العودة   منتديات زهرة الشرق > >{}{ منتديات الزهرة الثقافية }{}< > شخصيات وحكايات

شخصيات وحكايات حكايات عربية - قصص واقعية - قصص قصيرة - روايات - أعلام عبر التاريخ - شخصيات إسلامية - قراءات من التاريخ - اقتباسات كتب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 10-01-09, 04:41 PM   #16
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]علي صبري

بقلم د. مصطفي الفقي ٢٦/ ٦/ ٢٠٠٨
في صبيحة أحد أيام شهر فبراير عام ١٩٦٦ - وكنت طالبًا في السنة النهائية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية أنتظر التخرج بعد شهور قليلة - اتصل بي الأستاذ الدكتور «حسين كامل بهاء الدين»، أمين الشباب في الاتحاد الاشتراكي العربي حينذاك،
وهو بالمناسبة صاحب عقلية علمية وتنظيمية عالية القدرات، لكي يبلغني بأنه قد حدد لي موعدًا مع السيد «علي صبري» نائب رئيس الجمهورية وأمين عام الاتحاد الاشتراكي العربي في مقر التنظيم السياسي الواحد علي كورنيش النيل،
وأنه يتعين علي أن أذهب في الحادية عشرة صباحًا ليأخذني السيد «جمال عرفي» مدير مكتب السيد النائب للقائه في الموعد المحدد، وتهيبت الموقف في البداية إذ كيف يستقبل نائب رئيس الجمهورية طالبًا في السنة الرابعة بالجامعة،
ولكنني أدركت بعد ذلك أن تلك هي خصائص التنظيم السياسي الذي لا يعترف بفوارق العمر أو اختلاف المواقع السياسية، لأنه لا يعمل وفقًا لروتين الحكومات المعتاد، وقد استقبلني السيد «علي صبري» ببشاشة ولفت نظري في مكتبه جهاز تكييف كبير ونباتات خضراء،
وبهرني كثيرًا تنظيم المكان الذي لم يكن معتادًا في مكاتب أساتذة الجامعة البسيطة بظروفها، بل الفقيرة أحيانًا بمقتضي الحال! وبادرني السيد «علي صبري» بقوله (إن الدكتور «حسين كامل بهاء الدين» تحدث عنك حديثًا طيبًا ورشحك لعضوية التنظيم الطليعي)، ثم استطرد يتحدث عن السياستين الخارجية والداخلية وقد تزامن اللقاء يومها مع انقلاب عسكري في «غانا» ضد الرئيس «كوامي نكروما»،
لذلك سألني عن رأيي في ذلك الحدث ليتعرف علي قدرتي في التحليل السياسي ومتابعتي للشؤون الأفريقية، ثم تحدث عن نقص الكوادر المطلوبة في الاتحاد الاشتراكي وأن أي دعم له يكون علي حساب الجهاز التنفيذي والهيكل الإداري للدولة، ثم تحدث عن مظاهر الإقطاع الباقية وتحكم بعض العائلات في مقدرات القري والمدن الصغيرة والأحياء في المدن الكبيرة،
وقد عبرت له يومها عن قلقنا مما أشيع عن احتمال تولي السيد «شوقي عبد الناصر» شقيق رئيس الدولة أمانة الشباب بديلاً للدكتور «حسين كامل بهاء الدين» أسوة بما فعله الرئيس التنزاني «جوليوس نيريري» عندما عين شقيقه رئيسًا لشباب الحزب الحاكم في بلاده فنفي السيد «علي صبري» الشائعة،
التي كان دافعها في ظني ذلك الصراع الصامت بين مجموعة «هيكل» أو ما يسمي بالتيار اليميني في ذلك الوقت ومجموعة «علي صبري» والمحسوبين علي اليسار في الجانب الآخر،
كما أن «منظمة الشباب» التي كنت عضوًا في لجنتها المركزية ومسؤولاً بها عن التثقيف السياسي لمحافظة القاهرة موضع شك وريبة في كثير من الأوساط بما في ذلك المؤسسة العسكرية ذاتها.
وقد استمر لقائي مع السيد «علي صبري» لأكثر من ساعة ونصف استمع فيها إلي شاب صغير بعناية واهتمام وتحدث إليه في رعاية كاملة وهدوء زائد وأعطاني يومها بضع أوراق عن التنظيم الطليعي، من ذلك النوع الذي توجد به ثقوب محددة تأكيدًا للسرية، وودعني علي أمل لقاء قادم.
وبعد ذلك بشهور قليلة جاء السيد «علي صبري» متحدثًا في أحد معسكرات التدريب التي كنت موجودًا فيها وفتح باب الحوار، ووجدتني أرفع يدي في تلقائية وأسأل رجل النظام القوي عن سبب اعتقال عدد من زملائي فيما سمي حينذاك بتنظيم «القوميين العرب»،
ولقد أجاب الرجل بعبارات ذلك العهد وشعاراته ولكن استقبل زملائي سؤالي بالاستحسان والإعجاب لأن الأمور كانت تتم في صمت وسرية ولم يكن هناك مجال كبير للحوار العلني في تلك الفترة، وظل السيد «علي صبري» - وهو الذي أجري اتصالاً عشية قيام الثورة بالملحق الجوي الأمريكي ليبلغه باعتباره رفيق سلاح بطبيعة «الضباط الأحرار»
وأهدافهم ورغبتهم في حياد الولايات المتحدة الأمريكية ثم دعمها إذا تحركت القوات البريطانية من منطقة القناة صوب العاصمة لقمع الانقلاب العسكري كما كانوا يطلقون عليه - قريبًا لقلب الرئيس «عبدالناصر» عندما كان يوظف بنجاح صراع اليمين واليسار علي الساحة السياسية لمصلحة الحكم في عهده حتي ولي السيد «علي صبري» رئاسة الحكومة وقدمه يومها للجماهير في عبارات سخية للغاية.
ولابد أن أعترف هنا أن الدكتور «حسين كامل بهاء الدين» ومجموعة مساعديه يتقدمهم الدكاترة «مفيد شهاب» و«عبدالأحد جمال الدين» و«محمود شريف» و«عادل عبدالفتاح» مسؤول التنظيم، والسيدان «عبد الغفار شكر» و«هاشم العشيري» كانوا يعملون جميعًا لوجه اللّه والوطن،
ولم يكونوا جزءًا من الصراع السياسي الصامت الذي كان السيد «علي صبري» أحد رموزه، لذلك ظللت وفيا لهذه المنظمة السياسية - بما لها وما عليها - مدينًا لها في التربية السياسية التي أهلتنا للحياة العامة بعد ذلك. وقد أصدر الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر»
قرارًا جمهوريا بتعيين سبعة من شباب المنظمة دبلوماسيين في وزارة الخارجية كنت واحدًا منهم في واقعة غير مسبوقة في تاريخ السلك الدبلوماسي المصري الحديث، وهو ما أدي إلي ردود فعل سلبية في وزارة الخارجية قبيل النكسة بشهور قليلة،
وإن كان معروفًا أنني كنت الوحيد بينهم المنقول من رئاسة الجمهورية - التي كان وضعي مجمدًا فيها بسبب عضويتي في التنظيم الطليعي - إلي السلك الدبلوماسي
وقد انتهي بي المطاف إلي تحقيق تنظيمي شارك فيه الراحلان «فتحي الديب» و«محمد عبدالفتاح أبوالفضل» وانتهي بفصلي من التنظيم الطليعي بسبب عدم التزامي بقواعد العضوية ومشاركتي في اجتماعات تتصل بما سمي وقتها بمشروع «الحركة العربية الواحدة» وكان ذلك في شهر أبريل من عام ١٩٦٧.
وقد قال لي أمين الشباب الدكتور «حسين كامل بهاء الدين» يومها إن السيد «علي صبري» عاتب عليك بشدة وهو يقول إن لديك من الذكاء ما كان يجب أن يمنعك من الانخراط في تجمعات الطلاب واللاجئين العرب والحماس لآرائهم رغم عضويتك في التنظيم الطليعي،
وبذلك طويت صفحة أعتز بها من مرحلة الشباب وأقدر فيها ما تعلمناه من قدرات الدكتور «حسين كامل» التنظيمية وأساليبه العلمية في التفكير والتنفيذ وخرجت منها أحمل احترامًا للسيد «علي صبري» الذي قذفت به قضية مراكز القوي إلي قاع زنزانة السجن محكومًا عليه بالإعدام الذي جري تخفيفه إلي السجن المؤبد مع الشهور الأولي لحكم الرئيس السادات» - رحمهماالله - فهما معًا في رحابه ومحكمة التاريخ وحدها هي الفيصل بين الجميع.

إسماعيل فهمي

بقلم د. مصطفي الفقي ١٩/ ٦/ ٢٠٠٨
لا أظن أن مسؤولاً كبيراً في تاريخ الحياة السياسية المصرية الحديثة قد انسحب من موقعه طواعية، وقدم استقالته من منصبه المرموق احتراماً لقناعته الشخصية وموقفه القومي - بغض النظر عن تقييمنا لنتائج ذلك - إلا ما فعله السيد «إسماعيل فهمي» عشية سفر الرئيس الراحل «أنور السادات» إلي القدس في زيارته الشهيرة «نوفمبر ١٩٧٧»، لكي يعبر عن استقلالية في الرأي، واحترام للذات،
وإيمان عميق بضرورة تطابق أفكاره مع تصرفاته حتي ولو كانت تأتيه التعليمات من خلال توجيهات سيادية.. «إسماعيل فهمي» فصل كبير من كتاب الدبلوماسية المصرية في القرن العشرين، فهو صاحب مدرسة متميزة في السلك الدبلوماسي، وما من موقع إلا ووجدنا له فيه بصمة أو أثراً إيجابياً يشير إليه، فعندما ذهبت إلي «فيينا» سفيراً، وجدت أن الذي وقَّع علي عقد إيجار مبني القنصلية المصرية في العاصمة النمساوية عام ١٩٥١، هو «إسماعيل فهمي»،
الذي كان دبلوماسياً صغيراً فيها ثم عاد إليها سفيراً مع منتصف الستينيات، وهي الدولة الوحيدة التي خدم فيها ذلك الدبلوماسي اللامع سفيراً لبلاده ومندوباً لدي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وغيرها من هيئات الأمم المتحدة ووكالاتها هناك، ولقد كنت أشعر دائماً - ولا أزال - باعتزاز شديد، أن المرة الوحيدة التي خدمت فيها سفيراً بالخارج كانت تكراراً لما فعله السيد «إسماعيل فهمي»،
وإن كنت لا أدعي أن لي قدراته الدبلوماسية الكبيرة أو اسمه اللامع في الدبلوماسية الدولية، فقد كان رئيساً للجنة الأولي «السياسية» في الأمم المتحدة، كما أن له إسهامات دولية مشهودة، ولست أنسي أن «كورت فالدهايم»، رئيس جمهورية النمسا، سكرتير عام الأمم المتحدة الأسبق لفترتين متتاليتين، قد قال لي مباشرة في أحد لقاءاتنا بالعاصمة النمساوية،
إن الفضل يرجع إلي «إسماعيل فهمي» في اختياره أميناً عاماً للأمم المتحدة، ولولاه لما تحقق ذلك في حياته، وأذكر أنني التقيت أول مرة السيد «إسماعيل فهمي» في منتصف السبعينيات بالعاصمة البريطانية،
عندما ذهبت إلي الدكتوره «أسامة الباز» مدير مكتب وزير الخارجية حينذاك - أستاذ جيل من الدبلوماسيين أنتمي شخصياً إليه - وقد سعيت إليه في فندق «هيلتون» الجديد وقتها بمنطقة «هولند بارك» في مدينة الضباب، لأسلمه بعض البرقيات الشفرية الواردة للسيد «إسماعيل فهمي»
من القاهرة، ولكن الدكتور «أسامة الباز» - كعادته دائماً - قدمني مباشرة إلي وزير الخارجية «إسماعيل فهمي» في جناحه وذكرني أمامه بكلمات طيبة، وقد أمضيت بعض الوقت أعرض ما لدي وأكتب ما يمليه علي الدكتور «أسامة الباز»،
بناء علي توجيهات الوزير الذي عاملني بلطف زائد، رغم ما كان يشاع عنه من ترفع دائم وكبرياء ملحوظ، ثم كانت المرة الثانية التي ألتقي فيها ذلك الدبلوماسي المعلم، هي عندما جمعتنا مائدة العشاء لدي سفير الكويت بالقاهرة زميل دراستي «عبدالرزاق الكندري»، وكان «إسماعيل فهمي» في ذلك الوقت بعيداً عن مواقع السلطة ولكنه كان محتفظاً بشموخه المعهود وكبريائه المعتاد،
وكان حاضراً في ذلك العشاء الدبلوماسيان المرموقان الدكتوران «أحمد عصمت عبدالمجيد» و«أشرف غربال»، ثم كانت محادثتي الأخيرة مع ذلك المعلم الكبير «إسماعيل فهمي» بعد أن صدر القرار الجمهوري بتعييني سفيراً لبلادي في «فيينا» ومندوباً لدي المنظمات الدولية فيها عام ١٩٩٥، وقد قال لي عبر الهاتف إن «فيينا» ليست عاصمة عادية،
لأن فيها علاقات ثنائية وعلاقات متعددة الأطراف في ذات الوقت، فضلاً عن وجود مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية «اليونيدو»، والمقر الثالث للأمم المتحدة، ثم أضاف في رعاية أبوية واضحة بالنص: «ولكنك يا مصطفي قدها وقدود»! واعتبرت تزكية ذلك الرجل الكبير لي أوراق اعتماد أخري إلي العاصمة التي عمل فيها مرتين،
ولايزال كبار المسؤولين فيها يتذكرونه بالإجلال والاحترام، وعندما أصدر السيد «إسماعيل فهمي» كتاب مذكراته، التقطه الخبراء والمؤرخون بنهم واهتمام شديدين، لأن الرجل لم يكن ظاهرة عادية في تاريخ الخارجية المصرية ولكنه كان صاحب مدرسة لاتزال تمارس تأثيرها في العمل الدبلوماسي حتي الآن، ولاتزال ذاكرتي تحتفظ بموقف لا أنساه أبداً عندما كنت ملحقاً دبلوماسياً في إدارة غرب أوروبا بوزارة الخارجية في مبناها بالجيزة عام ١٩٦٧،
ورأيت السيد «محمود رياض»، وزير الخارجية حينذاك، يصعد علي درج الوزارة متجهاً إلي إدارة الهيئات الدولية، ليزور مديرها المستشار «إسماعيل فهمي»..
وهو وضع لا أظن أنه قد تكرر من قبل في ذلك الوقت، بحيث يتحرك الوزير بنفسه إلي مكتب أحد معاونيه بدلاً من أن يستدعيه إليه، وتلك الواقعة الصغيرة تعكس احترام الرؤساء والمرؤوسين لذلك النجم الذي هوي منذ سنوات بعد أن فضل العزلة الاختيارية علي بريق الموقع مهما علا شأنه..
رحم الله «إسماعيل فهمي» الذي نذكره بفضل عطائه لوطنه وللدبلوماسية المصرية والمحافل الدولية علي امتداد سنوات خدمته الشامخة.[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 04:42 PM   #17
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]مصطفي خليل»

بقلم د. مصطفي الفقي ١٢/ ٦/ ٢٠٠٨
كان رئيسًا للوزراء من طراز خاص، يحسبه الناس متعاليا، ولكن كبرياءه احترام للذات وترفع عن الصغائر، وهو أحد النماذج القليلة التي تألقت في عصور الرؤساء الثلاثة «عبدالناصر» و«السادات» و«مبارك»، فلقد بدأ في منتصف الخمسينيات ضمن مجموعة «التكنوقراط» المتميزين الذين التقطتهم ثورة يوليو ١٩٥٢، من أمثال «عزيز صدقي»، و«القيسوني» و«سيد مرعي» وغيرهم من الرموز الوطنية والكوادر الفنية التي التحقت بركب الثورة وأبلت بلاءً حسنًا عبر تاريخها الطويل،
ولقد تميز «مصطفي خليل»، من بين أقرانه، بالهدوء والاتزان علي نحو اكتسب به احترام كل من حوله، وتولي وزارات مختلفة باعتباره أستاذًا مرموقًا في الهندسة، وفي أواخر عصر الرئيس «عبدالناصر»، عندما سعي آخر وزير إعلام في عصره السيد «محمد حسنين هيكل» إلي إعادة تنظيم قطاع الإذاعة والتليفزيون وتشكيل مجلس أمناء لاتحاده،
لم يجد أفضل من الدكتور «مصطفي خليل» لكي يتولي رئاسة ذلك المجلس الوليد في ظروف ما بعد النكسة وما قبل التحرير، وعندما وصل الرئيس «السادات» إلي السلطة ازداد د. «مصطفي خليل» تألقًا وصعد نجمه لكي يكون رئيسًا للوزراء، وليشارك بفاعلية وجدية وخبرة في المفاوضات الشاقة مع الجانب الإسرائيلي،
ولاتزال الرسائل المتبادلة بين د. «مصطفي خليل»، و«مناحم بيجن»، رئيس الوزراء الإسرائيلي، هي بمثابة وثائق تاريخية صلبة، خصوصًا أن د. «مصطفي خليل»، قد رافق الرئيس «السادات» في رحلته الشهيرة إلي «القدس»، وأثناء إلقاء خطابه القوي في «الكنيست»، وربما كانت هذه الرؤية المبكرة من جانب د. «مصطفي خليل» وحماسه للسلام العادل مع إسرائيل أحد المطاعن التي حاول بها خصومه أن ينالوا من توجهاته السياسية،
ولكن الرجل استطاع أن يمتص كل هذه المواقف وأن يقف في النهاية شامخًا متمسكًا برؤيته الوطنية وفكره المعتدل، ولقد سعي إليه الإسرائيليون في مناسبات كثيرة، وكان هو دائمًا ذلك الوطني الصلب الذي يؤمن بالسلام العادل والشامل دون شعارات زاعقة أو عبارات رنانة، فلقد كان هدوء الرجل وثقته في نفسه إحدي الركائز التي استند إليها طوال مسيرة حياته،
ونحن لا ننسي أنه كان رئيس وزراء محترمًا للغاية وكانت له رؤي بعيدة ونظرة ثاقبة، استطاع بها أن يستشرف المستقبل، وأن يكون الوحيد من بين ساسة جيله الذي يبدو مقتنعًا بمسيرة الرئيس «السادات» السلمية، وقد ظل دائمًا ملتزمًا بما اقتنع به مدافعًا عنه في دماثة خلق ورقة،
لا نكاد نري لهما نظيرًا في أجيالنا الحالية، ولاأزال أتذكر من ذكرياتي مع هذا الراحل الكبير أنه قد جمعتنا مناسبة اجتماعية في إحدي الأمسيات، بعد تركي الموقع الذي كنت أشغله بجانب رئيس الدولة، فرأيت أن أطرح عليه بعض همومي، فإذا به يعبر عن تقديره لشخصي ويزيد علي ذلك رغبته في التوسط لتحسين موقفي عند ولي الأمر، وهو أمر لا أنساه له، خصوصًا أنني لم أعمل معه مباشرة،
رغم أنه جمع بين وزارة الخارجية ورئاسة الوزراء بعد أن عاني الرئيس «السادات» من فرار وزيرين للخارجية بسبب اختلافهما مع رؤية الرئيس الراحل السلام مع إسرائيل، وقد أتاحت لي الظروف بعد ذلك أن استضيف د. «مصطفي خليل» في صالون «إحسان عبدالقدوس» بمبني «روزاليوسف»، عندما كنت مشرفًا علي ذلك الصالون الفكري والأدبي في منتصف التسعينيات،
وكان الرجل هادئًا في حديثه، ودودًا في تعامله، أنيقًا في ملبسه، راقيا في حواره لا ينفعل ولا يخرج عن الإطار الذي رسمه لنفسه، وعندما انتخب نجله الصديق «هشام» عضوًا في البرلمان كان والده قد دخل في حالة بيات شتوي عميق، ولكن الابن استطاع أن يحصل من أبيه علي مباركته لما يفعله من خلال الحديث الصامت بالإشارة الموجزة.
رحم الله رجلاً أعطي لوطنه في شموخ، واختلف مع غيره في كبرياء، وتواصل عطاؤه في ثلاثة عهود.

حامد ربيع»

بقلم د. مصطفي الفقي ٥/ ٦/ ٢٠٠٨
لم أكن مديناً لشخص في حياتي الأكاديمية مثلما هو الأمر بالنسبة لأستاذنا الراحل الدكتور «حامد ربيع» فإليه يرجع الفضل في جدولة ذهن تلاميذه وترتيب أولوياتهم الفكرية وتنسيق عقلياتهم العلمية. وما كتبت في حياتي شيئاً أعتز به إلا وتذكرت أستاذنا الراحل الذي كان بحق هو «الدكاترة حامد ربيع»، فلقد ضرب في كل المعارف بسهم وتشكلت لديه رؤية رائعة للفلسفة الإسلامية والحضارة الغربية في وقت واحد،
فضلاً عن قدرته علي التحريض الفكري وإثارة درجة عالية من حرارة التحليل في العلوم السلوكية. وأتذكر الآن أول يوم رأيته فيه بجسده الضخم وهو يدخل علينا المدرج عائداً بعد سنوات قضاها بين إيطاليا وفرنسا يجوب الجامعات ويبحث في المخطوطات داخل «الأديرة» ويجمع بصورة فريدة بين فهمه للحضارة الإسلامية وتذوقه للحضارة الغربية وتعمقه فيهما معاً بصورة لا نكاد نجد لها نظيراً.
وما رأيت في حياتي قدرة علي التنظير مثل تلك التي تمتع بها أستاذنا الدكتور «حامد ربيع» فهو يرد الأمور إلي أصولها ويتعقب الظواهر إلي أسبابها ويملك أدوات متميزة في البحث العلمي يطبقها علي الفكر السياسي بشكل فريد، حتي إن بعض المقاطع من كتاباته في علم السياسة تقترب من الرياضيات العليا كما أنه في ظني أستاذ أساتذة علوم مناهج البحث، ولقد أعانته دراسته القانونية إلي جانب اتصاله الواسع بالثقافتين الإغريقية والرومانية ثم ارتباطه بالحضارة الإسلامية كي يصبح بحق مؤسسة فكرية تمشي علي قدمين.
ولقد أدركت للوهلة الأولي أنني أمام منجم ربما لن أعثر علي مثله في حياتي لذلك كان يبدو غريباً لي أن أحصل علي درجة الامتياز في مادة «الرأي العام» التي كان يدرسها لنا بينما كانت نسبة رسوب زملائي فيها عالية، والغريب أن ذلك الرجل المستغرق في النظريات قد استطاع أن يوظف النظرية السياسية الحديثة لخدمة طلابه وقرائه ومريديه علي نحو غير مسبوق.
وما تركت فرصة أستمع فيها إليه إلا وسعيت لها وكانت محاضراته لي ولزملائي كالمعزوفة الشيقة التي ينبهر بها الكل ويعجز أمامها الجميع فلقد كانت كلماته مزيجاً من الفكر والفلسفة، من الأدب والفن، من الثقافة والعلم، كما أنه كان صاحب رؤية شاملة تستوعب الكون والخلق والأشياء،
ولسوء حظنا أن الرئيس العراقي الأسبق «صدام حسين» قد سمع بأمره فاستقدمه إلي «بغداد» ليعمل هناك لعدة سنوات أدار فيها الحملة النفسية العراقية في سنوات الحرب مع «إيران»، ويبدو أن د. «حامد ربيع» قد عرف من أمر «صدام»
ونظامه أكثر مما يجب فتعقبته الاستخبارات العراقية إلي مصر ليقضي في «القاهرة» مسموماً بعد وجبة غذاء دعاه إليها مسئول عراقي مجهول، ويومها شعرت بفداحة الخسارة وأدركت أننا قد فقدنا كوكباً يشع بالمعرفة حيث اغتالته يد الغدر والتآمر والظلام من أولئك الذين لم يروا فيه إلا مستودعاً للمعلومات وليس أيضاً معملاً للأفكار والرؤي والمبادرات.
ومنذ فترة قصيرة ـ أثناء رئاستي للجامعة البريطانية ـ مر أمامي اسم أحد الطلاب الذي بدا لي ابناً لأستاذي الراحل وتأكدت من صدق حدسي عندما اكتشفت أن ذلك الشاب المصري هو من مواليد «بغداد» في نهاية الثمانينيات لأم عراقية فأيقنت بعد ذلك أنه ابن أستاذي الراحل الذي أدين له بالفضل أنا وأبناء جيلي جميعاً،
والغريب أن ذلك الأستاذ العظيم كان يحتفظ بعلاقات سيئة بزملائه الأساتذة كما أن سمعته بين طلابه كانت لا تخلو من كراهية وخوف، ولا عجب فهو صاحب تعبير «الصفر الملوث» وهو ما يعني ما هو دون الرسوب ذاته.
ولقد تميز الدكتور «ربيع» بالعصبية الحادة أحياناً والسخرية اللاذعة أحياناً أخري وكان يولي المرأة اهتماماً خاصاً في حياته فتعددت زيجاته وتلك علي ما يبدو سمة تصيب بعض المفكرين الذين يجدون في جمال المرأة ملاذاً من ضغوط الحياة ووطأة الفكر!!
ولقد تميز الدكتور «حامد ربيع» بأنه أصبح صاحب مدرسة متكاملة في علم السياسة من روادها علماء وأساتذة وسفراء كما أن له تلاميذ علي امتداد العالم العربي كله تأثروا به وبطرقه غير التقليدية في التفكير والتعبير.
ولقد جمعتني بأستاذي هذا مناسبات عديدة ومناقشات طويلة وعلي الرغم من أن صلته بزملائه الأساتذة لم تكن طيبة في مجملها إلا أن علاقاته ببعض تلاميذه كانت أفضل من ذلك بكثير خصوصاً أن الرجل كان يقف علي الحافة بين العلم والفكر فهو عالم ومفكر في آن واحد.
.. رحمه الله جزاء ما قدم لأمته من علم، ولطلابه من معرفة، ولعلم السياسة من تأصيل ارتفع به من مستوي الهواة إلي درجة الفرع العلمي الكامل.[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 04:43 PM   #18
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]ميشال سليمان

بقلم د. مصطفي الفقي ٢٩/ ٥/ ٢٠٠٨
تشكل وفد من البرلمان العربي برئاسة السيد «محمد جاسم الصقر»، وعضويتي كنائب لرئيس ذلك البرلمان، ومعنا بعض الزملاء فيه لزيارة لبنان في شهر مارس ٢٠٠٨، ولقاء الفرقاء السياسيين من جميع الاتجاهات، في محاولة لبذل جهد مكمل لما قام به أمين عام جامعة الدول العربية،
للتوفيق بين جميع الأطراف والتقريب بين وجهات النظر لحلحلة المشكلات، وانتخاب الرئيس التوافقي قائد الجيش «ميشال سليمان»، وقد التقينا أثناء الزيارة كل أطياف الحياة السياسية اللبنانية من «فؤاد السنيورة»، رئيس الحكومة، إلي «نبيه بري»، رئيس المجلس النيابي،
إلي «وليد جنبلاط» إلي النائب «سمير جعجع» ـ لأنه كان مسافراً إلي الولايات المتحدة الأمريكية ـ إلي «ميشيل عون»، والبطريرك الماروني «صفير»، وصولاً إلي السيد «نعيم قاسم»، نائب السيد حسن نصرالله ـ الذي كان لا يقابل أحدا لأسباب أمنية منذ اغتيال «عماد مغنية» ـ واختتمنا جولتنا التوفيقية، بعد الاستماع إلي كل الآراء ودراسة جميع المواقف،
بلقاء قائد الجيش المرشح للرئاسة حينذاك في ساعة متأخرة من المساء في مكتبه بقيادة الجيش، ورأيناه إنساناً هادئاً ومتواضعاً ومستمعاً، وتحدثنا معه طويلاً، ولاحظت أنه شخصية معتدلة للغاية، ويتحدث عن أوضاع الجنوب اللبناني والمقاومة و«حسن نصر الله» بشيء من العقلانية والواقعية، لا تبدو معتادة دائماً من مسؤول «ماروني» كبير،
وكان يتحدث عن برنامجه - لو تولي الرئاسة - بوضوح ورغبة في التوازن والعدالة السياسية بين القوي اللبنانية المتصارعة، وقد تحدث الرجل معي عن «مصر» بمودة شديدة، وعن رئيسها باعتزاز ملحوظ، وعندما قلت له إن السيد «نبيه بري»، رئيس البرلمان، قال لنا صباح هذا اليوم: إنكم عندما ذهبتم إلي «القاهرة»، واستقبلكم الرئيس «مبارك»، فإن الفرقاء اللبنانيين شعروا بالطمأنينة والارتياح،
فأجابني بأن هذا صحيح إلي حد كبير، وكان الرجل ودوداً معنا، وتطرق الحديث إلي الجارة ذات الخصوصية «سوريا»، وأشار إلي أهمية وجود علاقة صحية بين البلدين التوأم، كما ألمح إلي أهمية الندية في تلك العلاقة،
لضمان استمرارها واستقرارها، وقد لاحظت أنه يري أن يتعايش «لبنان» مع المقاومة، لأنها رصيد استراتيجي ـ إلي جانب الجيش ـ يصب في خانة مصلحة «لبنان» المستقل في قراره، والذي لاتزال أجزاء منه تحت الاحتلال، وقد تكلم الرجل عن إسرائيل، باعتبارها الخطر الداهم علي «لبنان» والمنطقة كلها،
وبدا لي «ميشال سليمان»، عروبي الهوية، لبناني الشخصية، معتدل التوجه والمزاج، أما ما يتصل بديانته وطائفته، فأنا أظن أنهما لن يؤثرا علي فهمه للمعادلة اللبنانية المعقدة، والتركيبة المذهبية المتداخلة، التي تتأثر بالقوي الشرق أوسطية الأخري،
فالدول كثيرة، أجندات متعددة في «لبنان»، تنعكس بالضرورة علي الجماعات والفرق الموجودة علي الساحة السياسية في ذلك البلد الجميل ثقافياً وسياحياً.. اجتماعياً وفنياً.. ديمقراطياً وحراً، وإذا كان اختيار «ميشال سليمان»، قد استغرق عدة شهور، فإن كبرياء الرجل قد جعله يعلن منذ فترة أن شهر أغسطس ٢٠٠٨، هو الحد الأقصي لانتظاره ذلك المنصب المرموق، فهو ليس مستعداً للهاث وراء الموقع الكبير إلي ما لا نهاية!
ثم جاءت «دبلوماسية قطر»، لاحتواء جميع الأطراف في عاصمتهم، حيث تحقق النجاح لها والحل الوقتي للأزمة اللبنانية المزمنة!. أيها السيد الرئيس الساكن في قصر الرئاسة بالعاصمة اللبنانية، لقد قلت لك يوم لقائنا مازحاً: «نحن الآن نراك بسهولة، ولكن الأمر سوف يكون صعباً بعد شهور قليلة، فالبداية دائماً بسيطة ومتواضعة ولكن السلطة أمر آخر!»..
وعندها ابتسمت في تواضع وبساطة، وكأنك تقول لي: مرحباً بكل عربي في قصر «بعبدا» عندما أصل إليه!، إن الرئيس «ميشال سليمان»، لن يكون بالضرورة «فؤاد شهاب» الجديد، ولكنه أيضاً لن يكون «إيميل لحود» آخر.



أنديرا غاندي»

بقلم د. مصطفي الفقي ٢٢/ ٥/ ٢٠٠٨
هي رئيسة وزراء الهند الراحلة، ابنة «جواهر لال نهرو»، أسقطتها المعارضة في دائرتها الانتخابية حتي استعادت موقعها بعد فترة وجيزة، وعادت إلي مقعد السلطة بأغلبية كاسحة، ثم صرعتها رصاصات غادرة من أحد حراسها من طائفة «السيخ» عام ١٩٨٤،
بعد اقتحام قوات الشرطة «المعبد الذهبي» المقدس لدي تلك الطائفة، وقد عاشت «أنديرا غاندي» مأساة موت ابنها «سانچاي»، الذي كانت تعده لخلافتها حين سقطت به طائرة داخلية ووقفت تلك المرأة القوية تحرق جثمانه، وتدفع بعمود حديدي إلي جمجمة ابنها أثناء عملية «الحرق» في مشهد مأساوي لا أنساه أبدًا،
ثم دفعت بابنها الأكبر «راچيف» ذلك الطيار المدني المتزوج من «سونيا» الإيطالية، ليكون بديلاً لشقيقه الراحل، الذي كان سياسيا مغامرًا وعنيفًا بل مخيفًا، وقد أصبح «راچيف» رئيسًا للحكومة الهندية في تلك الدولة البرلمانية الكبري، صاحبة أكبر تجربة ديمقراطية في العالم، إلي أن رحل هو الآخر ضحية حزام ناسف في عملية انتحارية استهدفته ومن معه.
ولقد رأيت، شخصيا، السيدة «أنديرا غاندي» أكثر من مرة أثناء فترة عملي في العاصمة الهندية «١٩٧٩ - ١٩٨٣»، ولست أنسي عندما وقفت تلك الشخصية القوية تقول في استهلال كلمتها في افتتاح قمة عدم الانحياز عام ١٩٨٣،
في «نيودلهي» «إنني أمثل أضعف البشر، فأنا امرأة، وأنا أنتمي إلي العالم الثالث، وأنا ابنة الهند بفقرائها قبل غيرهم»، ولكنها كانت دائمًا شامخة القامة، مرفوعة الرأس، لا تخلو تصرفاتها من كبرياء، ولا تبرأ كلماتها من نبرة استعلاء.. لقد حضرت لقاء الروائي المصري العظيم د.يوسف إدريس معها في مكتبها، حيث استقبلته رئيسة وزراء الهند في ودٍ شديد،
وظل هو بشخصيته الجذابة يلثم ذراعها ويقبل يدها وهي تبدو شديدة السعادة به! كما شاعت قصص كثيرة عن إعجابها الشديد بالمفكر العربي الكبير د.كلوفيس مقصود، الذي كان مديرًا لمكتب جامعة الدول العربية في نيودلهي.
وكانت ابنة «نهرو» ذلك الزعيم الهندي الكبير شديدة الحب والتعلق باسم عبدالناصر، وعائلته، وجاءت إلي القاهرة في ذكري الأربعين لرحيله من المطار إلي منزل الأسرة مباشرة،
وغادرت في صمت وهدوء، وعندما وجهت هي الدعوة إلي السيدة الفاضلة تحية عبدالناصر، لزيارة الهند عام ١٩٨٢، أوكل إلي السفير المصري الراحل هشام عامر، مهمة الزيارة بالكامل بحكم معرفتي ببعض أفراد أسرة الزعيم العربي الراحل،
وقد فوجئت عشية الزيارة بأن رئيسة وزراء الهند وابنها «راچيف» سيكونان في القاعة التذكارية الكبري بمطار نيودلهي - وهي أهم وأرفع من قاعة الشرف - لاستقبال أرملة القائد العظيم جمال عبدالناصر، وعندما اشتكت السيدة الفاضلة تحية كاظم، من صداع نصفي شديد عند هبوطها من الطائرة، كان راچيف غاندي، هو الذي يهرع لإحضار دواء عاجل لضيفة الهند الكبيرة، وأمه رئيسة وزراء الهند، تلاطف ضيفتها في حب وود ظاهرين..
وقد قضت أرملة الرئيس المصري الأسبق عدة أيام، توافد عليها فيها العرب والهنود بشكل غير مسبوق، وكانت بصحبتها ابنتها السيدة «مني»، وابنة شقيقتها السيدة نادية، وعندما أقمت حفل عشاء علي شرف الضيفة المصرية الكبيرة، كان الإقبال علي طلب الدعوة حتي من سفراء الدول العربية - التي كانت تقاطع مصر في ذلك الوقت - كبيرًا، وفي ختام العشاء بمنزلي،
أعلن سفير الكويت في الهند - وقد كان عميد السلك الدبلوماسي كله - عن دعوة أخري علي العشاء بمنزله علي شرف الضيفة الكبيرة، وكانت السيدة أنديرا غاندي، تتابع بكل الاهتمام والرعاية مراحل الزيارة حتي نهايتها.. وذات يوم جاء إلي الهند أستاذي د. بطرس غالي، وزير الدولة للشؤون الخارجية، حاملاً رسالة من الرئيس الراحل أنور السادات، إلي السيدة أنديرا غاندي،
وعندما استقبلت رئيسة وزراء الهند، الوزير المصري رحبت به وسألته عن أولاد وبنات الرئيس عبدالناصر، ولم تفتح رسالة الرئيس السادات، كما تقضي الأعراف، فقد كانت الكيمياء معطلة بينها وبين السادات، رغم أنه كان رجل دولة من طراز رفيع،
وقد استدعي مدير مكتبها ذات مرة سفيرنا اللامع د. نبيل العربي، الفقيه القانوني، القاضي في محكمة العدل الدولية بعد ذلك بسنوات، لكي يبلغه باستعداد السيدة أنديرا غاندي، لزيارة القاهرة ولقاء الرئيس السادات، شريطة حصولها علي الدكتوراه الفخرية من جامعة الأزهر، ولم يكن ذلك ممكنًا لأسباب معروفة،
وقد كان هدفها من ذلك هو كسب أصوات المسلمين الهنود قبل انتخابات برلمانية كانت علي الأبواب، وهذا يعكس أمامنا قيمة الأزهر الشريف في العالم الإسلامي.. وغير الإسلامي، ويا ليت قومي يعلمون!.
هذه هي أنديرا غاندي التي حكمت مليار نسمة بقوة الشخصية، وسلامة القرار، ووضوح الهدف، والقدرة علي اتخاذ الموقف الصحيح في الوقت المناسب.[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 04:45 PM   #19
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]ياسرعرفات»


بقلم د.مصطفى الفقى ١٥/ ٥/ ٢٠٠٨
كان مصري الهوي بحكم ارتباط عائلته بالقاهرة ودراسته في جامعتها قبل أن يعمل مهندساً في «الكويت»، حتي أطلق أول رصاصة لحركة «فتح» التي أسسها مع رفاقه عام ١٩٦٥، ولقد كانت المرة الأولي التي اقتربت فيها من ذلك الزعيم الفلسطيني - الأكثر شهرة وأهمية منذ النكبة عام ١٩٤٨ حتي الآن - في المبني القديم لنقابة الصحفيين المصريين، وفي الاحتفال بذكري الأربعين لرحيل القائد العربي الزعيم «جمال عبدالناصر».
يومها استمعت إلي «ياسر عرفات» يتحدث عن الخسارة الفادحة لرحيل ذلك البطل العظيم، ورأيته يراجع المترجم الذي كان ينقل حديثه إلي الإنجليزية بشكل فوري، فإذا بـ«عرفات» يصحح له عبارة «إن فقدان عبدالناصر خسارة قومية» ليجعلها «إن فقدان عبدالناصر خسارة مصرية» ولم يعجبني ذلك وشعرت بشيء من الضيق، لأن تضحيات مصر بقيادة «عبدالناصر» من أجل القضية الفلسطينية كانت دوراً مصرياً وواجباً قومياً في ذات الوقت،
بل إن «عبدالناصر» ذاته فقد حياته بعد مؤتمر في «القاهرة» للمصالحة الأردنية - الفلسطينية بعد أحداث «جرش» في سبتمبر (أيلول الأسود) عام ١٩٧٠، ولقد هاجم راديو فلسطين «عبدالناصر»، في شهوره الأخيرة وكانت هناك حالة من المزايدة الفلسطينية علي الزعامة التاريخية له، ولقد اقتربت من السيد «ياسر عرفات» بعد ذلك كثيراً بحكم موقع عملي في المؤسسة الرئاسية الأولي وزيارات «عرفات» المتكررة لـ«القاهرة»،
خصوصاً بعد انتهاء سنوات القطيعة العربية لمصر التي بدأت عند توقيع «اتفاقية السلام» مع إسرائيل في ٢٦ مارس (آذار) ١٩٧٩، ونحن لا ننسي أن «عرفات» كان موجوداً في «مجلس الشعب» يجلس في الصف الأول عندما أعلن الرئيس الراحل «أنور السادات» مبادرته التاريخية، مؤكداً استعداده للذهاب إلي آخر مكان في العالم من أجل التسوية السلمية،
مُشيراً بذلك إلي استعداده لزيارة إسرائيل والتحدث أمام «الكنيست»، ولكنها كانت دائماً مشكلة «عرفات» التاريخية تلك الازدواجية الواضحة في مواقفه المختلفة فقد كان الرجل شديد المرونة في أعماقه ولكنه واضح التشدد في ظاهره. ولا شك أنه قد قدم للقضية الفلسطينية خدمات جليلة وكان هو القائد الفلسطيني الذي حظي بأكبر إجماع شعبي في تاريخ القضية منذ بدايتها، إنه الزعيم الذي تحدث أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة،
واقتحم معظم الأبواب المغلقة واستطاع أن يجعل الصين والهند ومعظم الدول الأوروبية والأفريقية واللاتينية تقف إلي جانبه، وهو أيضاً الزعيم الفلسطيني الذي كان يستقبله الرئيس الأمريكي «كلينتون» - بعد اتفاق «أوسلو» - علي البساط الأحمر في البيت الأبيض الأمريكي. لذلك كانت المعادلة الصعبة دائماً في حياة ذلك القائد الفلسطيني الاستثنائي أنه كان يريد أن يكون مثل «أنور السادات» أمام المجتمع الدولي، وأن يكون مثل «جيفارا» اللاتيني أو «هوشي منه» الفيتنامي أمام شعبه!
وتلك معادلة صعبة قد تتحقق لفترة قصيرة ولكنها لا تستمر كل الوقت، إذ يمكن أن يكون قائد حركة التحرير الوطني هو النموذجين معاً ولكن في مرحلتين مختلفتين، بينما يبدو مستحيلاً أن تنجح اللعبة بحيث يصبح القائد الواحد النقيضين معاً في ذات الوقت، وتلك كانت دائماً مأساة «عرفات».
إنه «عرفات» الذي استمد من الشخصية المصرية جزءاً كبيراً من الذكاء الاجتماعي والقدرة علي تجميل المواقف، إنه ذلك القائد الذي كان مغرماً بالزي العسكري ويتحدث عن نفسه أمام العسكريين أنفسهم باعتباره جنرالاً!، ولست أنسي لقائي في إحدي الأمسيات مع «تيري لارسن» مبعوث الأمم المتحدة في المنطقة وكيف كان يقلد «عرفات» بإنجليزيته الركيكة، وبشكل فيه حبكة واضحة وقدرة فائقة علي سبر أغوار ذلك القائد الفلسطيني الكبير.
وأتذكر الآن أنه عندما كان السيد «ياسر عرفات» يمر بمطار «القاهرة» أوفدتني المؤسسة السيادية التي كنت أعمل بها لكي أكون في استقباله وتوديعه خلال الساعة التي سوف يقضيها في المطار، وقد لاحظت للوهلة الأولي بعد أن استقبلني بحفاوة وقبلني بعنف كعادته أنه غير مستريح في أعماقه لأنه كان ينتظر وزيراً أو دكتور «أسامة الباز» مستشار الرئيس، فقد كانت المظاهر تعنيه كثيراً ولا شك أن من أكبر سقطاته السياسية اتخاذه موقفاً منحازاً لـ«العراق» في غزوه «الكويت»، حتي دفع الفلسطينيون ثمناً غالياً لذلك فيما بعد، وظلت لعنة ذلك الموقف تطاردهم لسنوات.
إنه السيد «ياسر عرفات» الزعيم الفلسطيني الذي قضي إلي رحاب ربه مسموماً في نهاية غامضة، ولطالما تطلعت إليه في زياراته للعاصمة النمساوية وأنا ألتقيه مع السفراء العرب حيث كان يخصني بحفاوة خاصة نتيجة طبيعة عملي السابق، وقد كنت أظن دائماً أنه زعيم بـ«سبعة أرواح»، فقد خرج من بيروت تحت الحصار واستهدفته إسرائيل عشرات المرات وسقطت به الطائرة في صحراء «ليبيا» ولكن الله أراد له تلك النهاية التي مر فيها جثمانه بالعاصمة المصرية التي أحبها منذ طفولته وارتبط بها في شبابه واعتمد عليها في قيادته.


«يوسف القرضاوي»



بقلم د. مصطفي الفقي ٨/ ٥/ ٢٠٠٨
لعله من اللافت للنظر أن معظم الرموز الدينية الإسلامية الكبيرة من أمثال الشيوخ «الشعراوي» و«الغزالي» و«سيد سابق» و«القرضاوي» قد ذاع صيتها وانتشر اسمها وهم خارج الوظائف الرسمية، ولا يشغلون مناصب بارزة في المؤسسة الدينية الوطنية،
والشيخ «القرضاوي» ـ وهو رئيس «الهيئة العالمية لعلماء المسلمين» ـ الذي يعيش في قطر في العقود الأخيرة يمثل علامة بارزة في ميدان الدعوة الإسلامية علي المستوي الدولي، ولقد لمست شخصياً حفاوة الدولة القطرية بالشيخ الأزهري المصري وتقديرهم لمكانته واحترامهم لشخصيته في عهد الأميرين الأب والابن.
ولقد اقتربت من الشيخ الجليل ـ الذي كان واحداً من أقطاب جماعة «الإخوان المسلمين» منذ سنوات طويلة ـ حيث كانت مناسبة الاقتراب هي أنني تلقيت دعوة كريمة من رئيس نادي «الجسرة» في «قطر» لافتتاح موسمه الثقافي عام ١٩٨٩ وقد حظيت أثناء تلك الزيارة بلقاء مطول مع أمير قطر الحالي الذي كان ولياً للعهد
وقد تم اللقاء في حضور وزير الإعلام القطري آنذاك والسفير المصري في «الدوحة» ثم استقبلت في مساء ذات اليوم بمقر إقامتي بالفندق فضيلة الشيخ «يوسف القرضاوي» الذي سعدت بلقائه لعدة ساعات سمعت فيها منه ما أثلج صدري عن سماحة الإسلام وبساطة الشيخ وابتعاده عن التزمت وتفهمه الكامل لروح العصر،
حتي إنني عرفت من فضيلته أن كريماته كن يدرسن في الغرب حينذاك طلباً لدرجات علمية عليا في مجالات البحث العلمي المتقدم وهن يعشن حياة الغرب مع الالتزام بالتقاليد الإسلامية وتعاليم الدين الحنيف، وقد شكا لي الشيخ يومها من أسلوب تعامل الأمن المصري معه واستهداف وزير الداخلية الراحل اللواء «زكي بدر» شخص الشيخ،
ومعاملته بأسلوب غير مريح في زياراته لوطنه الأم مصر ووعدت فضيلته يومها بأن أنقل وجهة نظره إلي ولاة الأمور في مصر وقد فعلت، ولاحظت أن الرجل يحظي لدي المسؤولين في القاهرة بدرجة من التوقير لا تقل عن تلك التي ينالها في وطنه الثاني «قطر». وقد أهداني الشيخ في تلك الأمسية مؤلفاته، وظللنا نمطره ـ أنا وزوجتي ـ بعشرات الأسئلة في المسائل الفقهية والدعوية لاستجلاء الحقائق والاستنارة برأي ذلك الشيخ المرموق،
وكان ذلك في وقت لم تحتدم فيه المواجهة بين الإسلام وخصومه. كما ناقشنا دور «إيران» التي كانت خارجة لتوها من حرب طويلة مع «عراق» «صدام حسين» واتفقنا يومها علي أن «إيران» يجب أن تكون إضافة إيجابية وليست خصماً سلبياً للعالمين العربي والإسلامي.
ثم ظللت لسنوات طويلة أتابع مسيرة الشيخ من خلال قناة «الجزيرة» وغيرها وأتعقب خطواته الرصينة، ومنها زيارته الشهيرة للمملكة المتحدة والموقف الواعي لعمدة لندن السابق تجاه شيخنا الوقور، إلي أن تلقيت دعوة مع بدايات عام ٢٠٠٨ لحضور حفل زفاف ابنة إحدي العائلات الصديقة
وفوجئت أن والد العريس هو الشيخ «القرضاوي» فسعيت إلي المناسبة وهدفي أن أري الشيخ الذي اشتقت للحوار معه ووجدته في يوم عرس ابنه كما هو دائماً واضح الفكر معتدل الرؤية لا يعرف التزمت إطلاقاً ويحمل من الإسلام سماحته وبساطته، حتي إنه حضر الجانب الترفيهي من الاحتفال بعرس ابنه بعد أن انصرف أقرانه الضيوف من الائمة والعلماء،
كما تابع الشيخ فقرات الحفل الراقي واستمع إلي الموسيقي الهادئة بغير صخب أو ضجيج.
وقد لفت نظري عند استقباله لي حدة ذاكرته في هذه المرحلة من العمر لأنه تذكر لقاءنا في «الدوحة» كاملاً وأشار إلي بعض ما جاء فيه، وبدا لي في تلك الأمسية شاباً يزحف نحو الثمانين ورأيت فيه البقية الباقية من تلك الكوكبة النادرة من كبار علماء المسلمين في عصرنا،
ولقد لاحظت دائماً اعتزازه بأزهريته وارتباطه بالعلماء الكبار الذين درس علي أيديهم أو زاملهم في مشوار حياته الثرية بالعلم والمعرفة، بالتقي والورع، بالاعتزاز بالنفس وسمو المكانة وسوف أظل متأثراً بسماحة الشيخ واتساع أفقه.
ولقد قرأت في الصحف مؤخراً أنه قد استقبل وفداً من الحاخامات اليهود الذين يرفضون الفكر الصهيوني ولا يقبلون سياسات إسرائيل بل يعلقون علي صدورهم شارات تقول «نحن يهود ولكننا لسنا صهاينة»،
وقد دافع الشيخ عن تصرفه المتحضر مؤكداً أن خلافنا لم ولن يكون مع اليهودية كديانة ولا مع اليهود كأتباع لها، وفي ظني أن نموذج هذا الشيخ يحتاج إلي تعزيز وتدعيم دائمين، فهو يري من دينه الحنيف وجهه الصحيح ولا ينصاع لفكر متطرف أو عقل متجمد أو فكر متزمت ولا يعرف الغلو أو التعصب في العلاقة بين أصحاب الديانات بل بين الفرق الإسلامية ذاتها داخل الدين الواحد.
.. إنه الشيخ «يوسف القرضاوي» ابن «الدلتا المصرية» الذي تشع أنوار علمه من فوق ضفاف الخليج ليرفع كلمة الله الصحيحة في كل زمان وينشر أنواره المضيئة في كل مكان.


