعن «أكرم الحوراني»، نائب رئيس الجمهورية في عصر الوحدة، و«صبري العسلي»،
آخر رئيس وزراء قبلها، وكان الرجل رحب الصدر شديد الصدق مفرطاً في الموضوعية ويتحدث بلا حساسية وببساطة شديدة، ولقد شرح لي في توازن وعدالة أسباب الانفصال والحساسيات السورية التي نجمت عن الأسلوب المصري في إدارة حكومة الوحدة، ولم يكن الرجل سورياً في حديثه بقدر ما كان عربياً في تحليله، وكان تقديره لدور مصر العربي ووزنها الإقليمي محل تقديري شخصياً،
ولم يقتصر الأمر علي ذلك بل إن الرجل أتحفنا بعدد من الطرائف الدبلوماسية والحكايات السياسية حتي إنني كنت لا أريد للوقت أن يمر وأتمني علي الساعة أن تتوقف، خصوصاً أنني مغرم تاريخياً بمتابعة تتطور السياسة والحكم في دول الشام وأري فيها نبض العروبة الحقيقي،
ولقد كان تعلقي بالشخصية الشامية منذ سنوات الوحدة بحكم عواطفي الشديدة التي ارتبطت حينذاك بالرئيس «عبد الناصر» وعصره وسنوات الشباب القومي الذي مضي ولن يعود، ولقد أيقنت من حديث ذلك السياسي المخضرم أن الشخصية العربية واحدة وأن عيوبها متكررة،
كما أننا أمة لا تتعلم من أخطائها فهي الأمة التي عرفت تعبيرات «النكبة» و«النكسة» و«المأساة» وخلطت بين «الانتصار» و«الانكسار» فلم تستثمر الانتصار جيداً ولم تتعلم من الانكسار أبداً،
إن تلك الليلة من ليالي شتاء العاصمة البريطانية سوف تظل محفورة في ذاكرتي، لأنها كانت مناسبة لمراجعة الأحداث واجترار الذكريات مع شخصية عربية كبيرة عركت دهاليز السياسية ودروب الحكم فاتسمت بالحكمة في التحليل والحياد في الرأي والموضوعية في المناقشة،
إن كلمات «ناظم القدسي» الواضحة وعباراته الهادئة وتوصيفه الدقيق سوف تبقي كلها في ذاكرتي لكي تؤكد لي من جديد أن ثورة يوليو المصرية وعصر الرئيس «عبدالناصر» سيبقيان في وجدان العرب رصيداً قومياً لا ينتهي ومعيناً لا ينضب، مدركاً أن الانفصال في ٢٨ سبتمبر ١٩٦١ كان هو المقدمة الطبيعية لهزيمة ٥ يونيو ١٩٦٧ ،
ولقد قال «ناظم القدسي» ليلتها كلمة لن أنساها أبداً وهي «أن ما بدأ سريعاً ينتهي سريعاً»، في سياق إشارته لتجربة قيام الوحدة المتعجلة بين مصر وسوريا عام ١٩٥٨ وانهيارها السريع عام ١٩٦١.. إنها أحزان أمة وأخطاء سياسة ومحنة شعب.[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس