لو يعرف الزيتون غارسه لصار الزيت دمعاً
شجرة الزيتون المباركة : تاريخ أصيل و شاهدة على علاقة الفلاح الفلسطيني بأرضه
بيت لحم – خاص :
بينما كانت أسنان الجرافات الاحتلالية تقتلع أشجار الزيتون ، في مشهد لا يمكن وصف فظاعته ، و لكنه أصبح مألوفاً في الأراضي الفلسطينية لبناء ما يسمى الجدار الفاصل ، كان فلاح فلسطيني يصرخ في وجه قائد الجرافة : "هذه زيتونة رومانية ، ألا تفهم ؟؟" ... و لم يكن قائد الجرافة الصهيوني بالطبع يفهم معنى قتل هذه الشجرة و هو القادم من بيئة بالنسبة لها قتل البشر الفلسطينين أضحى أمراً طبيعياً .. و عندما لم يستطع ذلك الفلاح أن يوقف مجزرة قتل الشجر انتحى بجانب شجرته و الدموع تنزّ من عينيه.
و المعروف أن حائط الفصل العنصري سيسبّب مزيداً من الفصل بين القرى الفلسطينية و بين الفلاحين و أرضهم ، تلك الأراضي التي تمتد لآلاف الدونمات تكسوها و على مدى الأفق أشجار الزيتون التي شهدت على مدى آلاف السنين معاناة أجيال أبت إلا أن تحافظ عليها ، فزرعت الزيتون و تعهّدته بالرعاية و ذهبت أجيال و أتت أخرى و بقيت الشجرة المباركة شاهدة ، حتى أتت جرافات النازية الجديدة لتقتل ما تعتبره آخر شاهد على تلك العلاقة المميزة بين الفلاح الفلسطيني و أرضه.
و ما لا يعرفه قاتلو الشجر أن تطوّر زراعة الزيتون هو من أهم إنجازات الإنسان المتحضّر ، فقد زرعت و نمت في حوض البحر المتوسط قبل نحو أربعة آلاف عام. و في زمن الإغريق كان يعتبر زيت الزيتون بذخاً غالي التقدير ، و في الإمبراطورية الرومانية كان يعتبر زيت الزيتون محصولاً متميّزاً جداً ..
و لشجرة الزيتون مكانة كبيرة في الدين الإسلامي و الأديان الأخرى و في ميثولوجيا المنطقة ، فهذه الشجرة المباركة هي رمز للتجدّد و السلام ، و غصن الزيتون الذي حملته الحمامة في فمها كان رمزاً لحياة جديدة وطئت عليها قدم سيدنا نوح عليه السلام بعد انقضاء الطوفان ، فشجرة الزيتون هي رمز للصمود و العطاء و الثبات و ذلك لسهولة نموها حتى بعد قطعها لأسفل الساق.
و يوجد الآن نحو 800 مليون شجرة زيتون على امتداد الكرة الأرضية 700 مليون منها في منطقة حوض البحر المتوسط ، و مليون أخرى مورقة ما بين أراضٍ في كاليفورنيا و أستراليا و جنوب أفريقيا.
و هناك 467 نوعاً من هذه الشجرة المباركة في إيطاليا و منطقة حوض البحر المتوسط .. و إحدى ميزات هذه الشجرة مقدرتها على تحمّل جفاف صيف المتوسط لمدة خمسة إلى ستة شهور ، و هي تحتاج لصيفٍ حارّ ممتد لتنضج ثمارها و برد شتاء معتدل لقطف تلك الثمار.
و هذه الشجرة المباركة دائمة الخضرة و تنمو ليصل ارتفاعها إلى خمسين قدماً و تمتد عرضاً لتصل إلى ثلاثين قدماً ، و جمال مظهر هذه الشجرة المنتفخة بأغصانها يخلق في النفس أثراً مستحباً و يجمل المناظر الطبيعية التي حبا بها الله بلادنا.
تتبرعم زهرات شجرة الزيتون البيضاء في فصل الربيع و تنمو على سيقان ممتدة تنبع من إبط الورقة ، و ينمو في كلّ عنقود ما بين 10 - 40 زهرة و فقط عشرون منها تتبرعم لتصبح ثماراً ..
و الزيتون ثمرة خضراء مفرد النواة يميل لونها إلى السواد الأرجواني عند اكتمال نضجها ، بعض الأنواع خضراء عند نضجها و أخرى تميل إلى اللون النحاسي و المحصول يتفاوت بالحجم و المنظر و الطعم و كمية الزيت ، أما شكل الثمرة فإما أن يكون بيضاوياً أو مستطيلاً ذو أطراف مدببة ، و تقليم الأغصان يضمن حجماً أكبر للثمرة حيث من المفضّل أن يتم مباشرة ذلك بعد القطف و تثمر هذه الشجرة بعد أربع سنوات من زراعتها.
و يستخدم زيت الزيتون كمصدرٍ غذائي و علاجي و أفضل السبل لاستخلاص الزيت هو عن طريق العصر باستخدام حجر الكبس الدائري و يقطف المحصول أولاً بعد نضجه التام و تبدأ أول مراحل استخلاص الزيت بكبسه ليصبح معجوناً ، الخطوة التالية تتمثل بالضغط الهيدرولي للمعجون بهدف استخلاص الزيت ، إن دورة الضغط الأولى تعطي زيتاً عالي الجودة أما الدورة الثانية و الثالثة فتعطي زيتاً ذو جودة أقل ، أما الخطوة الثالثة فيتم فيها فصل الزيت عن الماء و الأجزاء الصلبة ، و تتم هذه العملية تحت درجة حرارة تقع ما بين 16 - 28 درجة مئوية لتفادي تضرّر الزيت بالحرارة.
قبل عقود قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش ابن قرية البروة في الجليل الفلسطيني :
لو يعرف الزيتون غارسه لصار الزيت دمعاً
ماذا ترانا نقول الآن عن قاتل هذه الشجرة المباركة ، الذي لا يعرف ما معنى الزيتون و الزيت و عبقرية الفلاح الفلسطيني الذي يقف وراء كلّ ذلك : كم هو همجي و غبي ذلك القاتل ؟
و رغم ذلك يسرع الفلاح الفلسطيني إلى شجرته المقتولة محاولاً إسعافها ، بأخذ ما تبقّى منها و زراعتها فيما تبقّى له من أرض : إنها صيرورة الإنسان و الأرض في بيت المقدس و أكناف بيت المقدس .
من الايميل مع تمنياتي بالتوفيق
توقيع : أحزان ليل
|