«[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 04:48 PM   #20
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]

عمرو موسي

بقلم د.مصطفى الفقى ٢٤/ ٤/ ٢٠٠٨
إنه شخصية استثنائية بكل المعايير، فهو يملك «كاريزما» شخصية وضعته في موقع رفيع في تاريخ الدبلوماسية العربية، ولكنها أيضاً كانت محسوبة عليه، عندما غني له «شعبان عبدالرحيم» ودعا له الخطباء من فوق منابر المساجد، عندما ألمت به وعكة صحية خفيفة، فكما أن ذكاء المرء محسوب عليه فإن تألق المسؤول يكون خصماً منه. وفي تاريخنا العربي الحديث تعلمنا دائماً أنه ويل لمن تطول قامته أكثر من اللازم!،
وعندما تخرج السيد «عمرو موسي» في كلية «الحقوق» والتحق بوزارة الخارجية المصرية في بداية النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي.. تحدث عنه المحيطون به في تلك السن المبكرة، باعتباره وزير الخارجية القادم، فهو متحدث متميز وصاحب رد فعل سريع وقدرة ملحوظة علي اتخاذ القرار، إلي جانب شعور ملموس بالذات لا نعتبره غروراً، ولكن نراه انعكاساً لحساسيته وكرامته الشخصية بعد كرامة أمته ووطنه، اللذين يضعهما علي قمة أولوياته في حياته الدبلوماسية والسياسية،
ولا شك أن تربيته علي يد جده لأمه ـ فقد فقدَ والده صغيراً ـ قد تركت أثراً كبيراً في تكوينه الشخصي وتربيته الأولي، إذ إن جد والدته هو «عثمان الهرميل»، عضو مجلس شوري القوانين عن مديرية الغربية في القرن التاسع عشر، وينبغي أن أسجل هنا نقطة جديرة بالاهتمام، فالكثيرون يتصورون أن «عمرو موسي» يعتمد فقط علي شخصيته القوية وتأثيره الواضح فيمن حوله،
وأنا أري في ذلك ظلماً شديداًً للرجل.. فهو في ظني يملك مقومات فكرية ووظيفية لا يمكن الإقلال من قيمتهما.. ولعلي أتذكر الآن أول احتكاك مباشر لي بالسيد «عمرو موسي»، عندما أوفدنا «د. بطرس بطرس غالي» ـ «د. محمود مرتضي»
وأنا ـ كمستشار وسكرتير أول يعملان تحت إشراف وزير الدولة للشؤون الخارجية لإصدار مجموعة من «الكتب البيضاء» حول القضايا والاتفاقيات والسياسات المهمة المتصلة بتاريخ الخارجية المصرية، وكان الهدف من ذلك هو حفظ ذاكرة الأمة وتجميع وثائق الخارجية في أرشيف متكامل ودائم، وفي ذلك الوقت من منتصف السبعينيات، ذهبنا إلي المستشار «عمرو موسي»، مدير إدارة الهيئات الدولية في مكتبه، وجلسنا ـ «د. مرتضي» وأنا ـ نستمع إليه في انبهار وهو يشرح لنا باستفاضة تفاصيل قرارات مجلس الأمن، ويتحدث عن الوثائق بترتيب منتظم، وقد أطلَّت من عينيه أشعة الذكاء الحاد وبريق الشخصية القوية،
وعندما برحنا مكتبه ـ زميلي وأنا ـ نظر كل منا إلي الآخر وقال: إن هذا هو وزير الخارجية القادم يوماً ما لا محالة.. وعندما عملت في العاصمة الهندية أربع سنوات، جاءني السيد «عمرو موسي» علي رأس وفد خبراء الخارجية المصرية، استعداداً لقمة «عدم الانحياز»، فتوطدت علاقتي به أكثر، وارتبط هو «بالهند» منذ تلك الأيام لكي يعود إليها سفيراً، بعد أن انتهت خدمتي مستشاراً فيها، فلم يقدر لي أن أعمل معه في «نيودلهي»، حيث كان سفيري الذي سعدت بالعمل معه هو القاضي الدولي الدكتور «نبيل العربي»،
ولقد ارتبطت علي امتداد الخمسة والعشرين عاماً الماضية بشخصية «عمرو موسي»، وأصبحت صديقاً قريباً منه.. أستقبله في المطار وهو عائد من «الهند»، وأودعه عند كل ذهاب إليها، إعجاباً به وحباً له وتحوطاً لمستقبل سوف يكون هو فيه وزيراً للخارجية!، وقد حدث ذلك بالفعل، فكان واحداً من ألمع وزراء الخارجية في التاريخ العربي الحديث، ولعل الكثيرين لا يعلمون أنه من ذلك النوع الذي أهَّل نفسه بالمقومات المطلوبة لعمله، فهو نموذج رائع لدبلوماسية المؤتمرات ودبلوماسية التفاوض معاً في وقت واحد، فقد عمل في إطار العلاقات متعددة الأطراف بالأمم المتحدة والدبلوماسية الثنائية في «الهند وسويسرا» وغيرهما،
ولعل أهم ما يميزه هو أنه يقرأ الموضوع المطروح عليه ويرتب أفكاره قبل أي لقاء دبلوماسي كبير، ويمتلك ناصية التأثير في الآخرين من خلال شخصية مرحة في غير أوقات العمل شديدة الجدية أثناءه، ولقد رافقته كثيراً في جولاته بالطائرة الصغيرة عندما كان وزيراً للخارجية، حيث كنت مساعداً له للشؤون العربية، فقد كان يتحفنا بسندوتشات «الفول» و«الطعمية» كوجبة رئيسية أثناء الرحلات، ثم يؤدي الصلاة في مواعيدها، جالساً بمقعده في الطائرة، وقد نلعب «الشطرنج» أو «الطاولة» إذا ما كان هناك بعض الوقت لذلك، وهو متحدث لطيف المعشر، ورغم كبريائه الشخصي فإنه قريب من البسطاء والعامة..
ومن النوادر التي لا أنساها أننا عندما دخلنا مكتب الرئيس الراحل «حافظ الأسد» في «دمشق»، بادره السيد «عمرو موسي» قائلاً: (إن «مصطفي الفقي» يعاني من زكام طارئ)، فكان من الطبيعي أن يصافحني الرئيس الراحل مبتعداً قليلاً عني وقلقاً مني طوال الجلسة، خصوصاً أن الرئيس الراحل كان في ذلك الوقت قد بدأ العد التنازلي لصحته المتدهورة.. وللسيد «عمرو موسي» قفشات ونوادر يعرفها أصدقاؤه المقربون.. وأذكر أنني كنت أقود سيارتي وهو معي في العاصمة الهندية أثناء قمة «عدم الانحياز»، فكان يتعرف علي الشوارع من خلال علامات غريبة، منها ضريح نادر علي أحد الأرصفة في بلد تُحرق فيه جثث الموتي!.
إنه «عمرو موسي» الذي يحترمه خصومه، وتنظر إليه الدول ذات السياسات المختلفة معه أحياناً - ومنها «الولايات المتحدة الأمريكية» - بكثير من التقدير والإكبار، ورغم اعتزازه الشديد بكرامته وكبرياء وطنه، فإنه يبدو ضاحكاً مرحاً قريباً من القلوب في المناسبات الاجتماعية المختلفة.. إنه «عمرو موسي» الذي تعتز به أمته وتعتمد عليه كواجهة مشرقة للعمل العربي المشترك في هذا الزمن الرديء.




وجيه أباظة»



بقلم د.مصطفى الفقى ١/ ٥/ ٢٠٠٨
عرفته وأنا طالب صغير في مدرسة «دمنهور» الثانوية في نهاية الخمسينيات ومطلع الستينيات من القرن الماضي حيث كان هو محافظ الإقليم المتميز بين أقرانه والذي يرجع إليه الفضل في تخطيط مدينة «دمنهور» بل محافظة «البحيرة» بوضعها الحالي، فهو الذي أنشأ مصنع السجاد الشهير وبني الإستاد الكبير ومبني ديوان عام المحافظة وقدم خدمات جليلة لذلك الإقليم الزراعي المترامي الأطراف.
بل إن المركز الطبي المتمثل في المستشفي المركزي العام بـ«دمنهور» كان مزاراً للوفود الأجنبية أثناء وجوده محافظاً لـ«البحيرة»، وكنت أنا ذلك الطالب الصغير والأول علي الشهادة الإعدادية في منطقة «البحيرة» التعليمية ورئيس اتحاد طلاب المدرسة الثانوية فأحاطني ذلك الرجل الكبير برعايته واهتمامه وجعلني قريباً من أبنائه، خصوصاً أن ابنه «حسين» ـ عضو مجلس الشوري حالياً ـ كان زميلي في المدرسة وعند بداية تعارفنا حسبني مدرساً فيها بعدما ألقيت خطاباً في جموع الطلاب يوم الانفصال وقلت فيه «هيهات أن يحصد الانفصاليون ما يريدونه من جريمتهم ضد الأمة والوطن» لذلك فإن «حسين وجيه أباظة» كلما التقينا بادرني قائلاً «هيهات».
ولقد تمتع «وجيه أباظة» في «البحيرة» بشعبية كاسحة وعندما ذهب إلي أحد مراكز الإقليم لأداء واجب العزاء، بعد أن ترك المحافظة بسنوات طويلة، حاولت جموع الناس الغفيرة أن تحمل سيارته من فوق الأرض اعتزازاً به وتكريماً له. ومازالت المدرسة التي تحمل اسمه موضع اهتمامي ورعايتي باعتباري نائباً في مجلس الشعب عن بندر «دمنهور».
إنه «وجيه أباظة» ذلك الطيار الذي لعب دوراً مرموقاً في السنوات الأولي للثورة في مجال النشر لها والإعلام عنها والترويج لسياساتها وكان دائماً أحد النجوم الساطعة في سماء الوطن، فقد كان حسن المظهر بهي الطلعة موضع احترام الجميع وكانت علاقته بالرئيس الراحل «جمال عبدالناصر» طيبة من البداية إلي النهاية وكان قريباً من جناح الطيران بين رجال الثورة ومنهم «البغدادي» و«علي صبري»، وهو يعتبر أيضاً من قيادات الطيران التي أحبها الرئيس «مبارك» واعتز بها،
ومازلت أتذكر أنه طلب موعداً عاجلاً مع الرئيس في أحد أيام الصيف في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي فدعاه الرئيس فوراً إلي المركز الرياضي في أثناء استراحة الظهيرة حيث كان الرئيس يختلس ساعة - أو بعض ساعة - يمارس فيها هوايته في لعب «الاسكواش» وجاء «وجيه أباظة» إلي الرئيس الذي اندهش عندما رأي الراحل «وجيه أباظة» يعانقني قائلاً «إنه ابني الذي تربي علي يدي»..
وقد كان السيد «وجيه أباظة» محل رعاية الرئيس «مبارك» حتي آخر أيامه بحكم رفقة السلاح واقتراب التاريخ المشترك، إنه «وجيه أباظة» الذي أنشأ فرقة "الفنون الشعبية" «بالبحيرة» وكانت ذائعة الشهرة وقتها كما أنه هو الذي أقام بحيرة «البط البكيني» كأحد مظاهر التقدم في ذلك الإقليم المظلوم تاريخياً في الخدمات عموماً، وعندما جري التحفظ عليه فيما سمي «مؤامرة مراكز القوي» في بدايات عهد الرئيس الراحل «أنور السادات» ظل الرجل شامخاً صلباً بعد أن كان محافظاً لـ«البحيرة» و«الغربية» و«القاهرة»،
ومن يومها انخرط الرجل في العمل التجاري الحر وأبلي فيه بلاء كبيراً بحكم عقليته المتميزة وشخصيته الجذابة فحصل علي توكيل سيارات «بيچو» التي مازالت تحمل اسمه إلي يومنا هذا ولا عجب فهو ينتمي إلي عائلة مرموقة للغاية توزعت شخصياتها بين الأحزاب السياسية عبر تاريخ مصر الحديث ولمعت فيها أسماء مثل «إبراهيم الدسوقي أباظة» و«فكري أباظة» و«أحمد أباظة» و«ماهر أباظة» وغيرهم من العلامات المضيئة في تاريخ السياسة المصرية، ويكفي أن منها أيضاً ذلك الشاعر الفحل «عزيز باشا أباظة» الذي كان محافظاً لـ«البحيرة» أيضاً و«ثروت أباظة» الكاتب الراحل الذي كان معروفاً برقة الشعور وطيبة القلب.
إن «وجيه أباظة» سوف يبقي في ضمير أمتنا قمراً ساطعاً ونجماً لامعاً لا ينساه من عرفوه، ويكفي أن أقول إنه لا يغيب أبداً عن ذاكرة أبناء «البحيرة» باعتبارها المحافظة التي قضي فيها أطول مدة من العمل المخلص الجاد فارتبطت باسمه واقترنت صورتها الحديثة بإنجازاته الضخمة، وعندما رحل عن عالمنا منذ سنوات بكته مصر إنساناً عزيزاً وابناً باراً يحمل أبناؤه شعلته المضيئة بكل الالتزام والولاء لاسمه الكبير.
ولا شك أن تلك العائلة العريقة القادمة من إقليم «أبخازيا» - من أعمال «الاتحاد السوفيتي السابق» - قد قدمت لمصر نماذج متفوقة لعل آخرها الصديق الدكتور «محمود أباظة» رئيس «حزب الوفد» حالياً وشقيقه الأصغر الصديق «أمين أباظة» وزير الزراعة الحالي.
ولن أختتم مقالي هذا إلا بطرفة واحدة عندما التقي المحافظ «وجيه أباظة» باتحاد طلاب المدارس الثانوية في محافظة «البحيرة» فشكا له أحد الطلاب من سطوة بوليس الآداب في تعقب طلاب مدرسة «دمنهور» الثانوية للبنين عندما يتجهون إلي معاكسة الفتيات عند انصراف طالبات مدرسة «دمنهور» الثانوية للبنات، فرد عليه المحافظ الراحل: «سوف أطلب منهم إقلال سطوتهم لو بدأت أنت في إقلال سطوتك في تعقب الفتيات الصغيرات» وضج الجميع بالضحك.
إنه ذلك الرجل الذي كان له من اسمه نصيب كبير وارتبطت به قلوب الناس لأنه دخلها بغير استئذان وبقي فيها إلي الآن. [/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 04:50 PM   #21
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]العقيد معمر القذافي»

بقلم د.مصطفى الفقي ١٧/ ٤/ ٢٠٠٨
لا أظن أن هناك شخصية ملأت الدنيا وشغلت الناس علي الساحتين العربية والدولية مثلما هو الأمر بالنسبة للقائد الليبي «معمر القذافي»، وهو الذي يقترب من أربعين عاماً علي مسرح الحياة السياسية، وهي سنوات حافلة بالمعارك والتحديات، بالخلاف والمواجهات، وقد ظل الرجل دائماً شخصية تثير الجدل، وتحرض علي التفكير وتدعو إلي التأمل،
ولابد أن أعترف أن ذلك القائد شديد الغرام بمصر، وربما كانت تلك إحدي مشكلاته القومية فهو ينظر إليها باعتبارها محبوبته، لذلك فقد كان قاسياً عليها بالنقد وال في فترات من حياته، لأن الحبيب يتوقع أحياناً من حبيبته أكثر مما تستطيع، وينتظر منها أحياناً ما هو مستحيل، ولقد التقيت بالقائد الليبي عدة مرات،
لعل أهمها تلك المرة التي ذهبت فيها بصحبة وفد كان من بين أعضائه السيد «محمد عبد السلام المحجوب»، الوزير الحالي، الذي كان نائباً لرئيس المخابرات العامة أثناء تلك الزيارة، وبعد اللقاء، الذي تم مع العقيد «معمر القذافي» نادي القائد الليبي علي المصورين قائلاً: إنني أريد أن يأخذ «مصطفي الفقي» صورة معي، حتي يحصل علي «ختم الإرهاب» مثل غيره، قال ذلك في سخرية واضحة فقد كانت «ليبيا» متهمة في ذلك الوقت من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، بأنها تقف وراء العمليات الإرهابية في مختلف مناطق العالم،
وقد كان الرجل ودوداً، ونحن نجلس معه في خيمته البدوية عميقاً في تحليلاته وآرائه، كما أن جلساته لا تخلو من المرح أيضاً، فلقد شهدت مرة أخري لقاءه بالدكتور «بطرس بطرس غالي»، أثناء حملة الأخير للفوز بمنصب الأمين العام للأمم المتحدة، وقد انشغل القائد الليبي يومها بمداعبة د. غالي، وأمر بتدبير «جوالين» أحدهما بطاطس والآخر مكرونة، ليأخذهما د. «بطرس غالي» معه إلي «القاهرة»، حتي لا تحرمه السيدة «ليا» زوجته من طعام يحبه!
وأشهد أن حفاوة القائد الليبي بالسياسي المصري القبطي كانت زائدة، وتعبر عن شعور عميق بالمودة والاحترام، حتي إن الأمر كان مفاجأة للدكتور «بطرس غالي» ذاته، وعندما عملت سفيراً لبلادي في «فيينا»، ومندوباً دائماً لدي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تصادف وجود السيد «سيف الإسلام معمر القذافي» للدراسة في العاصمة النمساوية، وتعددت لقاءاتي به من خلال السفير الليبي حينذاك د. سعيد عبد العاطي، وكان الأستاذ «سيف الإسلام» مغرماً بأن أحكي له كثيراً عن الزعيم الراحل «جمال عبدالناصر»، وعن دولة «الهند»، التي عملت فيها أربع سنوات من قبل، وكان «سيف الإسلام» يحتفظ «بنمرين» كبيرين يمتلكهما، وكانا يعيشان في قفص خاص بحديقة حيوان «فيينا»،
وأشهد أن الشاب الليبي كان واسع الأفق متطلعاً إلي المعرفة نهماً في متابعة ما يدور حول العالم، ولقد ناداني القائد «القذافي» في مؤتمر القمة الأفريقية ـ الأوروبية، بعد عودتي إلي القاهرة، وانتهاء عملي سفيراً في النمسا، وقال لي العقيد «القذافي» علي مسمع من الجميع: إن «سيف الإسلام» يتحدث عنك ويذكرك بكل خير،
وأذكر للعقيد أيضاً أنه حضر حفل زفاف ابن د. علي الدين هلال، الذي كان عميداً لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية وقتها، حيث كان لنا في نفس اليوم لقاء أصبح من تقاليد القائد الليبي كلما جاء إلي «القاهرة»، حيث يدعو إلي اجتماع مع مجموعة من المفكرين والمثقفين، يتبادل معهم الرأي، ويسمعون منه ويستمع إليهم،
وعندما علم أن زفاف ابن عميد كلية الاقتصاد، سيكون في المساء حضر بنفسه حفل زفاف بهاء علي الدين هلال، حيث جلس القائد الليبي في صدر القاعة، وكنت قد استبعدت من عملي في الرئاسة قبلها بشهور قليلة، ولكن الرجل استقبلني ليلتها ببشاشة ومودة، تركتا أثراً طيباً في نفسي، وفي أثناء الانتخابات البرلمانية الأخيرة عام ٢٠٠٥، اتصل بي الصديق أحمد قذاف الدم، الممثل الشخصي للقائد الليبي في مصر وغيرها، مبدياً دعمه وعارضاً استعداده لأي مساعدة، فشكرته كثيراً واعتبرت ذلك مجاملة زائدة من الجانب الليبي، لمرشح ينتمي إلي إحدي المحافظات القريبة إلي قلب القائد الليبي، حيث يمثل مركز «الدلنجات» ـ الذي ولد فيه أبي ـ خصوصية قريبة إلي قلب الليبيين، لأن فيه امتدادات للقبائل العربية المشتركة بين غرب مصر وشرق ليبيا.
وقد يختلف الناس في شأن القائد الليبي، ولكنني أعترف بأنه قد عبر في مرحلة معينة عن هموم الشارع العربي ومعاناة الإنسان العادي، وهواجس المسحوقين علي الساحة، وعندما استدار نحو أفريقيا، وأعطي ظهره للعالم العربي، ظلت لديه الروابط التي تشده نحو أمته، تدفعه بين الحين والآخر إلي الانغماس في العمل العربي المشترك والحنين إلي حلم الوحدة، الذي يرافقه عبر السنين.
إنه القائد الذي تجاوز الخطوط الحمراء في السياسة الدولية والإقليمية، وخرج عن المألوف في أفكاره وتصرفاته، ولم يكن حاكماً تقليدياً بكل المعايير.


أحمد عصمت عبدالمجيد»

بقلم د. مصطفي الفقي ١٠/ ٤/ ٢٠٠٨
جلست بجوار السفير الراحل د. «أشرف غربال» ـ وهو من رموز الدبلوماسية المصرية البارزة ـ في مأدبة عشاء بمنزل السفير الكويتي بالقاهرة، زميل دراستي في الجامعة الأستاذ «عبدالرزاق الكندري»، وكان ذلك في إحدي أمسيات الصيف في أواخر الثمانينيات،
وكان يتصدر حفل العشاء شخصيات مرموقة في تاريخ الدبلوماسية المصرية، في مقدمتهم الوزير الراحل «إسماعيل فهمي»، ود. «أحمد عصمت عبد المجيد» ـ أطال الله في عمره ـ وهمست في أذن د. «أشرف غربال» متسائلاً: أيكما أقدم في السلك الدبلوماسي.. أنت أم د. «عصمت عبدالمجيد»؟
فأجابني بروحه الساخرة أن د. «عصمت» يسبقني مباشرة في «دفتر الأقدمية» الدبلوماسية ولكنه أوفرنا جميعاً حظاً علي الإطلاق، فإلي جانب كفاءته المعروفة فإن خدمته دائماً متميزة حتي عندما كنا في البعثة الدائمة لمصر في «جنيف» كان السفير «عبدالفتاح حسن» يسافر كثيراً إلي «القاهرة»
ويتولي د. «عصمت» مهام القائم بالأعمال بما في ذلك من عائد مادي، ثم يضيف ـ رحمه الله ـ أن د. «فوزي» اختاره وزيراً في سن مبكرة نسبياً بعد أن كان رئيساً للهيئة العامة للاستعلامات، ثم أصبح بعد الوزارة سفيراً في «باريس»، ثم مندوباً دائماً في «نيويورك» لقرابة أحد عشر عاماً، ثم جاءت إليه وزارة الخارجية تتهادي في عصر الرئيس «مبارك» لكي يكون نائباً لرئيس الوزراء أيضاً،
وضحكنا د. «أشرف غربال» وأنا، ودعونا للدكتور «عصمت» بالتوفيق الدائم، فبعد حديثنا بسنوات قليلة جاءته جامعة الدول العربية تتهادي ليكون أميناً عاماً لها قرابة عشر سنوات أخري، وفي ظني أن د. «عصمت عبدالمجيد» ينتسب إلي أرقي المدارس الدبلوماسية في تاريخنا، فهو رجل هادئ للغاية، متصالح مع نفسه تماماً، يتصرف برصانة استمدها من أستاذه الراحل د. «محمود فوزي»
وأيضاً من مدرسة د. «محمد صلاح الدين» وزير الخارجية الشهير في أواخر العصر الملكي، ولعل الكثيرين لا يعرفون أن الرئيس الأمريكي «جورج بوش الأب» قد رشح د. «عصمت عبدالمجيد» لكي يكون أميناً عاماً للأمم المتحدة وذلك بحكم زمالتهما معاً كمندوبين لدولتيهما في الأمم المتحدة في السبعينيات من القرن الماضي، ولعل الصديق العزيز السفير «عبدالرؤوف الريدي» الذي كان سفيراً متميزاً لمصر في «واشنطن»، آنذاك،
أعرف مني بتفاصيل هذا الأمر وقد كتب في هذا الموضوع مقالاً «بالأهرام» من قبل، ود. «عصمت عبدالمجيد» هو ابن مؤسس «جمعية المواساة الخيرية» في الإسكندرية بمستشفاها الشهير، وهو في رأيي (رجل ) يمضي التوفيق مع خطاه ويحالفه الحظ دائماً ويمشي النجاح في ركابه أينما ذهب،
فهو الذي ترأس اجتماع «مينا هاوس» الشهير، بدعوة من الرئيس الراحل «السادات»، وفيه رُفع العلم الفلسطيني في أول مناسبة رسمية ولكن الفرصة ضاعت مثل غيرها من الفرص الضائعة، وهو أيضاً رئيس لجنة الدفاع المصرية في تحكيم «طابا»، وهو وزير الخارجية الذي وضع «سؤال التحكيم» وهو أمر له أهميته، خصوصاً أن للدكتور «عصمت» خلفية قانونية رفيعة إلي جانب إجادته اللغتين الفرنسية والإنجليزية، ولابد أن أعترف شخصياً بأنني مدين له،
فهو الذي تقدم بمذكرة لترقيتي استثنائياً عندما أمر الرئيس «مبارك» بذلك، فتخطيت عدداً كبيراً من زملائي الذين كانوا كرماء معي للغاية، فلم يرفع أحدهم قضية ضدي رغم كفاءتهم المعروفة، وذلك خروجاً علي ما كان مألوفاً في الترقيات الاستثنائية لوزارة الخارجية، ويهمني أن أسجل هنا أن د. «عصمت عبدالمجيد» ذلك الدبلوماسي الهادئ صاحب النفس الطويل،
يتحول أحياناً إلي أسد هصور، ولقد شهدت بعيني اجتماعاً رئاسياً وجه فيه د. «عصمت عبدالمجيد» انتقادات حادة للغاية للسيد «طارق عزيز» وزير خارجية «صدام حسين»، وكان ذلك قبل غزو العراق للكويت بفترة وجيزة،
ونبه فيه إلي المخاطر القادمة نتيجة السياسات المندفعة والانفعالية للعراق في تلك الفترة، واندهشت يومها، كيف انقلب ذلك الرجل الهادئ إلي تلك الشخصية العنيفة؟ ولم أندهش بعد ذلك فهو صاحب العبارة الشهيرة (المصالحة بعد المصارحة)، وللدكتور «عصمت عبدالمجيد» صولات وجولات كثيرة في مواقف مختلفة ومواقع متعددة للعمل الدبلوماسي والسياسي،
وهو أيضاً الذي قاد العمل العربي المشترك في فترة عصيبة بأقل الخسائر الممكنة وبأكثر النتائج توفيقاً ونجاحاً.. إنه ابن الإسكندرية البار ،الذي يعد واحداً من أعلام الدبلوماسية العربية والدولية والذي تلخصت خدمته الدبلوماسية في أرقي العواصم من «لندن» إلي «باريس» إلي «جنيف» إلي «نيويورك».. وهو صاحب مدرسة هادئة. ينظر إليها الدبلوماسيون بالتقدير والاحترام، أطال الله في عمره بقدر ما أدي للوطن والأمة من خدمات جليلة.[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 04:54 PM   #22
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]نجيب محفوظ»

بقلم د.مصطفى الفقي ٣/ ٤/ ٢٠٠٨
ظلت صلتي بالروائي الكبير «نجيب محفوظ» محدودة لسنوات طويلة، نعم.. كنت ألتهم صفحات رواياته في العطلة الصيفية مع غيرها من روائع الأدب العالمي وتراث الفكر الإنساني ـ مثل الكثيرين من أبناء جيله ـ وكان يعجبني فيه استغراقه الشديد في المحلية، وشعرت مع صفحات كتبه أنه روائي عظيم ولكنه يخفي وراء سطور كتاباته آراءً سياسية حبيسة ومواقف مختفية تجاه السلطة والحكم،
ولم أكن في حاجة إلي جهد كبير لكي أكتشف أن ذلك الروائي الضخم أقرب إلي المعسكر العلماني الليبرالي منه إلي المعسكر الديني العقيدي، ثم بدأت القراءة «لمحفوظ» منذ ذلك اليوم الذي دق فيه جرس التليفون ليبلغني الكاتب الراحل «موسي صبري» بوصول جائزة «نوبل» التي جاءت تتهادي نحو الأدب العربي لأول مرة متجسداً في شخص «نجيب محفوظ»، ولقد كرمه رئيس مصر تكريماً غير مسبوق في احتفال رفيع الشأن وقلده أرفع ما تقلد به مصر أبناءها العظام.
ولقد تعرفت علي الروائي الكبير بعد ذلك من لقاءات متعددة رتبها بعض الأصدقاء وكان أولهم الأستاذ «محمود السعدني» ـ شفاه الله وعافاه ـ حيث كان لنا لقاء كبير في إحدي الأمسيات بمنزل «عمدة الجيزة» الفلاح الراحل «إبراهيم نافع»، وفي حضور عدد من الأصدقاء بينهم أدباء وسياسيون وقانونيون،
وكان «نجيب محفوظ» متجلياً في تلك الليلة يداعب الجميع بضحكته العالية ويجيب عما يريد أن يتحدث بشأنه، ويتعلل بثقل السمع للهروب من الإجابة عما لا يرحب بالخوض فيه، وكان في ذلك الوقت قد خرج من حملة عربية معادية تصف حصوله علي الجائزة الدولية الرفيعة بأنه مكافأة لموقفه من اتفاقيات السلام مع إسرائيل وإلحاده الواضح ـ من وجهة نظر أعدائه ـ في الرواية الشهيرة «أولاد حارتنا»،
وهم الذين اعتبروه كاتباً معادياً للعروبة مؤيداً للتطبيع مع إسرائيل، فضلاً عن أنه لم يتحمس كثيراً للكتابة في الإسلاميات شأن د. «طه حسين» أو «العقاد» أو «د. محمد حسين هيكل» أو حتي الفيلسوف العظيم «توفيق الحكيم»، بل يضيف هؤلاء أيضاً ـ تعبيراً عن حقدهم عليه ومحاولتهم الإقلال من مكانته ـ أن جائزة «نوبل» في الأدب قد خضعت لاعتبارات سياسية وكانت تستهدف «نجيب محفوظ» تحديداً بدليل أنها لم تصل إليه
إلا في العام التالي لرحيل «توفيق الحكيم» الذي كان يصعب تخطيه في هذا السياق، وقد تعددت لقاءاتي بالأستاذ «نجيب محفوظ» من خلال بعض الأصدقاء، في مقدمتهم «محمد سلماوي» و«جمال الغيطاني» و«يوسف القعيد» خصوصاً في الاحتفال السنوي بعيد ميلاده وجلساته المنتظمة في قاعته بفندق «شبرد» علي ضفاف نيل القاهرة،
وبهرني فيه ـ وهو في تسعينيات العمر ـ روحه المرحة فضلاً عن تدخينه المستمر وهو في تلك السن المتقدمة!، وأذكر مرة أن إحدي المعجبات الأوروبيات التي يعرفها من قبل قد جاءت وقبلته علي وجنتيه في عيد ميلاده فتصور البعض أنه لا يعرف من هي لضعف بصره، ولكنه قهقه قائلاً لقد عرفتها من طريقة تقبيلها لي والتي لا أنساها أبداً!
ولقد كتبت عن «نجيب محفوظ» مقالاً في «الأهرام» منذ عدة أعوام وجعلت عنوانه «نجيب محفوظ بين الأدب والسياسة» فتلقيت منه برقية طويلة أحتفظ بها وأسعد بما جاء فيها وأعتبره تكريماً من شخصية رفيعة أعتز بها علي الدوام. وعندما جري الاعتداء الجسدي عليه وانغرس نصل سكين صدئة في عنق ذلك الروائي الكبير،
بفعل عمل إجرامي لا يغفره الوطن، هرعنا جميعاً إلي صاحب «نوبل» باعتباره رمزاً للعطاء العربي والالتزام الإنساني، وناقل الحارة المصرية إلي صفحات الكتب في الشرق والغرب علي السواء، إنه «نجيب محفوظ» الذي لم يركب طائرة في حياته إلا مضطراً في زيارة إلي «اليمن» الثائر لدعم الجناح الجمهوري،
وذلك في وقت لم يكن فيه أحد يستطيع أن يعترض علي تعليمات الرئيس «جمال عبد الناصر»، وهو ما جعل الأستاذ «نجيب محفوظ» يؤثر السلامة ـ طوال ذلك العهد ـ نظراً لأنه حويط بالطبيعة، حذر بالفطرة فيه دهاء صامت وإنسانية فائقة وقدرة علي الهروب من المواقف الحدية، ورغبة عارمة في الارتباط بالوطن والحرص عليه. إنه «نجيب محفوظ» الذي حمل هموم العصر وتوقف عن الكتابة لعدة سنوات بسبب مخاوفه من نظام يوليو برمته،
رغم أنه لا يعفي نفسه من حبه لـ «عبدالناصر» و«الكاريزما» السياسية التي تمتع بها ذلك القائد الراحل، إنه «نجيب محفوظ» الذي يحمل اسم الطبيب الشهير الذي أشرف علي ولادته، فكأنما ظل ذلك الروائي المسلم يبشر بالوحدة الوطنية وهو يحمل اسم ذلك النطاسي القبطي الذي يعتز به الطب المصري كما اعتز بالوليد العظيم ملك الرواية العربية «نجيب محفوظ».



ميريت غالي»

بقلم د. مصطفي الفقي ٢٠/ ٣/ ٢٠٠٨
أشعر بإغراء شديد للكتابة عن هذه الشخصية الرائعة، التي قد لا يعرفها الكثيرون، إنه «ميريت بك بطرس غالي»، الذي كان وزيراً قبل الثورة وبعدها، وهو أمر لم يتكرر إلا في حالته وحالة صديقه الدكتور «إبراهيم بيومي مدكور». الطريف في الأمر أن كتاب «ميريت غالي»، الشهير بعنوان «سياسة الغد ( برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي)»،
الذي أصدرته مطبعة «الرسالة» عام ١٩٣٨ قد تصدره إهداء المؤلف «ميريت غالي» إلي صديقه الدكتور «إبراهيم بيومي مدكور»، الرئيس الأسبق لمجمع اللغة العربية، ومن المصادفات أنهما أصبحا معاً ـ «غالي» و«مدكور» ـ وزيرين في آخر وزارة قبل الثورة، وأول وزارة بعدها، فاستأثرا بوضع فريد جعلهما وزيرين في عهدين مختلفين تماماً، قبل ثورة يوليو وبعدها، وقد طلب مني أستاذي الدكتور بطرس غالي، أمين عام الأمم المتحدة الأسبق أن أكتب عن ابن عمه «ميريت غالي»،
لأنه يعلم أنني كنت قريباً منه في سنوات عمره الأخيرة، عندما كان يقف علي مشارف التسعينيات من عمره الثري بعطائه للوطن المصري، وتبدأ معرفتي بتلك الشخصية المتميزة عندما بدأ مشروع مصري دولي لإصدار «الموسوعة القبطية»، ورأي القائمون عليها إشراك بعض المتخصصين من غير المسيحيين في إصدارها،
فاستقبلني «ميريت غالي» في منزله علي النيل بالجيزة ـ وهو شيخ طاعن في السن يقطر خبرة، ويحمل علي كتفيه وقر السنين، وتجارب الأيام، وكان وقتها عضواً في مجلس الشوري وذلك في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي ـ وطلب مني إعداد فصل كامل عن أكثر الشخصيات القبطية لمعاناً في الحياة السياسية،
وكان يقصد بذلك «مكرم عبيد باشا» ولقد فعلت وأصبحت أنا المسلم المنحدر من بيت متدين واحداً من مؤلفي «الموسوعة القبطية»، وأتذكر أن «ميريت غالي» عرض علي مبلغاً من المال في مقابل ما فعلت، ولكنني اعتذرت عن ذلك، وقلت له: «لا يؤجر صاحب علم بما يعلم» فسعد بهذا الرد، وكتبه علي الإيصال الذي كان من المفروض أن أوقعه،
وتواصلت بيني وبين ذلك المفكر الكبير أواصر الصلة الطيبة، فقد كنت معتزاً بدوره في المناداة بالإصلاح قبل ثورة يوليو ١٩٥٢، لأنه كان قريباً من الإرهاصات الأولي لقانون الإصلاح الزراعي، كما لم يكن بعيداً عن الجمعيات التنموية قبل الثورة مثل جماعة «الرواد»،
وجماعة «الفلاح» وغيرهما من ومضات الضوء الباهرة في العصر الملكي بكل ما له وما عليه. ثم جاءت المناسبة الثانية لتوثيق علاقتنا، عندما اكتشفت أن كل السيارات الخاصة في مصر أصبحت ترفع شعارات دينية، تبدو مستفزة للطرف الآخر وبدت السيارات المتحركة وكأنها مساجد وكنائس صغيرة، وذلك أمر من شأنه أن يقسم الأمة المصرية،
وأن يضرب الوحدة الوطنية في مقتل، وكان ذلك في منتصف الثمانينيات من القرن العشرين، فكتبت مقالاً شهيراً في «الأهرام» بعنوان «ظواهر وفدت علي مصر» وطالبت فيه برفع تلك الملصقات واستخدام وزير الداخلية صلاحياته في إعمال قانون المرور والالتزام بتطبيقه في هذا الشأن ووجهنا رسالة مشتركة وقعها الأستاذ «ميريت غالي» عضو مجلس الشوري،
وأنا - المستشار بوزارة الخارجية المصرية حينذاك - ورفعناها إلي السيد وزير الداخلية الذي استجاب إلي ذلك المطلب الوطني كما شاركنا «البابا شنودة» بوعيه المعروف ووطنيته الصادقة، فأعفي أبناءه من أي مسؤولية دينية تلحق بهم، نتيجة رفعهم تلك الملصقات،
واستجاب الجميع ـ مسلمين وأقباطاً ـ لتلك الدعوة المصرية الخالصة، وأصبحنا محل حديث الصحف وتقدير ذوي الأمر، ولقد لاحظت أن الدكتور «بطرس غالي» ينظر إلي ابن عمه نظرة إكبار وعرفان، ويري فيه أخاه الأكبر الذي يفيض وطنية، ويتوهج وعياً، ولا يقول إلا فصل الخطاب.
إنه «ميريت غالي» الذي رحل عن عالمنا بعد ذلك بسنوات قليلة، ولكنه ترك تراثاً فكرياً وإرثاً تقدمياً يجعلني أعتز بصلتي به، خصوصاً أنني عرفته في سنواته الأخيرة، فأصبحت كمن لحق بالقطار السريع في آخر محطة له، رحم الله «ميريت غالي»، وأثاب الدكتور «بطرس غالي» الذي عرفني به، ودفعني إلي الكتابة عنه تكريماً للمعاني الوطنية والمؤشرات الفكرية والإسهامات الثقافية، التي ترتبط بتلك الشخصية الكبيرة.[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 04:57 PM   #23
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]يوسف شاهين»

بقلم د. مصطفي الفقي ٢٨/ ٢/ ٢٠٠٨
تربطني بهذا المخرج العالمي صداقة قوية تعود إلي منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، عندما استقبلته معبراً عن اعتراضه تجاه قانون خاص بالفنانين، كان يقود الدعوة إليه حينذاك المثقف الراحل «سعد الدين وهبة»، ويومها رأيت في «يوسف شاهين» نموذجاً فريداً من البشر فصراحته لا مثيل لها وقدرته علي تعرية المواقف غير مسبوقة، كما أن ذكاءه الحاد وروحه الساخرة تضفيان علي ثقافته الواسعة بُعداً آخر يجعله إنساناً بسيطاً يقف في صفوف الفقراء والكادحين، إلي جانب انتماء يساري طويل يعطيه رؤية خاصة للناس والأشياء،
ومنذ ذلك الوقت تزايدت صلتي بهذا الفنان العظيم قرباً وقوة، رغم اختلافنا المهني ودوائر علاقاتنا المتباينة، ولاأزال أذكر خطبة الرئيس الفرنسي الراحل «فرانسوا ميتران» في حفل العشاء الذي أقامه تكريماً للرئيس «حسني مبارك» والوفد المرافق له أثناء «زيارة الدولة» التي قام بها رئيس مصر للعاصمة الفرنسية في آخر الثمانينيات، لقد قال «ميتران» يومها وبالنص (إن العلاقات المصرية الفرنسية لا تبدأ «بنابليون» والحملة أو «شامبليون» و«حجر رشيد» كما أنها لا تنتهي بالفنانة «داليدا» أو المبدع «يوسف شاهين»)،
وكان «چو» ـ وهذا هو الاسم الذي أفضل أنا وغيري من أصدقائه أن ننادي به «يوسف شاهين» ـ جالساً علي إحدي موائد الحفل في تواضع جم ولا مبالاة واضحة وكأنما ليس اسمه هو ذلك الذي يردده رئيس الجمهورية الفرنسية في حفل رسمي، وليس هذا غريباً علي «يوسف شاهين»، فلقد تعود علي عبارات الثناء وجوائز التكريم فهو الذي منحه مهرجان «كان» في منتصف التسعينيات من القرن الماضي جائزة «السعفة الذهبية» تقديراً له علي مجمل أعماله واحتراماً لعطاء نصف قرن كامل من التميز والإبداع وخدمة قضايا الإنسان في كل مكان،
ولقد حكت لي سيدة فاضلة أنها كانت تجلس في قاعة مهرجان «كان» في إحدي سنواته ووقف مخرج أمريكي كبير يتحدث عن شخصية فنية ضخمة ومخرج عالمي مرموق دون أن يسميه تحديداً، وكان يجلس بجوار تلك السيدة «يوسف شاهين» الذي تبدأ جذوره من جبل «لبنان» وتثمر أزهاره علي ضفاف النيل، فقال لجارته بتواضع تلقائي: مَنْ هذا الذي يتحدثون عنه بهذا الإطراء الشديد؟!
وفوجئ الجميع بأن المقصود بكل هذه الكلمات الرائعة ليس إلا «يوسف شاهين» ذاته بقيمته الفنية ومكانته الدولية والدور السياسي الذي لعبته أعماله التي تواصلت وتفاعلت مع جميع المناسبات السياسية والفكرية وقدمت نماذج رائعة للتسامح والتواصل والعطاء،
ومن النوادر التي لا أنساها أننا كنا نجلس في نهاية الثمانينيات ذات مساء بمنزل الفنان الصديق الموسيقار «محمد نوح»، وفي حضور المخرج الكبير «يوسف شاهين» وعدد من الأصدقاء كان من بينهم صديق عزيز رحل عن عالمنا وقد كان خزينة متنقلة من المعلومات حول البشر والوقائع والأحداث وإذا به يسأل المخرج «يوسف شاهين» في براءة: هل تعتبر فيلم «العزيمة» هو نقطة التحول تجاه الواقعية في تاريخ السينما المصرية؟
فلم يجب عليه «يوسف شاهين» لأن السؤال لم يعجبه وتظاهر بمشكلته التقليدية في ثقل السمع، فأعاد صديقي بروحه الصافية السؤال مرة ثانية بعد دقائق قليلة قائلاً: ألست تري يا أستاذ «يوسف» أن المخرج «كمال سليم» كان عبقرياً في إخراجه فيلم «العزيمة»،
وهنا استدار إليه الأستاذ «يوسف شاهين» وقال بعبارة ساخرة ـ وقد كانت أول مرة يلتقي فيها بصديقي الراحل ـ: من هذا الحمار؟! فقلت له لا يا أستاذ «يوسف» إنه صديقي، فقال لي في سخرية أشد: يبدو أنك تصادق «حمير» أحياناً واستغرقنا جميعاً في ضحك شديد،
إذ لا يجوز أن نسأل «يوسف شاهين» المخرج العظيم عن مخرج آخر مهما كانت قيمته، ولاأزال أذكر لـ «يوسف شاهين» مواقف طيبة معي سواء كنت في مصر أو خارجها فلم يترك مناسبة يقيمها إلا ودعاني إليها، وفي حفلات افتتاح كل أفلامه كنت ضيفه الأثير وعندما أقام «الأهرام» احتفالاً بعيد ميلاده الثمانين كنت في مقدمة مدعويه،
وعندما دعت مجلة «نصف الدنيا» المصرية إلي حوار بين فنان ومثقف شرفني «يوسف شاهين» باختياري محاوراً له في حديث طويل أجريناه في مكتبي الذي سعي إلي فيه وقد نشرته تلك المجلة علي ست صفحات كاملة، وعندما تواترت الأنباء في الأسابيع الأخيرة عن الظروف الصحية الصعبة التي مر بها وجدتني أدعو له بالشفاء ودوام العطاء،
لأن «يوسف شاهين» قيمة كبيرة في حياتنا الفنية وعلامة مضيئة في مشوار السينما المصرية، وإذا كنا نحتفل بمئويتها، فإن أفلاماً مثل «باب الحديد» و«الناصر صلاح الدين» و«حدوتة مصرية» و«المهاجر» و«المصير» وغيرها سوف تبقي في ضمير الإنسان إشارات ضوء تبدد ظلمات التعصب وتفك قيود القهر وتفتح الأبواب أمام إنسان جديد في عصر مختلف.
الفريق سعد الشاذلي

بقلم د.مصطفى الفقي ٢١/ ٢/ ٢٠٠٨
تعرض هذا الرجل لحملة عاتية في أعقاب انتصار أكتوبرالعظيم واتهمه البعض بالتقاعس أمام ثغرة «الدفرسوار» وألقوا بالمسؤولية عليه باعتباره رئيس أركان تلك الحرب الظافرة، وليس من حقي أن أخوض في تفاصيل ما جري، لأن الأمر يحتاج إلي خلفية عسكرية لا أحوزها وإن كان تاريخ الرجل يوحي بمكانته المرموقة
وقيمته الكبيرة فقد كان قائد قوات المظلات الدولية في الحرب الأهلية أثناء الصراع الذي دار في «الكونغو» في أوائل الستينيات من القرن الماضي، ثم كان هو الملحق العسكري اللامع في «لندن» بعد ذلك وهو «الفريق» الذي اختاره الرئيس الراحل «السادات» - صاحب القرارين، قرار الحرب وقرار السلام - لكي يكون رئيساً لأركان حرب القوات المسلحة وشريكاً للمشير الراحل «أحمد إسماعيل»،
في إدارة المسار العسكري لتلك الحرب برغم ما كان بين الرجلين، المشير والفريق،من علاقة غير ودية وحساسيات قديمة ولكنها عبقرية «السادات»، في أن يجمع المتناقضات ليضمن ولاء القوات المسلحة ويحصل علي الحد الأقصي من خبرات كلا القائدين، والذي يعنيني في حياة الفريق «سعد الشاذلي» هو ما عرفته عنه بعد ذلك من خلال عملي معه وهو سفير لمصر في لندن وقد كان طبيعياً أن يتم إبعاده عن الساحة، بعد أن وضعته مجلتا «الحوادث» العربية
و«الباري ماتش» الفرنسية علي غلافهما باعتباره رئيس أركان الحرب العربية المنتصرة، وعندما تسلم الفريق «الشاذلي» عمله في السفارة استقبلناه بقلق شديد ومخاوف مبررة، فالرجل معروف بصرامته العسكرية وقد لا تكون إدارته لبعثة دبلوماسية كبيرةعلي النحو المطلوب، ولكننا فوجئنا بعسكري مصري مشرف يتحدث بلغة إنجليزية طليقة تفوق في جودتها عشرات السفراء المدنيين، فضلاً عن أفكار غير تقليدية في العمل وقدرة واضحة علي الوصول إلي الهدف،
ولعلي أتذكر الآن أنه كان من أوائل من فطنوا إلي قيمة وزيرة التعليم البريطاني «مارجريت تاتشر»، ومستقبلها السياسي المنتظر فدعاها هي وزوجها إلي عشاء في بيت مصر بالسفارة في حي «ماي فير» وهو أيضاً الذي دعا في مرة أخري أسقف «كانتبري» علي العشاء في السفارة المصرية ودعا معه كبار الشيوخ من بعثة «الأزهر الشريف»، في المركز الإسلامي بلندن وهو تفكير ينم عن سعة الأفق والفهم المبكر لقضية الوحدة الوطنية،
كما أنه فاجأنا جميعاً ذات يوم بأن أعلن أن السفارة المصرية سوف تستضيف احتفال كل البعثات الأفريقية في «لندن» بيوم أفريقيا وهوالخامس والعشرون من شهر مايو ونجح في ذلك بشكل واضح وحقق لمصر الأفريقية مكانة متميزة في العاصمة البريطانية
حيث حضر إلي السفارة رئيس الوزراء البريطاني «كالاهان» ووزير الخارجية وجميع القيادات المرموقة في العاصمة البريطانية وفي مقدمتهم مندوب صاحبة الجلالة وقيادات «الكومنولث» كلها ولقد كان يوماً رائعاً شعرت فيه بأن للرجل رؤية تستحق الإكبار وهو أيضاً الذي وافق في بداية السبعينيات علي المشاركة في مواجهة تليفزيونية مع السفير الإسرائيلي في لندن - من مكانين مختلفين - وأشهد أن «الشاذلي» اكتسح الإسرائيلي وأصبح حديث المدينة وبعثاتها الدبلوماسية لعدة أيام بعد ذلك،
وهو أيضاً العسكري المصري الصلب، الذي ألقي محاضرة شهيرة في مجلس العموم البريطاني حول إعادة فتح «قناة السويس» عام ١٩٧٥ وترك أثراً كبيراً لدي مشاهديه ومستمعيه علي السواء، وهو أيضاً الفريق «سعد الدين الشاذلي» الذي ناداني ذات يوم في عطلة الأسبوع وطلب مني الإبراق للقاهرة - بحكم مسؤوليتي عن قسم الشفرة بالبعثة - مستأذناً في السماح له باللجوء إلي القضاء ضد وكالة «رويترز».
للأنباء والتي وقعت في خطأ كبير عندما نقلت عنها الـ«بي بي سي» أمراً يمس السيدة الفاضلة قرينته «زينات هانم متولي» شقيقة الفريق «سعد الدين متولي» كبير الياوران في عهد الرئيس الراحل «عبدالناصر» وبرغم أن الوكالة حاولت الاعتذار فإنها عندما علمت بلجوء السفير إلي القضاء قررت دفع مبلغ مالي كبير علي سبيل التعويض وقد استخدمه ذلك السفير العظيم حينذاك في دعم نفقات الطلاب العرب غير القادرين وتوجيه الباقي منه إلي الجمعيات الخيرية داخل مصر،
ذلك هو «سعد الدين الشاذلي» كما رأيته فارساً نبيلاً نظيف اليد شديد الدقة والتنظيم لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا ويعطيها ذات الاهتمام، وعندما تدهورت علاقته بشكل علني مع الرئيس «السادات»، الذي نقله من العاصمة البريطانية إلي العاصمة البرتغالية، حيث أمضي فيها فترة قصيرة ثم استقال بعد زيارة الرئيس الراحل للقدس ودخل في جبهة الرفض وأصبح عنصراً إعلامياً من العيار الثقيل ضد سياسات الرئيس الراحل،
وحين قضت المحكمة العسكرية المصرية بسجنه لإفشائه معلومات عسكرية في معرض دفاعه عن نفسه حول موضوع الثغرة فإنه عاش آخر سنوات المنفي في «الجزائر» وحين استأذنت السيدة الفاضلة قرينته في العودة إلي مصر لزيارة بناتها أمرني الرئيس «مبارك»، بنقل توجيهاته بأن تلقي من الرعاية والاحترام ما يليق بزوجة قائد عسكري كبير، ثم رجعت إلي زوجها في منفاه حتي عادا معاً إلي مصر حيث قضي فترة قصيرة في محبسه العسكري لأنه رفض أن يكتب اعتذاراً للقوات المسلحة عما فعله من خطأ وفقاً للقانون العسكري،
يبقي أن أقول إن الرجل رفيع الثقافة شديد الاعتزاز بالنفس ويعتبر هو الذي أسس سلاح المظلات في القوات المسلحة المصرية، وهو في النهاية- بما له وما عليه - ابن مرموق للعسكرية المصرية التي قدمت للوطن القادة العظام والمسؤولين الكبار بل أسهمت في تحرير الوطن والمواطن علي مر العصور.
[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 04:59 PM   #24
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]رجاء النقاش

بقلم د. مصطفي الفقي ١٤/ ٢/ ٢٠٠٨
أثناء حضوري اجتماع المجلس الأعلي للثقافة في صيف عام ٢٠٠٧، أطل علينا الكاتب الكبير والناقد الراحل «رجاء النقاش»، وجلس في مقعده، متهالك الصحة، عليل الجسد، لا يبدو من شحوب وجهه الواضح إلا بريق عينين، تحملان وقر السنين وهموم الزمن، وكنت أجلس بين الصديقين المثقف الكبير د. «جابر عصفور»
والأديب الفنان د. «فوزي فهمي»، وبجوارنا مباشرة نقيب الصحفيين الحالي الأستاذ الكبير «مكرم محمد أحمد»، الذي اندفع بتلقائيته ونقائه، مطالباً المجلس الأعلي للثقافة في جلسته المنعقدة، بترشيح الأستاذ «رجاء النقاش» لجائزة «مبارك في الآداب» عن عام ٢٠٠٧، وزاد علي ذلك بأن صعد إلي المنصة،
متحدثاً إلي الوزير الفنان «فاروق حسني»، وزير الثقافة والصديق الأستاذ «علي أبوشادي»، أمين عام المجلس اللذين شرحا له، أن ذلك يخالف ـ للأسف ـ القواعد المعمول بها في إجراءات جوائز الدولة، إذ لابد من ترشيح مسبق من إحدي الهيئات المخولة بذلك، والمرور بمراحل معينة قبل الوصول إلي المجلس الأعلي للثقافة..
وكان الوزير والأمين العام يقولان ذلك وهما أكثر تعاطفاً مع الناقد الراحل من أي شخص فينا، رغم حماسنا الشديد لمكانته الفكرية وقيمته الأدبية، وتأثرنا الواضح بتدهور صحته بشكل قد لا يسمح له بحضور جلسة المجلس في العام التالي، وإن كانت الأعمار بيد الله وحده في النهاية.. ولقد أسعدني أن علمت أن الناقد الراحل قد رُشح بالفعل هذا العام لتلك الجائزة الكبيرة، وأن القواعد تسمح بمنحها بعد الوفاة مادام الترشيح قد تم قبلها..
ثم جمعتني بالراحل الكبير ندوة مصغرة لمناقشة أحد الكتب في دار «أخبار اليوم» وفاجأني في حديثه، بأن أشار إلي قصة حدثت له شخصياً عندما تعرض لظلم وقع علي ابنته في التعيينات الجامعية، وكيف أنه اتصل بي وقتها، فتدخل الرئيس «مبارك» شخصياً وأنصفه بشكل حاسم.
كان «رجاء النقاش» يذكر تلك الحادثة بتأثر دائم وامتنان عميق، ولقد قرأت المقال الذي نشرته الأستاذة «سناء البيسي» ـ المعروفة بأسلوب متميز يدركه كل من يقرأ لها، وهي في ظني أفضل كاتبات جيلها ـ وشعرت معها بالمعاناة الطويلة التي مر بها بيت «النقاش»، وهو بيت علم وثقافة وأدب ودين، وشعرت أيضاً أن من واجبي أن أسجل خواطري مع هذا النجم الذي هوي واختفي، مثل النيازك والشهب التي تعبر الكون بشكل خاطف،
ولكنها تترك أثراً لا ينسي، ولاأزال أتذكر قراءتي لكتابه الشهير عن «العقاد بين اليمين واليسار»، ومعاركه الفكرية والأدبية، وكيف رجعت إلي فقرة منه في أطروحتي للدكتوراه بجامعة «لندن» في منتصف السبعينيات من القرن الماضي.
والواقع أن «رجاء النقاش» كان شديد الحفاوة بالمفكر العظيم «عباس محمود العقاد»، وأيضاً بعميد الأدب العربي الراحل د. «طه حسين».. وما أكثر الوقائع والأحداث التي تعرض لها «رجاء النقاش» في كتاباته حولهما، ومعهما فيلسوف المسرحية العربية «توفيق الحكيم»!
ثم امتدت اهتمامات «النقاش» لتغطي باقتراب شديد وعناية فريدة أعمال صاحب «نوبل» «نجيب محفوظ»، الذي عايشه وحاوره وكتب عنه الكثير في حياته وبعد رحيله.. ولي تجربة لا أنساها مع الراحل الأستاذ «رجاء النقاش» عندما كتبت مقالاً، أثار ضجة كبيرة وكان عنوانه (في جدوي الكتابة)،
وكان ذلك منذ عدة سنوات، ففاجأني الناقد الراحل بمقاله في «الأهرام» في ذات الأسبوع تحت عنوان (مصطفي الفقي وجدوي الكتابة)، حيث عكست سطوره الحماس لما قلت، والكرم الزائد في وصف قيمته، وهو أمر يرفع من قدر أي كاتب، خصوصاً إذا جاء ذلك من رجل بالحجم الثقافي والوزن الفكري لمثل «رجاء النقاش»،
ولا يغيب عن ذهننا أن قيمة «رجاء النقاش» لا تقف عند حدود الوطن المصري فقد كان دائماً هو ذلك الكاتب الشريف والناقد الموضوعي والأديب الموهوب الذي ذاع صيته، وانتشر اسمه مقترناً بالاحترام الزائد والتقدير الكامل في كل مكان، وكان إسهامه في صحافة «الخليج» من خلال واحدة من أشهر دورياتها، مرحلة متميزة في تاريخه الصحفي ومسيرته الأدبية، وكان كل ذلك مقترناً بروح النضال لديه والإحساس بالفقراء، والشعور بمعاناة من يحتاجون إلي حياة أكثر أمناً واستقراراً.
ولا شك أن محنة «رجاء النقاش» مع المرض كانت قاسية وبطيئة، عاني فيها ذلك المفكر المناضل عبر شهور طويلة آلام المرض الجسدي، والحزن النفسي بشكل غير مسبوق، وعندما أُعلن نبأ رحيله المتوقع، بكاه الناس القريبون منه والبعيدون عنه، لأنه كان نموذجاً فريداً، جاء من أسرة أنجبت لمصر نجوماً لامعة في حياتها الثقافية والسياسية..
رحم الله «رجاء النقاش» بقدر ما نقش في قلوبنا من إحساس، وفي عقولنا من بصيرة، فلقد كان علامة مضيئة في حياتنا الفكرية والثقافية وحاضرنا الأدبي والاجتماعي، كما أنه كان نموذجاً للانتماء الذي يعتصم بالرؤية الموضوعية والفكرة العميقة والكلمة الشريفة.


رفعت المحجوب


بقلم د. مصطفي الفقي ٧/ ٢/ ٢٠٠٨
عندما التحقت بكلية «الاقتصاد والعلوم السياسية» بجامعة القاهرة عام ١٩٦٢، دخل علينا قاعة المحاضرات أستاذ أنيق المظهر عميق الفكر، فصيح العبارة، ليدرس لنا «مبادئ علم الاقتصاد» وعرفت يومها أنه ينتمي إلي «المدرسة الفرنسية» التي تجعل دراسة الاقتصاد فرعًا قريبًا من الدراسات القانونية، بخلاف «المدرسة البريطانية» التي تقترب بعلم الاقتصاد من الدراسات الرياضية والإحصائية،
وكانت الكلية الوليدة في وقتها محط الأنظار، وأمل آلاف الشباب من مصر والعالم العربي باعتبارها كلية وحيدة فريدة في تخصصاتها الأصلية «للاقتصاد» و«السياسة» و«الإحصاء» وكان د. «رفعت المحجوب» - رحمه الله - يغرد في قاعة المحاضرات مازجًا الاقتصاد بالفلسفة والتاريخ البشري بالحضارة الإنسانية، ولقد بهرني أستاذي الراحل عندما بدأ يتحدث عن تعريف علم الاقتصاد باعتباره «علم الندرة» ثم مستطردًا في شرح ذلك بلغة رفيعة وتحليل لا أكاد أجد له نظيرًا،
ثم يعود ليقول مرة أخري أن الاقتصاد هو «علم الحاجة» شارحًا بنفس المستوي ما يريد الوصول إليه، ثم يعود مرة ثالثة ليقول: إن الاقتصاد هو «علم المنفعة» ويمضي مفسرًا ما يريد أن يشرحه، ثم يختتم التعريف بقوله إن الاقتصاد هو «علم الصيرورة» في عمق فلسفي لا أنساه، ولقد تزايد إعجابي بهذا الأستاذ المرموق منذ البداية،
حتي إنني بدأت منذ ذلك الوقت في استبدال «نظارتي الطبية» لتكون مثيلة لتلك التي اشتهر بها د. «المحجوب»، وظللت أتابعه في إعجاب شديد وأراقب طموحاته وهي تمضي معه في «العصر الناصري» كعضو بارز في «المؤتمر الوطني للقوي الشعبية» وجزء من المثلث المتألق في ذلك المؤتمر،
حيث كان رفيقاه هما الراحلان د. «لبيب شقير» ود. «طعيمة الجرف»، وتزايدت طموحات أستاذي الراحل عندما سبقه رفيق عمره د. «شقير» إلي مواقع السلطة الوزارية ثم البرلمانية، وبدا لي د. «رفعت المحجوب» لعدة سنوات محبطًا متبرمًا، وكأنه مشروع إنساني كبير، جري إجهاضه تدريجيا،
وهو الذي ينتمي إلي مدينة «الزرقا» بمحافظة «دمياط» التي أنجبت قبله رئيس وزراء العصر الملكي «إبراهيم باشا عبد الهادي»، وعندما وصل الرئيس الراحل «السادات» إلي الحكم اختار د. «رفعت المحجوب» سكرتيرًا أول للجنة المركزية للتنظيم السياسي الواحد في ذلك الحين، وهو «الاتحاد الاشتراكي العربي»
وهي وظيفة تعادل تقريبًا الأمين العام للحزب الحاكم حاليا، ثم تقلد الأستاذ عمادة «كلية الاقتصاد والعلوم السياسية» مرتين، حتي جاء عصر الرئيس «مبارك» الذي اختاره رئيسًا لـ «مجلس الشعب» مع أنه عضو بالتعيين في سابقة جديدة تقديرًا لمكانة الرجل وقيمته، وعندئذ جمعتني ظروف العمل بأستاذي القديم الذي رسبت لأول مرة في حياتي في مادة «الاشتراكية العربية» علي يديه،
وانتقلت بها إلي السنة الثالثة في الكلية، وعندما ناقشته فيما بعد عن تلك المفارقة التي أذهلت أصدقائي وزملائي كان رده بوضوح ان الورقة احتوت اتجاهًا فكريا فيه مغالاة في قبول الفكر الاشتراكي، وأنه رأي إعطاءها درجة «ضعيف»، تحسبًا لأن تكون ورقة مدسوسة لإثبات خروجه هو عن إطار «الاشتراكية العربية» التي كان يرفعها النظام شعارًا له في ذلك الوقت! ولقد ظللنا نتندر بتلك القصة لعدة سنوات،
وعندما كان د. «رفعت المحجوب» رئيسًا لـ «مجلس الشعب» تألق بصورة مبهرة وكانت خطبته السنوية عند تقديم رئيس الجمهورية في افتتاح البرلمان قطعة رفيعة في الأدب والفكر معًا، وأذكر أنه في إحدي المناسبات ألقي خطبته بالكامل، قياسًا علي الذكر الحكيم، مقتبسًا من القرآن الكريم في روعة تدعو إلي الخشوع والاحترام،
وهو الذي نزل من فوق المنصة في إحدي جلسات «مجلس الشعب» عندما تزايد الهجوم عليه والانتقاد لتصرفات شقيق له، فوقف بين صفوف الأعضاء، وكرر عبارته الشهيرة (لا تكونوا كأهل «أورشليم» كلما جاءهم نبي رموه بحجر)، وما أكثر ما تحدث إلي أستاذي، بحكم ظروف العمل، شارحًا وموضحًا ومستفسرًا،
وكنت أشعر دائمًا أن الرئيس «مبارك» يخصه باحترام خاص، وتقدير واضح، بينما كان ينظر إليه د. «عاطف صدقي» رئيس الوزراء نظرته للقدوة وصاحب الفضل، وأتذكر من الطرائف أن د. «رفعت المحجوب» كان حاضرًا لمراسم استقبال أمير البحرين الراحل في أحد أيام الثمانينيات،
وبينما كان الرئيس «مبارك» يقدمه للعاهل الخليجي داست قدمه - د. «المحجوب» - عن طريق الخطأ علي رداء الأمير الضيف، حتي كاد الأمير أن يسقط علي الأرض بفعل ذلك، وهنا جذب ضباط الحراسة الخاصة المصرية رئيس البرلمان المصري في اتجاه يبعده عن الأمير الزائر، تلافيا لمشكلة «بروتوكولية» لا مبرر لها، وليلتها حدثني د. «المحجوب» تليفونيا وهو شديد التأثر من الواقعة والأسف لما حدث،
ولقد جاءت نهاية أستاذ الراحل حزينة بكل المعاني، فقد كانت نهاية مأساوية لقي فيها الرجل مصرعه برصاصات غاشمة، وبدت قمة المأساة في أنه كان «اغتيالاً خاطئًا»، فقد كان المستهدف هو «وزير الداخلية» الأسبق اللواء «محمد عبد الحليم موسي» ولكن موكب «رئيس البرلمان» سبق موكب «وزير الداخلية» فكانت المأساة،
رحم الله د. «رفعت المحجوب» فقد كان طرازًا فريدًا في الترفع والكبرياء، والعجيب أن قاتليه قد حصلوا علي البراءة، ومازالوا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، والرجل في رحاب ربه راضيا مرضيا.
[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 05:00 PM   #25
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]الأمير تشارلز

بقلم د.مصطفى الفقي ٣١/ ١/ ٢٠٠٨
هو الوريث الأول لعرش إمبراطورية كانت لا تغرب عنها الشمس، أمه ملكة بريطانيا لفترة تقترب من ستين عاماً، وأبوه الأمير «فيليب» الذي ينحدر من أصول يونانية، أما «أمير ويلز» وهذا هو اللقب الذي يحمله الأمير «تشارلز»، فقد ملأ الدنيا، وشغل الناس بالفعل، تارة بمغامراته العاطفية، وأخري بزواجه الفاشل، وثالثة بموقفه المعتدل تجاه الإسلام واحترامه لذلك الدين الحنيف، وقد جمعتني به مباشرة مناسبات عديدة، كانت أولاها في حفل جامع بالمتحف البريطاني في الثمانينيات من القرن الماضي، وكان الأمير متألقاً مهذباً راقياً كعادة أبناء الملوك وورثة العروش..
وكانت «أميرة القلوب» ـ كما يسمونها ـ «ديانا» تجلس إلي جانبه، تزيده بهاءً وتألقاً، ثم كانت المناسبة الثانية في منتصف التسعينيات عندما دعاني السفير البريطاني الأسبق «لونج» مع مجموعة محدودة من المثقفين وكبار العسكريين المصريين علي شرف الأمير الذي كان يقيم في منزل السفير البريطاني بالقاهرة أثناء زيارته، والذي دخل قاعة الطعام وهو يرتدي الزي الأسكتلندي بالتنورة المزركشة ذات المربعات الزاهية، حيث وزع الأمير اهتمامه علي الحاضرين، سائلاً كل ضيف عن وظيفته،
محاولاً خلق مادة للحديث حولها ومتواصلاً في حواره مع الجميع في رقة وأدب شديدين، وقد لفت نظري يومها أن السفير البريطاني ألقي كلمة ترحيب بصاحب السمو الملكي ولي العهد، ولكن الأمير «تشارلز» لم يرد بكلمة مماثلة، لأن «البروتوكول» يعفي العائلة المتربعة علي بلاط «سان جيمس» من ذلك التقليد، وعندما لقيت الأميرة «ديانا» مصرعها في الحادث المأساوي الغامض مع نهاية أغسطس ١٩٩٧ انخفضت شعبية الأمير بشكل ملحوظ، بل تراجعت صورة العائلة كلها،
بما في ذلك الملكة وزوجها علي نحو غير مسبوق، لأن «ديانا» بدت للبريطانيين بعد رحيلها وكأنها شهيدة المراسم الملكية العتيقة وحياة القصور البالية، وأنها عندما حاولت التحرر من تلك القيود وانتهاج حياة بسيطة بين الناس كان ذلك هو مصيرها المحتوم..
أما اللقاء الثالث فكان عندما تشرفت مع الأستاذ «محمد فريد خميس»، رئيس مجلس أمناء الجامعة البريطانية، باستقبال سيدة مصر الأولي «سوزان مبارك» ومعها الأمير «تشارلز» وزوجته الجديدة ورفيقة عمره قبل زواجه بـ«ديانا» وأثناءه وبعده السيدة «كاميلا»، وذلك في افتتاح «الجامعة البريطانية» بمصر ـ والتي أتشرف برئاستها ـ وكان ذلك في الثاني والعشرين من مارس عام ٢٠٠٦ ويومها رأيت عجباً، فالأمير متعلق بزوجته الجديدة بشكل ملحوظ رغم أنها غير مهتمة بالجمال الصارخ، ولكنها الكيمياء البشرية التي لا يعرف سرها إلا الخالق وحده، وهي نفس الكيمياء التي أزاحت «ديانا» بجمالها وشبابها، وأحلت مكانها امرأة هي دونها شكلاً وموضوعاً، ولكنها أيضاً قوانين الحياة الغامضة التي لا نعرف لها تفسيراً..
وقد كانت حفاوة الأمير بزوجته الحالية ورعايته لها في تلك المناسبة موضع الاهتمام، بل والتأمل، وعندما كانا يدخلان أحد معامل الكيمياء قالت له إنني لم أهتم من قبل بهذا الفرع من العلوم لذلك لا أعرف عنه الكثير فقال لها في حنو بالغ لا تقلقي يا حبيبتي فأنا معك!
وقد سنحت لي الفرصة يومها لكي أتحدث إلي الأمير حديثاً مطولاً فسألته في البداية عن سبب اهتمامه بالإسلام والحديث الدائم عنه والحوار حوله، فقال لي في تواضع شديد، إن ذلك بدأ نتيجة اهتمامه المبكر بالطرز المعمارية، ومنها العمارة الإسلامية التي شدته، وبالتالي إلي دراسة أعمق لذلك الدين العظيم.. عندئذ ذكرته بمحاضرته الشهيرة في جامعة «أكسفورد» عام ١٩٩٣ والتي كانت نقطة تحول ملحوظ في رؤية الغرب للإسلام،
وأضفت له قائلاً: إنني أشترك معك يا صاحب السمو في يوم عيد الميلاد «الرابع عشر من نوفمبر» مع اختلاف السنوات، ونشترك في ذلك مع «جواهر لال نهرو» السياسي الهندي الراحل، والملك «حسين بن طلال»، عاهل الأردن الذي مضي إلي رحاب ربه عام ١٩٩٩، وعميد الأدب العربي الدكتور «طه حسين»، وكذلك أمين عام الأمم المتحدة الأسبق الدكتور «بطرس غالي»..
وقد داعبت الأمير قائلاً: لعلك تلاحظ يا صاحب السمو أنهم عظماء جميعاً، وليس بينهم مغمور واحد إلا أنا، فرد علي بأدب الملوك بعبارة ثناء لا أستحقه، ولكنها تلك هي تقاليد ورثة التاج البريطاني العريق، ولقد ظللت طوال حياتي أتابع الأمير في أزماته المتكررة وكبواته المتتالية وعثراته الشهيرة، ولكنني ظللت دائماً مشدوداً إلي شخصيته الجذابة وثقافته الواسعة، ولست أنسي له علاقته الوثيقة بالداعية المصري صديقي الراحل الدكتور «زكي بدوي»، الذي استقي منه الأمير الكثير من معلوماته عن الإسلام وتعاليمه والرد علي افتراءات خصومه،
وأظن أن الراحل الدكتور «زكي بدوي» ـ بلغته الإنجليزية الرفيعة وقد كان متزوجاً من بريطانية ـ هو الذي صاغ الأفكار الرئيسية لمحاضرة الأمير «تشارلز» المشار إليها في جامعة «أكسفورد»، ومحاضرته الثانية بجامعة «الأزهر الشريف» في مارس ٢٠٠٦، وسوف يظل الأمير متطلعاً إلي كرسي العرش الذي يقترب منه ثم يبتعد عنه، لأن صاحبة الجلالة لا تريد أن تتخلي عن عرشها حتي لحظة الرحيل عن هذا العالم.. ثم يبقي لديه بعد ذلك ابناه من «ديانا أميرة القلوب» وهما: «وليم» و«هاري» اللذان يقترب العرش من أكبرهما بفرص أعلي من أبيه.. إنها سُنة الحياة وقانون الوجود وفلسفة الزمان.

چون جارانج

بقلم د. مصطفي الفقي ٢٤/ ١/ ٢٠٠٨
لا يخالجني شك في أن الرحيل الغامض الذي حدث بالمصرع المفاجئ للعقيد «چون جارانج» قائد حركة التمرد الكبري في الجنوب السوداني في حادث طائرة ـ لا يبدو كامل البراءة حتي الآن ـ إنما يمثل خسارة كبيرة لوحدة السودان وسلامة أراضيه وضمان مستقبله، فقد كان «جارانج» وحدوياً رغم أنه كان يقود حركة ترفع شعارات يصل بعضها إلي التلويح بالانفصال،
ومازلت أذكر أول لقاء لي مع ذلك القائد الذي خرج من الجيش السوداني برتبة عقيد، وحصل علي «الدكتوراه» في الخارج وعاد ليقود الحركة الشعبية لتحرير السودان في منزل السفير المصري في «أديس أبابا» «أحمد الزنط» ـ رحمه الله ـ في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي ويومها كان «جارانج» معبراً بقوة عن تقديره لمصر
وارتباط جنوب السودان تاريخياً بالدولة المصرية، مؤكداً أن مصر لم تلعب يوماً دوراً انتهازياً في الصراع القائم بين شمال السودان وجنوبه، وقد تحدث معي «جارانج» بلغة عربية واضحة عن أمله في ظهور سودان جديد يكون موحداً وديمقراطياً في ذات الوقت، كما أبدي اعتزازه باللغة العربية واحترامه للدين الإسلامي وفهمه للعلاقة بين المزاج الإفريقي والشخصية العربية.
وأتذكر يوماً أنه كان يجلس مع السيد «عمرو موسي»، وزير خارجية مصر الأسبق، فبادر الدكتور «جارانج» الوزير المصري بقوله (إنني أريد أن أشارك في حكم السودان ولا يجب أن يكون هناك مانع يحول بيني وبين هذا الحق كمواطن سوداني أصيل)، فرد عليه الوزير بذكاء شديد قائلاً (نعم هذا حقك يمكن أن تحصل عليه بالحوار الوطني والعمل السياسي ولكن لا يمكن الوصول إلي ذلك الهدف «بالبندقية» فالعنف لا يصنع المستقبل،
ولا يفتح الأبواب نحو المجتمع الذي ينعم بالتعددية السياسية والفكرية علي حد سواء)، وكان اللقاء الثالث الذي جمعني بالشهيد «چون جارانج» في دار مولانا «محمد الميرغني» «بشارع الخرطوم» في مصر الجديدة علي عشاء أقيم تكريماً له وكانت معه السيدة قرينته التي كانت تسعي يومها لدعم حملة تنوير وتحديث في جنوب السودان لرفع مستوي الحياة بين أبنائه، حتي إنها طالبت بإنشاء مدارس لتعليم اللغة العربية بصورة تؤكد التوجهات الوحدوية لزوجها في إطار سودان موحد وديمقراطي تنعم فيه كل الطوائف والثقافات بقدر متكافئ من الحقوق والواجبات،
وعلي الرغم من الصلات الوثيقة التي ربطت بين «جارانج» وحركته في جانب والولايات المتحدة والغرب في جانب آخر، بل اتصالاته المستمرة بالكنائس الغربية إلا أن الرجل كان يعمل في حدود علمي سعياً نحو وحدة السودان ومستقبله الديمقراطي ولم يكن خيار الانفصال هو الأول لديه،
ولكنه كان تعبيراً عن تنامي دور الجبهة الإسلامية وتأثيرها علي أركان الحكم في «الخرطوم» إذ يجب ألا ننسي أن «جارانج» هو ابن الجيش السوداني الباسل تربي فيه وتخرج منه وقد اعتمد علي مستشار سياسي رفيع القدر هو الصديق د.«منصور خالد» وزير خارجية «السودان» الأسبق، كما أن الرجل كان يرتبط بعلاقات طيبة مع عدد من العواصم العربية ربما كان أبرزها «القاهرة» و«طرابلس».
ونحن إذ نستشعر الخسارة الكبيرة لرحيله في ظروف صعبة لا نشكك في كفاءة خلفائه ولكننا نري أن غيابه هو افتقاد لدوره الوحدوي في مستقبل جنوب السودان، كما أن مصر علي وجه الأخص كانت تري فيه أملاً لوحدة ذلك القطر الشقيق، خصوصاً أن ارتباط الجنوب بمصر كان قوياً دائماً،
خصوصاً علي مستوي المنح الدراسية والأنشطة التعليمية، ولم يكن ذلك أمراً جديداً، ولكنه ظل تقليداً استمر في العصرين الملكي والجمهوري دون تراجع أو توقف، وعندما عبرت أرملة الزعيم السوداني الراحل ـ الذي تزامن مصرعه مع وفاة الملك «فهد بن عبد العزيز» ـ عن شكوكها حول طبيعة حادث الطائرة الذي أودي بحياته رغم سلامة التحقيقات التي تمت واستبعاد أي شبهة جنائية فيه،
فإنها قد فتحت ملفاً يظل محل جدل ونقاش قد يستمر لعدة سنوات قادمة لأن توقيت رحيل الدكتور «چون جارانج» كان مأساوياً بكل المعايير لا بالنسبة لأسرته وحدها بل للسودان كله ومستقبل أبنائه، حيث مازالت تعصف به الرياح علي نحو يدعو إلي القلق ويتطلب اليقظة لأن أكبر الدول الإفريقية مساحة وأكثرها ثراء في الأرض والمياه لا يمكن أن تكون مجرد مسألة موسمية نؤمن بها حين نريد ونبتعد عنها حين نشاء!.
[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 05:03 PM   #26
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]محمد حسنين هيكل

بقلم د. مصطفي الفقي ١٧/ ١/ ٢٠٠٨
إن «الأستاذ» هو ظاهرة فريدة في ذاتها، ومؤسسة مستقلة تمشي علي قدمين، ومهما اختلف الناس معه فإن التشكيك في قيمته يبدو نوعاً من العبث، كما أن المساس بمكانته هو تطاول لا يليق،
فإذا أخذنا «محمد حسنين هيكل» من الناحية «المنهاجية» فقط ودون الغوص في الأفكار والأعماق والآفاق، فإننا أمام عقلية منظمة للغاية، وذاكرة قوية بلا حدود، وقدرة علي الملاحظة الاستثنائية، لا نكاد نجد لها نظيراً، فالرجل يفهم بعينيه ويستقبل بأذنيه ويرصد كل ما حوله في دقة بالغة وذكاء حاد ورؤية شاملة،
ولا شك أن مسار حياته يعتبر نموذجاً غير متكرر، ولا أظن أن كاتباً في التاريخ العربي الحديث نال من ذيوع الشهرة وانتشار الاسم واحترام الكلمة مثلما تحقق للأستاذ «هيكل»، ولقد رأيته أول مرة في حياتي في نهاية الستينيات، من خلال ندوة دعاني إليها أستاذي د. «عبد الملك عودة» مساعد الأستاذ «هيكل»، رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير «الأهرام» في ذلك الوقت،
وعندما قدمني إليه أستاذي كان الأستاذ «هيكل» مشغولاً بالحديث مع بعض كبار ضيوف الندوة، فلم تتح لي فرصة الحديث إليه، وتذكرت لحظتها ما حدث عام ١٩٦٥، عندما كنت رئيساً لاتحاد طلاب كلية «الاقتصاد والعلوم السياسية» وبادرت مع زميل لي بالذهاب إلي المبني القديم لمؤسسة «الأهرام» القديم، لندعو الأستاذ «هيكل» إلي لقاء مفتوح مع طلاب الكلية الذين كانت بينهم زميلة دفعتي، الدكتورة «هدي جمال عبد الناصر»، والمشهود لها بالتفوق الدراسي حينذاك،
وعندما ذهبنا إلي مكتب الأستاذ «هيكل» استقبلتنا سكرتيرته الراحلة السيدة «نوال المحلاوي» وتصورت أنا ـ وهماً ـ أنني لو دعوت «الأستاذ» للحديث في موضوع ثقافي عام فسوف يكون ذلك أدعي لقبوله الدعوة، فقلت للسيدة «نوال» إن اتحاد طلاب كلية الاقتصاد يتشرف بدعوة «الأستاذ» للحديث في موضوع غير سياسي، حتي لا نثقل عليه، وإننا نقترح موضوع (أزمة المثقفين بين أهل الثقة وأهل الخبرة) فنظرت إلي سكرتيرة الأستاذ «هيكل» وقالت لي: وهل هذا موضوع غير سياسي؟!
إنه يقع في جوهر القضايا السياسية! وعندئذ انصرفت أنا وزميلي شاكرين، ثم التقيت «الأستاذ» في ندوات مختلفة إلي أن أتاحت لي فرصة عملي في مؤسسة الرئاسة المزيد من المعرفة والتواصل مع ذلك النجم الكبير، الذي أشعر تجاهه دائماً بالعجز الكامل، الذي يصيب الإنسان العادي، عندما يتطلع إلي عملاق في الفكر والثقافة مع إلمام موسوعي بحقائق الكون وشؤون الحياة وهو شعور يتجدد كلما أتاحت لي الظروف لقاء «الأستاذ»، وما أكثر ما دار بيني وبينه من أحاديث أستفيد منها وأجترها،
كلما احتجت إلي لحظات تأمل صادق أو فرصة فكر عميق، فالرجل صنع نفسه بنفسه وفرض اسمه علي الدنيا وأصبح واحداً من أولئك الكتاب الذين يعدون علي أصابع اليدين في العالم كله، وإنني أندهش كثيراً عندما أتابع سلسلة حلقاته علي إحدي الفضائيات، وأعجب بذاكرة ذلك الثمانيني المخضرم،
الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، وأتذكر يوم أن هبط العاصمة البريطانية وأنا دبلوماسي في مقتبل العمر مع مطلع السبعينيات من القرن الماضي، ودعاه يومها سفير الجزائر لدي المملكة المتحدة، وهو الدبلوماسي الدولي المعروف الأستاذ «الأخضر الإبراهيمي» ـ صديق الأستاذ «هيكل» منذ سنوات طويلة ـ لحضور حفل استقبال العيد القومي «للجزائر»،
وعندما شاع خبر وجوده في «لندن» تهافت الدبلوماسيون والسياسيون والإعلاميون في العاصمة البريطانية للقاء «الأستاذ» والاستمتاع بالتحدث معه، ولست أري زائراً دولياً مرموقاً يهبط «القاهرة» إلا وهو يسعي للذهاب إلي «برقاش» لمقابلة «الأستاذ» والاستماع إلي آرائه والإفادة من تحليلاته،
والمذهل أن الرجل لايزال يملك رصيداً من المعلومات الطازجة والمتجددة، التي قد لا تتوافر في أروقة الدوائر الدبلوماسية أو الهيئات الأمنية، فقد اختار لنفسه طريقاً منذ البداية ومضي فيه ووضع لذاته تصوراً سعي إليه، فأثري الفكر السياسي المعاصر ووضع الصحافة في مكانها الرفيع، وأبي أن يمضي دون أن ينشئ مؤسسة تعليمية عالمية لتدريب الصحفيين الشبان، إيماناً منه بالتواصل بين الأجيال، واحتراماً للعلاقة بين المعلم والصبيان!،
وكلما التقيته في السنوات الأخيرة وجدته ناقداً لبعض ما أكتب، عاتباً علي المضي في بعض الاتجاهات التي لا جدوي منها، وأنا الآن أقف بين يدي «الأستاذ» لأجدد احترامي وأقول له: «لك العتبي حتي ترضي»!

الصادق المهدي

بقلم د.مصطفى الفقي ١٠/ ١/ ٢٠٠٨
تربطني بالسيد «الصادق المهدي» صلة قوية، لأنني أري فيه نموذجًا مشرفًا للعربي الأفريقي، الذي حصل علي تعليم راق وحاز ثقافة عالية، وكانت أول مرة رأيته فيها في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، متحدثًا في مؤتمر كبير في قاعة «الأمير ألبرت»، الشهيرة بوسط العاصمة البريطانية، ويومها أدهشتني كثيرًا فصاحته بالإنجليزية، وتدفقه اللغوي الرصين إلي جانب أفكاره المتميزة، ولا غرو فقد درس في جامعة «أكسفورد»،
وكان رئيسًا لوزراء بلاده لأول مرة في الستينيات من القرن العشرين، عندما كان لايزال في العشرينيات من عمره، لأنه وريث بيت عريق فهو حفيد الإمام «المهدي الكبير»، الذي حاول في يوم من الأيام أن يتفادي مقتل «جوردون باشا» ليقايض به «عرابي»، حتي يعود من منفاه، و«المهدية» - لمن لا يعرف - حركة دينية سياسية كبري ارتبطت بالكفاح الوطني والسعي لاستقلال السودان، ووصفت دائمًا بالتحفظ تجاه «مصر» مع وجود حساسيات تاريخية حيالها،
ولقد ظل هذا الانطباع سائدًا حتي عندما تولي «الصادق المهدي» رئاسة الحكومة السودانية، بعد سقوط نظام «نميري» في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، حيث لم تكن «الكيمياء البشرية»، متفاعلة بينه وبين القيادة السياسية والأمنية في شمال الوادي، وأذكر أن لقاءه الوحيد برئيس مصر علي هامش إحدي القمم الأفريقية في مدينة «أديس أبابا» لم يكن له من النجاح ذلك القدر المطلوب،
ولكن يرجع الفضل الأساسي في رفع الحساسيات التاريخية، وذوبان الشكوك الموروثة بين «الصادق المهدي» و«مصر» إلي فترة ما بعد قيام «ثورة الإنقاذ» في السودان عام ١٩٨٩، حيث بدأ السيد «الصادق» يتردد علي «مصر» بانتظام، ويقضي فيها أوقاتًا ليست قصيرة، كما اقتني منزلاً بمدينة نصر، واختلط بفئات الشعب المصري بمختلف مستوياته، ورأي منهم جميعًا حبهم الشديد للسودان واحترامهم الكامل له، باعتباره سليل «بيت المهدي» العريق، كما سعي إليه المثقفون المصريون والمفكرون والكتاب،
وفي مقدمتهم شيخ المعنيين بالشأن السوداني الدكتور «ميلاد حنا»، وكان لي شخصيا شرف لقائه، والحديث إليه كلما سمحت الظروف، بل إنني اشتركت معه، متحدثًا، في عدد من الندوات المتعلقة بشؤون السودان والأوضاع العربية والأفريقية، ولقد اندمج السيد «الصادق المهدي» في الشارع المصري حتي أصبح يتردد علي نادي «هليوبوليس»، ليلعب التنس في الصباح الباكر،
ولعلي أقول إنه لو لم يكن «لثورة الإنقاذ» في السودان من فضل فيكفيها أنها أزالت الحساسية بين الزعامة «المهدية» والدولة المصرية، ورغم أن السيد «الصادق المهدي» يميل إلي التنظير أحيانًا فإنه مرتبط بالواقع، دائمًا، متابع للأحداث الدولية والإقليمية بشكل يدعو إلي الإعجاب، ويتميز بقدر من الكبرياء الشخصي المستمد من قيمته الفكرية والثقافية،
ومازلت أذكر من لقاءاتي مع الرئيس السوداني السابق «جعفر نميري» أنه كان شديد التحفظ علي شخصية «الصادق المهدي» ومكانته السياسية، وقد جمعتني بالسيد «الصادق المهدي»، مناسبات اجتماعية كثيرة منها تلك التي كان يدعونا فيها علي الغداء دائمًا الصديق الدكتور «محمود أباظة»، رئيس «حزب الوفد» بداره في الزمالك، إعزازًا للعلاقة التاريخية بين الحزب والسودان الشقيق،
وكثيرًا ما سمعنا من السيد «الصادق المهدي» في السنوات الأخيرة تحليلات موضوعية حول الدور المصري في السودان والضغوط الدولية التي تتعرض لها «القاهرة» في هذا الشأن، ولا شك أن اختلاط السيد «الصادق المهدي»، في السنوات الأخيرة بمثقفي مصر ومفكريها وأدبائها قد أتاح له أيضًا أن يعرف «مصر» أكثر وأكثر، وذلك يذكرني بعبارة قالها لي القيادي الديني والسياسي الدكتور «حسن الترابي» ذات يوم، عندما عبر عن استيائه من أن من يستقبلونه في «مصر» هم من الجهات الأمنية والسياسية،
بينما هو يتطلع إلي لقاء مع الكتاب والمفكرين في مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام مثلاً، أو تتاح له فرصة محاضرة وحوار في إحدي قاعات «الأزهر الشريف»، ورغم أن «الترابي» يقف علي مسافة بعيدة من صهره «الصادق المهدي» فكريا وسياسيا فإن طبيعة الحساسيات لديهما من أسلوب التعامل المصري كانت متشابهة إلي حد كبير،
لذلك عدلت «مصر» في السنوات الأخيرة عن إرسال سفير لها في «الخرطوم» يأتي من مؤسسة أمنية، وفضلت أن يكون دائمًا دبلوماسيا محترفًا، تأكيدًا لطبيعة الندية بين البلدين التوأمين، ولسوف يظل اسم «الصادق المهدي» مرتبطًا بحاضر السودان ومستقبله، مثلما كان الأمر في الماضي بالنسبة لأبيه وجده، وسوف تزول إلي الأبد حساسيات أحداث جزيرة «أبا»، ويدرك الأنصار في السودان أن «مصر» طرف مباشر ومتكافئ مع كل القوي السياسية في السودان بغير استثناء.
تلك لمحات عابرة من صلة وثيقة بزعيم كبير، وصديق عزيز هو السيد «الصادق المهدي»، حفيد الإمام «محمد أحمد المهدي»، أبرز قادة السودان في القرنين التاسع عشر والعشرين.[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 05:05 PM   #27
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]أحمد بهاء الدين»

بقلم د.مصطفى الفقي ٣/ ١/ ٢٠٠٨
كلما طافت بذاكرتي تلك اللقاءات التي جمعتني بالمفكر الراحل الكاتب الكبير «أحمد بهاء الدين» تداعي إلي ذهني مباشرة تعبير «ضمير الوطن»، فلقد كان الرجل تجسيداً لهذا المعني في أروع صوره، فهو ابن الوادي العريق الذي تنحدر أصوله من محافظة «أسيوط»، وهو الذي شق طريقه في حكمة واقتدار منذ أن تبنته الراحلة «فاطمة اليوسف»،
وهو يبدأ مشواره - شاباً صغير السن - في شارع الصحافة بعد أن أنهي دراسته في كلية «الحقوق»، ونال إجازة القانون، وكان يمكن أن يواصل طريقاً آخر ليكون أحد الكواكب اللامعة في عالم المحاماة، ولكنه غير طريقه ليصبح أحد النجوم الساطعة في عالم الصحافة،
ولقد ربطتني به صلة طويلة منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي، عندما سجلت درجة الدكتوراه في جامعة «لندن» عن موضوع «الأقباط في السياسة المصرية - دراسة تطبيقية حول دور مكرم عبيد» حيث تحدث إليه الراحل «تحسين بشير»، المتحدث الرسمي المصري الأسبق، والدكتور «سمير رؤوف» المستشار السياحي الأسبق في «لندن»، وكلاهما كان يقف علي مسافة قريبة من الكاتب الراحل، ويبدو أنهما قد ذكرا شيئاً عن موضوع أطروحتي للدكتوراه،
وفي أول زيارة للأستاذ «أحمد بهاء الدين» إلي «لندن» وجدته يتصل بي في السفارة المصرية ويطلب لقائي، فذهبت إليه في فندق «تشرشل» الشهير وكان يجلس معه درة ظرفاء العصر الكاتب الساخر «محمود السعدني» - عافاه الله في محنته - وقد ابتدرني الأستاذ «بهاء الدين» بحديث طويل عن الوحدة الوطنية المصرية ودور «مكرم باشا عبيد» كأحد رموزها، ومنذ ذلك اللقاء توطدت علاقتي بالأستاذ وأصبحت شغوفاً بالجلوس إليه، والاستماع منه كلما سنحت الفرصة في «القاهرة» أو «لندن»، خصوصاً أن الكاتب الراحل كان معنياً بقضية الوحدة الوطنية المصرية لأسباب لا تبتعد عن هموم الشأن العام في الوطن،
وتقترب أيضاً من تركيبة أسرته الصغيرة واختياره شريكة حياته من إحدي العائلات القبطية العريقة، ولقد أتاحت لي الظروف أن أكون مشرفاً علي البحث السنوي لابنته النابهة الدبلوماسية المتميزة الأستاذة «ليلي بهاء الدين» - وهي قرينة سفيرنا المتألق في العاصمة البرتغالية حالياً- فازدادت أسباب اقترابي من الأستاذ ولم تفتني كلمة واحدة مما كتب، سواء كان ذلك في كتبه الرائعة أو مقالاته الرصينة التي عالج فيها شؤون الأمة وهموم الوطن.
أما البعد القومي في شخصيته فإنني أتمني أن يكون موضوعاً مستقلاً لأطروحة دكتوراه حديثة، فقد ارتبط «أحمد بهاء الدين» بفكرة العروبة وناضل من أجلها في أروقة «البعث» وصفوف «القوميين العرب» وساحات «العصر الناصري» وتحمل - رحمه الله - عبئاً كبيراً في مسار القضية الفلسطينية، ولن ينسي العرب ولا الإسرائيليون أنه صاحب المبادرة التاريخية لقيام الدولة الديمقراطية في إسرائيل،
التي تضم العربي واليهود في فلسطين علي قدم المساواة، وهو طرح ذكي قدمه الكاتب الراحل غداة هزيمة ١٩٦٧، ولقد أثار اقتراحه في ذلك الوقت جميع الدوائر الإقليمية والدولية وملأ الدنيا وشغل الناس، كما أحرج «الدولة العبرية» بشكل مازالت تتهرب منه حتي الآن، وما أكثر من تأثروا بالأستاذ الراحل، فلقد أطلق صديقي وزميل دراستي الدكتور «علي الدين هلال» اسمه علي ابنه البكر كما أن الأستاذ «أحمد بهاء الدين» كان رئيساً للجنة المناقشة في أطروحة الكاتب الصحفي الدكتور «عمرو عبدالسميع» في منتصف الثمانينيات،
كذلك ارتبط الكاتب الراحل بعلاقة صداقة متينة مع الأستاذ الكبير «محمد حسنين هيكل»، ولم تكن علاقتهما تنافسية أبداً ولكنها كانت تكاملية في جميع الأدوار، وعندما أبلغ المناضل الوطني الكبير «خالد محيي الدين» صديقه «أحمد بهاء الدين»- وكانا علي موعد لقاء في مناسبة اجتماعية مساء الثامن والعشرين من سبتمبر ١٩٧٠- بوفاة الزعيم «جمال عبدالناصر» كاد «أحمد بهاء الدين» أن يسقط مغشياً عليه لرحيل رمز الأمة في وقت الشدة،
وكلما رددت ابنته السيدة «ليلي» اسم ابنها الوحيد «بهاء» تذكرت الجد بحصافته الفكرية وتوهجه الذهني وحسه الوطني، ومنذ أيام كنت أجلس إلي ابنه الوحيد الدكتور «زياد بهاء الدين» رئيس مجلس أمناء الهيئة العامة للاستثمار، وأحسست من طريقة حديثه وتدفق أفكاره وتألق رؤيته ما جعلني أشعر أن «أحمد بهاء الدين» لم يمت ومازالت روحه تسعي بين من ورثوا عنه «الجينات» العقلية عائلياً أو فكرياً،
فما أكثر تلاميذه بين أروقة الوطن وساحات الأمة، وكلما تطلعت إلي وجه قرينته العظيمة السيدة «ديزي» وجدت أن الحزن الغامض يطل من عينيها علي رفيق الحياة الذي رحل، وكان صراعه مع المرض طويلاً وأليماً، ولكن مكانته وقيمته تتزايدان كلما افتقد الناس الفكر الشريف والكلمة النزيهة والعبارة الصادقة.
مولانا «محمد الميرغني»

