الموضوع: خذ وهات
عرض مشاركة واحدة
قديم 27-05-06, 11:30 PM   #42
 
الصورة الرمزية جراح الزمن

جراح الزمن
جوهرة نادرة بزهــــرتنا

رقم العضوية : 3788
تاريخ التسجيل : Dec 2005
عدد المشاركات : 762
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ جراح الزمن

[ALIGN=CENTER]( تاج محل )[/ALIGN]

جلس شاه جيهان على العرش بعد حرب دموية على الوراثة. فحين موت جيهانغير لم يكن لديه سوى ولدين بين الأحياء، شهريار وشاه جيهان. لكن شهريار، صهر نور جيهان، كان مريضاً جداً حينها. غير أن هذا لم يمنع نور جيهان من السعي ولو عبثاً لجعله يعتلى العرش. إلا أن شاه جيهان بمساعدة حماه استطاع أن يحوز الملك.
احتفل بتتويج شاه جيهان في كل أنحاء الإمبراطورية. وحضر الحفل رجال الأدب والدين والأشراف وأهل الحكم. وعلى حسب العادة وزع شاه جيهان أثواب التشريف على الحاضرين. وبعد حضوره مراسم تتويجه، أسرع شاه جيهان إلى جناح النساء حيث كانت زوجته ممتاز محل، الإمبراطورة الجديدة، قد أقامت حفلاً بهياً على شرفه. ووزعت صواني الجواهر والذهب على الفقراء بهذه المناسبة. لم يكن لفرحة الزوجين حدود بعد المعاناة الطويلة التي عاشاها. وأهدى شاه جيهان زوجته مئتي ألف قطعة من الذهب وستمئة ألف قطعة من الفضة وعزبة تغل مليون قطعة ذهبية سنوياً. كما أضاف على ذلك منحة سنوية تبلغ مليوناً ونصف من الجواهر تعطى لها في الذكرى السنوية الأولى للتتويج. وبعد ذلك بعامين زادها بمقدار مئتي ألف.
كان شاه جيهان حاكماً طموحاً شأن جده أكبر. كما اختار الشرفاء ليكونوا حكاماً على الأقاليم وقادة للجيش. ونبههم أن يكونوا عادلين في حكمهم للناس، حتى عرف في التاريخ بلقب شاهنشاه العادل" أو الإمبراطور العادل. كما كان يعمل لساعات طوال ويراقب كل تفاصيل إدارة الإمبراطورية. واستطاع أن يجعل الدروب آمنة للمسافرين وعاقب اللصوص وقطاع الطريق بقسوة. كما طور الزراعة والتجارة الخارجية. وجعلها عادة له أن يوزع عدة أضعاف وزنه ذهباً وفضةً مرتين سنوياً على الفقراء. وكانت نتيجة كل ذلك أن تحسنت أحوال الرعية وازدادت عوائد الدولة أضعافاً.
كان تتويج شاه جيهان فاتحة لازدهار العمارة في أغرا ودلهي. وما تميزت به هذه العمارة هو انتشار المباني الرخامية وهو ما دفع أحد الباحثين لوصف عهده بعهد الرخام. كما كان راعياً عظيماً للفنون وللرسم والعمارة المغوليين الذين جمعا التقاليد الفارسية والهندية ووصلا ذروتهما في عهده.
وفي عهد زوجها أصبح لممتاز محل دوراً فاعلاً في إدارة الدولة. كما كان شاه جيهان يستشيرها في كل قضايا الحكم المهمة، حتى إنه استأمنها على ختمه الملكي. وفي تلك الأزمان، كان الختم الملكي شيئاً بالغ الأهمية عند الحكام المسلمين. ويسجل التاريخ أن هؤلاء الحكام كانوا دوماً لا يعهدون بأختامهم إلا لشخص ذي نزاهة وولاء لا شك فيهما أبداً. ذلك أن أي كتاب يمهر بهذا الختم يصبح أمراً يستدعي الطاعة فوراً. لاحقاً نقلت هذه المسؤولية إلى يمين الدولة والد ممتاز بناء على طلبها.
كانت ممتاز محل امرأة رقيقة القلب بطبيعتها. ولهذا كان الضعفاء والبائسون يجدون فيها إنساناً ينصت لمشاكلهم بتعاطف. وكان اليتامى والأرامل والفقراء يحظون بأعطياتها التي أصبحت الوسيلة لتزويج بنات الفقراء زيجات كريمة. كما أنقذت رحمتها حتى المجرمين الذين أعفت بعضهم من الإعدام وأعادت آخرين إلى مناصبهم وحظوتهم التي خسروها بسبب سخط الملك عليهم.
هام شاه جيهان بزوجته وبنى لها جناحاً ساحراً في القصر وأغدق عليها الهبات والنعم. بل إنه كان يصطحبها معه في حملاته العسكرية. وفي إحدى هذه الحملات عام 1630 خرجت ممتاز معه وهي حامل بابنهما الرابع عشر. وماتت ممتاز محل في ربيع 1631 وهي تضع وليدها وكانت بنتاً. وعقب ذلك أمضى زوجها كسير القلب العقدين التاليين تقريباً وهو يعمل على إنجاز حلمها ببناء صرح يخلد ذكرى حبهما.
بعد موت ممتاز حبس شاه جيهان نفسه ثمانية أيام في قصره ليخرج للناس بعدها رجلاً آخر يختلف عن الذي كان عليه قبل أربع سنوات حينما اعتلى العرش. وبقي لعامين وهو يعيش الحداد عليها. حين إحضار رفات ممتاز محل من برهانبور حيث فارقت الحياة إلى أغرا عاصمة الإمبراطورية المغولية، وضع في حجرة دفن مؤقتة تحت الأرض على ضفة نهر جومنا. أما ضريحها الدائم فقد وضعت أساساته عام 1631 لينتهي بناؤه عام 1653.
لبناء هذه التحفة المعمارية الفاتنة استدعى شاه جيهان إلى بلاطه أرقى المواهب من كل أنحاء العالم. أتى المعماريون والحرفيون إلى أغرا من بغداد ومن القصور العثمانية في تركيا وقدم مصممو الحدائق من كشمير والخطاطون من شيراز والحجارون والنحاتون وحرفيو الجص ومصممو القباب والبناؤون من بخارى والقسطنطينية وسمرقند. طوال هذه السنوات كانت الاستشارات والتعديلات شيئاً متواصلاً يجري يومياً. والأهم من كل ذلك كان الإخلاص لذكرى ممتاز محل.
يعتقد أن المعلم عيسى أفندي من تركيا كان هو المسؤول عن تصميم المبنى. أما محمد خان من شيراز وعبد الغفار من مولتان فكانا خطاطي المشروع. فيما المسؤول عن النواحي الفنية والتصميم الداخلي كان قادر زمان خان من الجزيرة العربية. وباختصار حرص شاه جيهان على استخدام أعلى المهارات المتوفرة في عصره لبناء هذا الصرح العظيم. وكان كل من هؤلاء يحصل على راتب شهري كبير حتى اكتمل العمل. وبلغ عدد العمال الذين عملوا تحت إدارة هؤلاء عشرين ألفاً. وتطلب الأمر عشرين عاماً حتى اكتمل بناء تاج محل.
ولإرضاء هوس شاه جيهان الفني أتي بكميات ضخمة من الرخام الأبيض من راجستان والحجر الرملي الأحمر من دلهي. كما أحضرت الحجارة الكريمة بالقوافل من كل أنحاء الأرض: اليشب من البنجاب والعقيق الأحمر من بغداد والفيروز من التيبت والملكيت واليشم والكريستال من تركستان وغيرها من اللؤلؤ والماس والزمرد والصفير... أكثر من أربعين نوعاً من الأحجار الكريمة.
عبر أغرا وبني منحدر بطول عشرة أميال عبر أغرا لسحب مواد البناء إلى قمة القبة في موقع البناء. وكان المشروع من الضخامة بحيث أن مدينة ممتاز أباد تنامت حول المشروع لإيواء العمال الذين اشتغلوا عشرين عاماً لبناء الصرح.
وللتمكن من رفع القبة شيدت سقالة هائلة حيث تطلب هذا الجزء من المبنى على وجه الخصوص الكثير من الجهد والمال. ويقال إن القبة وحدها كلفت أكثر من باقي المبنى كله. وتقول الأسطورة إن شاه جيهان حين اقتراب تاج محل من النهاية قيل له إن تفكيك السقالة سيستغرق خمس سنوات. فما كان منه إلا أن أعلن أن كل من يرفع قرميدة تصبح ملكاً له، وإذ بالمهمة تنتهي بين ليلة وضحاها.

يجمع تصميم تاج محل بين العناصر الهندية والفارسية والتركية والبوذية بطريقة جعلت منه شيئاً جديداً بالكامل. واليوم أصبح تاج محل واحداً من أشهر الأيقونات البصرية. ورغم السحر الذي يلف جماله والقصة التي كانت وراء بنائه، فإن واجهته مألوفة لدينا جميعاً لدرجة تجعلنا ننسى أن تاج محل صرح يتميز بأصالة وتفرد مطلقين بالنسبة لزمنه.
في سبتمبر 1657 أعيا المرض شاه جيهان وفقد الأطباء الأمل بشفائه. بل إنه كتب وصيته. وحالما وصل خبر مرضه أولاده الأربعة، دارا شيكوه وشوجا وأورانزيب ومراد، أخذ جميعهم يعد العدة للاستيلاء على العرش. ولدى نجاح أورانزيب في هذا المسعى قام بسجن والده دون أن يسمح سوى لواحدة من أخواته أن تقوم على رعايته حتى وافاه أجله عام 1666 ودفن بجانب زوجته ممتاز محل.
يعتبر تاج محل اليوم واحداً من عجائب الدنيا وهو ينتصب وسط مساحات شاسعة من الحدائق على ضفة نهر يامونا في أغرا. ومع أن أشهر ركن فيه هو ضريح ممتاز محل بقبته الرخامية البيضاء إلا أن هذا المجمع الضخم الذي يمتد على مساحة 42 فداناً يتضمن أيضاً مساجد ومآذن ومباني أخرى.
وقد قال البعض إن شاه جيهان لم يكن ينوي أن يجاور زوجته في القبر وإنما كانت نيته بناء تاج محل آخر من الرخام الأسود ليكون ضريحاً له. إلا أن الكثير من الباحثين يرون غير ذلك ويعتقدون أنه كان يرغب فعلاً أن يدفن قرب ممتاز محل.


توقيع : جراح الزمن
الياقوتة
[ALIGN=CENTER][/ALIGN]

جراح الزمن غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس