موت الحجاج
[ALIGN=RIGHT]
لمــا حضرت الحجاج الوفاة ، وأيقن بالموت ، قال : أسندونى وأذن للنّاس ، فدخلوا عليه ، فذكر الموت وكربه ، واللحد ووحشته ، والدنيا وزوالها ، والآخرة وأهوالها ، وكثرة ذنوبه ، وأنشأ يقول : [/ALIGN]
[ALIGN=CENTER]
إن ذنبي وزن السماوات وإلا = رض وظنّي بخالقي أن يحابي
فلئن منّ بالرضا فهـو ظنـــّي = ولئن مر بالكتاب عذابـــــــي
لم يكن ذلك منه ظلـماً وهل = يظلم رب يرجـى لحسن المئابِ [/ALIGN]
[ALIGN=RIGHT]
ثمّ بكى وبكى جلساءه ، ثمّ أمر الكاتب أن يكتب إلى الوليد بن عبد الملك بن مروان :[/ALIGN]
[ALIGN=RIGHT]
أما بعد ، فقد كنتُ أرعى غنمك ، أحوطها حياطة الناصح الشفيق برعيّة مولاه ، فجاء الأسد، فبطش بالراعى ومزّق المرعيّ كل ممزق ، وقد نزل بمولاك ما نزل بأيوب الصابر ، وأرجوا أن يكون الجبار أراد بعبده غفراناً لخطاياه ، وتكفيراً لما حمل من ذنوبه .
ثم كتب في آخر الكتاب :[/ALIGN]
[ALIGN=CENTER]
إذا ما لقيت الله عنى راضيا = فإن شفاء النفس فيما هنالكِ
فحسبى بقاء الله من كل ميتٍ = وحسبى حياة الله من كل هالكِ
لقد ذاق الموتَ من كان قبلنا = ونحن نذوق الموت من بعد ذلكِ
فإن مت فاذكرنى بذكر محبب = فقد كان جماً فى رضاك مسالكى
وإلا ففى دبر الصلاة بدعوة = يلقى بها المسجون فى نار مالكِ
عليك سلام الله حيّاً وميّتاً = ومن بعــد ماتحيا عتيـقاً لمالكِ[/ALIGN]
[ALIGN=CENTER]ثمّ دخل عليه أبو المنذر يعلى بن مخلد المجاشعي وقال :
كيف ترى ما بك يا حجاج من غمرات الموت وسكراته ؟ فقال : يا يعلى : غماً شديداً ، وجهداً جهيداً ، وألماً مضيضاً ، ونزعا جريضاً ، وسفراً طويلاً ، وزاداً قليلاً ؛ فويلي وويلي إن لم يرحمني الجبار .
فقال له : يا حجاج ، إنّما يرحم الله من عباده الرحماء الكرماء ، أولي الرحمة والرأفة والتحنن والتعطف على عباده وخلقه ، أشهد أنك قرين فرعون وهامان ؛ لسوء سيرتك ، وترك ملتك ، وتنكبك عن قصد الحق ، وسنن المحجة ، وآثار الصالحين .
قتلتَ صالحي النّاس فأفنيتهم ، وأبرت عترة التابعين فتبرتهم ، وأطعت المخلوق فى معصية الخالق ، وهرقت الدماء ، وضربت الأبشار ، وهتكت الأستار ، وسست سياسة متكبر جبار ، لا الدين أبقيت ، ولا الدينا أدركت ، أعززت بني مروان وأذللت نفسك ، وعمرت دورهم ، وخربت دارك ، فاليوم لا ينجونك ولايغيثونك إن لم يكن فى هذا اليوم ولا لما بعده نظر .
لقد كنت لهذه الأمة إهتماماً واغتماماً ، وعناءً وبلاءً ، فالحمد لله الذى أراحها بموتك وأعطاها مناها بخزيك .
فكأنما قُطِعَ لسانه فلم يُحر جواباً ، وتنفّس الصّعداء ، وخنقته العَبرة ثمّ رفع رأسه فنظر إليه وأنشأ يقول [/ALIGN]:
[ALIGN=CENTER]
ربّ إنّ العبادَ قد أيأسوني = ورجآئي لك الغداة عظيمُ [/ALIGN]
ذيل الأمالى والنوادر [ ص 191 ]
|