الموضوع: قصه معبره
عرض مشاركة واحدة
قديم 25-07-05, 03:54 AM   #1
 
الصورة الرمزية زهرة حنــــان

زهرة حنــــان
العضوية الماسية

رقم العضوية : 523
تاريخ التسجيل : Nov 2002
عدد المشاركات : 1,512
عدد النقاط : 10

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ زهرة حنــــان
غير سعيد قصه معبره


[ALIGN=CENTER]أرجو قرأتها كامله




‏لم أكن جاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أوّل أبنائي

‏ما زلت أذكر تلك الليلة .. بقيت إلى آخر الليل مع الشّلة ‏في إحدى

‏الاستراحات ..

المحرمة‎ كانت سهرة مليئة بالكلام الفارغ .. بل بالغيبة والتعليقات‎

‏كنت أنا الذي أتولى في الغالب إضحاكهم .. وغيبة الناس .. ‏وهم يضحكون

‏أذكر ليلتها أنّي أضحكتهم كثيراً..

‏كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد ..
‏بإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي ‏أسخر منه ..

‏أجل كنت أسخر من هذا وذاك .. لم يسلم أحد منّي أحد حتى ‏أصحابي ..

‏صار بعض الناس يتجنّبني كي يسلم من لساني ..

‏أذكر أني تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتسوّل في ‏السّوق..

‏والأدهى أنّي وضعت قدمي أمامه فتعثّر وسقط يتلفت برأسه لا ‏يدري ما
‏يقول ..

‏وانطلقت ضحكتي تدوي في السّوق ..

‏عدت إلى بيتي متأخراً كالعادة ..

‏وجدت زوجتي في انتظاري .. كانت في حالة يرثى لها ..

‏قالت بصوت متهدج : راشد .. أين كنتَ ؟

‏قلت ساخراً : في المريخ .. عند أصحابي بالطبع ..

‏كان الإعياء ظاهراً عليها .. قالت والعبرة تخنقها: راشد…

‏أنا تعبة جداً .. الظاهر أن موعد ولادتي صار وشيكا ..

‏سقطت دمعة صامته على خدها ..

‏أحسست أنّي أهملت زوجتي ..

‏كان المفروض أن أهتم بها وأقلّل من سهراتي .. خاصة أنّها ‏في شهرها
‏التاسع ..

‏حملتها إلى المستشفى بسرعة ..

‏دخلت غرفة الولادة .. جعلت تقاسي الآلام ساعات طوال ..

‏كنت أنتظر ولادتها بفارغ الصبر .. تعسرت ولادتها ..

‏فانتظرت طويلاً حتى تعبت .. فذهبت إلى البيت ..

‏وتركت رقم هاتفي عندهم ليبشروني ..

‏بعد ساعة .. اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم سالم ..

‏ذهبت إلى المستشفى فوراً ..

‏أول ما رأوني أسأل عن غرفتها ..

‏طلبوا منّي مراجعة الطبيبة التي أشرفت على ولادة زوجتي ..

‏صرختُ بهم : أيُّ طبيبة ؟! المهم أن أرى ابني سالم ..

‏قالوا .. أولاً .. راجع الطبيبة ..

‏دخلت على الطبيبة .. كلمتني عن المصائب .. والرضى بالأقدار ..

‏ثم قالت : ولدك به تشوه شديد في عينيه ويبدوا أنه فاقد ‏البصر

‏خفضت رأسي .. وأنا أدافع عبراتي .. تذكّرت ذاك المتسوّل ‏الأعمى ..

‏الذي دفعته في السوق وأضحكت عليه الناس ..

‏سبحان الله كما تدين تدان ! بقيت واجماً قليلاً .. لا أدري ‏ماذا
‏أقول .. ثم تذكرت زوجتي وولدي ..

‏فشكرت الطبيبة على لطفها .. ومضيت لأرى زوجتي ..

‏لم تحزن زوجتي ..

‏كانت مؤمنة بقضاء الله .. راضية .. طالما نصحتني أن أكف عن
‏الاستهزاء بالناس ..

‏كانت تردد دائماً .. لا تغتب الناس ..

‏خرجنا من المستشفى .. وخرج سالم معنا ..

‏في الحقيقة .. لم أكن أهتم به كثيراً..
‏اعتبرته غير موجود في المنزل ..

‏حين يشتد بكاؤه أهرب إلى الصالة لأنام فيها ..

‏كانت زوجتي تهتم به كثيراً .. وتحبّه كثيراً ..

‏أما أنا فلم أكن أكرهه .. لكني لم أستطع أن أحبّه !

‏كبر سالم .. بدأ يحبو .. كانت حبوته غريبة ..

‏قارب عمره السنة فبدأ يحاول المشي .. فاكتشفنا أنّه أعرج ..

‏أصبح ثقيلاً على نفسي أكثر ..

‏أنجبت زوجتي بعده عمر وخالداً ..
‏مرّت السنوات .. وكبر سالم .. وكبر أخواه ..

