عندما يكون الشعب الفلسطيني في غزة محاصرا , وتكون المفاوضات العبثية جارية على قدم وساق , وحين يكون الغرب والعرب تحت إمرة "إسرائيل" , يكون قادة إسرائيل في بحبوحة من أمرهم , فهناك مجال لمخططات آثمة ضد قطاع غزة , ولا بأس ببضع نكات يطلقها اولمرت وبعض قادة "إسرائيل" , فالأطفال الذين يموتون في غزة لا بواكي لهم , والشعب كذلك لا ناصر له كما يظن الصهاينة.
يقول الصهاينة أنهم لن يحرموا القطاع من المساعدات الإنسانية ولذلك فقد سمحوا لهم باستنشاق الهواء وشرب الماء , وقد حرموه من الدواء لأنه من الكماليات , وربما اعتبر الصهاينة الملايين التي ينفقونها على قطاع غزة على شكل قصف بالصواريخ والقنابل العملاقة هي أيضا من ضمن المساعدات الإنسانية .
اللعبة السياسية في غزة لم تعد كما كانت , ولم تعد تتفق مع اللعبة السياسية كما هي متداولة وكما هو متعارف عليها. العالم العربي والغربي وإسرائيل يتعاملون مع قطاع غزة ضمن لعبة "كسر العظم" بل ربما اشد من ذلك ولهذا يجب قراءة ما يجري الآن في غزة ضمن هذه الرؤية , حماس أطلقتها صريحة انه لم يعد بمقدور الشعب تحمل أكثر من ذلك وقد حذرت من انفجار لا يبقي سدود ولا حدود , فكانت بداية ذلك الانفجار وهو هدم أول الحدود , وأنا اعتبر أن ما فعله الشعب في غزة هو بداية الزلزال وليس نهايته , وان كانت البداية في غزة فالنهاية قطعا لن تكون في غزة .
الرئيس المصري حسني مبارك لم يأمر "بعد" بمنع الفلسطينيين من التزود باحتياجاتهم الأساسية من مصر , وليس ذلك من باب الرحمة والشفقة أو العطف والإنسانية فتلك المعاني لا تتوافق وسياسة "كسر العظم" , ولا تتوافق أيضا مع مشاركة مصر وباقي العرب في حصار القطاع لأكثر من سبعة شهور ضمن المخطط الصهيو - أمريكي لإخضاع قطاع غزة للإرادة الصهيونية , ولا ضير لو كتب البعض من داخل القطاع في مدح الحكومة المصرية على موقفها ولو من باب "تأليف القلوب" و "تخجيل الأنظمة" مع يقيني أن تلك محاولات لا نفع منها.
النظام المصري تصرف بتوازن وحكمة, فما حدث أوقعه بين خيارين أحلاهما مر, فإما قمع الفلسطينيين لمنعهم من دخول مصر وما سيترتب على ذلك من مواجهة دموية بين الأمن المصري والشعب المحاصر وما سينتج عن ذلك من ردود شعبية مصرية ربما تستغل بقوة من قبل اكبر جماعة إسلامية في مصر والوطن العربي وهي جماعة الإخوان المسلمين وإما الخيار الآخر وهو ما اختاره الرئيس مبارك بالسماح للفلسطينيين بالدخول إلى حين إيجاد حل بروية للخروج بأقل الخسائر.
حل الأزمة لن تتخذه مصر منفردة, فمصر مكبلة باتفاقات سابقة وضغوطات حاضرة, لذلك فان بحث الحل ستشارك فيه أطراف متعددة هي ذاتها التي تحاصر الشعب الفلسطيني, وبغض النظر عن تلك الأطراف فان ما يعنينا هو الموقف الإسرائيلي وكذلك الموقف المصري وان كان الموقف الإسرائيلي أهم لان الجميع يسير في فلكها ويدور حيث دارت.
إسرائيل الآن تدرك حجم وبال استهتارها واستخفافها بالشعب الفلسطيني أولا والشعوب العربية ثانيا, فهي تريد أن تشق الشعب الفلسطيني ولكنها لا تريد أن توحد العالم العربي والإسلامي , تريد عزل غزة عن الضفة ولكنها لا تريد فتح الحدود الفلسطينية - المصرية على مصراعيها , إسرائيل يمكنها التعايش مع غزة ككيان معاد ولكن لا يمكنها التعايش مع أنظمة عربية مجاورة تعصف بها رياح التغيير.
الحصار العربي - الإسرائيلي لقطاع غزة ليس مبررا ولكنه جاء نتيجة عناد وصلف ورغبة في إثبات فشل المشروع الإسلامي - كما يسمونه - فما الذي يمكن أن تفعله إسرائيل بصدد الواقع الجديد ؟؟ , هناك بعض الخيارات أمام الكيان الصهيوني :
أولا : الضغط على الحكومة المصرية لإعادة الأمور كما كانت عليه قبل اختراق الحصار لتستمر معاناة الشعب الفلسطيني وليستمر الإعدام البطيء له , وهذا أمر لم يعد ممكنا, فالنظام المصري يهمه استقرار مصر أكثر من الرغبات الإسرائيلية العدوانية , وكذلك فان إسرائيل ذاتها حريصة على امن النظام المصري واستقراره .
ثانيا : احتلال إسرائيل للشريط الحدودي مع مصر وذلك يعني تواجدا عسكريا إسرائيليا في غزة وهذا ما لا يحتمله الجيش الإسرائيلي, وليست عملية محفوظة عنهم ببعيدة حيث تم نسف المعسكرات الإسرائيلية من تحت أقدامهم إضافة إلى تصعيد ال

ات العربية والتي ربما تتحول لانتفاضات ليست في صالح إسرائيل أو الأنظمة العربية .
ثالثا : تعلن إسرائيل عن فشلها وفشل حصارها للشعب الفلسطيني فتغض الطرف عن عودة الحوار الفلسطيني - الفلسطيني غير المشروط وعودة حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية لتتسلم الرئاسة معابر غزة بما فيها معبر رفح وليس هناك أي حل عقلاني سوى هذا الحل وخاصة أن الحوار الفلسطيني الداخلي وفي ظل حدود مفتوحة مع مصر أصبح مطلبا مصريا وحاجة إسرائيلية ملحة.
ربما تلجأ "إسرائيل" إلى خطوات غبية, وربما تحاول الأنظمة العربية قمع شعوبها ولكن المحصلة لن تكون في صالح "إسرائيل" أو تلك الأنظمة , لان ما أوصل حماس والشعب الفلسطيني في غزة إلى كسر القواعد سيدفع بالإخوان المسلمين والشعوب العربية لكسرها كذلك , فلا ينتظرن احد حتى تتوالى الانفجارات التي لا تبقي حدودا ولا سدودا في المنطقة, وحصار غزة يجب أن يرفع.
منقول