{جحا والتجار الثلاثة}
ثم أخذ جحا ينتظر ضيوفه أمام البيت متظاهرا بعزق مشاتل الزهر في الفناء الخارجي ونزع الآعشاب منها. ولم يطل انتظاره, اذ رأى التجار الثلاثة يهرعون نحوه مسرعين. وكان الغضب
والتعب باديين عليهم, فكان البدين المشورب يتوسط زميليه مستندا اليهم, وهو يلهث كقاطرة
بخارية قديمة.
وفاجأ جحا الرجال الثلاثة بترحابه الزائد قائلا: أهلا بالآصدقاء, انكم تعبون ولا شك. وتحتاجون
الى وجبة شهية منعشة قبل أن نبحث أي عمل. هلموا نستمتع بما يتيسر في هذا المكان الظليل.
وطابت الفكرة للمخاتلين الثلاثة, فتبادلوا النظرات راضين بالوجبة المجانية قبل أن يحاسبوا جحا
على الحيلة التي انطلت عليهم.
أهلا بكم قال جحا مكررا بينما تناول رفشه وراح يحفر قرب المدخل. ثم تابع حديثه بهدوء,
وكأنه يستجيب لنظراتهم المستغربة: يبدو أنكم على غير علم بقدرات رفشي السحري. كنت أظن
الجميع يعرفون ذلك:
واستمر جحا يحفر ويحكي عن امكانيات رفشه العجيب, وكيف انه يتحف مالكه بوجبة فخمة
في أي وقت من النهار- فما عليه الإ أن يختار بقعة ويحفر. ولشد ما كانت دهشة التجار الثلاثة
وهم يشاهدون, بأم العين, استخراج جحا لآوعية الطبخ الحامية تفوح منها رائحة الفراخ المبهرة
والآرز المفلفل والكباب الشهي والسلطة الطازجة.
وهجم الرجال على الطعام كقطيع ذئاب على حمل, فالتهموا كل شيء حتى ورقات الخس الآخيرة
دون أن ينبسوا ببنت شفة. لكنهم من حين لآخر ظلوا يسترقون النظر الى الرفش الذي أسنده جحا
الى الجدار بحرص على مقربة منه.
واعتدل جحا في جلسته وهو يراقب ضيوفه السعداء بوجبتهم الشهية المجانية, ثم قال وكأنه
يتابع حديثه السالف: حقا انه لشيء رائع, هذا الرفش:
ولم يخف التجار تشوقهم, فقالوا بصوت واحد: انا راغبون في هذا الرفش, وبودنا أن نبتاعه,
فكم تريد فيه؟
فاصطنع جحا تنهيدة متثاقلة وأردف: حسنا, قد أقبل التخلي عن هذا الرفش الجواد اذا كان السعر مغريا. وكان تلهف التجار على الرفش من الشدة بحيث انهم تراضوا سريعا من جحا على
الصفقة, وانصرفوا فرحين يدللون الرفش وكأنه وليد جديد. وفي اليوم التالي وردت أخبار الى
جحا أن التجار الثلاثة حفروا ما يكفي لطمر سفينة كبيرة عبر شوارع البلد, معطلين حركة المرور
الى السوق- طبعا دون أن يجود عليهم الرفش بشيء:
يتبع:pcring:
|