‏كنت لا أحب الجلوس في البيت .. دائماً مع أصحابي ..

‏في الحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم ..

‏لم تيأس زوجتي من إصلاحي..

‏كانت تدعو لي دائماً بالهداية .. لم تغضب من تصرّفاتي ‏الطائشة ..

‏لكنها كانت تحزن كثيراً إذا رأت إهمالي لسالم واهتمامي ‏بباقي إخوته

‏كبر سالم .. وكبُر معه همي ..

‏لم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحدى المدارس الخاصة ‏بالمعاقين

‏لم أكن أحس بمرور السنوات .. أيّامي سواء .. عمل ونوم ‏وطعام وسهر ..

‏في يوم جمعة ..

‏استيقظت الساعة الحادية عشر ظهراً..

‏ما يزال الوقت مبكراً بالنسبة لي .. كنت مدعواً إلى وليمة ..

‏لبست وتعطّرت وهممت بالخروج ..

‏مررت بصالة المنزل .. استوقفني منظر سالم .. كان يبكي ‏بحرقة !

‏إنّها المرّة الأولى التي أنتبه فيها إلى سالم يبكي مذ كان ‏طفلاً ..

‏عشر سنوات مضت ..

‏لم ألتفت إليه .. حاولت أن أتجاهله .. فلم أحتمل .. كنت ‏أسمع صوته

‏ينادي أمه وأنا في الغرفة ..

‏التفت .. ثم اقتربت منه .. قلت : سالم ! لماذا تبكي ؟!

‏حين سمع صوتي توقّف عن البكاء .. فلما شعر بقربي ..

‏بدأ يتحسّس ما حوله بيديه الصغيرتين .. ما بِه يا ترى؟!

‏اكتشفت أنه يحاول الابتعاد عني

‏وكأنه يقول : الآن أحسست بي .. أين أنت منذ عشر سنوات ؟!

‏تبعته .. كان قد دخل غرفته ..

‏رفض أن يخبرني في البداية سبب بكائه ..

‏حاولت التلطف معه ..

‏بدأ سالم يبين سبب بكائه .. وأنا أستمع إليه وأنتفض .. ‏تدري ما

‏السبب

‏تأخّر عليه أخوه عمر .. الذي اعتاد أن يوصله إلى المسجد ..

‏ولأنها صلاة جمعة .. خاف ألاّ يجد مكاناً في الصف الأوّل ..
‏نادى عمر .. ونادى والدته .. ولكن لا مجيب .. فبكى ..

‏أخذت أنظر إلى الدموع تتسرب من عينيه المكفوفتين ..
‏لم أستطع أن أتحمل بقية كلامه ..

‏وضعت يدي على فمه .. وقلت : لذلك بكيت يا سالم ..

‏قال : نعم ..

‏نسيت أصحابي .. ونسيت الوليمة .. وقلت :

‏سالم لا تحزن .. هل تعلم من سيذهب بك اليوم إلى المسجد؟ ..

‏قال : أكيد عمر .. لكنه يتأخر دائماً ..

‏قلت : لا .. بل أنا سأذهب بك ..

‏دهش سالم .. لم يصدّق .. ظنّ أنّي أسخر منه ..

‏استعبر ثم بكى ..

‏مسحت دموعه بيدي .. وأمسكت يده ..

‏أردت أن أوصله بالسيّارة .. رفض قائلاً :

‏المسجد قريب ..أريد أن أخطو إلى المسجد ..

‏إي والله قال لي ذلك - ..

‏لا أذكر متى كانت آخر مرّة دخلت فيها المسجد ..

‏لكنها المرّة الأولى التي أشعر فيها بالخوف ..

‏والنّدم على ما فرّطته طوال السنوات الماضية ..

‏كان المسجد مليئاً بالمصلّين .. إلاّ أنّي وجدت لسالم ‏مكاناً في

‏الصف الأوّل ..

‏استمعنا لخطبة الجمعة معاً وصلى بجانبي .. بل في الحقيقة ‏أنا صليت
‏بجانبه ..

‏بعد انتهاء الصلاة طلب منّي سالم مصحفاً ..

‏استغربت ‏كيف سيقرأ وهو أعمى ؟

‏كدت أن أتجاهل طلبه .. لكني جاملته خوفاً من جرح مشاعره ..

‏ناولته المصحف ..

‏طلب منّي أن أفتح المصحف على سورة الكهف..

‏أخذت أقلب الصفحات تارة .. وأنظر في الفهرس تارة .. حتى ‏وجدتها ..

‏أخذ مني المصحف .. ثم وضعه أمامه ..

‏وبدأ في قراءة السورة .. وعيناه مغمضتان ..

‏يا الله ‏إنّه يحفظ سورة الكهف كاملة
‏خجلت من نفسي.. أمسكت مصحفاً ..

‏أحسست برعشة في أوصالي.. قرأت .. وقرأت..
‏دعوت الله أن يغفر لي ويهديني ..

‏لم أستطع الاحتمال .. فبدأت أبكي كالأطفال ..