بقلم مصطفى الفقى ٢٧/ ١٢/ ٢٠٠٧
هو الزعيم الروحي لطائفة «الختمية» في السودان وهو سليل الإمام «الميرغني الكبير»، الذي ارتبطت جماعته تاريخيا ثم حزبها السياسي بعد ذلك بعلاقات وثيقة مع «مصر»، تحت شعار «وحدة وادي النيل»، ولقد تواصلت بيني وبين مولانا صلات العمل بحكم وظيفتي في نهاية التسعينيات من القرن الماضي مساعدًا لوزير الخارجية للشؤون العربية والشرق الأوسط، حيث كان السيد «عمرو موسي» يحرص علي استقبال الرموز التاريخية للحياة السياسية في السودان ومسؤولي الحكومة في «الخرطوم» بمعدل يكاد يكون أسبوعيا، حرصًا منه علي الروابط الأزلية بين البلدين التوأم «مصر»، و«السودان» وكنت أحضر تلك اللقاءات بحكم عملي، فتوطدت علاقتي أكثر بمولانا «الميرغني»، والسيد «الصادق المهدي» وأعضاء الحكومة السودانية وزعماء الجنوب أيضًا.
وعندما ذهبت إلي «الخرطوم» في مايو عام ٢٠٠٠، علي رأس الوفد التحضيري لاجتماع اللجنة المشتركة بين البلدين، وكان الوفد يضم الدبلوماسيين المعنيين بالشأن السوداني إلي جانب الخبراء من جميع الوزارات المصرية ذات الصلة، وكانت فترة ثرية بالاتصالات الناجحة حتي استقبلنا الرئيس «البشير» ومعظم قيادات السودان شماله وجنوبه، وحدث بعد عودتنا بأيام قليلة أن أبلغني مكتب وزير الخارجية أن مولانا «محمد الميرغني» ومعه شقيقه السيد «أحمد الميرغني» الذي كان رئيس مجلس رأس الدولة في السودان بعد الإطاحة بحكم «نميري» عام ١٩٨٥ سوف يحضران للقاء الوزير، وأنني مدعو لحضور اللقاء ومعي مدير إدارة السودان السفير «محمد رفيق خليل» وعدد من الدبلوماسيين المصريين المعنيين بالشأن السوداني من قطاع الشؤون العربية، الذي كنت أترأسه.
وجلست مع مولانا «الميرغني» وشقيقه المعروف بالهدوء ودماثة الخلق عدة دقائق في صالون الانتظار نتجاذب أطراف الحديث في ود بالغ ونتناول أقداح الشاي انتظارًا لانتهاء مقابلة الوزير مع آخر ضيف لديه حتي استقبلنا في مكتبه وجلس الزعيمان اللذان ينتميان إلي «بيت الميرغني» العريق مع وزير الخارجية المصري ومعهم عدد من أعضاء وزارة الخارجية بقيادتي نتابع الحوار حول شؤون السودان والعلاقة بين المعارضة والحكومة في «الخرطوم» وكيفية رأب الصدع ولم الشمل للوطن السوداني الواحد بجميع أصوله وأعراقه وفصائله.
ولاحظت أن مولانا «محمد الميرغني» يحمل مظروفًا كبيرًا يحتوي عدة أوراق يمسك به في يده أثناء اللقاء ثم طلب «مولانا» من وزير الخارجية أن يقتصر اللقاء عليه هو وأخيه مع الوزير، فخرجنا جميعًا لنترك الثلاثة في جلسة مغلقة وكدت أتحرك إلي مكتبي في الدور العاشر بمبني الوزارة ولكن ما هي إلا دقائق قليلة حتي أبلغت أن الوزير يريد مني الانضمام إلي ذلك اللقاء الثلاثي المغلق فدخلت وجلست فنظر إلي السيد «عمرو موسي» بابتسامة ذات مغزي وقالي لي (إن «مولانا» جاء ليشكو منك ومعه قصاصات من صحف «الخرطوم» الصادرة أثناء زيارتكم وهو يعتب عليك أنك قلت إن مصر مع السودان كله بجميع طوائفه دون تفرقة!) فقلت (نعم إنني ألقيت محاضرة كبيرة في «الخرطوم» وقلت فيها إن «السودان» شماله وجنوبه وشرقه وغربه بما فيه من «ختمية» و«أنصار» محسوبون جميعًا علي «مصر» بنفس الدرجة).
وهنا انفعل «مولانا» وقال (هذا عبث بالثوابت لأن «الختمية» هي الطائفة المرتبطة بمصر تاريخيا منذ أيام «سعد زغلول» و«مصطفي النحاس»)، فرددت عليه بقولي «إنني أعرف ثوابت العلاقة بين البلدين أكثر من غيري ولم يكن في حديثي أي إشارة سلبية للعلاقة بين الطائفة «الختمية» و«مصر» ولكنني كنت أتحدث عن «سودان» ديمقراطي موحد تنظر إليه «مصر» بندية واحترام)، وكان السيد «عمرو موسي» يتابع الحديث ويعطيني الفرصة كاملة لكي أرد علي اتهامات «مولانا» وقد أردف السيد «الميرغني» قائلاً إنني رفضت دعوة عشاء وجهها إلينا الحزب الاتحادي «حزب الختمية» أثناء الزيارة فقلت له (إنني أسف أن ذلك لم يحدث بل إنه علي الجانب الآخر وجه إلينا «حزب الأمة»، بتعليمات من السيد «الصادق المهدي»، دعوة علي العشاء فاعتذرنا عنها، لأن تعليمات وزير الخارجية المصري لنا هي أن يكون الوفد المسافر علي مسافة واحدة من كل القوي السياسية والاتجاهات الدينية والثقافية في «السودان»).
وكان السيد «أحمد الميرغني»، يجلس إلي جانب شقيقه الأكبر في هدوء ووقار معروف بهما أما أنا فقد كنت أنظر إلي المظروف الكبير وأنا أضحك في داخلي لأنني رأيت ذلك المظروف مع «مولانا» قبل دخوله إلي السيد الوزير ولم أكن أعلم أن فيه ما يمثل انتقادًا لي أو شكوي مني ولقد ذكرني ذلك بما جاء في الأدب العربي القديم «حامل حتفه بيده»، ولقد ظلت علاقتي بمولانا «الميرغني» محل شكوك قوية من جانبه رغم أنني تشرفت بزيارته بداره العامرة بشارع «الخرطوم»، في مصر الجديدة وتناولت العشاء معه علي شرف وفد الجنوب برئاسة الراحل «جون جارانج»، كما أن سكان ضاحية مصر الجديدة يعرفون اسم «الميرغني» منذ عشرات السنين، لأن أحد خطوط المترو الرئيسية يحمل اسمه حتي الآن.
وعندما تقرر تعييني في «مجلس الشعب المصري» في نهاية عام ٢٠٠٠، اتصل بي «مولانا» ضاحكًا، وقال لي (إنني أريدك أن تأتي للعشاء في منزلي تكريمًا لك بمناسبة تركك الخدمة في «السلك الدبلوماسي المصري»)، فقلت له (يا مولانا إنه ليس تكريمًا لي بقدر ما هو تعبير عن سعادتك بتركي وزارة الخارجية المصرية)، فرد علي قائلاً ( نعم ربما يكون ذلك صحيحًا)![/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 05:07 PM   #28
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]أحمد زويل

بقلم د.مصطفى الفقي ٢٠/ ١٢/ ٢٠٠٧
عشنا في مدينة واحدة، هي «دمنهور»، معظم سنوات الدراسة، قبل أن ينتقل هو وأسرته إلي مدينة «دسوق»، ليجاور «سيدي إبراهيم» بمسجده الكبير وساحته الواسعة، إنه ابن مصر العظيم الذي رفع رأسها في وقت كانت تحتاج فيه إلي ذلك، فلقد نفض عنها غبار التخلف العلمي والتكنولوجي، مضيفاً إلي الكوكبة المتألقة من علمائها الكبار اسماً جديداً يرصع سماءها أمام العالم.
وبرغم أنني شخصياً كنت طالباً متفوقاً في سنوات الدراسة، وكنت الأول علي منطقة «البحيرة» التعليمية في الشهادة العامة، فإن أحمد زويل ظل هو فرس الرهان، والاسم الذي نعتز به جميعاً. لقد كان تخصصي في المرحلة الثانوية هو علم «الفيزياء»، إلا أنني تحولت إلي طريق آخر هو دراسة الاقتصاد والعلوم السياسية.
أما هذا العالم الفذ فلقد واصل طريقه، معروفاً طوال حياته بالذكاء الحاد، والتوهج العقلي، ودماثة الخلق، والبساطة والتواضع اللذين ظلا يلازمانه حتي أصبح نجماً دولياً، رفيع الشأن، متألق المكانة، فجائزة «نوبل» في العلوم تختلف عنها في السلام أو في الآداب، لأنها لا تخضع في هذه الحالة لاعتبارات سياسية أو توزيع جغرافي بين الحضارات والثقافات، إذ لا يحصل عليها إلا من أوتي العلم الحقيقي، ومن قدم للإنسانية جديداً يدفعها إلي الأمام.
وهذا شأن «أحمد زويل»، الذي لا يختلف اثنان علي إسهامه الضخم في التقدم العلمي علي مستوي العالم، الذي لايزال مستمراً في أبحاثه الجادة، وقد يتوج عمله الحالي بـ«نوبل» الثانية بعد سنوات قليلة، خصوصاً أنه يكرس جهود مجموعته حالياً في خدمة الطب وصحة الإنسان، ويركز علي مرض «ألزهايمر» والتغيرات الكيميائية التي تصيب خلايا المخ فتؤدي إليه.
وأحمد زويل - لمن لا يعرف - يحظي باحترام دولي كاسح، فلقد حضرت له منذ سنوات قليلة محاضرة ضخمة في أعرق جامعة ببرلين، وكان موضوعها عن عالم «الضوء» العربي «الحسن بن الهيثم»، ويومها احتشد له في القاعة مئات العلماء الألمان، وكنت أشعر وقتها بأن قامتي تطول فخراً بهذا العالم المصري المرموق،
وقد حكي لي زميلي الدكتور خيرالدين عبداللطيف، سفير مصر السابق في الهند، كيف احتشد أيضاً لأحمد زويل علماء الهند - وهم بالمناسبة قوة علمية هائلة لا يستهان بها - وكيف كان إعجابهم واحترامهم بالعالم الكبير من دلتا النيل محل دهشة سفيرنا وسعادته، وتبدو قيمة زويل الحقيقية في أنه ليس عالماً فحسب، ولكنه أيضاً مفكر رفيع الشأن ومتذوق حساس للآداب والفنون، ولاأزال أتذكر جلستنا الأخيرة في «مقهي الفيشاوي» بحي «الحسين»، عندما جمعتنا الظروف نحن الثلاثة: العالم الفذ أحمد زويل، والشاعر الكبير فاروق جويدة، وأنا،
وتحركت بيننا ذكريات العمر والدراسة، فنحن أبناء محافظة واحدة، ودرس ثلاثتنا بمدينة دمنهور العريقة في الوقت ذاته، ويومها انطلقت روح الفن الكامنة لدي العالم المصري وهو يتحدث عن أم كلثوم، ودور صوتها في حياته وإنجازاته، بينما كانت تسجيلاتها تصدح في المكان، وتعيد إلينا عبق الستينيات من القرن الماضي. إنه أحمد زويل المهموم بالقضايا الكبري في عالم اليوم، خصوصاً في مجال التنمية ورفع مستوي الحياة بين الشعوب،
وهو المهموم أكثر بالشأن الوطني في بلاده بصورة كادت تظلمه، توهم البعض أنه يفكر في دور سياسي رسمي داخل مصر، وذلك في ظني أمر لم يفكر فيه لأنه يعلو فوقه، فقيمة العالم لا تطاولها قيمة أخري. ولقد لعب الإعلام المصري المتهافت علي جاذبية ذلك العالم الكبير دوراً مؤثراً، ولأن الرجل ببساطته كان يستجيب حياء وكرماً، فإنهم قد أسرفوا عليه، ولكن لحسن الحظ لم يسيئوا إليه.
إنه أحمد زويل الذي التقاه قادة العالم ومعظم الحكام العرب، وعرض عليه الجميع استضافة علمه الفريد وجهده المتميز في خدمة البشرية وشعوبها، إلا وطنه الأم الذي أرهقته فيه الإجراءات البيروقراطية والشائعات المغرضة، بل بعض المواقف الحذرة إلي حد التوجس والتخوف،
وظل الرجل صامداً، عاشقاً لمصر، قانعاً بتكريم رئيس بلاده له، راضياً بحب الناس. ولقد رأيت بعيني رجل الشارع العادي وفقراء مصر وكادحيها وهم يلهثون إليه ويسعون إلي مصافحته، وأخذ صور تذكارية معه، لأنهم يؤمنون بأن ذلك الرجل البسيط في شخصه، الضخم في علمه، يسعي لخدمتهم والارتقاء بالظروف المحيطة بهم، لأنه معني بالإنسان حياة وصحة ورفاهية، وقد قالوا قديماً: «إن شاعر الحي لا يطربه»، وأنه «لا كرامة لنبي في وطنه»،
وكلتا المقولتين تنطبق علي ما شعر به أحمد زويل في مصر، التي أنجبته وقدمته هدية للعالم المعاصر. دعونا نعترف - ليس من قبيل جلد الذات، ولكن رغبة في تصحيح المواقف - بأننا أعطينا أحمد زويل قيمته إعلامياً، ولكننا لم نستفد منه علمياً، رغم أن الرجل سعي إلي ذلك حثيثاً وحاوله جاداً، ولكننا لم نتمكن من توظيف علمه واستخدام مكانته لإقامة مركز علمي لبحوث التكنولوجيا المعاصرة، واكتفينا بالمناسبات الاحتفالية والأحاديث الصحفية، ولم ندرك أن أحمد زويل ظاهرة تستحق الإمساك بها والاعتزاز بوجودها، ووضع جميع إمكانات الوطن العلمية والبحثية في خدمته،
خصوصاً أن جامعاتنا العريقة تضم حشداً ضخماً من العلماء، الذين لو تعاملوا مع العبقري المصري أحمد زويل لاستطعنا أن ندفع إلي الساحة العالمية، بعشرات الأسماء ممن يتجهون نحو «نوبل» العالمية، ويمضون علي خطي «زويل» العظيم.

«توماس كليستل»

بقلم د.مصطفى الفقي ١٣/ ١٢/ ٢٠٠٧
هو الرئيس السابق لدولة النمسا، وقد اشتغل بالسلك الدبلوماسي حتي وصل إلي أعلي درجاته، مندوبًا لبلاده لدي الأمم المتحدة، وكانت أول مرة رأيته فيها بعد وصولي إلي «فيينا» بعدة أيام عندما دعا الرئيس النمساوي الراحل إلي حضور قداس كبير في الكاتدرائية الكبري بالعاصمة النمساوية، حيث يسبق السفراء جميعًا سفير الكرسي البابوي، الذي هو عميد للسلك الدبلوماسي، بحكم وضعه كسفير لدولة «الفاتيكان» بغض النظر عن تاريخ وصوله، وموعد تقديم أوراق اعتماده، وهو تقليد متبع في عدد من الدول الكاثوليكية، ومنها «النمسا»: ولقد اكتشفت أن الاختلاف المذهبي داخل الديانة المسيحية قد يفوق أحيانًا الاختلاف بينها وبين الديانتين السماويتين الأخريين الإسلام واليهودية، فلقد شعرت بحماس من الحكومة النمساوية لإنشاء الأكاديمية الإسلامية التابعة «للأزهر الشريف»،
والتي تشرفت بأن أكون مع الدكتور «محمود حمدي زقزوق» وزير الأوقاف، والدكتور «أحمد عمر هاشم» رئيس جامعة الأزهر ـ حينذاك ـ من مؤسسيها في منتصف التسعينيات من القرن العشرين، ولكن الذي أدهشني كثيرًا أنني عندما ذهبت إلي الخارجية النمساوية، طالبًا استضافة الأقباط المصريين، عند إقامة صلواتهم ومناسباتهم في إحدي الكنائس الكاثوليكية القديمة المغلقة منذ سنوات طويلة، والسماح بتحويلها إلي كنيسة قبطية أرثوذكسية بمقابل مادي مفتوح، فوجئت برفض السلطات النمساوية، بل استنكارها الطلب، وأحالوني إلي عمدة «فيينا» الذي أتاح للأشقاء الأقباط شراء قطعة أرض بنوا عليها كنيستهم، التي سعدنا بافتتاحها جميعًا، في حضور قداسة البابا «شنودة الثالث».
أقول ذلك لأنني أريد أن أضع القارئ أمام شخصية الدولة التي جاء منها رئيسها السابق «توماس كليتسل» بعد رئيسها الأسبق «كورت فالدهايم» صاحب المحنة الشهيرة مع اليهود، والذي كتبنا عنه من قبل. ولعلي أذكر هنا أن «توماس كليستل» قد هجر زوجته الأولي، وأم أولاده، وتزوج بدبلوماسية نمساوية شابة تصغره بقرابة ثلاثين عامًا، حتي إن الوضع البروتوكولي للزوجة الأولي كان يمثل مشكلة في كل دولة زارتها بعد ذلك، حيث كان القصر الرئاسي النمساوي ينتقد أي حفاوة بها، رغم أنها أم أبناء رئيس الجمهورية،
وعندما تمكنت من نقل السفارة المصرية والقسم القنصلي ومنزل السفير في «فيينا» إلي واحد من أعرق وأفخم قصور العاصمة النمساوية، وهو القصر الذي أمضي فيه «أدولف هتلر» ليلة زيارته لـ «فيينا» قبيل الحرب العالمية الثانية عندما خاطب سكانها من شرفة القصر الرئاسي «الهوفبورج» كان جاري المباشر هو رئيس الجمهورية «توماس كليستل»، وعندما كنت أتمشي مع زوجتي أمام منزلنا - إذا سمح الطقس بذلك - كنا نلتقي كثيرًا الرئيس النمساوي، وقرينته الشابة، وكان «كليستل» يبادرني دائمًا بقوله مازحًا، هل يمكن أن نتبادل المباني بين منزل رئيس الجمهورية ومقر السفير المصري؟،
تعبيرًا عن إعجابه بما تحقق للوجود المصري في العاصمة النمساوية من صرح كبير تتوسطه «مسلة» فرعونية ضخمة من جرانيت «أسوان»، وهو أمر سوف يبقي شاهدًا علي مكانة مصر في دولة «موزارت» و«فاجنر» و«بيتهوفن» (ألماني الأصل) وغيرهم من أساطين الموسيقي الكلاسيكية. ولقد أسرني كثيرًا الرئيس النمساوي الراحل «توماس كليستل» بمبادرته في الأسبوع الأخير من خدمتي في «فيينا» عندما أوعز إلي مدير مكتبه ليتصل بي قائلاً:
«إن رئيس الجمهورية يريد أن يستقبلك قبل مغادرتك البلاد، ولكن ذلك تقليد غير متبع في (النمسا) وإذا حدث فسوف يطلب جميع السفراء المغادرين المعاملة نفسها، لذلك فإن الرئيس قد حدد لك موعدًا لزيارة مدير مكتبه - وهو سفير قديم من الخارجية النمساوية - وسوف يدلف الرئيس من مكتبه إلي الحجرة المجاورة ليتناول معك فنجان شاي تحية لبلادك ولك». وكان الرئيس رقيقًا معي للغاية حتي استمر لقاؤنا أكثر من نصف ساعة، قدم لي فيها هدية رمزية منه مع صورة له موقعة بإمضائه،
وودعني بنفسه حتي حجرة مدير مكتبه. ولقد حزنت كثيرًا عندما رحل هذا الرجل عن عالمنا منذ سنوات قليلة حيث دخل في غيبوبة مرضية طويلة وتردد وقتها أن زوجته الشابة قد طلبت رفع أجهزة التنفس الصناعي عنه قبل انتهاء ولايته الرئاسية بيوم واحد، حتي يموت وهو رئيس الدولة، فتنعم هي بمعاش الرئاسة كاملاً! وقد تكون هذه الرواية مغرضة، ولكن المؤكد أن الرجل كان معتزًا ببلادي، كريمًا معي، ودودًا في كل لقاء.[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 05:08 PM   #29
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]محمود فوزي»

بقلم د. مصطفي الفقي ٦/ ١٢/ ٢٠٠٧
ترتبط الدبلوماسية المصرية الحديثة بأسماء متعددة لروادها الأوائل من أمثال الباشوات القدامي: «حسن نشأت» و«حافظ عفيفي» و«محمود فخري» و«عبدالفتاح عمرو» و«محمد صلاح الدين»، ثم مرحلة الدكتور «أحمد حسين» و«محمود حسن» و«عوض القوني» و«محمود فوزي»، ولكن يظل الأخير هو أكثرهم شهرة، وأعلاهم مكانة في تاريخ السلك الدبلوماسي المصري،
ذلك أن الرجل - الذي خدم في «اليابان» في مطلع حياته، ثم في أروقة الأمم المتحدة منذ إنشائها - قد جاءت به ثورة يوليو وزيرًا للخارجية، بعد فترة قصيرة شغل فيها السفير «أحمد فراج طايع» ذلك المنصب بعد قيام الثورة مباشرة، وقد كان «طايع» قنصلاً عامًا لمصر في «تريستا» بإيطاليا، وهو ينتمي لواحدة من عائلات الصعيد العريقة، أما «محمود فوزي» فهو ابن «محافظة المنوفية» لواحد من أعيان الريف، يحمل لقب «الفقي»، رغم أنه لم يستخدمه طوال حياته،
وفي ظني أن «فوزي» و«القوني» وبعدهما «محمود رياض» و«إسماعيل فهمي» و«عصمت عبدالمجيد» و«عمرو موسي» و«أسامة الباز» و«أشرف غربال» و«أحمد ماهر» و«نبيل العربي» و«عبدالرؤوف الريدي» و«أحمد صدقي» و«محمد شاكر» وغيرهم، وصولاً إلي جيل الوزير الحالي «أحمد أبوالغيط»، إنما يمثلون جميعًا الطبقة المتوسطة العليا في مصر وأبناء رجال الخدمة المدنية، وبعض رجال الدين، وأعيان الريف.
نعود مرة أخري إلي الدكتور «محمود فوزي» الذي بدأ في السلك الدبلوماسي بدرجة «تلميذ قنصلي»، بعد تصريح «٢٨ فبراير ١٩٢٢»، وقيام السلك الدبلوماسي المصري المستقل، واكتساب مصر حق التمثيل الخارجي، بمقتضي ذلك التصريح ووفقًا لـ«دستور ١٩٢٣»، ولا شك أن «محمود فوزي» قد اكتسب قدرات كثيرة من المواقع التي شغلها طوال حياته الدبلوماسية الثرية، فكان معروفًا بإجادته اللغات الأجنبية، وفصاحته في اللغة العربية،
وهدوئه الشديد، وميله للعزلة، والاستغراق في التأمل، فضلاً عن تذوقه للآداب والفنون، حتي إنه كان مغرمًا بتنسيق الزهور علي الطريقة اليابانية في مستهل حياته الدبلوماسية، كما كان واسع الثقافة، متذوقًا لاختلاف الشخصيات الحضارية في الأماكن التي عمل بها، ولكنني أسمح لنفسي بأن آخذ عليه - رغم كل احترامي له وتقديري لتاريخه - أنه كان سلبيا، إلي حد كبير،
في تعامله مع الضباط الأحرار من شباب ثوار «٢٣ يوليو ١٩٥٢»، ربما لأنه اقتنع منذ البداية بأنهم سوف يفعلون ما يريدون، فآثر السلامة، واكتفي بالجانب المهني والحرفي في وظيفته، فهو المتحدث رفيع الشأن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد تأميم «قناة السويس»،
ثم في أعقاب العدوان الثلاثي، وهو صاحب الخطوة الشهيرة في انتقاد شاه إيران السابق عندما كان الأخير داعمًا لإسرائيل، والتي قال فيها: (لقد شاه وجه الشاه وآن لشعب إيران أن يضحي بشاه)، فضلاً عن أن كفاءته الدبلوماسية لم تكن محل جدل، بل كانت دائمًا مثار احترام وتقدير، دوليا وإقليميا، ولكن الرجل في تعامله مع الرئيس الراحل «عبدالناصر» كان تنفيذيا تبريريا بالدرجة الأولي،
وعندما استشاره «عبدالناصر» في إحدي الخطوات التي يزمع القيام بها، قال له أب الدبلوماسية المصرية «محمود فوزي»: (إن هذا الأمر - يا سيدي الرئيس - يحتاج إلي قرار مستمد من إلهام الزعامة، وليس مجرد رأي وزير الخارجية!) مع أن مهمة رئيس السلك الدبلوماسي هي مهمة سياسية بالدرجة الأولي، فهو المستشار الأول لرئيس الدولة في الشؤون الخارجية، وعندما يتعامل وزير الخارجية مع نظام عسكري، فإن مسؤوليته تكون مضاعفة،
كما أن مهمته تبدو أحيانًا أكثر تعقيدًا، ولكن الفيصل دائمًا هو حسه الوطني وشعوره القومي. وأتذكر الآن اللقاء الوحيد الذي جمعني بالدكتور «محمود فوزي» عندما جاء للعلاج في لندن عام ١٩٧٥، وذهبت مع صديقي وزميلي في السفارة حينذاك السفير «أحمد والي» لزيارة جد ابنه في المستشفي، الذي كان يخضع فيه لعلاج جراحي بالعاصمة البريطانية،
وقد جلسنا معه في حجرته لأكثر من ساعتين، قدمني في بدايتها السكرتير أول «أحمد والي» لصهره السابق نائب رئيس الجمهورية المصرية الدكتور «فوزي»، تقديمًا سخيا، وقال عني إنني قارئ جيد ومتابع دؤوب للشأنين الداخلي والخارجي، عندئذٍ تفتحت شهية الدبلوماسي الكبير للمناقشة - وكان في طور النقاهة من محنته الصحية- وقال لي ما هو تفسيرك أيها الدبلوماسي الشاب لما.
(بدأ في لبنان من حرب أهلية مع بدايات التصدع في الجبهة العربية عمومًا؟)، عندئذٍ استجمعت شجاعتي، رغم ما كنت أشعر به من اضطراب، وأنا أجلس إلي أب الدبلوماسية المصرية، وتفتق ذهني يومها عن رد طويل، أشرت فيه إلي أن ما يجري في الساحة اللبنانية إنما هو محصلة للوضع العربي العام ونتيجة له.
وأعترف بأن الرجل العظيم قد استمع إلي في صبر واهتمام شديدين، ثم فاجأني قائلاً: (مع تقديري لتحليلك يا بني إلا أنني أظن أن السبب غير ذلك)، فتطلعت إليه في شغف وتأدب شديدين، لكي أستمع منه إلي ما يراه تفسيرًا لما يجري في الوطن العربي حينذاك، فإذا به يقول إن السبب هو أننا قد حُسدنا بعد انتصار «أكتوبر ١٩٧٣»!، مضيفًا أنه يجب ألا ننسي أن الحسد مذكور في القرآن الكريم! عندئذٍ لا أعرف لماذا طافت بخاطري مقولة شهيرة لأحد الأئمة الأربعة عندما قال: (آن لـ«الشافعي» أن يمد رجليه).
تلك هي المقابلة الوحيدة التي تشرفت فيها بالحديث إلي أسطورة الدبلوماسية المصرية، والتي لا تنتقص من مكانته الكبيرة وتاريخه الضخم وتأثيره المشهود علي الساحة الدبلوماسية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي،
قبل أن يولّيه الرئيس الراحل «السادات» رئاسة أول حكومة في عهده، ويومها قال الدكتور «محمود فوزي» للإعلام: (إن المصريين يريدون أن يشعروا بأن أمورهم تؤخذ بجدية!).. رحم الله رائد الدبلوماسية المصرية، الذي يذكره الناس في كل مكان بالتوقير والاحترام والعرفان.

