![]() |
قصة صحابي (5) أبو ذر رضي الله عنه
زعيم المعارضة ، وعدو الثروات :
أقبل على مكة نشوان مغتبطا ، صحيح أن وعثاء السفر وفيح الصحراء قد وقذاه بالضني و الألم ، بيد أن الغاية التي يسعى إليها أنسته جراحه وأفاضت على روحه الحبور و البشر . و دخلها متنكرا ، كأنه واحد من أولئك الذين يقصدونها ليطوفوا بآلة الكعبة العظام أو كأنه عابر سبيل ضل طريقه أو طال به السفر والارتحال فأوى إليها ليستريح ويتزود . فلو علم أهل مكة أنه جاء يبحث عن محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ويستمع إليه لفتكوا به . وهو لا يرى بأسا في أن يفتكوا به ، ولكن بعد أن يقابل الرجل الذي قطع الفيافي ليراه ، وبعد أن يؤمن به ، إن اقتنع بصدقه واطمأن لدعوته . ولقد مضى يستمع الأنباء من بعيد ، وكلما سمع قوما يتحدثون عن محمد اقترب منهم في حذر ، حتى جمع من تناثرات الحديث هنا وهناك ما دله على محمد ، وعلى المكان الذي يستطيع أن يراه فيه . وفي صبيحة يوم ذهب إلى هناك ، فوجد الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم - جالسا وحده ، فاقترب منه وقال : نعمت صباحا يا أخا العرب ، فأجاب الرسول - صلى الله عليه و آله و سلم - : وعليك السلام يا أخاه . قال أبو ذر : أنشدني مما تقول . فأجاب الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ما هو بشعر فأنشدك ، ولكنه قرآن كريـم . فقال أبو ذر : اقرأ علي . فقرا عليه الرسول و أبو ذر يصغي ولم يمض من الوقت غير قليل حتى هتف أبو ذر : ( أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) . وسأله النبي ممن أنت يا أخا العرب ؟ فأجابه أبو ذر : من غفار ، فتألفت ابتسامة واسعة على فم الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - واكتسى وجهه بالدهشة والعجب ، وضحك أبو ذر كذلك ، فهو يعرف سر العجب الذي كسا وجه الرسول عليه الصلاة و السلام حين علم أن هذا الذي يجهر بالإسلام إنما هو رجل من غفار ! فغفار هذه قبيله لا يدرك لها شأو في قطع الطريق ، وأهلها مضرب الأمثال في السطو غير المشروع ، إنهم حلفاء الليل و الظلام ، والويل لمن يسلمه الليل إلى واحد من قبيلة غفار ، أفيجيء منهم اليوم واحد ليسلم والإسلام لا يزال دينا غضا مستخفيا ؟ يقول أبو ذر رضي الله عنه وهو يروي القصة بنفسه : فجعل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يرفع بصره و يصوبه تعجبا لما كان من غفار ثم قال : إن الله يهدي من يشاء . ولقد كان أبو ذر رضي الله عنه أحد الذين شاء الله لهم الهدى وأراد بهم الخير ، وإنه لذو بصر بالحق فقد روي عنه أنه أحد الذين كانوا يتأهلون في الجاهلية ، أي يتمردون على عبادة الأصنام ويذهبون إلى الإيمان بإله خالق عظيم ، وهكذا ما كاد أن يسمع بظهور نبي يسفه الأصنام وعبادها ، ويدعو إلى عبادة الله الواحد القهار حتى حث إليه الخطى وشد الرحال . أسلم أبو ذر من فوره وكان ترتيبه في الإسلام الخامس أو السادس ، وقد توجه إلى الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فور إسلامه بهذا السؤال : يارسول الله بم تأمرنـي ؟ فأجابه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ترجع إلى قومك حتى يبلغك أمري ، فقال أبوذر : والذي نفسي بيده لا أرجع حتى أصرخ بالإسلام في المسجد ، هنالك دخل المسجد الحرام ونادى بأعلى صوته : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . كانت هذه الصيحة أول صيحة بالإسلام تحدت كبرياء قريش ، صاحها رجل غريب ليس له في مكة حسب ولا نسب ، وفد لقي ما لم يكن يغيب عن فطنته أنه ملاقيه فقد أحاط به المشركون وضربوه ، وترامى النبأ إلى العباس رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فجاء يسعى واستطاع أن ينقذه من بي أنيابهم بالحيلة الذكية فقد قال لهــم : " يا معشر قريش ، أنتم تجار وطريقكم على غفار وهذا الرجل من رجالها إن يحرض قومه عليكم ، يقطعوا على قوافلكم الطريق " فثابوا إلى رشدهم و تركوه . وهكذا لا يكاد في اليوم الثاني يلقى امرأتين تطوفان بالصنمين ( أساف - نائلة ) وتدعوانهما ، حتى يقف عليهما ويسفه الصنمين تسفيها مهينا ، فتصرخ المرأتان ويهرول الرجال كالجراد ثم لا يفتأون يضربونه حتى يفقد وعيه ، وحين يفيق يقول " أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله " ويعود أبوذر إلى عشيرته ، فيحدثهم عن النبي الذي ظهر يدعو إلى عبادة الله وحده ويهدي إلى مكارم الأخلاق ، ويدخل قومه في الإسلام واحدا إثر واحد ، ولم يكتفي بقبيلة غفار بل انتقل إلى قبيلة أسلم فيدعوها . وتمر الأيام تلو الأخرى ويهاجر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة . وذات يوم تستقبل مشارف المدينة صفوفا طويلة من المشاة والركبان قد أثارت أقدامهم النقع ، واقترب الموكب اللجب ودخل المدينة ، لقد كان هذا الموكب قبيلتي غفار وأسلم جاء بهما أبو ذر مسلمين جميعا ، ولقد ازداد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - عجبا ، فبالأمس البعيد أعلن رجل واحد إسلامه من قبيلة غفار ، أما الآن فإن قبيلتي غفار وأسلم تجيئا مسلمتين ، إن عمالقة السطو وحلفاء الشيطان قد أصبحوا عمالقة الخير وحلفاء الخير . الأقوال التي مدح فيها : قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ( ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر ) ويمتدحه الإمام علي كرم الله وجهه :( لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لا ئم غير أبي ذر ) ومن أقوال المأثورة : ( بشر الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامة ) ( عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه ) ( لا حاجة لي في دنياكم ) وفي النهاية يعالج سكرات الموت وحيدا في الفلاة ومعه زوجته وهي تبكي فيقول لها : لم تبكين والموت علينا حق . فتقول : لأنك تموت وليس عندي ثوب يسعك كفنا . وتفيض روحه إلى الله وبعد حين قليل تمر جماعة من المسلمين على رأسهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، فيقف أما جثمانه ويقول : صدق رسول الله ، تمشي وحيدا وتموت وحيدا وتبعث وحيدا . فالسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا إن شاء الله |
( بشر الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامة )
رضي الله عنه الغريب دائما شكرا لك أقرب صاحب على هذه الشخصية الجليلة |
احسنت اختيار الصحابي
جزاك ربي خيرا على موضوعك الجميل أشكرك |
دائما لديك الجديد
تقبل الله منك كل حرف كتبته لنتعلم من ورائه بارك الله فيك أخي |
الساعة الآن 08:12 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions Inc.