‏كان بعض الناس لا يزال في المسجد يصلي السنة ..

‏خجلت منهم .. فحاولت أن أكتم بكائي .. تحول البكاء إلى ‏نشيج وشهيق

‏لم أشعر إلاّ بيد صغيرة تتلمس وجهي .. ثم تمسح عنّي دموعي ..

‏إنه سالم ‏ضممته إلى صدري ..

‏نظرت إليه .. قلت في نفسي .. لست أنت الأعمى ..

‏بل أنا الأعمى .. حين انسقت وراء فساق يجرونني إلى النار ..

‏عدنا إلى المنزل .. كانت زوجتي قلقة كثيراً على سالم ..

‏لكن قلقها تحوّل إلى دموع حين علمت أنّي صلّيت الجمعة مع ‏سالم ..

‏من ذلك اليوم لم تفتني صلاة جماعة في المسجد ..

‏هجرت رفقاء السوء ..

‏وأصبحت لي رفقة خيّرة عرفتها في المسجد..

‏ذقت طعم الإيمان معهم ..

‏عرفت منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا ..

‏لم أفوّت حلقة ذكر أو صلاة الوتر ..

‏ختمت القرآن عدّة مرّات في شهر ..

‏رطّبت لساني بالذكر لعلّ الله يغفر لي غيبتي وسخريتي من ‏النّاس ..

‏أحسست أنّي أكثر قرباً من أسرتي ..

‏اختفت نظرات الخوف والشفقة التي كانت تطل من عيون زوجتي ..

‏الابتسامة ما عادت تفارق وجه ابني سالم ..

‏من يراه يظنّه ملك الدنيا وما فيها ..

‏حمدت الله كثيراً على نعمه ..

‏ذات يوم .. قرر أصحابي الصالحون أن يتوجّهوا إلى أحدى ‏المناطق

‏البعيدة للدعوة ..

‏تردّدت في الذهاب.. استخرت الله .. واستشرت زوجتي ..

‏توقعت أنها سترفض .. لكن حدث العكس !

‏فرحت كثيراً .. بل شجّعتني ..

‏فلقد كانت تراني في السابق أسافر دون استشارتها فسقاً ‏وفجوراً ..

‏توجهت إلى سالم .. أخبرته أني مسافر .. ضمني بذراعيه ‏الصغيرين

‏مودعاً ..

‏تغيّبت عن البيت ثلاثة أشهر ونصف ..

‏كنت خلال تلك الفترة أتصل كلّما سنحت لي الفرصة بزوجتي ‏وأحدّث

‏أبنائي ..

‏اشتقت إليهم كثيراً .. آآآه كم اشتقت إلى سالم

‏تمنّيت سماع صوته .. هو الوحيد الذي لم يحدّثني منذ سافرت ..

‏إمّا أن يكون في المدرسة أو المسجد ساعة اتصالي بهم ..

‏كلّما حدّثت زوجتي عن شوقي إليه .. كانت تضحك فرحاً وبشراً ..

‏إلاّ آخر مرّة هاتفتها فيها .. لم أسمع ضحكتها المتوقّعة .. ‏تغيّر

‏صوتها ..

‏قلت لها : أبلغي سلامي لسالم .. فقالت : إن شاء الله .. ‏وسكتت ..

‏أخيراً عدت إلى المنزل .. طرقت الباب ..

‏تمنّيت أن يفتح لي سالم ..

‏لكن فوجئت بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره ..

‏حملته بين ذراعي وهو يصرخ : بابا .. بابا ..

‏لا أدري لماذا انقبض صدري حين دخلت البيت ..

‏استعذت بالله من الشيطان الرجيم ..

‏أقبلت إليّ زوجتي .. كان وجهها متغيراً .. كأنها تتصنع ‏الفرح ..

‏تأمّلتها جيداً .. ثم سألتها : ما بكِ؟

‏قالت : لا شيء ..

‏فجأة تذكّرت سالماً .. فقلت .. أين سالم ؟

‏خفضت رأسها .. لم تجب .. سقطت دمعات حارة على خديها ..

‏صرخت بها .. سالم .. أين سالم ..؟

‏لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد .. يقول بلثغته : بابا .. ‏ثالم لاح

‏الجنّة .. عند الله..

‏لم تتحمل زوجتي الموقف .. أجهشت بالبكاء ..

‏كادت أن تسقط على الأرض .. فخرجت من الغرفة ..

‏عرفت بعدها أن سالم أصابته حمّى قبل موعد مجيئي بأسبوعين ..

‏فأخذته زوجتي إلى المستشفى ..
‏فاشتدت عليه الحمى .. ولم تفارقه .. حين فارقت روحه جسده ..


‏إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملت ‏فاهتف
‏يا الله

‏إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال، وتقطعت ‏الحبال، نادي

‏يا الله




منقول من الأيميل


[/ALIGN]


توقيع : زهرة حنــــان
وداعاً يازهرة الشرق

زهرة حنــــان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس