عرض مشاركة واحدة
قديم 10-01-09, 04:27 PM   #10
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,839
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]صالح سليم

بقلم د.مصطفى الفقى ١٨/ ٩/ ٢٠٠٨
لم أكن متهمًا في مراحل حياتي المختلفة بالاهتمام بالرياضة البدنية أو عشق كرة القدم، بل إن من النوادر التي أتذكرها جيدًا أن شقيقي الأكبر سألني مازحًا ذات يوم وهو يقرأ صفحة الرياضة بإحدي الصحف: هل تعرف من هو «ألدو»؟ فكانت إجابتي: ربما يكون ممثلاً أجنبيا لم أسمع عنه!
والمعروف أنه كان أحد نجوم كرة القدم المصرية في ذلك الوقت، كما أنني أتذكر أيضًا أن اللاعب الشهير «محمود الخطيب» قد زار «لندن» في أوائل السبعينيات وفي مطلع سنوات شهرته ولم أكن أعرفه عندما قدمني إليه صديقنا المشترك المرحوم «أحمد سلطان»، ولاشك أن «محمود الخطيب» قد اندهش لأن مواطنًا مصريا لم يكن يعرفه، وقد توطدت علاقتي به بعد ذلك، وعرفت قدره في تاريخ الرياضة المصرية،
أسوق هذه المقدمة لكي أقول أن اهتمامي بالرياضة يأتي دائمًا من منظور وطني ومن منطلق سياسي وليس من اهتمام بكرة القدم في إطارها الرياضي وحده فأنا أنظر إلي النادي «الأهلي» ـ مثلاً ـ باعتباره النادي الرياضي المرتبط بالحركة الوطنية وحزب «الوفد» والحركة الشعبية للجماهير، وهو النادي الذي عرف أسماء مثل «سعد زغلول» و«فؤاد سراج الدين» وغيرهما من رموز الوطنية المصرية، أما نادي «الزمالك» فإنني أنظر إليه أحيانًا علي أنه كان نادي الأجانب «المختلط» أو نادي القصر المسمي في مرحلة ما قبل الثورة «نادي فاروق»،
مع اعتذاري لزميل دراستي الصديق «ممدوح عباس»، وقد لا يكون هذا التقسيم دقيقًا، بل قد يكون معيبًا، فالرياضة تجمع ولا تفرق وتساوي ولا تميز، كما أنها ليست انعكاسًا للسياسة، بل إن السياسة هي التي تستفيد منها أحيانًا وتوظفها لخدمة بعض حالات المصالحة الوطنية والدولية، حتي ظهر في العقود الأخيرة وعن حق تعبير «دبلوماسية الرياضة»، لذلك ظل اسم «صالح سليم» نجمًا ساطعًا في سماء مصر والعالم العربي باعتباره «كابتن مصر» لسنواتٍ طويلة، ثم رئيسًا للنادي الأهلي لعدة فترات،
وصاحب الشخصية القوية ذات «الكاريزما» المشهودة والجاذبية التي جعلته شخصية عامة في تاريخ الوطن، وليس مجرد لاعب شهير لكرة القدم، بل لقد تجاوز عالم الرياضة إلي عالم الفن حتي بقي فيلم «الشموع السوداء» علامة في تاريخه وجزءًا من تاريخ السينما المصرية الحديثة، ولقد ربطتني بالبطل الرياضي الراحل علاقات قوية منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي،
بدأت في مدينة «لندن» عندما كنت منتدبًا للعمل في «غرفة التجارة العربية البريطانية»، بعد انتهاء فترة عملي بالسفارة المصرية بلندن، وبقائي بالعاصمة البريطانية لاستكمال دراستي للحصول علي الدكتوراه في الاقتصاد والعلوم السياسية من «كلية الدراسات الشرقية والأفريقية»، وقد كنت رئيسًا لقطاع العضوية بالغرفة الوليدة وكان معي الصديق «فؤاد أبوغيدة» حارس مرمي النادي الأهلي في الستينيات من القرن الماضي وهو فلسطيني الأصل مصري الهوي،
لذلك عندما زاره صديقه الراحل «صالح سليم» ومعه الصديق «مروان كنفاني» سنحت لي الفرصة للتعرف عن قرب بكابتن مصر والخروج مع مجموعته في جولات عديدة بالعاصمة البريطانية، وأتذكر أن سيارة أحدنا قد تعطلت في إحداها وظللنا ندفعها وكان «صالح سليم» أشدنا بأسًا مع أنه أكبرنا سنًا!
ولقد أتاحت لي الظروف بعد ذلك التواصل معه عبر السنين، بل وحملت له عبر الهاتف ذات يوم تهنئة رئيس الجمهورية بمناسبة فوزه برئاسة النادي الأهلي في المرة الأولي، ولا يختلف اثنان علي الشعبية الكاسحة التي تمتع بها «صالح سليم»، حتي كان مشهد جنازته عالقًا في الذاكرة المصرية حتي اليوم،
ولا عجب فهو أيضًا الصديق القريب من فنان مصر الراحل «عبد الحليم حافظ» إلي جانب كوكبة من المثقفين والفنانين اندمج فيهم «صالح سليم» وتعايش معهم وظل متألقًا بينهم بشخصية مرموقة تتسم بكبرياء واضح وتتصف باعتزاز شديد بالنفس والنادي الذي يترأسه، والوطن الذي ينتمي إليه بصورةٍ جعلت منه واحدًا من رموز مصر وجزءًا من ظاهرة شعبية إيجابية لا تغيب عن الوجدان.
إنه «صالح سليم» الذي أتذكر دائمًا لقاءاتي معه وأحاديثنا المتبادلة وتندره الدائم علي جهلي بالرياضة وعالمها واهتمامي بكرة القدم في حالة واحدة فقط وهي حينما يلعب الفريق القومي مع فريقٍ أجنبي وكان يقول لي ساخرًا: حتي هذه تريد أن تلعب فيها السياسة؟!
كما عرفت من نوادره وسجاياه الكثير من خلال من كانوا أكثر قربًا منه مثل المهندس «إبراهيم المعلم» رئيس اتحاد الناشرين والكابتن «حسن حمدي»، الذي تولي رئاسة النادي الأهلي بعد رحيل نجم النجوم «صالح سليم»، رحمه الله فلقد كان واحدًا من رموز العصر الجميل، الذي انتهي وقد لا يعود!

فرانسوا ميتران

بقلم د.مصطفى الفقى ١١/ ٩/ ٢٠٠٨
تعاودني بين حين وآخر عقدة مزمنة مردها أنني كنت أود أن أدرس القانون بدلاً من الاقتصاد والعلوم السياسية، كما أنني كنت أتمني أن أكون «فرانكوفونياً» أتحدث الفرنسية بطلاقة وأغوص في أعماق الأدب الفرنسي، مصدر الإلهام الكبير لمعظم الدراسات الإنسانية والفلسفات المعاصرة، ولكن شاء حظي غير ذلك، فحصلت علي دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية من بريطانيا وليست دكتوراه فلسفة القانون من فرنسا!
وبقيت أشعر دائمًا بغصة في حلقي متوهمًا أنني لو كنت أستاذًا في القانون يجيد الفرنسية لتبدلت أحوالي، لذلك ظللت دائمًا أغوص في أعماق كل ما يتصل بالفكر اللاتيني والأدب الفرنسي والثقافة «الفرانكوفونية» فقرأت كل ما كتب عن «نابليون» وحروبه، وأعطيت الحملة الفرنسية علي مصر اهتمامًا خاصًا في دراستي التاريخ المصري الحديث،
باعتبار أن مصر صحت من سباتٍ عميق، استغرقها عدة قرون من الحكمين المملوكي والعثماني علي دوي مدافع «نابليون»، الذي جاء ليدفع مصر نحو اللحاق بالعصر الحديث، مثلما فعل «عبد الناصر» في حرب اليمن عندما أراد أن يخرج - بذلك الشعب الشقيق - من غياهب العصور الوسطي، ولقد فطن المفكر المصري البارز د. «فؤاد زكريا» إلي ذلك التشابه بين الحملة الفرنسية وحملة مصر إلي اليمن في مقاله الشهير «دهاء التاريخ»،
وأنا ممن يظنون أن فرنسا «نابليون بونابرت» و«شارل ديجول» هي أيضًا فرنسا «فرانسوا ميتران» ذلك السياسي الاشتراكي، الذي دخل الانتخابات الرئاسية أمام «شارل ديجول» في عز مجده وهو من هو، فـ«ديجول» قائد المقاومة الفرنسية ضد النازي وهو منقذ فرنسا من الوحل في حرب الجزائر،
لذلك فإن «ميتران» يقف في الصف الأول من قادة فرنسا وساستها العظام، ولقد أتاحت لي فرصة عملي الأسبق أن أري الرئيس «ميتران» عن قرب في لقاءاته المتعددة مع الرئيس «مبارك»، وقد كان بينهما ودٌ متبادل واحترام ملحوظ، ولقد كان «ميتران» مستمعًا جيدًا يتحدث في آخر اللقاء كلمات قليلة تؤكد استيعابه كل ما قيل، ورؤيته لما هو قادم،
وكان ذلك الرجل عميق النظرة، واضح الرؤية بعيد النظر، وقد أحب مصر كثيرًا، وخصها بزياراته المتكررة في عطلة أعياد الميلاد كل عام، حيث كان يقضيها مع صديقته التي عاشت علي هامش حياته سنوات طويلة، وأنجب منها ابنة كانت أثيرة إلي قلبه قريبة من وجدانه، وهو أيضًا «فرانسوا ميتران»، الذي ذكر اسم «يوسف شاهين» والفنانة مصرية الأصل «داليدا» في خطاب استقباله لرئيس مصر في مستهل «زيارة الدولة»، التي قام بها الرئيس «مبارك» في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي إلي الجمهورية الفرنسية، وربط بينهما وبين «شامبليون» مكتشف «حجر رشيد» في سياق حديثه عن العلاقات الثقافية والروابط الحضارية بين فرنسا ومصر،
ولقد تردد كثيرًا أن «داليدا» كانت محظية الرئيس الفرنسي الراحل «ميتران»، ويقال أيضًا إن قصة حبهما كانت أحد أسباب انتحارها، شيءٌ يشبه دائماً عشق الرؤساء كما هو الحال في انتحار «مارلين مونرو» إثر التحول في علاقتها مع الرئيس الأمريكي الراحل «جون كيندي» وشقيقه «روبرت» أيضًا!! ولقد تردد كثيرًا أن «ميتران» كان قناصًا بارعًا في عالم النساء، وكان صيادًا ماهرًا يضع يديه بسهولة علي نقاط الضعف ومصادر الجمال في حواء، وكانت له نظرات هادئة وبعيدة ذات جاذبية خاصة،
وعندما داهمه المرض اللعين الذي رافقه سنواته الأخيرة حتي دخل بذلك الداء العضال انتخابات الفترة الرئاسية الأخيرة وتعايش مع أوجاعه وآلامه وأوهامه، وبدا فيلسوفًا في شهوره الأخيرة يناقش لغز الموت ويتحدث عن الحياة الفانية، وأصرَّ علي أن يودع مدينته المحبوبة «أسوان» في آخر عيد للميلاد المجيد قبل رحيله عن عالمنا، إنه «فرانسوا ميتران» الذي يبدو لي دائمًا كالذئب الحذر الذي لا يتحرك إلا بخطوات محسوبة، ولا يقول إلا ما فكر فيه مليا، ولا يتخذ قرارات انفعالية، أو مواقف ارتجالية، إنه بحق أحد عظماء فرنسا في تاريخها الحديث.
.. بقي أن أضيف أن ذلك الرجل كان داهية سياسية يتصرف «كالوعل» أمام خصومه ويستطيع أن يوجه لهم ضربات قاصمة دون أن يتحرك كثيرًا، وهو أيضًا رجل التوازنات داخل أوروبا الموحدة، والاعتدال في العلاقة الفرنسية الأمريكية دون اندفاع إليها أو ابتعادٍ عنها، وهو الرئيس الفرنسي الذكي الذي أعطي العامل الثقافي في السياسة الفرنسية الخارجية دوره الطبيعي، والطليعي حتي إنه شارك في احتفال افتتاح جامعة «ليوبولد سنجور» في الإسكندرية، وعندما تعطل به المصعد في تلك المناسبة ومعه رؤساء آخرون لم ينزعج،
وظل أثناء تلك الدقائق الصعبة محافظًا علي وقاره متمسكًا بهدوئه، فتلك كانت سمة تميز بها ذلك الرجل الذي ترك بصماتٍ واضحة في سياسة بلاده ومواقفها من الأزمات الكبري والمشكلات الإقليمية، وترك من بعده فراغًا كبيرًا في «الإليزيه» إذ لا أظن أن «شيراك» بضعفه تجاه أصحاب الثروة والنفوذ ولا «ساركوزي» باندفاعه نحو الولايات المتحدة وإسرائيل قادران علي إعطاء «فرنسا» صورتها التقليدية في الذاكرة الإنسانية المعاصرة، رحم الله «ميتران» فقد كان زعيمًا من طراز فريد.[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس