منتديات زهرة الشرق - أين يقف العقل العربي من التحولات الثقافية؟

عادل خزام

عادل خزام
أين يقف العقل العربي اليوم من التحولات الثقافية العملاقة التي شهدتها أوروبا خلال القرن الماضي حيث امتزجت الفلسفة مع الآداب واختلطت لغة الموسيقى بالرياضيات، والفيزياء الكمية مع التحليل البنيوي للغة.. وغيرها من النسيج الثري الذي تتركب منه صورة الثقافة العالمية، كما تنتج اليوم في الغرب؟
إن قراءة مضامين الخطاب العقلاني الفلسفي العربي كما طرحها نخبة قليلة من المفكرين العرب في النصف الثاني من القرن العشرين، تحيلنا اليوم إلى سؤال أكبر حول المكانة التي تشغلها هذه الفلسفات في منظومة الخطاب الثقافي العربي، بداية من التعليم وصولا إلى يوميات واقع الإنسان العربي، وهل استطاع الخطاب الفلسفي العربي المعاصر أن يراكم تجاربه ليلحق بركب التحديثات العلمية والنظرية؟
أم إن هذه الفلسفة بدأت بالتراجع وربما التلاشي في السنوات الأخيرة حيث ظل العقل العربي عاجزا عن إنتاج لغته ومنهجه، وربما عجز أيضاً عن إنتاج الصدى مع ضمور حركة الترجمة.. في حين ظل التراث الملجأ والذخيرة الدائمين للمنطق والكلام الذي تنتجه الثقافة العربية اليوم؟
الإنسان العربي المهموم بقضايا الإصلاح والديمقراطية يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى وجود الفلسفة التي تنبع من ذهن حر قادر على الإبداع، ويحتاج إلى قراءة الواقع، قراءة فلسفية، بلغة جديدة معاصرة قادرة على تسمية الأشياء بأسمائها كما هي اليوم، والأشكال الذي يعاني منه من خاضوا في الكتابة الفلسفية من المفكرين العرب هو أن خطاباتهم ذهبت إلى البحث عن (لغة فلسفية عربية).
وكان هذا نتاجاً طبيعياً بسبب شعور الإنسان العربي بأنه مفصول عن تاريخ الفلسفة الحديثة التي تعرف عليها متأخرا جدا في منتصف القرن العشرين، عندما بدأ المترجمون ينتبهون إلى أهمية الكتب الفلسفية بعد أن كان اهتمامهم منصبا في بداية القرن على كتب الأدب والسياسة.
ولذلك جاءت المؤلفات الفلسفية العربية مشحونة بالجدل حول قضايا التراث والهوية والمصير، دون أن تجنح إلى بناء منهج (عصري) متصل بما تم إنتاجه في الغرب حيث ترتكز مقولات الإصلاح والديمقراطية أولاً على التحليل الفلسفي النقدي الذي يستلهم تاريخ المجتمعات، وفي الوقت نفسه يستشرف المستقبل بالعقل النافذ، وبالرؤية المتبصرة.
مع (هيجل) كانت الفلسفة قد وصلت إلى مراحل متقدمة من التجريد النظري ، لكن الفلاسفة الذين أتوا بعده حاولوا الخروج من الإطار التجريدي لملامسة واقع الناس وظروفهم وإنسانيتهم.
إدراج مجالات الفكر والفلسفة وجعلها قوتاً يومياً لدى العامة أصبح من مهمات المؤسسة الأكاديمية العربية التي لا تزال رهينة للسلطة، والتحرر الذي يجب أن يبدأ من العقل سيظل هدفا بعيدا طالما ظل التفكير العربي مؤطراً بحدود الخوف. حيث ما من سبيل أمام هذا العقل سوى اللجوء إلى الماضي لإثبات شرعية ومنطقية الفكر الذي يريد قوله. وان عجز الماضي، يمكن الأخذ من الآخر الغربي شريطة ألا يكون هذا الآخر مغايرا أو متناقضا مع الخطاب الذي تقبل السلطة وتسمح به.

منقول