محمد البرادعي

بقلم د.مصطفى الفقى ٢٩/ ١١/ ٢٠٠٧
شنت «الدولة العبرية» هجوما مركزا علي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور «محمد البرادعي» وهي إذ تستهدفه في هذه المرحلة، إنما تقوم بدور أساسي في التمهيد للتداعيات المحتملة في المواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، ولابد أن أسجل هنا أن «محمد البرادعي» في نظري هو نموذج فريد للإنسان الموضوعي الملتزم الذي تشرف به الوظيفة الدولية التي يشغلها، فهو إنسان صلب متجرد من التأثيرات الجانبية ويتمتع بدرجة عالية من شجاعة الرأي والصدق مع النفس والبعد عن الهوي، ولا غرو فهو ابن لشخصية وطنية مرموقة، فوالده- رحمه الله- نقيب سابق للمحامين في «العصر الناصري» معروف بمواقفه الجريئة ومبادئه الثابتة التي التزم بها في كل الظروف،
ولقد ورث الابن عن أبيه الخلق الرفيع والعلم الغزير والتواضع الذي لا يخلو من مسحة حياء ونزعة كبرياء، وعندما عينت سفيرا لبلادي في العاصمة النمساوية ومندوبا مقيما لمصر لدي الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام ١٩٩٥ سعيت إليه باعتباره مدير إدارة الشؤون القانونية، والعلاقات الخارجية في الوكالة، وكانت تربطني به من قبل صلات قديمة في فترة عمله دبلوماسيا مرموقا بمكتب السيد «إسماعيل فهمي» نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية في السبعينيات من القرن الماضي، فضلا عن لقاءات صيفية في قرية الدبلوماسيين الساحل الشمالي،
ولقد لفت نظري عندما بدأت التعامل اليومي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن ذلك المصري العظيم يحظي باحترام شديد لدي الدوائر المختلفة في الوكالة ووفود الدول فيها، كما أنني لاحظت أيضا أن الدكتور «هانز بليكس» المدير العام للوكالة حينذاك- وهو وزير سابق للخارجية في «السويد» وقد أمضي قرابة ستة عشر عاما كمدير للوكالة- يتعامل مع الدكتور «البرادعي» في ندية واحترام شديدين، وعندما قاربت مدة «بليكس» علي الانتهاء وبدأ الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التفكير في مدير عام من دول الجنوب اتجهت الأنظار نحو ابن مصر «محمد البرادعي»، وقد جرت في كواليس الدبلوماسية المصرية وقتها مناقشات أدت إلي ترشيح شخصية مصرية مرموقة أخري لها صلة وثيقة بقضايا الطاقة النووية علي المستوي الدولي،
ولكن كان واضحا أن «الدكتور البرادعي» هو المطلوب لهذا الموقع شديد الحساسية في المجتمع الدولي المعاصر، وقد كان موقفي حرجا للغاية كمندوب لمصر في الوكالة حيث تعين علي الالتزام بتعليمات بلادي في ظل ذلك الوضع الصعب، إلي أن تقدم الدكتور «البرادعي» للمنصب مرشحا عن القارة الإفريقية كلها، ولم يكن هناك أمامي إلا أن أقرر أن مصر جزء من القارة الأفريقية تلتزم بما أجمعت عليه دولها، وقد تأثرت كثيرا بالروح القدرية التي تمتع بها الدكتور «البرادعي» وشخصيته «الصوفية» دون تمسك بالمنصب أو لهفة عليه أو إلحاح في الوصول إليه،
وعندما جاء وقت التصويت حصل «البرادعي» علي أربعة وثلاثين صوتا من مجموع أعضاء مجلس محافظي الوكالة وعددهم خمس وثلاثون دولة حيث اكتفت «كوريا الجنوبية»- وقد كان لها مرشح منافس هو وزير البحث العلمي الأسبق في «سيول»- بالامتناع عن التصويت ولم تدعم مرشحها بالحد الأدني وهو تصويتها له، ويومها كان «ابن النيل» محط أنظار العالم كله وهو يتقدم نحو أكثر المناصب الدولية حساسية في العصر الحديث وهو منصب ظل يشغله علي امتداد السنوات العشر الماضية، وقد استطاع الدكتور «البرادعي» بحكمته وحصافته أن يرفع الحرج عن نفسه بحكم انتمائه للحضارة العربية الإسلامية التي ينظر إليها الغرب بكثير من الشك والحذر،
ومازلت أتذكر، في اتصال هاتفي تشرفت به مع رأس الدولة المصرية بعد فوز الدكتور «البرادعي» بعدة أيام، أنني سمعت من الرئيس حماسا شديدا له وتقديرا لتاريخه واحتراما لكفاءته وعندما أبلغت ذلك للدكتور «البرادعي» بدا متأثرا بتكريم بلاده له وقد ازداد ذلك التكريم بعدما حصل مع «الوكالة» علي «جائزة نوبل» للسلام، وما أكثر لقاءاتي مع الدكتور «البرادعي» وأسرتينا علي مائدة الطعام في مطعم تركي كنا نفضله وسط العاصمة النمساوية خلال عطلة نهاية الأسبوع،
وكثيرا ما تنقل الدكتور «البرادعي» بين العواصم النووية الساخنة شرقا وغربا بدءا من «بيونج يانج» وصولا إلي «القدس» مرورا «بطهران» وغيرها من مناطق التوتر النووي والنشاط الذري، ولست أنسي أبدا عندما زارني في مكتبي بالسفارة بعد انتخابه مديرا عاما للوكالة الدولية الذرية بأيام قليلة لكي يسلم لي جواز سفره الدبلوماسي المصري بعد أن أعطته «الوكالة» جواز سفر دولياً هو الأقوي من نوعه، ونحن لا ننسي موقفه قبل غزو العراق وبعده ولا نتجاهل شهادته العادلة تجاه البرنامج النووي الإيراني ولا ننسي لقاءه المهم مع «شارون» في العاصمة الإسرائيلية، وأتذكر أيضا كيف عرضت عليه بعد ذلك أرفع المناصب في بلاده فاعتذر شاكرا وآثر أن يواصل مهمته الصعبة في ظل الظروف الدولية الراهنة، إنه صديقي الذي أعتز به وبأسرته وأسعد بلقائه في كل زمان ومكان.
[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-01-09, 05:09 PM   #30
 
الصورة الرمزية okkamal

okkamal
المشرف العام

رقم العضوية : 2734
تاريخ التسجيل : Apr 2005
عدد المشاركات : 14,840
عدد النقاط : 203

أوسمة العضو
لاتوجد أوسمة لـ okkamal
رد: الدكتور مصطفى الفقى وهؤلاء


[align=center]صدام حسين

بقلم د.مصطفى الفقي ٢٢/ ١١/ ٢٠٠٧
لم تثر شخصية من الجدل - علي امتداد العالم كله في العقود الأخيرة - مثل شخصية «صدام حسين» فقد ملأ الدنيا وشغل الناس وسيطر لسنوات علي أحاديث البشر في أركان الدنيا الأربعة، وإذا كانت الأغلبية تري فيه دكتاتورًا دمويا وحاكمًا مستبدًا فإن ما عرفته عنه من قرب يضيف إلي ذلك انطباعات مختلفة وآراءً متباينة،
فقد كان الرجل في اجتماعاته الرسمية وجلساته العادية ودودًا لطيفًا لايبدو فارغ العقل أو محدود المعرفة بل كان شأنه شأن معظم البعثيين الذين تربوا في مدرسة الجدل السياسي وارتبطوا بالفكر القومي، ومازلت أذكر في أحد الاجتماعات الرسمية بين الوفدين المصري والعراقي في أحد قصور «صدام» ببغداد أن وجدناه يقف فجأة ليحرك ستارة النافذة قائلاً (إن أشعة الشمس مركزة علي مقعد الدكتور «أسامة الباز»)
فعل ذلك في بساطة أمام ضيوفه ومعاونيه، كما رأيته أيضًا يقف وفي يديه عباءة عراقية يضعها علي أكتاف الرئيس «مبارك» في ود ومحبة شديدين ولا عجب فلقد كانت مصر والمصريون إحدي نقاط ضعف الرئيس المشنوق «صدام حسين» ففيها عاش بعض سنوات حياته وارتبط بشوارع «الدقي» ومقاهي «القاهرة» وظل حتي نهاية عمره يحمل لها أجمل الذكريات وقد انعكس ذلك بشكل ملموس في معاملته لمعظم المصريين المقيمين في العراق أثناء سنوات حكمه، ومازلت أتذكر ما جري لي ذات يوم في «بغداد»
ونحن نجلس علي مائدة الطعام المشترك للوفدين الرئاسيين المصري والعراقي حيث كان مقعدي علي طرف المائدة المستطيلة كأصغر عضو في الوفد المصري فإذا بالرئيس «مبارك» - وهو معروف بتواضعه وبساطته ومداعبته لمساعديه ورفاق العمل معه - ينظر إلي ويقول ( هل أكلت بطيخ أم لا؟) فلقد كان يعرف شيئًا عن غرامي بتلك الفاكهة الشعبية وعندما سمعه الرئيس «صدام» يقول ذلك وقف يحمل الطبق الكبير بالبطيخ مناديا بعض الخدم قرب المائدة قائلاً (إن الدكتور «مصطفي» يبغي البطيخ)،
وعندما وقف الرئيس الراحل «صدام» وقف الوفد العراقي كله معه وشعرت بحرج شديد بينما الرئيس «مبارك» يبتسم مما جري هو وأعضاء الوفد المصري وأنا أتمتم بعبارات الشكر والثناء وأريد لهذا الموقف أن ينتهي في أسرع وقت، وفي ظني أنه لا يمكن أن تصدر مثل هذه التصرفات إلا عن شخص لديه حس إنساني وشهامة وكرم شديد وكثيرًا ما سألت نفسي كيف يكون ذلك الرجل هو ذاته الذي يشرف علي وجبات الإعدام وحفلات الموت،
ويقتل بمسدسه الشخصي أحيانًا! ولكن يبدو أن كثيرًا من الطغاة لم يكونوا رجال عنف واستبداد فقط ولكن كانت لديهم بضاعة أخري في أوقات مختلفة منها الفكر العميق والقدرة علي الجدل وسبر أغوار الناس، وربما كان الرئيس الراحل هو واحد من ذلك الطراز حيث كان ضعيفًا أمام بعض أصدقائه القدامي ورقيقًا مع المرأة ومعتزًا بذاته إلي أبعد الحدود،
أما عن تقديره لمصر ووعيه بمكانتها فإنني أظنه أكثر حكام العراق الحديث في هذا الشأن باستثناء حكم عائلة «عارف» - الراحلان «عبد السلام» و«عبد الرحمن» - وهما يحسبان علي زعامة «عبد الناصر» القائد العربي أكثر من ارتباطهما بمصر الدولة والشعب وفي هذا السياق فإن «صدام حسين» يعتبر شيئًا مختلفًا، ومازلت أتذكر أن الدكتور «أسامة الباز» قد ذهب يومًا من القاهرة إلي بغداد حاملاً رسالة شفهية من الرئيس «مبارك» إلي الرئيس «صدام حسين»
قبيل زيارة محددة للرئيس المصري إلي «باريس» حيث يتمتع بدلال شديد علي رؤسائها خصوصًا «ميتران» ومن بعده «شيراك» وقد كانت زيارة المبعوث المصري إلي الرئيس العراقي في أوج اشتعال الحرب العراقية الإيرانية وقد فوجئ الدكتور «الباز»
بالرئيس العراقي ينتحي به جانبًا عند مدخل حديقة القصر ويطلب منه أن يتكرم الرئيس «مبارك» بالحديث مع صديقه الرئيس «ميتران» للإفراج عن صفقة أسلحة فرنسية مشتراة من العراق فأبدي الدكتور «الباز» دهشته قائلاً للرئيس العراقي (إن معلوماتنا يا فخامة الرئيس أن علاقتكم وثيقة للغاية بفرنسا خصوصًا من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية)،
فرد عليه الرئيس «صدام» بأن (ذلك قد يكون صحيحًا ولكنهم هناك في باريس لايثقون فينا كثيرًا، وينظرون إلينا أحيانًا باعتبارنا قبائل ترفع علمًا وتختار رئيسًا، أما نظرتهم لمصر فهي مختلفة إذ إن مصداقية الكنانة لديهم ولدي غيرهم تفوق ما عداها لذلك فإنني أريد أن يكون الرئيس «مبارك» - بثقل مصر ومكانته الشخصية - وسيطًا لنا في هذا الأمر)،
هكذا كان ينظر «صدام حسين» إلي مصر شعبًا وحكومة وقائدًا ورغم ذلك لم يستمع إلي نصائح الرئيس «مبارك» الشفهية والمكتوبة بعد غزوه للكويت، وأنا شخصيا شاهد علي عشرات الرسائل المكتوبة من «مبارك» إلي «صدام» والتي حمل بعضها سفير العراق في القاهرة حينذاك الصديق «نبيل نجم»
ولو أن «صدام» أخذ بنصيحة «مبارك» لتجنب العراق وربما المنطقة كلها جزءًا مما نعانيه الآن، وسوف يظل مشهد إعدام هذا الرجل فجر يوم عيد الأضحي مأساة إنسانية مروعة ظهرت فيها شجاعة إنسان صلب أمام جلاديه وبرزت قوة أعصابه علي نحو غير مسبوق، ثم يبقي بعد ذلك حسابه في النهاية بما له وما عليه عند خالقه وحده، فهو الآن في رحاب الله.

البابا شنودة الثالث

بقلم مصطفى الفقى ١٥/ ١١/ ٢٠٠٧
إذا كان تاريخ الكنيسة القبطية يتحدث عن البابا «كيرلس الرابع» باعتباره «أب الإصلاح»، فإن تاريخ الكنيسة القبطية سوف يتحدث قطعًا عن البابا «شنودة الثالث» باعتباره «أب الهوية الوطنية الحديثة للأقباط». وفي ظني أن ذلك الحبر الجليل قد دخل بوابة التاريخ من الزاوية الوطنية وليس فقط الزاوية الدينية.
فالرجل مُسيس حتي النخاع وهو ضابط سابق بالقوات المسلحة، وصحفي وشاعر عرف جوانب الحياة المصرية قبل أن يدخل سلك الرهبنة ويعلو فيه حتي أصبح أسقف التعليم والمشرف علي «مدارس الأحد»، في ظل قداسة البابا الناسك العابد الزاهد «كيرلس السادس» الذي رحل عن عالمنا بعد رحيل الرئيس «عبد الناصر» بشهور قليلة فاقترنت رئاسة الرئيس «السادات» للدولة المصرية برئاسة البابا «شنودة الثالث» للكنيسة القبطية، بعد انتهاء عصر «عبد الناصر - كيرلس» الذي اتسم بالهدوء الكنسي حيث تراجعت الأحداث الطائفية، إذ إن عصر «عبد الناصر» رغم ضعف المؤسسات الديمقراطية فيه وأحادية التنظيم الشعبي وظهور فلسفة الاستفتاءات الموسمية بديلاً للانتخابات العامة فإن توجهاته الوطنية العلمانية قد اكتسحت أمامها رواسب التعصب الديني والمخاوف الطائفية.
ويرجع الفضل إلي البابا «شنودة الثالث» في دفع الأقباط إلي الساحة القومية بشكل غير مسبوق حتي إن الجماهير العربية تلقبه «بطريرك العرب» بمساندته القوية للقضية الفلسطينية، لذلك كان الرئيس الراحل «ياسر عرفات» حريصًا علي زيارة البابا كلما سنحت له الفرصة أثناء وجوده بالقاهرة، ويكفي أن نتذكر أن قراره بمنع زيارة الأقباط للقدس إلا مع إخوانهم المسلمين بعد التسوية العادلة للقضية الفلسطينية إنما هو قرار - مهما اختلفت الآراء في تقييمه - يصب في خانة التوجه القومي لبابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
ولقد ربطتني بقداسته علاقة قوية بدأت منذ عملي السابق في المؤسسة السيادية الأولي حيث كنت مبعوثًا إلي قداسته في كثير من المناسبات والأزمات، وامتدت مهمتي تلك في ظروف تالية لخروجي من تلك المؤسسة بحكم قربي من الكنيسة القبطية نتيجة تخصصي الدراسي في شؤونها من جامعة «لندن» منذ قرابة أربعين عامًا، وأتذكر أنني أوفدت ذات مرة إلي قداسة البابا طالبًا تزكيته لمن يري من الشخصيات القبطية للتعيين في «مجلس الشوري» - وكان ذلك في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي - ففوجئت به يملي علي أسماء لبعض المسلمين يتقدمهم الراحل الدكتور «فرج علي فودة» قائلاً ليس يعنيني من هو المعين بدينه ولكن ما يهمني هو إيمانه بالوحدة الوطنية ونبذه التطرف ودعوته للمحبة والتسامح.
وفي مرة أخري حدثني قداسته عن شؤون الأقباط في وعي وطني كامل، بل إنني حضرته مرة وهو يسجل شرائط لإرسالها إلي أقباط المهجر يدعوهم فيها إلي الاعتدال والتوقف عن مهاجمة وطنهم وضرورة فهم ظروفه وعدم الانسياق وراء الشائعات الكاذبة والمعلومات المغلوطة.
ولقد وصلت محبة هذا الرجل العظيم لدرجة أنه حكي لي تفاصيل خلافه مع الرئيس الراحل «السادات» دون مرارة أو حقد، فمثله لا يعرف مشاعر البغضاء، بل تفضل وشرح لي أيضًا أسباب خلافه مع الأنبا «متي المسكين» في موضوعية واحترام، ويكفي أن أقول هنا إنه قد بلغ من احترام دولة مثل المملكة العربية السعودية له درجة إلحاح الأمير «سلمان بن عبد العزيز» علي أن يكون البابا «شنودة الثالث» موجودًا في حفل افتتاح معرض «الرياض اليوم» الذي أقيم في «القاهرة» منتصف الثمانينيات من القرن العشرين، رغم القطيعة الدبلوماسية بين «القاهرة» والعواصم العربية.
وأشهد أن «الرئيس مبارك» رحب يومها بتلك الدعوة واستجاب للمطلب السعودي لكي يكون البابا «شنودة» في مقدمة الحاضرين بعد فترة وجيزة من عودته من منفاه الاختياري في خلوته الروحية بالدير في أعقاب أزمته الشهيرة مع الرئيس الراحل «أنور السادات»، الذي كان هو الآخر خريج مدارس الأقباط بشهادته في أكثر من مناسبة.
كما أن علاقة «البابا شنودة» بالدولة الشقيقة «الجماهيرية الليبية» قد انتقلت مائة وثمانين درجة من التحفظ والفتور إلي درجة منح البابا جائزة «القذافي» منذ سنوات قليلة وذلك بفضل حكمته وحصافته وذكائه السياسي وتوهجه الفكري. ويملك «البابا شنودة» روحًا ساخرة فقد كنت أحدثه ذات مرة عن دول الجوار فقال لي «إن هناك الجار وهناك أيضًا من استجار!» وهو يستخدم تعبيرًا آخر يقول لقد تحدثت مع شخص ما «فماً لأذن» تدليلاً علي المباشرة والوضوح، وهو صاحب الدعابة الشهيرة حول تنظيم «التكفير والهجرة» عندما اعتبر ذلك دافعًا لغيرهم في «التفكير في الهجرة».
أما عن وطنيته الأصيلة فتكفيه عبارته الشهيرة «إن مصر ليست وطنًا نعيش فيه ولكنها وطن يعيش فينا». أما عن ثقافته الإسلامية فهي مصدر دهشتي فقد كان ينادي سكرتيره أثناء جلوسنا ويطلب منه أحد كتب التراث ليستخرج من صفحاته إشارة إلي آيات قرآنية بعينها أو وقائع محددة جرت في التاريخ الإسلامي، وأنا أظن مخلصًا أن «البابا شنودة» قد حمي مصر من كثير من الأزمات الطائفية وكبح جماح الانفعالات الدينية، ولقد تعاملت معه خلال كل أزمات الكنيسة ووجدته حزينًا ولكن في هدوء، متأثرًا ولكن في إطار الوطنية المصرية، لذلك لم يكن غريبًا أن امتدت شعبيته بين الأقباط والمسلمين علي حد سواء،
ويكفي أن يتذكر بعض الأقباط الذين يصفونه بالتشدد والصرامة، وأنه هو ذلك البابا الذي تشكلت في عهده الطويل الشخصية القبطية المعاصرة في العالم، فقد جلس علي الكرسي البابوي وللأقباط بضع كنائس في الخارج والآن يتجاوز عددها العشرات في الدولة الأجنبية الواحدة، بل إن دول الخليج العربي الإسلامي استقبلت الكنيسة القبطية في عهده كما لم يحدث من قبل، وهو البابا الذي التقي به رؤساء الدول في كل مكان حل به
ولقد شهدت بعيني وأنا أستقبله في مطار «فيينا» كيف كان «رئيس جمهورية المجر» ينتظره علي الحدود النمساوية المجرية لأن البابا المصري كان هو ضيف الشرف في الاحتفال بألفية أقدم دير في الدولة المجرية، ولا عجب فمصر هي التي اكتشفت الرهبنة وعرفت التوحيد واحتضنت ديانات السماء، فتحية لقداسة «البابا شنودة» المواطن المصري «نظير جيد» قدر ما قدم لأمته ووطنه وطائفته من أعمال جليلة سوف تبقي دائمًا في ضمير التاريخ المعاصر للكنيسة القبطية المصرية.[/align]


okkamal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مصطفى , الدكتور , الفقى , وهؤلاء


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
موقع الدكتور طارق سويدان احلام ضائعة الكمبيوتر والتقنية 10 06-05-11 05:54 PM
مصطفى لطفي المَنْفَلُوطي حسين الحمداني شخصيات وحكايات 6 02-11-08 01:20 AM
كيف ألغيت الخلافة ؟ دموع القمر أوراق ثقافية 5 26-08-07 08:44 AM
مصطفى كمال اأتاتورك لوس كلاريتا شخصيات وحكايات 3 12-04-07 04:03 AM
الدكتور عبد العزيز الرنتيسي في سطور مس لاجئة زهرة المدائن 10 31-01-07 12:56 PM


الساعة الآن 09:47 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.

زهرة الشرق   -   الحياة الزوجية   -   صور وغرائب   -   التغذية والصحة   -   ديكورات منزلية   -   العناية بالبشرة   -   أزياء نسائية   -   كمبيوتر   -   أطباق ومأكولات -   ريجيم ورشاقة -   أسرار الحياة الزوجية -   العناية بالبشرة

المواضيع والتعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي منتديات زهرة الشرق ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك

(ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر)